السلوك والتربية في «قناطر الخيرات» بين الفقه والتصوف
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
ما زال كتاب «قناطر الخيرات» للعلامة الجيطالي قادرا على أن يفتح حوارا حيّا رغم مضي سبعة قرون على تأليفه، وهو ما استظهره ثمانية باحثين متخصصين في الندوة التي نظمتها مؤخرا كلية العلوم الشرعية، وحملت عنوان: «مباحث أصول الدين فـي كتاب قناطر الخيرات للعلامة الجيطالي»، ناقشوا فيها الجوانب العقدية والفكرية والتربوية فـي هذا الكتاب.
وفـي كلمته الافتتاحية، أشار سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي، الأمين العام لمكتب الإفتاء إلى أهمية علم أصول الدين، باعتباره الركيزة التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية الصحيحة، مبينًا أن مفردات هذا العلم تشمل الإلهيات والنبوات وما يتفرع عنهما من مباحث عقدية وعملية، كما استعرض دور الإمام الجيطالي فـي توظيف هذه المفاهيم فـي كتابه «قناطر الخيرات»، والذي يعد مرجعًا مهمًا فـي التفسير العقدي والسلوكي للعبادات وأركان الإسلام.
الجوانب الفكرية والسلوكية للجيطالي
وتناولت الندوة الجوانب الفكرية لحياة الإمام أبي طارق إسماعيل بن موسى الجيطالي، مشيرة إلى نشأته العلمية وتنقلاته بين قرى جبل نفوسة، وتتلمذه على يد كبار العلماء فـي تلك الحقبة، وركّزت المداخلات على اهتمام الجيطالي بالجانب السلوكي والتربوي، إذ اعتبر البعض أن التصوف عنده لم يكن كما هو عند المتصوفـين الآخرين، بل كان تصوفًا أخلاقيًا وسلوكيًا يتجلى فـي الزهد الحقيقي والابتعاد عن الحرام والاكتفاء بالحلال.
وسلطت الندوة الضوء على محنة الإمام الجيطالي فـي مدينة طرابلس، حين تعرض للحسد من بعض الأعيان بسبب مكانته العلمية، وهو ما أدى إلى التضييق عليه، ورغم ذلك، واصل الإمام الجيطالي جهوده العلمية والدعوية، حيث ركز على نشر الوعي بأصول الدين ومحاربة الغش والفساد، مما أكسبه تقديرًا واسعًا بين تلامذته والمجتمع المحيط به.
ووفقًا لما طرح فـي الندوة، فإن كتاب «قناطر الخيرات» يمثل خلاصة فكر الإمام الجيطالي، حيث جمع فـيه بين الأصول العقدية، والسلوك التربوي، والمعاملات الإسلامية، مما يجعله كتابًا جامعًا بين الفقه والتصوف وأصول الدين، وقد أشار بعض المشاركين إلى أن الجيطالي استعان بأحاديث ضعيفة فـي بعض المواضع، إلا أن منهجه التربوي جعل من الكتاب مرجعًا معتمدًا فـي فهم علم السلوك.
قراءة تعريفـية فـي شخصية الجيطالي
وقدّم الدكتور خالد سعيد تفوشيت ورقة بحثية بعنوان «التعريف بالشيخ الجيطالي وبكتابه قناطر الخيرات»، ركز فـيها على المحورين الأساسيين: سيرة الإمام الجيطالي وتحليل كتابه قناطر الخيرات.
استعرض الباحث نسب الإمام، وهو أبو الطاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي الجباري النفوسي، المنسوب إلى جبل نفوسة بليبيا، وتحديدًا إلى بلدة الرحيبات، لم يثبت المؤرخون تاريخًا دقيقًا لمولده، إلا أن بعض المصادر رجحت وفاته فـي حدود سنة 737 هـ، نشأ الإمام الجيطالي فـي بيئة علمية وتربوية، وتنقل بين قرى جبل نفوسة مثل زبورة وفرسطاء، وتلقى علمه فـي مدرسة التروج المشهورة، التي خرّجت علماء أمثال أبي عامر الشنيقي، واتبعت منهجًا تربويًا صارمًا يقوم على التأمير والتأليف.
بيّن الدكتور تفوشيت أن الجيطالي جمع بين العلم والتجارة، وكان رجلًا ميسور الحال، وقد عُرف بورعه وشدة تمسكه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أنه ترك بعض القرى عندما لم يتمكن من التصدي للمنكر فـيها، كما أكد على مكانته العلمية الكبيرة، حيث لُقّب بـ«فـيلسوف الإسلام»، وكان مرجعًا علميًا فـي مجالات متعددة.
