رأي.. إردام أوزان يكتب: العقوبات والسيادة والتغيير في سوريا
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
هذا المقال بقلم الدبلوماسي التركي إردام أوزان *، سفير أنقرة السابق لدى الأردن، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
العقوبات ليست الداء، بل هي عرض ووسيلة وصمام ضغط، لكنها نادرًا ما تكون علاجًا. في حالة سوريا، أصبحت العقوبات محور الخطاب الدولي، وغالبًا ما تُشتت الانتباه عن الديناميكيات الأعمق التي تُشكل مستقبل البلاد.
منذ سقوط بشار الأسد أواخر عام 2024، شنت القيادة الانتقالية السورية حملة دبلوماسية حثيثة لرفع العقوبات الغربية. رسالتهم واضحة: العقوبات تخنق الاقتصاد، وتؤخر إعادة الإعمار، وتقوض التعافي الهش بعد الصراع.
مع أن هذا الادعاء صحيح بلا شك، إلا أنه من المضلل افتراض أن رفع العقوبات وحده كفيل بإعادة إحياء سوريا. فالعقوبات، وخاصة تلك المفروضة بموجب قانون قيصر الأمريكي والتدابير الأوروبية المرتبطة به، حدّت بشكل كبير من وصول سوريا إلى الخدمات المصرفية الدولية، وأثبطت الاستثمار، وأعاقت استيراد السلع الأساسية. ومع ذلك، من الضروري إدراك أن العقوبات لم تُدمّر الاقتصاد السوري؛ بل إن الحرب والحكم المركزي وعقودًا من الحكم الاستبدادي هي التي دمرته.
وهم اعتبار العقوبات العقبة الرئيسية أمام سوريا
إن الرواية القائلة بأن العقوبات هي السبب الجذري للمشاكل التي تعاني منها سوريا ليست مبسطة للغاية فحسب، بل إنها خطيرة أيضًا.
يحول ذلك التركيز عن القضايا الأساسية التي أدت إلى انهيار البلاد في المقام الأول. تُستخدم العقوبات كأداة ضغط سياسي لدفع القيادة الجديدة إلى تقديم تنازلات في تقاسم السلطة واللامركزية والعلاقات الخارجية، أكثر من استخدامها كأداة سياسية حقيقية. ويُطلب من الحكومة الانتقالية الحالية، بهدوء، تلبية شروط تعكس مصالح جيوسياسية لا إنسانية.
يُستغل الوضع الإنساني الملح في سوريا بشكل استراتيجي. تقدم واشنطن وبروكسل إعفاءات انتقائية من العقوبات مرتبطة بمشاريع أو مناطق محددة، مستخدمة الاقتصاد كوسيلة ضغط سياسية. هذا النهج الانتقائي يقوض خطط التعافي الوطني ويخلف تفاوتات بين المناطق، مما يسمح للجهات الخارجية بتحديد وتيرة ونطاق إعادة الإعمار.
لا يقتصر تخفيف العقوبات الذي تسعى إليه سوريا على الإصلاحات الداخلية فحسب، بل يشمل أيضًا تحالفات السياسة الخارجية وتوازنات القوى الإقليمية. ومن بين الشروط غير المعلنة:
الابتعاد عن الفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي، وقطع خطوط الدعم العسكري واللوجستي.كبح جماح الميليشيات المدعومة من إيران والتي تنشط في سوريا، وخاصة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، تحت ضغط من تل أبيب وواشنطن.إدارة القضية الكردية، وخاصة فيما يتعلق بالمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب في الشمال الشرقي، والدفع ضمنًا نحو التسوية أو الحكم الذاتي دون تهديد الوجود الأمريكي أو المصالح التركية.التعامل مع المقاتلين الأجانب، وخاصة أولئك الذين لديهم انتماءات إسلامية عابرة للحدود الوطنية، والتي تعتبرها الحكومات الغربية عاملًا مزعزعًا للاستقرار على المدى الطويل.الاعتراف بالإطار الأمني الإسرائيلي، ولو بشكل غير رسمي، من خلال تليين الموقف التاريخي لسوريا بشأن مرتفعات الجولان وفصائل المقاومة.ولم يتم تدوين أي من هذه المطالب في وثائق عامة، ولكنها تشكل النص الفرعي لكل تفاوض بشأن التنازل عن العقوبات، ومساعدات إعادة الإعمار، والتطبيع السياسي.
