لجريدة عمان:
2025-04-23@22:41:36 GMT

عن الدين والدولة في إسرائيل

تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT

أوضحت في مقالي السابق عن «الدين والدولة» أن اختلال العلاقة بينهما هو أحد العوامل القوية في تدهور الدولة وتآكلها من الداخل، وأريد في هذا المقال تطبيق هذه الرؤية على حالة الكيان الصهيوني في إسرائيل؛ لأن العلاقة بين الدين والدولة في إسرائيل متضاربة، بل متناقضة: ذلك أن إسرائيل تظل حائرة بين مفهومي الدولة العَلمانية والدولة الدينية:

والواقع أن إسرائيل تزعم دائمًا أنها دولة عَلمانية وليبرالية تتبنى نظامًا ديمقراطيًّا، وتتباهى بأنها في هذا الصدد تعد الدولة الوحيدة في العالم العربي والشرق الأوسط.

ولا شك في أن نظام الدولة في إسرائيل يُعد نظامًا ديمقراطيًّا على غرار النظم السائدة في الغرب، فهو نظام يقوم على سيادة الشعب الذي ينتخب حكامه، وعلى الفصل بين السلطات الثلاث: السلطة التنفيذية،

والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية. وهناك مجال واسع من الحريات التي تسمح للإعلام ولسائر المواطنين بتوجيه النقد اللاذع لأي وزير ولرئيس الحكومة نفسه، وبالكشف عن أية انحرافات لهم والمطالبة بإقالتهم، وهذا ما نشاهده يوميًّا على شاشة التلفاز. ومع ذلك، فإننا نلاحظ أن هذا النظام يتفكك الآن في ظل ممارسات حكومة يمينية متطرفة تعصف بالسلطة القضائية، وتناوئ السلطة التشريعية،

وتتجاهل أصوات الشعب التي تعارض سياسات الحكومة بزعامة نتنياهو (الذي اتهمته محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم حرب وإبادة بحق الفلسطينيين، والذي أصبح بالتالي مطلوبًا للعدالة من دون جدوى، لأن النظام العالمي الراهن بسائر مؤسساته الدولية أصبح عاجزًا عن تحقيق العدالة). وفضلًا عن ذلك، فإننا لا يمكن أن نتصور نظامًا ديمقراطيًّا حقيقيًّا لا يؤمن بالعدالة حينما يقوم بالعدوان المتواصل على حقوق شعب آخر، بل يسعى إلى إبادته؛ فالديمقراطية عندئذ تصبح نظامًا ظاهريًّا أو وهميًّا (كما سبق أن أوضحت ذلك في مقال سابق بهذه الجريدة الرصينة بعنوان «أوهام الديمقراطية»).

تزداد حالة التفكك حينما يدخل الدين كأساس تقوم عليه هوية الدولة؛ إذ يظهر هنا على الفور التناقض بين مفهوم الدولة الدينية ومفهوم الدولة العَلمانية أو التي تدعي أنها دولة عَلمانية. ومن الضروري هنا التأكيد على أن العَلمانية ليست على تناقض- أو حتى تضاد- مع الدين؛ ولكن المؤكد أيضًا هو العَلمانية- مهما تعددت صورها- تتعارض مع مفهوم الدولة الدينية أو التي تتأسس على الدين باعتباره العنصر الجوهري في ماهيتها، وهذا الوضع المتناقض يحتاج إلى شيء من الإيضاح:

الواقع أن العلمانية قد ارتبطت بالجماعات اليهودية عبر العالم حتى شاع القول بأن اليهود هم المسؤولون عن نشأة العَلمانية وشيوعها في العالم كما تؤكد ذلك بروتوكولات حكمة صهيون، وهذا قول خاطئ: لأن العَلمانية وإن ارتبطت بالجماعات اليهودية منذ القرنين السابع والثامن عشر، إلا أنها قد نشأت بفعل تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية في العالم؛ ولهذا السبب فإننا نجد أن العَلمانية قد شاعت في دول ليس لها علاقة باليهودية (مثل اليابان) أو لها علاقة ضئيلة جدًا بها (مثل يوغوسلافيا في أوروبا). والحقيقة أن ارتباط العَلمانية بالجماعات اليهودية يرجع إلى تبني بعض هذه الجماعات في البداية أفكارًا أساسية تقوم عليها العَلمانية، ومنها: التخفف من سلطة الدين على الحياة الاجتماعية (مثل سلطة الشعائر والشرائع الدينية) وعلى الحياة السياسية (باستبعاد الدين كمصدر رئيس للتشريع)؛ ومنها أن العقل البشري يمكنه الوصول إلى الحقائق الدينية بدون وحي إلهي؛ ومن خلال إحلال الهوية اليهودية بدلًا من العقيدة اليهودية،

