واشنطن- لا يوفر الدستور الأميركي آلية قانونية أو سياسية سلمية للولايات الراغبة في الانفصال عن الدولة الاتحادية، وأكدت المحكمة العليا عام 1869 في قضية "تكساس ضد وايت" أن "الاتحاد غير قابل للانفصال، وأن الولايات ليس لها الحق في الانفصال من جانب واحد أو من تلقاء نفسها".

وتوفر المادة الرابعة بالدستور، في قسمها الثالث، طريقة وشروط قبول ولايات جديدة ضمن الاتحاد، ولكنها لا تتناول طريقة انفصال ولاية إذا ما رغبت في ذلك.

ومن هنا، يتطلب تحقيق ذلك تعديلا دستوريا، وهي عملية معقدة تشترط موافقة ثلثي أعضاء مجلسيْ النواب والشيوخ، والتصديق عليها من قبل 3 أرباع الولايات الخمسين، وهو ما يستحيل عمليا في ظل الاستقطاب السياسي الذي يعصف بالحياة السياسية الأميركية.

غير أن ذلك لم يوقف تطلع بعض الفئات في بعض الولايات لفكرة الاستقلال والانفصال عن الاتحاد الأميركي، وتعزز ذلك بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب لفترة حكم ثانية، وتبنيه أجندة يمينية متشددة، مما دفع لتجديد الفكرة عند بعض نخب كاليفورنيا أكبر الولايات وأكثرها ليبرالية للانفصال عن الاتحاد الأميركي.

وعلى سبيل المثال، تهدف مبادرة "كالإيكزيت" إلى وضع قضية انفصال كاليفورنيا ضمن بطاقة الاقتراع بالانتخابات القادمة للتجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2026.

إعلان

إرث من العداء

تتميز العلاقة بين ترامب وكاليفورنيا بالتوتر وبخلافات حول مختلف القضايا، بما يعكس انقسامات أيديولوجية عميقة بين إدارة الرئيس الفدرالية وحاكم الولاية التقدمي جافين نيوسوم.

وتأتي السياسات البيئية والمناخية على رأس القضايا الخلافية، فلطالما دافعت كاليفورنيا عن مبادرات المناخ، وهو ما يتعارض جذريا مع موقف إدارة ترامب، كما برزت مؤخرا خلافات حادة حول التجارة والتعريفات الجمركية إثر فرض تعريفات واسعة النطاق بشكل كبير، بما يؤثر سلبا على اقتصاد الولاية.

وتعد "سياسات الهجرة" و"الملاذات الآمنة" من القضايا الساخنة في مواجهة الطرفين، حيث توفر قوانين الولاية الملاذ الآمن لملايين المهاجرين غير النظاميين، في الوقت الذي تضغط فيه إدارة ترامب كي تتعاون شرطة الولاية مع سلطات الهجرة بالتشديد وتطبيق القوانين.

ومن جانبه، لا يُخفي الرئيس ترامب ازدراءه لكاليفورنيا وقيمها التقدمية، ويعتبرها يسارية اشتراكية، ويقول بعض خبراء جامعة كاليفورنيا إن ترامب ربما يخطط لهجوم على كاليفورنيا يمتد من قطاعات الصحة العامة والمناخ إلى الهجرة والطاقة والتعليم.

ويملك ترامب القدرة على قطع الأموال للبرامج المهمة للولاية، بهدف الضغط من أجل إجراء تغييرات في السياسة المحلية بكاليفورنيا، بما يسهم في دعم التيارات المحافظة والجمهورية بها.

ويتذكر سكان كاليفورنيا أنه أثناء أزمة حرائق الغابات المروعة التي عصفت بالولاية نهاية العالم الماضي وبداية العام الحالي، قام ترامب بمهاجمة حكام الولاية الديمقراطيين بدلا من تقديم كلمات العزاء والدعم، وألقى باللوم عليهم في اندلاع الحرائق.

وخلال حملته الرئاسية الثانية، اتهم ترامب الديمقراطيين بتدمير كاليفورنيا وجعل سان فرانسيسكو مدينة غير صالحة للعيش، كما أدعى أن سياسة الولاية "المجنونة" تسببت بارتفاع التضخم والضرائب وأسعار الغاز وأعداد المهاجرين غير النظاميين.