علاوة على ذلك، فإن فكرة أن رفع العقوبات يؤدي تلقائيًا إلى التعافي هي فكرة مضللة. فالاقتصاد السوري في حالة انهيار، حيث يعيش أكثر من 85% من السكان تحت خط الفقر، والليرة السورية تفقد قيمتها، ولا تزال السلع الأساسية كالوقود والأدوية والكهرباء نادرة. حتى لو كان رفع العقوبات جزئيًا، فسيساهم في تخفيف بعض المعاناة، ولكن بدون سيادة على العملية وقرار السوريين بمستقبلهم السياسي، يصبح التعافي لعبة مصالح خارجية.
هذا ليس موقفًا إنسانيًا محايدًا، بل هو نموذج لانخراط مشروط يُعطي الأولوية للأهداف السياسية الخارجية على السيادة السورية الداخلية. هذا يؤخر معالجة السؤال الجوهري: أي نوع من سوريا يُعاد بناؤه؟
الأزمة الأعمق: الشرعية السياسية والانحلال الهيكلي
الأزمة الأعمق في سوريا ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية في جوهرها. إن غياب الشرعية السياسية يهدد الاستقرار على المدى الطويل أكثر مما قد تفعله العقوبات. على مدى أكثر من نصف قرن، فككت أنظمة الأسد أي هيكل كان من شأنه أن يتحداها، بما في ذلك المحاكم والبرلمانات والأحزاب والنقابات. بعد عقد من الحرب، أصبحت هذه المؤسسات ضعيفة وغير موثوقة. السوريون اليوم أكثر تشتتًا من أي وقت مضى بسبب الجغرافيا والطائفية والأيديولوجيا والصدمات. رفع العقوبات لن يغير ذلك؛ بل عملية سياسية شاملة حقيقية.
يبدو أن الحكومة الانتقالية الحالية، بقيادة أحمد الشرع، مهتمة بالاعتراف الدولي أكثر من اهتمامها بإعادة بناء الحكم. ويركز التعاون الدولي في المقام الأول على المال بدلاً من العدالة أو التمثيل أو آليات المساءلة. يتطلب التعافي الاقتصادي في سوريا إنشاء مؤسسات شرعية تعكس تنوع المجتمع السوري وتحمي الحقوق. وبدون هذه الإجراءات، قد تكون جهود التعافي غير متوازنة، وإقصائية، وربما غير مستقرة.
أحمد الشرع وعودة الحكم المركزي
منذ توليه السلطة كرئيس مؤقت، قدّم الشرع نفسه رمزًا لسوريا الجديدة. كان الشرع شخصية بارزة في هيئة تحرير الشام، وهو الآن يدعو إلى الانتقال والاعتدال. وقد وعد بالحوار الوطني، والإنعاش الاقتصادي، والانتخابات في نهاية المطاف.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: رفع العقوبات فی سوریا أکثر من التی ت
إقرأ أيضاً:
مسؤول أممي: تخفيف العقوبات خطوة أساسية نحو إعادة إعمار سوريا
قال نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية، ديفيد كاردن، في مؤتمر صحفي عقده بمدينة غازي عنتاب التركية، إنه يأمل بأن تكون المرحلة الإنسانية في سوريا قصيرة قدر الإمكان، تمهيدًا للانتقال نحو مراحل التعافي وإعادة الإعمار، معربًا عن تطلعه إلى تخفيف العقوبات المفروضة على البلاد في هذا السياق.
