تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تنشر البوابة نيوز مقطعًا من رواية صلاة القلق للكاتب محمد سمير ندا والصادرة عن منشورات مسكيلياني والتي فازت بالجائزة الكبرى للجائزة العالمية للرواية العربية.

من أجواء الرواية 

أنا كاتب الجلسات..

أعفاني الله من عثرات الكلام يوم وضع لساني في يدي لاستبدال بالمنطوق المكتوب وواقع الأمر أن الكتابة توفر كل صنوف العناء، إذ تعلب المرء التردد واللعثمة، وتحرّره من سطوة نظرات المستمع.

خلف الورق تتوارى مشاعر وتختبئ دموع وتحتبس صرخات ربما كان لها أن تشتت الأسماع، وفوق ذلك تُرتّب الأحداث، وتكتسي الحكاية بالهدوء.

جربت كل شيء، مضيتُ والوطن جنين ينبض في أحشائي، لم أعرف كيف ترسم حدود الأوطان بالألغام ولافتات التحذير والأسلاك الشائكة، ولأي غاية تسال من أجلها شلالات الدم بغير حساب وطني الذي أذكره اختطفه خليل ووطني الذي أصبو إلى معانقته ما يزال جنينا يتنقل بين حجرات الذاكرة، يبحث عن مخرج، عن وسيلة للتلامس عن مقصات تمزق الأسلاك الشائكة، وعن بندقية تطرد الظلال.

حاولت أن أواصل، أن أترك كل شيء خلفي، أن أحرق صحف الأمس أن أقر بتمام جنوني وسيلة للنسيان جاهدت، فخانتني كل الموجودات، إلا ذاكرتي ووجوه الشخوص التي ما انفكت تطالبني بالقص، وأنا مقصوص اللسان أتساءل وأنا أخط هذه الصفحات الأخيرة؛ أفلحت في تقمصهم وتلاوة حكايتهم، أم فشلت في ترضيتهم؟ هل بحث بما أرادوه، أم تسرب غضبي ومأساتي إلى كتابتي قصا ونهجا فأغفلت حدثًا أو أسقطت واقعة؟ ألحت على طيوفهم الحوامة حول وسادتي طويلا كي أطلق بين الأوراق لسان قلبي، أن أنشب أظافري وأسناني في ذيول الحكايات قبل أن تُطوى إلى الأبد، وها قد حاولت.

أنا إذن محرر السنة الصامتين، نزلاء العتمة والأسر الدائمين، أولئك الذين لم يتسولوا من الله سوى حفنة من الحقائق تهال على رؤوسهم كالسيل الذي اغرق ديار الجدود. أنا مدوّن الكلم غير المنطوق القادم من بلاد الصوت المسروق، الهارب من أرض الحلم الواحد الذي يوزع على النيام قسرا أنا المحكوم بالخرس أحكى، فهل نجوتم من أقدار الصمم حتى تسمعوا ؟

***

آراني أحمل السطل المعبأ بالطلاء الأسود، وعصا لففت طرفها بالقماش ارتد أغاني عبدالحليم حافظ إبان تسألي بين عيدان القصب حذو ترعة طالما اتسعت لبوح الناس، فما أفشت سرا، وما ضاقت بتكرار الكلم. أتسأل وأنا ألف شال أمي الأزرق على وجهي، أقفز بين الحجارة والزرع والضفادع، والترعة نحيلة تطفو على صفحتها أعشاب وطحالب خضراء وورود سوداء.

قل منسوب الترعة عقب انتشال جثمان النساج، بدت حزينة بعدما دنسها الموت، وقد انشقت لتجلب الحياة إلى النجع، إلا أنها عادت يوم تسألي إلى عادتها في ابتلاع الأسرار، فما عكست ظلّي على صفحتها، ولا كشفت مروري حلوها.

غُرست بذرة الخوف في الصدور منذ زمن بعيد، ظل القلق المتجسد يغذي جذورها، ومخزون الحكايات الممنوعة يرويها فكبرت وترعرعت، حتى كادت تقتلني خنقا. كنتُ أعرف أن لا فرصة لي في الخلاص ما لم يجتثها أمل عظيم بالتحرر، لذا كان من الحتمي أن يبتدئ العبور بفضح المستور.

