#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 41 من سورة العنكبوت: “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”.
لما أن أراد الله للناس أن يؤمنوا به بقناعاتهم، فقد خصص أكثر من ثلث آيات كتابه الكريم لمخاطبة العقل، ولتقريب الفهم استعمل الأمثال، وهي المطابقة بين حالة مألوفة مفهومة للعقل، والحالة المطلوب استيعابها.
ولأن عقول البشر متباينة في الاستيعاب، لذلك خصص الله من الأمثال درجات متعددة في العمق، ففي الحالات البسيطة استعمل معها ما يوازيها من الأمثال، مثل مماثلة مضاعفة أجر من ينفق في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، أما الحالات المعقدة الفهم فاستعمل معها أمثلة عميقة تحتاج تبحرا في العلم مثل “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ..”.
مثل العنكبوت هو من نوع الأمثال العميقة، والتي تحتاج من البشر معرفة علمية متقدمة، لم يكن قد وصلوها زمن التنزيل، لذلك أرادها الله لاقناع البشر في مرحلة قادمة عندما يتأهلوا معرفيا لفهم أبعاد هذا المثل، والتي ما اكتشفوها ألا حديثا، ومنها:
1 – في قوله تعالى “اتخذت” بصيغة المؤنث، فما اكتشوا الا حديثا أن من ينسج الشبكة بهذا الإعجاز الهندسي الباهر هو الأنثى، وليس للذكر دور في ذلك.
2 – إن هذا البيت رغم متانة بنيانه انشائيا إلا أنه ضعيف هش وظيفيا، فهو لا يحقق متطلبات استقرار الأسرة، فالأنثى بعد أن تحصل على تلقيح الذكر تأكله، والبيوض بعد أن تفقس تأكل اليرقات الصغيرة أمها، فهذا البيت أوهن البيوت لأنه يفتقد الترابط الأسري والعلاقة الحميمية بين أفراده.
بالمقابل ضرب الله مثلا معاكسا للبيت المتين المنتج بحشرة أخرى هي النحل، فقال: وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ . ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [النحل:68-69].
ومن خلال المقارنة بين الحالتين نلاحظ الفارق:
1 – اتخاذ النحل بيته لم يكن اختيارا منه بناء على متطلب ذاتي كما العنكبوت(اتخذت)، بل بإيحاء من الله (اتخذي)، لذلك كان المنتج مختلفا، فقد نفعت النحل نفسها وأهل بيتها، كما قدمت نفعا للبشر أراده الله من انتاجها العسل.
وهنا لا بد من دحض فكرة العلمانيين المنكرين لوجود مدبر للكون، والتي تقول بأن النحل ينتج العسل تخزينا لطعامه فصل الشتاء ولليرقات الجديدة، وأن الانسان يسلبه ذلك المخزون، لكن ما ينتجه يفوق حاجته بعشرة أضعاف، فما الذي يدفعه لإجهاد نفسه بانتاج هذه الكمية الضخمة لولا أنه مسخر لذلك من قبل الخالق لأجل انتفاع الإنسان بهذا المنتج الذي لا يمكن أن يصنعه بذاته، بل هذه الحشرة تحديدا من بين كل الحشرات.
2 – اذاً فوظيفتها الهامة النافعة للبشر، لم تخترها بذاتها، بل بإيحاء من الخالق “اسلكي سبل ربك” أي ما هيأه لها من وسائل تهديها في غدوها ورواحها يوميا من غير ان تضل أو تتوه، ما زال العلم لم يكتشفها، وهذه السبل ذللها الله لها لتؤدي مهمتها الجليلة.
3 – نستنتج أن منهج الله يحقق التعاون المنتج للنفع العام، فيما منهج النفع الفردي عكسه، لذلك رأينا الغرب منبهر بمنهج العنكبوت، فبطلهم (سبايدرمان)، والشبكة العنكبوتية مثلهم الأعلى، وأسس الرأسمالية على منواله: الأقوى يأكل الأضعف بعد استنفاد النفع منه.
لكن هنالك طبقة أعمق في هذا المثل، وهي ما عناه تعالى بقوله: “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ” [العنكبوت:43]، أي مخصصة للعلماء الذين سيتوصلوا الى معرفة الإعجاز العلمي الكامن في هذا المثل.
ان استخدام لفظة (العالمون) وليست بصيغة جمع التكسير (العلماء)، لأنه يختلط فيهم المتقدم علميا وطالبوا العلم والباحثون، بينما جمع المذكر السالم (العالمون) مخصص للقمم ممن وصلوا درجة عالية من العلم، وهؤلاء استحقوا هذا اللقب لأنهم بالعلم عرفوا الله، وهو مصدر العلم الأساسي، فالعلم الذي يؤخذ من المصدر مطلق الصحة، بخلاف ما يؤخذ عن البشر أو بالتجريب، فهو ناقص أو غير مؤكد، وقد ينقضه باحث آخر. مقالات ذات صلة موقف عمومي 2025/04/23
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
الرقص على أشلاء البشر
أخيراً، اتضحت أهداف «ترامب» الحقيقية وتجلّت النزعة الداخلية في أعماق الرجل والتي تعكس ملامح الخطة المتأصلة لدى أروقة صنع القرار الأمريكية المترجمة للرغبات الصهيونية والتي تسعى إلى إبادة كل شيء في بلاد الإسلام والمسلمين، ولا ينجو منها إلا من سلّم الراية وقبل بأن يكون عميلاً خائناً وذنباً تابعاً يتلقى الأوامر من واشنطن ويافا .