وأبدى المسؤول الأممي تفاؤله بانخفاض حدة الصراع في سوريا، مشيرًا إلى أن استمرار هذا المسار الإيجابي قد يتيح للسوريين فرصة العيش بسلام. وأوضح أن المواطنين لا يرغبون في مساعدات مؤقتة فحسب، بل يتطلعون إلى فرص لكسب الرزق وبناء حياة كريمة.
Alîkarê Koordînatorê Alîkariyên Mirovî yê Krîza Herêmî ya Sûriyeyê David Carden derbarê êrişên li Rojavayê Kurdistanê got:
????️ “Em wisa dibînin ku êrişên ku bandor li sivîlan û binesaziyên li bakrrojhilatê Sûriyeyê dikirin, kêm bûne” pic.twitter.com/LkvGvlZhnG — RudawKurdi (@RudawKurdi) April 22, 2025
وأشار كاردن إلى أن منصبه سيُلغى رسميًا اعتبارًا من الثلاثاء، وذلك في إطار جهود الأمم المتحدة لتبسيط استجابتها الإنسانية في سوريا، حيث ستُناط مهام التنسيق بالمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في دمشق بحلول نهاية حزيران/يونيو المقبل.
وأضاف: "مهمة العامل الإنساني في نهاية المطاف هي أن يهيئ الظروف التي تجعل وجوده غير ضروري، ومع انتهاء عملي، آمل أن يكون ذلك مؤشرًا على مسار حقيقي نحو مستقبل أكثر استقرارًا وإشراقًا، فالشعب السوري، ولا سيما الفئات الأكثر هشاشة، يستحق الأفضل".
وتحدث كاردن عن العملية الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا، موضحًا أنها نشأت بدافع الضرورة بسبب الانقسامات السياسية، وتهدف إلى إيصال المساعدات إلى الفئات الأشد حاجة. وأكد أن هذه العملية تجاوزت مجرد تقديم الإغاثة لتشمل دعم سبل العيش في مواجهة الغارات والقصف المتواصل.
ولفت إلى أن الأوضاع على الأرض بدأت تتغير، وأن هناك "سوريا جديدة تحمل الأمل والفرص"، إلا أنه شدد في الوقت نفسه على أن الأزمة لم تنتهِ بعد، إذ لا يزال أكثر من 16 مليون شخص، أي نحو 70% من السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، معظمهم من النساء والأطفال. كما تبقى سوريا من بين أكبر أزمات النزوح في العالم، مع وجود سبعة ملايين نازح داخلي.
وأعرب كاردن عن قلقه من تراجع التمويل الإنساني، موضحًا أن الأمم المتحدة لم تتمكن حتى الآن سوى من تأمين 179 مليون دولار، أي أقل من 9% من أصل الملياري دولار اللازمة لتغطية احتياجات السوريين حتى نهاية حزيران/يونيو المقبل.
وأدى هذا العجز إلى تعليق العديد من الخدمات الأساسية، منها المياه والصرف الصحي في المخيمات، والمراكز الآمنة للنساء والفتيات، إلى جانب برامج إنسانية أخرى.
وفيما يتعلق بعلاقاته مع السلطات السورية، أشار كاردن إلى أن التواصل مع الحكومة الانتقالية في دمشق قائم، وهناك تعاون لتحسين إيصال المساعدات وتسهيل الإجراءات الخاصة بتسجيل المنظمات غير الحكومية.
أما بشأن التطورات في الساحل السوري، فقال إن الأحداث هناك لم تتكرر، لكن نحو 30 ألف شخص لا يزالون نازحين إلى لبنان، مؤكدًا في الوقت ذاته عدم صلته بلجنة التحقيق في تلك الأحداث، باعتبار أن مقره في غازي عنتاب.
وختم كاردن بالإشارة إلى تحسن ظروف حرية الحركة في شمال وشرق سوريا، وفي محيط مدينة حلب، مؤكّدًا وجود رغبة لدى بعض المواطنين في العودة إلى منطقة عفرين. وشدد على أن الأمم المتحدة ستواصل عملها في سوريا، في ظل استمرار الحاجة الإنسانية، على أن يُدار التنسيق مستقبلاً من مكتب دمشق.