يعتبر الشاعر السويسري كارل شبيتلر، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، أحد أكثر الأصوات الشعرية تعقيدًا وتفردًا في الأدب السويسري الحديث،  لم يكن شبيتلر مجرد شاعرٍ رمزي، بل كان مفكرًا وجوديًا مبكرًا، ينحت في اللغة مفاهيمه الخاصة عن الإنسان، القدر، والهوية.

ولد في بازل عام 1845، في زمنٍ كانت فيه أوروبا تموج بالتحولات الفكرية والسياسية، وكانت سويسرا في مفترق طرق بين هويتها الثقافية المتعددة وصراعاتها الداخلية الهادئة، في هذا السياق، نشأ شبيتلر كشاعر يبحث عن المعنى، لا في الأحداث السياسية، بل في أعماق النفس البشرية.

فلسفة شبيتلر في عصر الصخب الجماهيري

بينما كان معاصروه من الكتاب يتجهون نحو الواقعية والانخراط في القضايا الاجتماعية والسياسية، كان شبيتلر يبتعد عن كل ذلك بخطى ثابتة، آمن بأن وظيفة الشعر ليست في الانخراط اللحظي، بل في كشف جوهر الإنسان عبر الرمز والأسطورة.

في رائعته "ربيع أوليمبي" (Olympischer Frühling)، التي استغرق في كتابتها ما يقارب عشرين عامًا، استخدم الأساطير اليونانية ليتحدث عن قضايا إنسانية معاصرة، مثل الصراع بين الإبداع والتقاليد، وبين الحرية الفردية والإرادة الجمعية.

ليس من قبيل الصدفة أن يُلقّب بـ"شاعر الفردية"، إذ رأى أن الإنسان الحقيقي لا يُقاس بحضوره الجماهيري بل بقدرته على مقاومة الانصهار في المجموع، وعلى بناء نفسه ككائن مستقل.

ملحمة ضد التيار

في زمن كانت أوروبا فيه تتأرجح بين الحروب العالمية والصراعات الفكرية، وقف شبيتلر موقفًا معقدًا، لم يكن عدائيًا تجاه التغيير، لكنه رفض أن يُجرّ وراء العواطف الجماعية.

أعماله، خاصةً "كونراد الراعي" (Conrad the Shepherd)، عبّرت عن تشكيكه العميق في مفاهيم الانتماء الوطني عندما تتحول إلى عبادة جماهيرية، هذا الموقف وضعه أحيانًا في خانة "المنعزل"، لكنه هو نفسه كان يرى في ذلك نوعًا من الوفاء للصدق الإبداعي.

نوبل 1919.. تكريم لصوت داخلي

في عام 1919، حصل شبيتلر على جائزة نوبل في الأدب، بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، في وقت كان فيه العالم يلهث خلف أصوات تصالحية وروح نقدية، كانت لجنة نوبل قد أدركت أن في صوته المنعزل حكمة تحتاجها الإنسانية المدمّرة بالحرب: صوت الإنسان العاقل، المتأمل، الذي لا تذوب روحه في الجماهيرية.

مؤلفات شبيتلر

كان أول عمل شعري لشبيتلر هو الملحمة الأسطورية "بروميثيوس وإبيميثيوس 1881" أما ثاني أعماله هو الملحمة الشعرية "الربيع الأولمبي 1900-1905" وهو العمل الذي نال عنه جائزة نوبل في الأداب عام 1919، تم مراجعته مرة أخرى عام 1910، حيث وجد مجالاً كاملاً للاختراع الجريء والقوة التعبيرية الواضحة، وقد كرس السنوات الأخيرة من حياته لإعادة كتابة عمله الأول، وكان أكثر إحكامًا في التكوين من النسخة المبكرة، ومثل الربيع الأولمبي، في أبيات مقفاة، ظهر في عام 1924 تحت عنوان “بروميثيوس طويل المعاناة”