هذه الحقيقة، وإن كانت مُزعجة وغير سوية، إلا أنها تتعزز كل يوم بمشاهد حية من خلال بنك الأهداف الذي حددته القيادة الأمريكية في بلادنا والذي انتهى إلى مقابر الموتى والأسواق الشعبية، فحتى الموتى أصبحوا هدفاً لهذا الترامب، ما يغيض ويزيد الأمر مرارة، أن أتباعه من المرتزقة والعملاء لا يزالون في غيهم، يؤكدون أن أمريكا تستهدف مخازن أسلحة وقيادات حوثية – بحسب زعمهم، هذا الزعم الخبيث الذي لا يُعبّر عن خساسة النفوس وانحطاطها- فحسب، لكنه يكشف عن حالة الذُل والمهانة والانسحاق النفسي التي وصل إليها هؤلاء الناس من أجل مئات الدولارات، إنها فعلاً حالات انحطاط غير مسبوقة في التاريخ الإنساني!!؟ والأكثر غرابة أن من يُدعى بوزير الإعلام في الدولة الوهمية يقول إن من ضرب سوق «فروة» الشعبي هم الحوثيون بحسب زعمه.
انظروا إلى أين وصلت الخساسة وقلة الحياء والوقاحة بهذا الرجل!؟ علماً أن نفس القناة التي أوردت هذا الزعم كانت قد أعلنت أن القيادة المركزية الأمريكية استهدفت قيادياً حوثياً في فروة، وإذا بها في اليوم التالي تُردد زعم هذا الوزير المأفون والولد الغر، الذي تتلقفه الأيدي وتجعل منه حزام المكان كلما قدم إلى مقيل من المقايل، لا أريد أن أنساق إلى كلمات أكثر بذاءة، فالرجل إن كان يستحق، إلا أن لساني تعف عن الانسياق إلى هذا المنحدر، وأتمنى فقط أن يُدرك هؤلاء الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم للأجنبي أن اليمن لن ترحمهم ولن تغفر لهم هذه الخطايا، ولن تركع للأجنبي مهما اشتد العدوان .
وكما قال مسؤول سابق أحترمه «قد نختلف أو نتفق مع أنصار الله، لكن ذلك لا يُعطي أحداً الحق بأن ينال من الوطن، مسقط الرأس، أو أن يستهين بأبنائه وبالحرية والسيادة والاستقلال، فاليمن فوق كل شيء» وهو مؤشر هام يؤكد أن هؤلاء الناس الموجودين في الشتات قد باعوا كل شيء وتخلوا عن كل شيء حتى الوطن والمواطنة، وأصبحوا عبيداً للمال ولرغبات الأجنبي وفي خانة الانقياد الطوعي لمن يدفع أكثر.
اللهم جنبنا المزالق وأصحاب النفوس الرخيصة، واجعل نفوسنا دائماً ترنوا إلى الأعلى وتُقدس الوطن والمواطنة، كما تُقدس الانتماء إلى الدين على حقيقته الصحيحة، ولهؤلاء نقول، مهما تماديتم في الغي فإن اليمن ستظل عصية، لا تراهنوا على أمريكا ولا على بريطانيا ولا على الصهاينة، راهنوا على ذواتكم إن كان لديكم ذات، إما إذا كانت قد انحدرت إلى مستوى الحضيض كما نلاحظ، فليس أمامنا إلا أن نقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) صدق الله العظيم .
وكما قلنا اليمن ستظل عصية وعزيزة تعيش في حدقات أبنائها الشرفاء المستعدين للتضحية من أجلها وفي سبيلها، وستلفظكم كما يلفظ البحر الخبث، وهذا هو المؤمل إن شاء الله تعالى .
* إلا الشيخ يحيى منصور
الشيخ يحيى منصور أبو أصبع رئيس الحزب الاشتراكي اليمني الشرعي تعرّض لحملة قاسية من شُذاذ الأفاق، من باعوا الحزب والوطن بأرخص الأثمان على خلفية بيان الإدانة الذي أصدره ضد العدوان الأمريكي، ولهؤلاء نقول الشيخ يحيى معروف ومن أسرة عريقة مناضلة، أسرة قدّست اليمن وعاشت من أجلها على مدى العصور ولا تقبل الضيم وترفض كل أجنبي يحاول احتلال الوطن أو النيل من سيادته، فأين أنتم من هذه الهامة العظيمة ومن هذه الأسرة الكريمة؟! فلقد أصبح اليوم الشيخ يحيى هو الحزب والقيادة، ولا يزال متمسكاً بمبدأ الانتماء لهذا الحزب إلى جانب الانتماء الصادق والصحيح للوطن، أما أنتم فلقد أصبحتم أذناب وعملاء وخونة تتغنون بمجازر الأجنبي وترقصون على أشلاء البشر من أبناء جلدتكم، وكأنكم تعيشون في لحظات فرح غامرة .
وإلى الشيخ يحيى نقول، لا تعبأ بمثل هذه الزعانف فهي منتهية، أنت الباقي وهي الفانية، أنت الباقي لأنك متمسك بالولاء الصادق للوطن ولولا أنت لذهب الحزب الاشتراكي بكل كوادره التي أصبحت في الشتات من أعلى القمة إلى أسفل القاعدة، فلك الشكر والتحية من كل يمني مخلص وصادق وقلوبنا معك، لا تعبأ لمثل هؤلاء الناس فلقد ماتوا ومات كل شيء في أعماقهم وأصبحوا مجرد هياكل تخدم المعتدي بكل ما تملك، وتتاجر بالوطن والقيم والمبادئ، وسيأتي اليوم الذي يلفظهم الوطن وينالوا جزائهم من كل يمني شريف، والله من وراء القصد …