بجسم نحيل وبلا أمل يلوح في الأفق؛ يصارع ع. م الموت في مركز علاج الأورام في مدينة شندي الواقعة على بعد 180 كيلومترا شمال العاصمة السودانية الخرطوم؛ في انتظار استكمال جرعاته التي توقفت بسبب النقص الحاد في محاليل وأدوية وأجهزة علاج السرطان وغسيل الكلى في المستشفيات والمراكز القليلة المتوافرة خارج الخرطوم.

ويعيش أيضا أكثر من 11 ألف من مرضى الفشل الكلوي المسجلين في السودان أوضاع صحية معقدة بعد أن تم تقليص عدد جلسات الغسيل في بعض المراكز إلى واحدة فقط بدلا من اثنين.

كما ارتفعت تكلفة الغسلة الواحدة في بعض المراكز الخاصة إلى أكثر من 100 ألف جنيه “نحو 200 دولار” وهو ما يشكل عبئا ماديا كبيرا على أسر المرضى في بلد يعيش فيه أكثر من 60 في المئة من السكان تحت خط الفقر. وتضاعفت خلال الفترة الأخيرة أسعار بعض الأدوية المكونة لجرعات علاج السرطان بأكثر من 10 مرات.

وفي الواقع؛ أجبر النقص الحاد في الأدوية والمحاليل الطبية والمقدر بنحو 90 في المئة العديد من المستشفيات والمراكز في عدد من مدن السودان على تقليص جلسات غسيل الكلى وجرعات الكيماوي بمقدار النصف، مما يعرض حياة الآلاف من المرضى لخطر الموت البطيء.

ويقول نجل ع.م لموقع سكاي نيوز عربية إن والده والآلاف من المنومين في المستشفيات السودانية يواجهون خطر الموت البطيء بسبب نقص الإمدادات الطبية الأمر الذي يشي بكارثة إنسانية كبيرة.
وكانت المستشفيات والمراكز الواقعة خارج العاصمة السودانية الخرطوم هي الملجأ الأخير لآلاف المرضى بعد أن أوقفت الحرب المستشفيات التي كانوا يتلقون فيها العلاج داخل العاصمة؛ لكن ومع استمرار القتال لنحو 5 أشهر بدأت المستشفيات والمراكز الموجودة خارج العاصمة تحتضر وسط صعوبات لوجستية وأمنية بالغة تعيق وصول الإمدادات.

ووفقا لصلاح الهدي مدير مركز علاج وأبحاث الأورام بشندي، فإن هنالك نقص شديد في الأدوية ومدخلات الجرعات الكيماوية ومواد ومستهلكات نقل الدم.

وأشار الهدى في تصريحات صحفية إلى انه وعلى الرغم من استقبال المركز أكثر من 600 مريض جديد بعد اندلاع الحرب ،إلا انه لم يتلقى أي نوع من الدعم الملموس خلال الاشهر الخمس الماضية. وأوضح “أعداد المرضى في تزايد مستمر لأن الحرب فرضت واقعا جديدا”.

ويقول الأطباء إنهم يعملون في ظروف قاسية، ففي حين يبذلون ما في وسعهم للحفاظ على حياة المرضى من خلال التدخلات الطارئة المتمثلة في منح المسكنات والصفائح الدموية، فإن هذه التدخلات تفي فقط لمعالجة المضاعفات أو الآلام المصاحبة للمرض، لكنها لا تحدث التقدم المطلوب في العلاج، في ظل عدم توفر جرعات الكيماوي.

وقبل الحرب كان السودان يعاني أصلا مت تدهور في الخدمات الصحية ونقصا كبيرا في الأدوية، حيث تشير بيانات رسمية إلى اختفاء أكثر من ألف صنف من نحو 1700 صنف مستخدمة، منها 160 من الأدوية المنقذة للحياة.

ويعمل العديد القليل المتوافر من الأطباء والكوادر الصحية ساعات طويلة في ظل النقص الحاد في الكوادر الصحية وتردي أوضاع المستشفيات السودانية، بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالقطاع الصحي.

سكاي نيوز عربية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المستشفیات والمراکز أکثر من

إقرأ أيضاً:

مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان

 

مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان

د. الشفيع خضر

وصلني عدد من التعليقات على مقالي السابقين تتساءل إن كنت لا أرى سببا آخر للحرب في السودان غير ما جاء في المقالين حول سعي مركز رأس المال العالمي لفرض هيمنته على سيادة البلاد الوطنية.