تنتمي الأعمال الهامشية المتنوعة على نطاق واسع إلى الفترة الوسطى من حياة شبيتلر، فقد أنتج في الشعر: "إكستراموندانا 1883" (سبع أساطير كونية من اختراعه)، 1896، الأمثال الأدبية 1892، ودورتين من كلمات الأغاني، و"الفراشات 1889"، أغاني العشب والجرس 1906، كما كتب قصتين "اثنان من كارهي النساء الصغار 1907"، وهي قصيدة طفولة مستوحاة من تجربته الخاصة؛ و"كونراد دير ليوتنانت 1898"، رواية قصيرة مكتملة درامية تناول فيها المذهب الطبيعي الذي كان يكرهه في السابق، وقد عكست رواية "إماجو 1906" الصراع الداخلي بين موهبته الإبداعية الرؤيوية وقيم الطبقة المتوسطة بشكل حاد لدرجة أنها أثرت على تطور التحليل النفسي، فقد نشر مجلداً من المقالات المحفزة بعنوان "أجراس الإنذار 1898 - 1909" بالإضافة إلى عمل آخر بعنوان "الحقائق الضاحكة"، والأعمال السيرية الساحرة، بما في ذلك "تجاربي الأولى 1914"، وفي عام 1914 نشر مقالاً مؤثراً سياسياً بعنوان: "موقفنا السويسري"، وهو كتاب موجه ضد وجهة نظر أحادية الجانب مؤيدة لألمانيا بشأن الحرب العالمية الأولى، ظهرت ترجمة إنجليزية لقصائده المختارة في عام 1928.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فی عام

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تؤكد سعيها لتعميق التعاون مع دول جزر الهادئ لضمان أمن المنطقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد نائب وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لانداو، اليوم الأربعاء، حرص بلاده على تعزيز التعاون مع دول جزر الهادئ في عدد من القضايا الاستراتيجية، بهدف دعم استقرار وأمن منطقة المحيط الهادئ.

جاء ذلك خلال لقائه بوفد رفيع المستوى من منتدى جزر الهادئ، حيث ناقش الجانبان سبل تطوير الشراكة في مجالات الأمن البحري، والتغير المناخي، والتنمية المستدامة، إلى جانب تعزيز القدرات المؤسسية لدول المنطقة.

وأشار لانداو إلى أن الولايات المتحدة تعتبر منطقة المحيط الهادئ عنصرًا محوريًا في استراتيجيتها الإقليمية، مؤكدًا التزام واشنطن بدعم سيادة واستقلال دول الجزر ومساعدتها في مواجهة التحديات الأمنية والبيئية المتزايدة.

ويأتي هذا اللقاء في إطار جهود الإدارة الأمريكية لتعزيز وجودها في المنطقة ومواجهة النفوذ المتنامي لقوى دولية أخرى، في مقدمتها الصين.

مقالات مشابهة

  • «خِلال وظِلال».. ديوان جديد يُضيء سماء الشعر العُماني
  • في ذكراه ال ١٥٥ كيف كان دور لينين في الثورة الروسية؟
  • الزمالك يرفع عرضه المالي لضم السويسري ديريك كوتيسا في صفقة سوبر
  • الولايات المتحدة تؤكد سعيها لتعميق التعاون مع دول جزر الهادئ لضمان أمن المنطقة
  • أحمد العرفج: كنت شاعر وتبت إلى الله.. فيديو
  • زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب جزر تونغا جنوب المحيط الهادئ
  • عفيفي: نجيب محفوظ شهد صراع الحركة الوطنية والاحتلال البريطاني وتأثر بثورة 1919
  • الدولار قرب أقل مستوياته خلال سنوات مقابل اليورو والفرنك السويسري
  • المجرم عبدالرحيم دقلو بدا محبطاً من تردد الحلو في إرسال قواته لإنقاذ مليشيات التمرد