وإحلال اليهود بدلًا من الإله كمركز للقداسة؛ وهذا ما يتبدى في اليهودية الجديدة التي تسمي نفسها «اليهودية الإصلاحية» و«اليهودية الإنسانية»، وهذا ما فصَّل القول فيه الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته الشهيرة عن «اليهود واليهودية والصهيونية» (المجلد الأول، صفحات 224-229).

وبذلك يظهر لنا على الفور حالة التناقض الباطني في بنية دولة إسرائيل نفسها؛ لأن نشأتها الحديثة على أراضي فلسطين كانت على أساس من وعد بلفور الذي تعهد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك تحت إلحاح من المشروع الصهيوني. حقًّا إن الصهيونية ليست مرادفة لليهودية، ولكن المشروع الصهيوني نفسه يدعمه توجه ديني يتمثل في عقيدة اليهود بأن دولتهم تمتد من النيل إلى الفرات. ومن هنا تم استجلاب اليهود من أنحاء العالم لتحقيق المشروع الصهيوني في إنشاء هذا الكيان الجديد الذي يحقق العقيدة اليهودية على أرض الميعاد، وهو مشروع يستخدم الدين لتحقيق أهدافه السياسية،

وهذا ما يفسر لنا السبب في أن بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق عندما زار إسرائيل داعمًا لها في بداية حربها الأخيرة على غزة، قد أكد بمجرد نزوله من سلم الطائرة في تل أبيب قائلًا: إن المرء لا يحتاج أن يكون يهوديًّا لكي يكون صهيونيًّا، وهذا يؤكد على أن الصهيونية هي مشروع سياسي عالمي مدعوم من الغرب منذ نشأته. أتى اليهود من مختلف الأعراق من أوروبا الغربية ومن أوروبا الشرقية، بل حتى من يهود الحبشة،

طامحين أو حالمين بأن اليهودية الإصلاحية سوف تجمعهم، وبأن العَلمانية سوف تكفل لهم العيش الآمن رغم تعدد الأعراق! ولكن هذه العَلمانية تتبدد في ظل هيمنة تيار ديني يميني متطرف على السلطة في الكيان الإسرائيلي، وكلمة «الكيان» هذه مشروعة؛ ليس فقط لأن دولة إسرائيل هي دولة قد تم غرسها عنوة داخل الأراضي الفلسطينية، وإنما أيضًا لأنها دولة بلا حدود معلومة، بل تتوسع حدودها غير المشروعة باستمرار. هذا التناقض في بنية الدولة هو ما يجعلها كيانًا هشًّا مهددًا بالتفكك من الداخل، وهو ما يؤدي إلى التشكيك في هوية هذا الكيان؛ ومن ثم فلا غرابة في أن سؤال الهوية أصبح هو السؤال المهيمن على الإسرائيليين في الآونة الأخيرة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی إسرائیل وهذا ما نظام ا

إقرأ أيضاً:

أزمة داخل مجلس ممثلي اليهود في بريطانيا بسبب رسالة تنتقد العدوان على غزة

فتح مجلس الممثلين اليهود في بريطانيا، تحقيقا في رسالة ‏نشرتها صحيفة فايننشال تايمز الأسبوع الماضي ووقع عليها عدد من ‏أعضاء المجلس وانتقدوا فيها أفعال الاحتلال في غزة. ‏

وأضافت الصحيفة أن المجلس علق عضوية نائبة الرئيس ‏ويحقق في الموقعين الناقدين لسياسة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في غزة. ‏