وبالطبع إجابتي المباشرة هي كلا، رغم أن الدوائر الخارجية لها دور رئيسي إن لم يكن في إشعال الحرب ففي استمرارها وعدم توقفها. فكما كتبت من قبل، أعتقد أن هناك عدة دول، في النطاقين الإقليمي والعالمي، لا ترغب في توقف حرب السودان وتريدها أن تستمر لبعض الوقت. ودليلي على ذلك عدد من المؤشرات، منها استمرار تدفق الأسلحة بكثافة عبر دول في الإقليم، دون أي نية أو اتجاه وسط الدوائر العالمية ذات القدرة لحظر ذلك، مما يعني تشجيع استمرار القتال، وأن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الدعم السريع، وكذلك جرائم القصف الجوي بطائرات القوات المسلحة والتي تطال المدنيين، لا تواجه برد الفعل المناسب من مراكز رأس المال العالمي. وأن هذه المراكز ظلت، في عدد من تقاريرها الرسمية، تتحدث عن أراضي السودان الحبلى بالمعادن الثمينة المطلوبة عالميا، ولكن ربما الأهم من ذلك تميزها بالخصوبة ووفرة المياه مما يجعلها من ضمن الحلول التي يعتمدها العالم للتغلب على أزمة الغذاء التي تضربه حاليا والتي ستصل القمة بحلول العام 2050. وذات التقارير توصف السودان بالدولة الفاشلة والتي تحتاج إلى إعادة تشكيل وإبدال، عبر الاستحواذ على أراضيها، ولو بالوكالة، لذلك فإن استمرار الحرب يعني استمرار الفشل مما يدفع بتفتت السودان إلى دويلات يسهل الهيمنة عليها. وأصلا يحتل السودان موقعا رئيسيا في مخطط إعادة تقسيم المنطقة على أساس مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يسعى لاستخدام الفوضى الخلاقة كآلية رئيسية لتنفيذ هذا المشروع وإعادة تقسيم المنطقة، والسودان في مقدمتها، إلى دويلات دينية ومذهبية ضعيفة ومتصارعة. ويعزز من ذلك موقع السودان الجيوسياسي، والذي جعله في مرمى صراعات الموانئ والممرات المائية الدولية والإقليمية، كأمن البحر الأحمر وأمن وادي النيل، وفي متناول تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي وسعي إسرائيل للتمدد إفريقيا. ومن الواضح أن استمرار الحرب واتساع رقعتها مستخدمة التهجير والنزوح القسري، وفي ظل غياب أي خطوات فعالة وملموسة من قبل المركز الرأسمالي الموحد لإيقافها، فيما عدا التصريحات والإدانات والرحلات المكوكية والمناشدات لطرفي القتال بوقف إطلاق النار، والعقوبات ذات التأثير الضعيف، كل ذلك يخدم هذا المخطط.

ظلت المشاحنات والاحتكاكات بين الطرفين، الصريح منها والمستتر، تتفاقم وتتبدى صراعا صريحا حول النفوذ والسلطة، وأخذ كل طرف يسعى للاستقواء بحلفائه

 

لكن كل هذا الحديث عن دور العوامل الخارجية في اندلاع حرب السودان واستمرارها لا ينفي ولا يتناقض مع مجموعة العوامل الداخلية التي كلها تسهم بهذا القدر أو ذاك في استمرار أوار الحرب، ومنها:

لا يمكن اختزال سبب الحرب في الخلاف حول ترتيبات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. فقيادة الطرفين رضعتا من ذات الثدي، وصنعتا معا تاريخا مشتركا في دارفور وفي حرب اليمن، وتاريخا آخر أثناء ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وما صاحبها من أحداث جسام، بدءا بما جرى في 11 و13 أبريل/نيسان 2019 ومرورا بمذبحة فض اعتصام ميدان القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019 وانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما تتشاركان ذات العلاقة الخاصة مع حلفاء خارجيين، في الخليج العربي وفي شرق البحر الأبيض المتوسط. هذه السمات المشتركة، وغيرها كثر، كان من الممكن أن تجعل من الخلاف حول الترتيبات العسكرية أمرا يمكن معالجته بكل بسهولة، خاصة أن مسألة دمج القوات أصلا ليست بذلك التعقيد العصي على الحل. وعلى الرغم من ذلك، ظلت المشاحنات والاحتكاكات بين الطرفين، الصريح منها والمستتر، تتفاقم وتتبدى صراعا صريحا حول النفوذ والسلطة، وأخذ كل طرف يسعى للاستقواء بحلفائه. نشير إلى رفضنا لما ظلت تردده إحدى الدوائر الإقليمية في بدايات الفترة الانتقالية حول ضرورة حل الجيش السوداني باعتباره بؤرة للحركة الإسلامية وبناء جيش جديد أساسه قوات الدعم السريع.

وعلى عكس ما يروج له البعض من أحاديث مفخخة، فإن الحرب لم تندلع بسبب الخلافات حول الاتفاق الإطاري، وإنما اشتعلت لتحرقه ومعه مجمل العملية السياسية بصيغتها قبل الحرب، بل ولتصيب حراك الشارع بالشلل، تمهيدا لحرق ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وعودة تحالف الفساد والاستبداد إلى سدة الحكم، إما عبر عصابات الموت وكتم أنفاس الشعب، أو عبر عملية سياسية جديدة وفق صيغة «لا تستثني أحدا» في إشارة إلى حزب المؤتمر الوطني البائد.

صحيح أن فشل فترات الانتقال السابقة في السودان كان نتيجته انقلابات عسكرية، ولو بعد فترات ديمقراطية قصيرة فاشلة أيضا، ولكن كان واضحا أن الفشل في الفترة الانتقالية الأخيرة سيؤدي إلى نتائج تختلف نوعيا. فمنذ الإطاحة بالبشير والبلاد تعاني من حالة السيولة السياسية بسبب ما أصاب النخب السياسية من تشظ وتوهان وتخوين وعدم الاعتراف المتبادل بينها، وهو وضع ولغت فيه النخب حدا ظل يدفع الفترة الانتقالية بقوة نحو الفشل. وعند اقتران هذا الوضع بالنزاعات القبلية والعرقية الدامية المتفجرة في أنحاء البلاد المختلفة، وبالتوترات الناتجة من وجود عدة جيوش في البلاد، وبالاحتكاكات المتصاعدة بين قيادة الجيش السوداني وقيادة قوات الدعم السريع، فإن فشل الفترة الانتقالية لم يكتف هذه المرة باستدعاء الانقلاب العسكري، وإنما قذف بالبلاد في أتون الحرب المدمرة.

الحديث عن مسببات الحرب ليس ترفا نظريا، أو مجرد تمرين ذهني، وإنما ضرورة لبحث كيفية إيقافها. والصراع على السلطة، أو محاولات النظام البائد للعودة، هي من أسبابها الحقيقية، ولكن لا يمكن اختزال الأمر في هذه العوامل الداخلية وتجاهل أنها أيضا حرب ضد السيادة الوطنية وبهدف تقسيم السودان، كما ناقشنا في مقالينا السابقين. وإذا القوى المدنية تسعى فعلا للتوافق حول رؤية لوقف هذه الحرب، فأعتقد بضرورة انتباهها إلى هذه النقطة.

 

نقلاً عن القدس العربي

الوسومالجيش الدعم السريع السودان تقسيم السودان طبيعة الحرب

مقالات مشابهة

  • يعالج المفاصل ويحمي من الزهايمر والسرطان.. فوائد لن تتوقعها لتناول الباذنجان
  • أكثر من 20 ألف جراحة لاستخراج أعيرة نارية بالسودان
  • صرخات من خيام النزوح.. الشتاء يفاقم معاناة نازحي غزة
  • عنف السلطة ولعنة الذهب
  • سفارة السعودية في السودان توزع التمور للمتأثرين من الحرب
  • مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان
  • ما هو مخدر GHP وأبرز مخاطره؟
  • المملكة المتحدة تعلن حزمة مساعدات جديدة لدعم أكثر من مليون شخص في السودان
  • أبرز إنجازات مركز تحديث الصناعة والمراكز التكنولوجية خلال 130 يوم عمل
  • افتتاح دار ضيافة مرضى الأورام بكفر الشيخ |صور