أما كتابه «قناطر الخيرات»، فقد كُتب فـي سياق الانقسامات والفتن التي سادت عصره، فكان بمثابة دعوة إصلاحية تهدف إلى توجيه الناس للتمسك بالدين، ومواجهة الغفلة والانشغال بالدنيا، قسم الإمام الجيطالي كتابه إلى 17 قنطرة، تمثل مراحل عبور الإنسان إلى السعادة الأخروية، بدأت بـ«قنطرة العلم»، تليها «قنطرة الإيمان»، ثم «الصلاة»، و«الصيام»، و«الزكاة»، و«الحج»، وتفرعت القناطر الأخرى لتشمل جوانب سلوكية وتربوية متعددة.
واختتم الدكتور تفوشيت ورقته بتوصيات تشجّع على مزيد من البحث والتحقيق فـي تراث الجيطالي، مشيرًا إلى أهمية العناية بعلمه الذي يجمع بين الفقه، وأصول الدين، والأخلاق، ويشكل نموذجًا للتكامل بين المعرفة والعمل.
الأبعاد التفسيرية
وضمن أعمال الندوة، ألقى الدكتور سعيد بن سليمان الوائلي ورقة بحثية بعنوان: «الآراء التفسيرية لأبي طاهر الجيطالي من خلال كتابه قناطر الخيرات»، تناول فـيها البعد التفسيري عند الجيطالي، مبينًا حضوره فـي هذا المصنّف الجامع رغم أنه ليس كتابًا مخصصًا فـي علم التفسير.
وأشار الدكتور الوائلي إلى أن العلماء غالبًا ما يتناولون معاني الآيات فـي مواضع الاستدلال والاستشهاد فـي مؤلفاتهم، وهو ما يُبرز آراء تفسيرية ذات قيمة علمية، وهو ما يتجلى فـي كتاب قناطر الخيرات، حيث نجد للجيطالي اجتهادات تفسيرية تُظهر فقهه بالنص القرآني وتوظيفه له فـي سياقات متعددة.
وأوضح أن الدراسة تضمنت تمهيدًا ومبحثين وخاتمة، تناول المبحث الأول الآراء التفسيرية فـي مجال العبادات، كالصلاة والصيام والزكاة والحج، فـي حين خصص المبحث الثاني للآراء التفسيرية فـي مجال الأخلاق والمعاملات.
وفـي استعراض لبعض النماذج، بيّن أن الجيطالي فـي حديثه عن الصلاة، فسر قوله تعالى: «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا» بأنها «فرضٌ محدد بوقت»، كما تناول قوله تعالى: «فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة،،،» بأنهم أضاعوا حدودها ومواقيتها، مستشهدًا بقول عمر بن عبد العزيز، كما قدّم تفسيرًا لقوله تعالى: «وثيابك فطهر»، على أنه تطهير معنوي يشمل القلب، لا مجرد الظاهر.
وفـي باب المعاملات والأخلاق، أشار الوائلي إلى أن الجيطالي لم يجمع كل الآيات ذات الصلة، وإنما اقتصر على ما يخدم موضوعه، وفسر الكلمات القرآنية التي استشهد بها، مستعينًا أحيانًا بأقوال المفسرين، أو من خلال الرجوع إلى التفسير بالمأثور، وأقوال الصحابة والتابعين، مع الإشارة إلى أسباب النزول عند الحاجة.
كما نوه الباحث إلى تأثير الغزالي فـي كتاب الجيطالي، مما يعكس انفتاحه على مصادر علمية من مذاهب مختلفة، مؤكدًا أن الجيطالي يُعدّ من العلماء الذين جمعوا بين الفقه والتفسير والتربية، وأظهروا عناية دقيقة بالقرآن الكريم فـي مؤلفاتهم العامة.
واختتم الدكتور الوائلي مداخلته بالتأكيد على أهمية دراسة هذا الجانب من إنتاج الجيطالي، داعيًا إلى مزيد من البحوث التي تُعنى بتتبع الرؤى التفسيرية فـي مؤلفات العلماء الموسوعيين، لما لها من أثر فـي فهم تطور الفكر الإسلامي.