ونشر مجلس الممثلين وهو أكبر مجلس تمثيلي ليهود ‏بريطانيا بيانا ليلة الثلاثاء جاء فيه إنه تحرك بناء على ‏شكاوى من رسالة وقعها 36 عضوا في المجلس. ‏

ولفتت الصحيفة إلى أن تحرك المجلس يشير إلى خلاف متزايد ‏داخله، حيث يشارك في تمثيل اليهود البريطانيين، حوالي ‏‏300 مفوضا من جهة والمجتمع اليهودي البريطاني تجاه ‏السياسات المتشددة لرئيس الوزراء نتنياهو، من جهة أخرى. ‏وقد تم تعليق عضوية هارييت غولدينبرغ، نائبة رئيس ‏المجلس للشؤون الدولية، في وقت تعرضت فيه مع 35 من ‏زملائها للشكاوى والتحقيقات، حسب بيان المجلس. ‏

وقال الممثلون إنهم "لن ‏يحرفوا النظر أو يظلوا صامتين على خسارة الحياة المتجددة ‏والمعيشة".‏

‏كما وشجبوا عنف الاحتلال ضد الفلسطينيين في ‏الأراضي الفلسطينية المحتلة وحذروا من أن "هذا التطرف ‏يستهدف الديمقراطية الإسرائيلية".

وقالوا في الرسالة: "لقد ‏تم تمزيق روح إسرائيل، ونخشى نحن أعضاء مجلس ‏الممثلين اليهود في بريطانيا، على مستقبل إسرائيل التي ‏نحب ولدينا علاقة قوية معها". و جاء في الرسالة أيضا: " ينظر للصمت على أنه دعم للسياسات والأفعال التي تتناقض ‏مع القيم اليهودية".  ‏



ونقلت الصحيفة عن غولدينبرغ في الأسبوع الماضي قولها ‏إنه من الضروري أن يتحدث يهود بريطانيا علانية و"إلا ‏فإننا نخاطر بأن نكون متواطئين"، مضيفة: "في التاريخ ‏اليهودي يعتبر الصمت أمرا غير جيد".

وقال رئيس المجلس ‏فيل روزنبرغ  في البيان إن المجلس تعامل مع "الخروقات ‏المزعومة لقواعد السلوك على محمل الجد"، مضيفا: ‏‏"مجلس الممثلين واضح: فقط  ممثلونا المنتخبون ديمقراطيا ‏وموظفونا هم المخولون للتحدث باسم المنظمة". ‏

وقد عبر الموقعون على الرسالة عن مخاوفهم المتزايدة على ‏مصير الأسرى المتبقين والكارثة الإنسانية في غزة ‏والاعتداءات في الضفة الغربية وقرار نتنياهو ‏فتح ملف الإصلاحات القضائية ووضع المؤسسات القضائية ‏تحت سيطرة السياسيين. ‏

واتهم الموقعون على الرسالة رئيس الوزراء بخرق وقف ‏إطلاق النار وعدم منح الإفراج عن الأسرى الأولوية. ومنذ ‏بداية العدوان استشهد أكثر من 51 ألف فلسطيني، فضل عن تدمير شامل لقطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • منصور بن زايد: العدالة أساس الثقة بين المواطن والدولة
  • مختار نوح: الإخوان كانت تسعى لتسليم الأردن إلى إسرائيل
  • أزمة داخل مجلس ممثلي اليهود في بريطانيا بسبب رسالة تنتقد العدوان على غزة
  • الحكومة تستهدف خفض الدين الخارجي بنهاية يونيو 2025.. نواب: خطوة لتحسين مؤشرات الاقتصاد.. والدولة حريصة على تعزيز سياسات الاستدامة والاستقرار المالي
  • هآرتس: التعليم العالي الأميركي يدمر باسم اليهود
  • نتنياهو متهم بتعريض إسرائيل لـخطر وجودي بعد طلبه ولاء شخصيًا من رئيس الشاباك | تقرير
  • إسرائيل تلغي تأشيرات 27 نائبا فرنسيًا على خلفية تصريحات ماكرون حول الدولة الفلسطينية
  • احتفالات وطقوس مغربية في احتفال اليهود بعيد الفصح بمراكش
  • تصعيد السلاح رسالة للداخل والدولة... واستنساخ مرحلة 2006