حاويات شحن مكدسة بميناء لونغ بيتش بكاليفورنيا بعد فرض إدارة ترامب الرسوم الجمركية (الفرنسية) لماذا كاليفورنيا؟

تعد هذه الولاية صاحبة رابع أكبر اقتصاد عالمي، إذ بلغ ناتجها المحلي الإجمالي العام الماضي ما يقرب من 4.1 تريليونات دولار، ويأتي ترتيبها بعد كل من الولايات المتحدة والصين وألمانيا، وقبل بقية اقتصادات العالم بما فيها دول ضخمة مثل الهند واليابان وبريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا والبرازيل.

إعلان

ويقترب عدد سكان الولاية من 40 مليون نسمة، مما يعكس تنوعا سكانيا فريدا، وتمتلك اقتصادا قويا ومتنوعا يشمل الصناعات الرئيسية كالتكنولوجيا والترفيهية والزراعية والتصنيعية.

يُذكر أن كاليفورنيا موطن "وادي السيليكون" مركز الإبداع التكنولوجي الأميركي، وبالإضافة إلى أنها توفر نسبة ضخمة من الإنتاج الزراعي الأميركي، وتلعب موانئها -مثل ميناء لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو- دورا محوريا بالتجارة الدولية.

ومن الناحية السياسية، تصوت كاليفورنيا للديمقراطيين، وفي انتخابات عام 2024 حصل ترامب فقط على نسبة 38% من الأصوات فيها، وبشكل عام تبقى الولاية معقلا للديمقراطيين والتيار اليساري، وهو ما يضعها في مواجهة مباشرة وفي صراع حاد مع كل ما يتخذه ترامب من قرارات ومواقف.

ويرى هنري برادي أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيركلي بمنطقة سان فرانسيسكو أن الجمهوريين "يعتبرون كاليفورنيا وحشا ويجب معاقبتها في كل شيء" ورغم أنها انضمت للاتحاد الأميركي عام 1850 فإنه وبعد كل هذه السنوات يرى تيار واسع من سكان الولاية أن كاليفورنيا وأميركا قد انجرفا بعيدا جدا عن بعضهما البعض.

أدوات كاليفورنيا القانونية

خلال فترة ولاية الرئيس ترامب الأولى، رفعت كاليفورنيا أكثر من 120 دعوى قضائية ضد إدارته، متحدية السياسات المتعلقة بالهجرة واللوائح البيئية والرعاية الصحية، وفازت بما يقرب من ثلثي هذه القضايا، مما شكل سابقة لإستراتيجياتها القانونية الحالية.

وقبل أيام، رفع حاكم كاليفورنيا دعوى قضائية لمنع ترامب من فرض تعريفات شاملة. وقال إنه "لن تتأثر أي ولاية أخرى بذلك أكثر من كاليفورنيا" وأضاف نيوسوم أن "الدعوى القضائية تتحدى سلطة الرئيس ترامب في فرض رسوم جمركية شاملة، وهو ما أشعل حربا تجارية عالمية".

وتجادل هذه الدعوى بأن استخدام ترامب قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة -لفرض تعريفات جمركية على المكسيك وكندا والصين بنسبة 10% وعلى جميع الواردات- تصرف "غير قانوني" حيث يمكّن القانون الرئيس من تجميد المعاملات ردا على التهديدات الخارجية، وهو ما يتوفر في الحالة الراهنة.

إعلان

وتجادل كذلك في أن سن مثل هذه التعريفات يتطلب موافقة الكونغرس، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الدعوى تعد الـ14 من نوعها في أقل من 3 أشهر ترفعها كاليفورنيا ضد إدارة ترامب.

واتجه حاكم الولاية إلى القضاء، بعدما فشلت مطالبته البيت الأبيض بإعفاء صادرات كاليفورنيا من "التعريفات الانتقامية" التي فرضها ترامب.

حركات احتجاجية ضد سياسة ترامب في لوس أنجلوس بكاليفورنيا (رويترز) توجهات أخرى

يتزعم ماركوس رويز إيفانز حركة "كالإيكزيت" الانفصالية التي تشبه مثيلتها البريطانية، والتي سبق أن نجحت في إخراج لندن من الاتحاد الأوروبي.

ويكرر إيفانز أن "قيم كاليفورنيا مختلفة تماما عن القيم الأميركية، وقد ظلت على هذا النحو فترة طويلة".

ويضيف "إذا انتهى الأمر للطرح في بطاقة الاقتراع ووافق عليه الناخبون، فلن يعني ذلك في الواقع انفصال كاليفورنيا الفوري، وسيؤدي ذلك إلى إنشاء لجنة رسمية لدراسة جدوى كاليفورنيا كدولة مستقلة".