العلاقة بين أعمال الباطن والتدبر فـي التلاوة
وقدّمت كل من الدكتورة صبيّة بنت عبد الرشيد البلوشية والدكتورة مارية بنت عبد الله الدهمانية ورقة علمية بعنوان: «العلاقة بين إعمال الباطن والتدبر فـي التلاوة من خلال كتاب قناطر الخيرات للجيطالي»، ركزتا على مفهوم إعمال الباطن فـي التلاوة، وعلاقته الوثيقة بالتدبر، من خلال رؤية الإمام الجيطالي كما وردت فـي مؤلفه.
وأوضحت الباحثتان فـي ورقتهما أن تدبر القرآن الكريم هو غاية عليا من غايات التلاوة، كونه السبيل إلى الفهم العميق لمعانيه والعمل بمقاصده، بما يحقق آثاره فـي إصلاح الفرد والمجتمع، واستشهدتا بقوله تعالى: «كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب»، مشيرتان إلى العناية الكبيرة التي أولاها علماء الأمة الإسلامية لهذا المفهوم تنظيرًا وتأصيلًا.
وتناولت الورقة الدور البارز للإمام الجيطالي فـي بيان أهمية حضور القلب أثناء التلاوة، وذلك من خلال قنطرة «العبادة» فـي كتابه «قناطر الخيرات»، حيث أفرد فـيها فصلًا بعنوان «الباطن فـي التلاوة»، أرسى فـيه منهجًا يعزز استخبار المعاني الباطنية للآيات وتفعيل أثرها فـي وجدان القارئ وسلوكه.
وأكدت الباحثتان أن الإمام الجيطالي بنى رؤيته على نقدٍ لمنهج الإمام الغزالي فـي «إحياء علوم الدين»، وأوضح أن التلاوة الصحيحة لا تقتصر على النطق بألفاظ القرآن، بل تشمل حضور القلب، وتفاعل النفس، وفهم المعاني، والتأثر بها، معتبرًا أن هذا هو «إعمال الباطن»، وهو شرط أساسي لتحقيق التدبر والخشوع.
وعددت الورقة عشرة مقومات أساسية لأعمال الباطن، اقتبسها الجيطالي من الإمام الغزالي، وهي: فهم عظمة كلام الله تعالى، تعظيم المتكلم سبحانه وتعالى، حضور القلب وترك حديث النفس، التدبر بوصفه المقصد الأول من التلاوة، التفاهم مع المعاني الباطنية، التخلّي عن موانع الفهم كالتقليد والتعصب والذنوب، التخصيص بأن يرى القارئ نفسه المخاطَب بالقرآن، التأثر القلبي بمعاني الآيات، الترقي من الفهم إلى مقام المشاهدة، التبري من تزكية النفس والخوف من العُجب، وبحسب الباحثتين، فإن الإمام الجيطالي استمد منهجه من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن سير السلف الصالح، ليجعل من «إعمال الباطن» لبًّا فـي تلقّي القرآن الكريم، وربطه ربطًا وثيقًا بمفهوم التدبر، فـي صورة تكاملية تربط بين المقومات الوجدانية والإدراكية والسلوكية.
واختتمت الورقة بالتأكيد على أن أعمال الباطن تُعدّ جزءًا أصيلًا من التلاوة الصحيحة، وأنه لا يمكن تحقق التدبر، إلا بحضور القلب واستحضار المعاني والتأثر بها، مشيرتان إلى أن التكامل بين أعمال الباطن والتدبر يُنتج فهمًا توحيديًّا عميقًا للقرآن الكريم، ينعكس على سلوك المسلم وأثره فـي المجتمع.
الصناعة الحديثية
كما ألقى الدكتور حاتم بن رشيد السيابي ورقة بحثية بعنوان «الصناعة الحديثية فـي كتاب قناطر الخيرات للإمام الجيطالي»، وقد قسّم البحث إلى مبحثين، فـي المبحث الأول، تناول الدكتور السيابي منهج الإمام الجيطالي فـي كتابه «قناطر الخيرات»، مشيرًا إلى أن الإمام الجيطالي اعتمد على الاختصار والتسهيل فـي تناول مسائل الفقه وتوضيح قواعد الإسلام، كما أوضح أنه فـي كثير من الأحيان تجنب تكرار ما جاء فـي مؤلفات الإمام الغزالي، مفضلًا الاختصار لتقديم الفائدة دون التوسع فـي تفاصيل قد تكون خارج إطار الموضوع.
