تنفيذا لسياساته الجديدة، يدرس الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خفض الانخراط الأمريكي في أفريقيا، ما يعد تنازلا عن مساحات دبلوماسية مهمة لصالح قوى أخرى تتمدد سريعا في القارة على حساب واشنطن.

تقليص الانخراط

تناقلت وسائل الإعلام الدولية في اليومين الماضيين أن الولايات المتحدة قد تكون بصدد تقليص انخراطها الدبلوماسي في أفريقيا وإغلاق مكاتب تابعة لوزارة الخارجية تعنى بتغيّر المناخ والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفق أمر تنفيذي قيد المراجعة للبيت الأبيض، ووفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” عن مذكرة غير مؤرخة لوزارة الخارجية الأمريكية، تدرس إدارة ترامب خططا لإغلاق 10 سفارات و17 قنصلية، وتقليص أو دمج موظفي العديد من البعثات الأجنبية الأخرى، وذكرت الصحيفة أن 6 من السفارات التي اقترحت المذكرة إغلاقها تقع في أفريقيا، وهي أفريقيا الوسطى، وإريتريا، وغامبيا، وليسوتو، وجمهورية الكونغو، وجنوب السودان، كما يفترض إغلاق مكتب أفريقيا العامل حاليا، وسيحل محله مكتب المبعوث الخاص للشؤون الأفريقية والذي من المفترض أن يقدم تقاريره لمجلس الأمن الداخلي بالبيت الأبيض بدلا من وزارة الخارجية.

مخاوف وتساؤلات

التخفيضات الجديدة المقترحة أثارت مخاوف من أن الولايات المتحدة ستتنازل عن مساحة دبلوماسية حيوية لروسيا والصين، بما في ذلك في مناطق العالم التي تتمتع فيها واشنطن بحضور أكبر من موسكو وبكين، وهو ماقد يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخباراتية، كما آثارت التخفيضات المقترحة تساؤلات حول ارتدادات الانسحاب الأمريكي على القارة السمراء، وهل يؤثر هذا الإنسحاب على التعاون الإستخباراتي والعسكري الأمريكي في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والقرن الأفريقي، ومن يملأ الفراغ الأمريكي، وهل يفتح الانسحاب الباب أمام محاور نفوذ جديدة، إضافة إلى السؤال الأهم حول تأثير هذا الانسحاب الأمريكي على السودان؟

تأثير على المعارضة

من جانبه رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني محمد محمد خير أن كل المشاكل التي حدثت في السودان منذ 2019 بعد سقوط نظام البشير حتى الحرب كانت بتأثيرات مباشرة من الخارجية الأمريكية. وقال خير لـ “المحقق” إن الخارجية الأمريكية تأتي ضمن خمس دوائر في التأثير على القرار الخارجي، وإنها أضعف هذه الدوائر في التأثير، مضيفا أنه دائما ما تصدم مشاريع الخارجية بالبنتاجون والسي أي ايه، لافتا إلى أن غياب الخارجية الأمريكية بتركيبتها السابقة سيكون له تأثير مباشر على المعارضة السودانية بالخارج (تقدم- صمود- وغيرها)، وقال إن هذه المعارضة كانت المرجعية الرئيسية لكل العمل الذي تم في السودان، بداية من تعيين مبعوث خاص مرورا بالرباعية حتى الإتفاق الإطاري، مضيفا أن كل الترتيبات السياسية في السودان كانت بتدبير من الخارجية الأمريكية وخلفها مساعدة الوزير مولي في، وتابع أن الخارجية الأمريكية أيضا كانت توجه الوكالات المانحة في أمريكا وأوروبا والتي كانت تدفع تكاليف أنشطة “تقدم”، وأن ذلك توقف بحل ترمب للوكالة الدولية للمنح، مؤكدا أن أكبر جهة تضررت من ذلك هي المعارضة السودانية الخارجية، لافتا إلى أن أهم ماجاء في القرار الأمريكي هو غياب أي مشروع يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية في أفريقيا، وقال إن ذلك يعني أنه لم يعد هناك أي نوع من أنواع الإهتمام الأمريكي بتغيير النظم في أفريقيا، مضيفا أن تأثيره على الحكومة السودانية يعتمد على الحكومة نفسها وعلى المشروعات التي ستقدمها إلى أمريكا، ورأى أنه من المفروض تقديم رؤية استثمارية سودانية بها تصور لمشروعات استثمارية بالبلاد.