هكذا ولد رد فعلي عقب إضافة عبد الحليم حافظ إلى لائحة المفقودين. لسبب ما قررت أن أنبش الماضي وأحرّر حكاياته، لعل السماء المكتظة بتوسلات الداعين تنقشع غيومها فتكشف عن صفاء يكسو قبتها، بعدما تصب مطرها أدعية ودموعًا، وشجونا.
فطرت منذ سنوات على استقبال المطر بالشجن، زخاته الرتيبة تستدعى ارق مشاهد الطفولة، وأعذب الضحكات وأصفى الأوقات التي زينتها ضحكات أمي. يكسو الندى أوراق الشجر ويبلل سطح الفرن والمصطبة، فيتجسد طبق أمى مع أول خيط من نور يلامس طرف ثوبها رأيتها فى حلمى تخرج بصعوب من سرداب مخفي تحت التمثال الجائم على مدخله، كان سجانها أراد أن يمنع عن جثمانها الضوء الدافئ ونسيم الفجر. وتصورتها مرارًا تقف أمام الفرن فور عودتها، تشير إلى أن أقبل تجاهها، ثم تمنحني ابتسامة تبتلع كل الحزر الموجود في النجع.

تبتهج الوجوه كلها بضفاف بسمة أمي، في مقلتيها يعود الجنود من الجبهة، يذوب التمثال وينصهر أسفل قدميها، تنفجر الألغام وتصدر دويا خافتا. تمتد المعابر حاملة الناس إلى ما وراء الكثبان، يرقص العم زكريا النساج ابتهاجا بعودة بنيه، وينهض الأطفال المعيبون من القبور ويهرعون صوب دورهم وشواهي ترقص في الأزقة فتنمحي الكتابات عن الجدران، وتعود الألوان إلى رسومات الكعبة على جدران العائدين من الحج: الحياة برمتها يعاد تشكيلها في عيني أمي؛ يوم تعود.

تمسك بيدي وتمضي بي بين الزروع، تتوغل في الغيطان، ويدها الباردة تقبض على كف الصغير الذي كنته، أحاول تدفئة كفها بكلتا يدي ولا أفلح فتمنحني نظرة تبث الدفء في أوصالي.

تجلس على حافة القنان، يدور الشادوف فور أن يلامسه ظلها، الدراسة تشرع في فصل الغلة عن القشور، والطاحون يدور على مقربة من مجلسها الرحى في البيوت تدور، والصوامع تمتلئ بالغلال أقضي النهار برفقتها، وصوت عبد الحليم حافظ يمنح لقياها بهجة.

تفتر حرارة الشمس رويدا، تشير إلى أمي أن أوان الرواح قد أن، أبكي فتتسع بسمتها، وتضيء بعينيها طريق العودة. شيئًا فشيئًا استشعر ملمس الرمل في كفي، تذوب كلها كحفنة من تراب، وطيفها يضحي أكثر شفافية حتى أكاد لا أميزه أقبض بيدي على ذرات التراب المتسربة من بين أصابعي، أضغط ما تبقى من كفها، أحاول أن احتضنها، لكن كل شيء يذوب، حتى تتهاوى أمام ناظري كدفقة من غبار.

افترش الأرض التي امتصتها منذ لحظات، أحاول إزاحة التمثال لعله يخفي سردابا كذاك الذي رأيته في الحلم، لكني كنت طفلا، والتمثال ضخم، مقبض كمسخ دميم صنع لترويع الأطفال. أتساءل بينما أراقبه؛ لماذا لا يتحرك الآن في واحدة من جولاته التي يحكي عنها الناس؟ أفكر؛ ربما على أن انتظر حتى يتحرك، فاتمكن من تحريك قاعدته، ثم أحفر الأرض بحثًا عن بقايا الحلم القديم.

كم سنة مضت على غياب أمي؟ أهربت كما يُشاع؟ وما الذي يدفع أما مثلها على هجراني؟ أتراها مأسورة في عدم احاطها به خليل عقب ثورتها الأولى والأخيرة؟

أتذكر مشاجرتها مع خليل، وتشابكهما باليد واللسان صراخه الذي واد صرخاتها، أكانت وقتذاك تستغيث أم كانت بي تستجير؟ لم أعرف ما فعلت ولم أعِ ما استوجب. الشجار العظيم. جمعتهما في البدء مشادة بدت مألوفة، وما بلغني من شذرات حديثهما دار عن اكتشافها أن الراديو غير معطوب، وأن قرص ساقيته أخفي عن قصد بمعرفة خليل، وأن المذيع تحدث عن موت جمال عبدالناصر منذ أيام. لماذا يتعارك رجل مع زوجته بمثل هذه الضراوة لأن عبدالناصر قد مات؟!