أما المبحث الثاني، فكان مخصصًا للصناعة الحديثية فـي كتاب الإمام الجيطالي، حيث أشار إلى أن الإمام الجيطالي قد أولى اهتمامًا كبيرًا بالأحاديث النبوية فـي كتابه، واستشهد بالعديد منها فـي مختلف الأبواب الفقهية، كما تطرق إلى مفهوم السنة عند الإمام الجيطالي، وبيّن أنه استخدم مصطلحات متعددة مثل «الحديث»، «الأثر»، و«المسند»، وكان حريصًا على توظيف الأحاديث فـي كتابه بالشكل الصحيح.
علاوة على ذلك، كشف السيابي عن منهج الإمام الجيطالي فـي التعامل مع الأحاديث المتعارضة، حيث كان يقوم بجمع الأحاديث المتعارضة فـي باب واحد ويبين الاختلافات أو يوفق بينها بما يتوافق مع قواعد الشريعة، كما استعرض استشهادات الإمام الجيطالي بالأحاديث الضعيفة فـي مواضع من الكتاب، مشيرًا إلى أن هذا كان مقبولًا فـي حالات معينة، خاصة عندما يتعلق الأمر بفضائل الأعمال التي لا تمس الأحكام الشرعية.
وأشاد الدكتور السيابي بكتاب «قناطر الخيرات» كمصدر جامع بين أعمال الظاهر والباطن، معتمدًا على السنة النبوية وعلوم الحديث بشكل بارز، واختتم ورقته بتوصية الدارسين والباحثين بالعناية بدراسة الأحاديث الواردة فـي الكتاب، نظرًا لأن بعض المحققين الذين قاموا بتحقيق الكتاب لم يكونوا متخصصين فـي علم الحديث، ما أدى إلى ضعف تصنيف الأحاديث وتضعيف بعض منها رغم صحتها.
مذاهب العلماء فـي العمل بالحديث الضعيف
وقدم الدكتور منصور محمد أحمد يوسف ورقة بحثية بعنوان «مذاهب العلماء فـي العمل بالحديث الضعيف فـي كتاب قناطر الخيرات»، حيث تناول فـي ورقته مسألة العمل بالحديث الضعيف، والتي كانت محورًا للجدل بين العلماء، خاصة فـيما يتعلق بما ورد من أحاديث ضعيفة فـي كتاب «قناطر الخيرات» للإمام الجيطالي، قدم الدكتور يوسف دفاعًا عن الإمام الجيطالي، مبينًا سبب استخدامه لهذه الأحاديث الضعيفة، واستعرض مذاهب العلماء فـي هذا الشأن.
بدأ الدكتور يوسف بالإشارة إلى أن العمل بالحديث الصحيح هو الأصل، كما ورد فـي كلام الإمام السالمي فـي «جواهر النظام»، الذي أكد على ضرورة الالتزام بكتاب الله وسنة النبي الصحيحة، ولكنه أشار إلى أن الإمام الجيطالي تأثر بشكل واضح بكتاب «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي، وهو كتاب كان له تأثير كبير فـي انتشار التصوف فـي تلك الفترة، وبين أن الإمام الجيطالي، رغم تأثره بهذا الكتاب، كان حريصًا على استخدام الأحاديث الضعيفة فـي كتابه، لكنه ذكر أن هذه الأحاديث ليست على سبيل القطع بالصحة، بل استخدمها فـي باب الترغيب والترهيب والفضائل.
كما أشار الدكتور يوسف إلى أن الإمام الجيطالي علل اختياره لاستخدام هذه الأحاديث الضعيفة بأنه اعتبرها مفـيدة فـي تحقيق الأجر، خاصة عندما تكون فـي سياق العمل والاجتهاد، وقال إن الحديث الضعيف قد يؤدي إلى أجرين: أجر حفظ الحديث وأجر الطاعة فـيه، حتى وإن كانت صحته محل شك، هذا الاجتهاد من الإمام الجيطالي يتوافق مع مذهب بعض العلماء الذين يجيزون العمل بالحديث الضعيف فـي فضائل الأعمال.
واستعرض الدكتور يوسف المذاهب المختلفة فـي التعامل مع الحديث الضعيف، حيث قسم الحديث الضعيف إلى أنواع، منها الضعيف جدًا والذي لا يجوز العمل به، ومنها ما هو ضعيف لوجود بعض الأوهام فـي السند، وهذا يمكن تقويته باستخدام طرق أخرى، وأوضح أن جمهور المحدثين يجيز العمل بالحديث الضعيف فـي فضائل الأعمال بشرط ألا يكون شديد الضعف أو موضوعًا (أي مكذوبًا).