وبعيدا عن المسار القضائي، لا يبقى إلا مسار الثورة والانفصال باستخدام القوة، لكن البروفيسور هنري برادي لا يعتقد أن انفصال كاليفورنيا يمكن أن يحدث أو سيحدث في المستقبل القريب. ومع ذلك، يقول إنه "من الناحية الاقتصادية، يمكن لكاليفورنيا أن تكون ولاية غنية ناجحة مستقلة، في حين أنه سيكون ضارا جدا للولايات المتحدة أن تخسر كاليفورنيا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إدارة ترامب وهو ما

إقرأ أيضاً:

لاغارد تعلق على أنباء سعي ترامب لإقالة رئيس الفدرالي الأميركي

الاقتصاد نيوز - متابعة

أعربت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، اليوم الثلاثاء، عن أملها في ألا يكون احتمال إقالة رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، مطروحاً على طاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وقالت لاغارد، لشبكة CNBC عند سؤالها عما إذا كان هذا السيناريو يُمثل خطراً ملموساً على الأسواق، قالت لاغارد: "آمل ألا يكون كذلك بالتأكيد... آمل ألا يكون كذلك".

وفي حديثها على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قالت لاغارد، لشبكة CNBC، إنها لن تُعلق على تداعيات حدث على السوق، تأمل "ألا يكون مطروحاً".

ويُكثف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضغط على رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، لخفض معدلات الفائدة، مُحذراً من أن الاقتصاد الأميركي قد يتباطأ في حال عدم القيام بذلك.

كان باول أشار بدوره الأسبوع الماضي إلى أن حرب ترامب التجارية قد تُؤثر سلباُ على النمو وتُؤجج التضخم. لم يُشر إلى توقعاته بشأن مسار معدلات الفائدة في المستقبل، لكنه أشار إلى أنه "في الوقت الحالي، نحن في وضع جيد يسمح لنا بانتظار مزيد من الوضوح قبل النظر في أي تعديلات على سياستنا".

وعيّن ترامب باول خلال ولايته الرئاسية الأولى، لكنه يبحث الآن ما إذا كان من الممكن قانونياً إقالة رئيس الاحتياطي الفدرالي قبل انتهاء ولايته.

ويختلف البنك المركزي الأوروبي والبنك الاحتياطي الفدرالي بشأن السياسة النقدية.

ويُخفض البنك المركزي في منطقة اليورو معدلات الفائدة باستمرار مع اقتراب التضخم من هدفه البالغ 2% وضعف النمو الاقتصادي في المنطقة. في غضون ذلك، يُبقي الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة ثابتة في الولايات المتحدة هذا العام، بعد أن أجرى ثلاثة تخفيضات متتالية بين شهري أيلول وكانون الأول من العام الماضي.

وخفض البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة الأسبوع الماضي بمقدار 25 نقطة أساس إضافية، ليكون هذا التخفيض الثالث له في عام 2025، والتخفيض السابع له منذ أن بدأ تخفيف السياسة النقدية الصيف الماضي. 

وفي بيانه بشأن السياسة النقدية، حذر البنك المركزي الأوروبي من ضعف توقعات النمو المرتبط بعدم اليقين في التجارة العالمية الذي تسببت فيه سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية.

تداعيات الرسوم الجمركية

فيما يتعلق بتأثير سياسة الرسوم الجمركية، قالت لاغارد إن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم سيتضح لاحقاً، وأن البنك المركزي الأوروبي لا يستطيع الجزم به في الوقت الحالي.

وأضافت لاغارد: "نتجه نحو تحقيق هدف البنك المركزي الأوروبي للتضخم البالغ 2% في 2025".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • كبير مساعدي وزير الدفاع الأميركي يغادر منصبه
  • بعد كاليفورنيا.. 12 ولاية أمريكية ترفع دعوى قضائية ضد رسوم ترامب الجمركية
  • النائب الأميركي كوري ميلز يحمل رسالة من الشرع إلى ترامب
  • أميركا تنتفض .. 12 ولاية تطعن أمام القضاء ضد رسوم ترامب الجمركية
  • باتشيكو وبوطيب ونداي.. الزمالك في دوامة القضايا الدولية والجمهور يدفع الثمن
  • توتر الأسواق العالمية يدفع بأسعار النفط والذهب إلى الصعود
  • الدولار يقفز بعد تراجع ترامب عن اقالة رئيس الفيدرالي الأميركي
  • انتكاسة قضائية ثانية لترامب في مسعاه لإغلاق إذاعة صوت أميركا
  • لاغارد تعلق على أنباء سعي ترامب لإقالة رئيس الفدرالي الأميركي