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الجائزة العالمية للرواية العربية البوابة نيوز المكتوب الكتاب جائزة العالمية للرواية العربية

إقرأ أيضاً:

ياسر سليمان: الجائزة العالمية للرواية العربية أصبحت المنصة التي يلجأ إليها الناشر الأجنبي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور ياسر سليمان رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية في بداية كلمته بحفل الاعلان عن الجائزة الكبري مرحبا بالحضور قائلا:" مرحبا بالحضور في هذا الحفل  الخاص بالاعلان عن الفائزة بالجائزة الكبرى بالجائزة العالمية للرواية العربية في عاملها الثامن عشر، مقدما التحية لاصحاب الروايات الست الذين وصلت روايتهم إلى القائمة القصيرة للجائزة. 
مواصلة الدرب 
مناشدا الناشرين العرب إلى ضرورة  مواصلة الدرب في بناء صناعة ااكتاب العربي على نحو يرتفع بالثقافة العربية.


نوداي القراء 


ولفت إلى أن الجائزة أصبحت تحظى باهتمام القراء الغربين  والقراء في الثقافات الأخري وان الجائزة أصبحت المنصة الاولى ومحط أنظار الناشر الأجنبي والقارئ الأجنبي فهي تعد بمثابة البوصلة التي تشير إلى الأدب العربي. 


وانطلاقا من هذا الفهم اتقدم بالشكر لكل نوادي القراء قائلا:" كما تقدم بالشكر لنوادي القراءة في كل مكان والتي باتت جزء كبيرا من نجاح الجائزة العالمية للرواية العربية وما تقدمه هذه النوادي الأدبية أصبحت شريك كبير في الجائزة في عملية الترويج للأعمال الأدبية كما وجه الشكر للكاتبة رولا البنا وما تقدمه من جهد في تنظيم. الكثير من الفعاليات الثقافية التي نوقشت فيها اعمال القائمة القصيرة.

 
كما تقدم بالشكر لمركز أبو ظبي للغة العربية على دعمه الكبير للجائزة والدكتور على بن تميم  ، والدكتور بلال الاوفلي، كما تم بالشكر لأعضاء لجنة التحكيم وعلى رأسهم الدكتورة منى بيكر، واطلاع اللجنة بدورها بروح. 


مختتما كلمته بمقوله:" وأما الزبد فيذهب هباء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. 


وبدأ منذ قليل، توافد الأدباء والكتاب ومجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025 وذلك بحضور الدكتور ياسر سليمان رئيس مجلس أمناء الجائزة والدكتور على بن تميم رئيس مركز أبو ظبي للغة العربية والداعم للجائزة، والأدباء الست الذين ترشحو القائمة القصيرة وهي  أحمد فال الدين، وأزهر جرجيس، وتيسير خلف، وحنين الصايغ، ومحمد سمير ندا ونادية النجار.


ومن المقرر أن يتم الإعلان عن الفائزة بالجائزة الكبرى، بعد قليل  في أبو ظبي.

مقالات مشابهة

  • «صلاة القلق» تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2025
  • بعد فوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية سمير ندا لـ البوابة نيوز: "انفكت اللعنة عن المصريين"
  • محمد سمير ندا: رواية صلاة القلق رفضت من 6 دور نشر مصرية
  • مصري يفوز بجائزة البوكر العربية عن رواية صلاة القلق
  • فوز الكاتب المصرى محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية
  • فيلم تسجيلى عن وادي الفراشات.. وتكريم أزهر جريس بالجائزة العالمية للرواية العربية
  • تكريم الكاتب الموريتاني أحمد فال الدين بالجائزة العالمية للرواية العربية
  • ياسر سليمان: الجائزة العالمية للرواية العربية أصبحت المنصة التي يلجأ إليها الناشر الأجنبي
  • بدء الاستعدادات لحفل إعلان الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية بأبوظبي.. صور