اختتم الدكتور يوسف ورقته بالتأكيد على أن الحديث الضعيف يمكن أن يُعمل به فـي مجالات الفضائل، مثل الترغيب فـي الأعمال الصالحة، ولكن يجب التعامل معه بحذر وعدم الاعتماد عليه فـي مسائل العقيدة أو الأحكام الشرعية.
تهذيب النفس وحل إشكالاتها
وشارك الدكتور أحمد حسين جودة بورقة بحثية بعنوان «تهذيب النفس وحل إشكالاتها بإزالة العوائق وقطع العوارض والقوادح: فوائد وفرائد من خلال كتاب قناطر الخيرات»، حيث قدم تحليلًا عميقًا لأفكار الإمام الجيطالي فـي كتابه «قناطر الخيرات»، مع التركيز على كيفـية تهذيب النفس وإزالة العوائق التي تعترض سبيلها.
بدأ الدكتور جودة بالحديث عن العنوان، موضحًا أنه ليس من اختياره الشخصي بل جاء بناءً على مشورة أعضاء القسم ومع عميد الكلية، وهو يعكس الجانب التربوي والفكري الذي كان يرغب فـي تسليط الضوء عليه، وقد تطرق الدكتور إلى مفهوم العوائق، مشيرًا إلى أنها تمثل المشاكل والسلبيات التي تؤخر الإنسان أو تفسد عليه مسيرته، مثل أمراض القلوب واللسان والبصر، وأوضح أن «قناطر الخيرات» يسعى إلى تجاوز هذه العوائق التي تمنع التقدم فـي الحياة الروحية.
ثم تناول الدكتور جودة مفهوم «العوارض»، وهي ليست سلبية كما العوائق، بل هي ما يعرض للإنسان من مشاعر أو أفكار قد تكون مباحة أو معجبة، لكن قد تشتت انتباهه عن هدفه، تحدث عن كيفـية التعامل مع هذه العوارض فـي الحياة اليومية، مؤكدًا أن المسلم يجب أن يلتزم بالتسليم لله فـي كافة أموره ويؤمن بالقضاء والقدر.
أما بالنسبة للقوادح، فقد أوضح أنها تمثل العوامل التي تؤثر فـي سلوك الإنسان بشكل سلبي، مثل الرياء والنفاق، وهذه تشكل عوائق حقيقية فـي الطريق الروحي للإنسان.
واستعرض الدكتور جودة كيف تناول الإمام الجيطالي مسألة تهذيب النفس فـي «قناطر الخيرات»، مستدلًا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، وبين أن تهذيب النفس يبدأ من داخل الإنسان ويشمل جميع جوانب حياته: من القلب إلى اللسان والبصر، بل وحتى البطن، وأكد أن الإسلام يركز على تهذيب النفس من خلال تقوى الله والعمل الصالح، مشيرًا إلى أهمية التوبة كوسيلة رئيسية لتطهير النفس.
واختتم الدكتور جودة ورقته بالتأكيد على أهمية الاقتداء بالأئمة مثل الغزالي والجيطالي فـي سعيهم لتهذيب النفس، مع الإشارة إلى أن العلم يجب أن يكون متكاملًا، حيث يتعلم المتأخر من المتقدم ويضيف له، كما أشار إلى أن الإمام الجيطالي لم يكن مجرد فقيه بل كان مربيًا ومعلمًا يسعى لتوجيه الناس إلى الله وتعليمهم كيف يتعاملون مع عوائق الحياة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ورقة بحثیة بعنوان القرآن الکریم الدکتور یوسف الدکتور جودة بالتأکید على فـی التلاوة العلماء فـی التعامل مع مشیر ا إلى فـی کتابه بین الفقه وأوضح أن من خلال وهو ما کتاب ا منهج ا على أن
إقرأ أيضاً:
بعد فتوى «الهلالي».. هل الحجاب قاصر على الصلاة فقط؟ دار الإفتاء تحسم الجدل
أكد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الحجاب ليس عبادة مؤقتة أو مرتبطة فقط بأداء الصلاة، بل هو تكليف شرعي دائم للمرأة المسلمة متى وُجد رجال أجانب في محيطها، سواء في المنزل أو الطريق أو وسائل المواصلات، وليس كما يعتقد البعض أنه فقط أثناء الوقوف بين يدي الله في الصلاة.
وقال أمين الفتوى، في إجابته عن سؤال: «هل الحجاب قاصر على الصلاة فقط»: إن «كلمة (المؤمنات) في الآيات القرآنية لا تعني أن الالتزام بالحجاب خاص فقط بوقت العبادة أو الصلاة، هذا فهم خاطئ تمامًا، الحجاب لا يُلبس فقط في المسجد أو أثناء الصلاة، بل هو فريضة تشمل كل حياة المرأة خارج بيتها أو في وجود رجال أجانب حتى داخل البيت».
وتابع: "في عهد الصحابة، النساء كُنّ يرتدين الحجاب في الطرقات، في الأسواق، وهنّ ذاهبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، ولم يكن الأمر محصورًا في الصلاة، بل على العكس، كُنّ يخرجن من بيوتهن بالحجاب، ويعدن به، ويقضين حاجتهن به، وهو ما يدل على أنه زيّ دائم وليس موسميًا".
وأضاف: "العلماء في كتب الفقه تناولوا مسألة الحجاب في كل الأبواب، مش بس في باب الصلاة، بل أيضًا في الحج والعمرة، في الزواج، في الخطوبة، في الرضاعة، في العدة، حتى في القضاء عند الشهادة أمام القاضي، وذكروا بالتفصيل ما يجب ستره وما يجوز كشفه".
وأكد أن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن: "الحجاب الشرعي الواجب هو ستر كل جسد المرأة ما عدا الوجه والكفين، وهذا ما نص عليه جمهور العلماء، وهو ما ينبغي الالتزام به، اتباعًا لأمر الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم".
وتابع: "ضيقنا النظرة للحجاب بسبب ابتعادنا عن المنهج الصحيح، ولو عدنا إلى كتب الفقه، سنجد أن الحجاب قضية متكاملة وشاملة في حياة المسلمة، وليس فقط لباسًا للصلاة".
الحجاب وشروط صحة الصلاةأثار الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، في حكم الحجاب للمرأة المسلمة، قائلاً: إن كتب الفقه لم تتناول مسألة الحجاب إلّا كأحد شروط صحة الصلاة.
وأضاف سعد الدين الهلالي، خلال حواره ببرنامج «سؤال مباشر» على قناة «العربية»، إن كتب الفقه لم تتناول مسألة الحجاب إلّا كأحد شروط صحة الصلاة، والمرأة غير المحجبة تُحاسب يوم القيامة على نيتها، مضيفًا: مفيش باب اسمه حجاب المرأة في الشارع، وأنا لدي 100 مؤلف ونحو 800 أو 900 بحث منشور، وأسأل المتخصصين هل درس مذهب واحد من مذاهب الفقه مسألة حجاب المرأة في الشارع.
استنباط وتفسير من قبل العلماءوأوضح الدكتور سعد الدين الهلالي، أن عبارة الحجاب بالمعنى المتعارف عليه لستر المرأة ليست موجودة بصورة مباشرة في القرآن الكريم، وإنما هي استنباط وتفسير من قبل العلماء.
وواصل: المقصود بالحجاب، مستفسرًا عن سياقات مختلفة تتعلق بالمرأة المعنية.
وتساءل: «الحجاب إيه؟ حجاب المرأة ولا حجاب الرجل؟ المرأة المحرم ولا المرأة الأجنبية؟ المرأة الحرة ولا المرأة الأمة؟ المرأة الصغيرة ولا المرأة الكبيرة؟ المرأة المتجلة على مذهب الشافعية على مذهب المالكية ولا المرأة غير المتجلة الشابة؟ ولا قولي المرأة أنهي امرأة؟ المرأة القاعدة من القواعد؟ أي امرأة«.
وأكد الهلالي أن مفهوم المرأة في النصوص الدينية ليس مفهومًا واحدًا وثابتًا، بل يتضمن تنوعًا في الأحوال والصفات يستدعي تدقيقًا في فهم النصوص المتعلقة بها.
وطالب الدكتور سعد الدين الهلالي، بضرورة إعادة النظر في الاستنباطات الفقهية التي تم التوصل إليها عبر التاريخ بشأن مسألة الحجاب وتطبيقها على مختلف فئات النساء وظروفهن.
ونبه على أهمية التمييز بين النص القرآني الصريح والاستنباطات والتفسيرات التي قام بها العلماء عبر العصور، مشيرًا إلى أن فهمًا عصريًا للإسلام يتطلب إعادة تقييم بعض هذه الاستنباطات في ضوء المتغيرات الاجتماعية والثقافية المعاصرة.