الإهمال أفضل

من جهته رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني مكي المغربي أن العالم في عهد الإنحسار الأمريكي لا محالة، وقال المغربي لـ “المحقق” تحدث عن ذلك عدد من المفكرين بأن مشاكل أمريكا الداخلية وانقسامها العميق سيشغلها عن التمدد في العالم، والجواب واضح من عنوانه، مضيفا ترمب في حملته الانتخابية كان واضحا حول هذا الأمر، مؤكدا أن الدول والجهات التي كانت تعتمد على أمريكا وضوئها الأخضر وغطائها في الإعتداء على السودان ستفشل، وقال إن هذه الدول ستكون مكشوفة وتتخلى أمريكا عنها لتواجه لعنات الشعب السوداني وحيدة، مبينا أن غلق مكتب أفريقيا يعني تقليص الإرتباط الدبلوماسي الطبيعي عبر الخارجية الأمريكية، واختزال الملف الأفريقي في الشئون الطارئة أو المهمة، وقال إن ذلك أقرب لحذف أفريقيا من الخارطة الدبلوماسية الأمريكية والإبقاء على عدد من الدول، والتعامل مع الطوارئ والمستجدات عبر البيت الأبيض، مضيفا باختصار تعودنا أن الإهمال الأمريكي أفضل من الإهتمام.

الانعزالية الجديدة

بدوره أكد الخبير المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور حمدي عبد الرحمن أن انسحاب أمريكا من أفريقيا وخاصة منطقة الساحل سوف يؤثر بشكل كبير على الحرب ضد الإرهاب. وقال عبد الرحمن لـ “المحقق” إن الوجود الأمريكي والغربي عموما كان له دور كبير للغاية في مراقبة وملاحقة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام، اضافة إلى الحد من عمليات تهريب الأسلحة والهجرة غير الشرعية، لافتا إلى أن هذا الانسحاب في ظل الترامبية الجديدة وفكرة جعل أمريكا قوية وعظيمة مرة أخرى هي مايسمى بـ “الانعزالية الجديدة” على يد ترمب، لافتا إلى أن ذلك يثير مخاوف من تصاعد الجماعات الإرهابية وتدهور الوضع الأمني، وقال إن الجيوش الوطنية تفتقر في الغالب إلى القدرة المالية والتقنية لمواجهة هذه التحديات بشكل منفرد.

المستفيد الأول

ولفت الخبير المصري إلى أن هناك فراغ أمني واضح بأفريقيا، وقال إن دول تحالف الساحل حاولت أن تسد هذا الفراغ من خلال التحالف مع روسيا، مضيفا أن روسيا هي المستفيد الأول من ذلك ومن خلال فاغنر سابقا والفيلق الأفريقي حاليا، لتعويض الغياب من الدعم الغربي، مشيرا إلى أن الصين وتركيا عززتا حضورهما في المنطقة بالتركيز على الإقتصاد أكثر من الأمن، مؤكدا أن ذلك يخلق مناطق نفوذ جديدة، وقال إن ذلك يتمثل في إعادة رسم خريطة النفوذ الدولي في أفريقيا، مضيفا أن روسيا بدأت بالفعل في تعزيز وجودها العسكري والأمني وكذلك الصين وتركيا وحتى الهند في توسيع نفوذها الاقتصادي، لافتا إلى أن ذلك يجعل من أفريقيا ساحة تكالب جديدة من قبل قوى دولية متعددة، وقال إن هذا التحول قد يدفع أفريقيا إلى مزيد من الاستقطاب، وربما يجعلها إحدى جبهات الحرب الباردة الجديدة في ظل التنافس الدولي على الموارد والممرات الاستراتيجية بالقارة، مشيرا إلى أنه في ظل التراجع الأمريكي هناك حرب الممرات، مثل ممر “ليبيتو” الذي تدعمه أمريكا، ومبادرة “الحزام والطريق” وكلاهما متعارضان، محذرا من تصاعد التهديدات الإرهابية في ظل هذا الانسحاب وتفاقم الأزمة الأمنية.

الأكثر تضررا

كما رأى الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين أن إدارة ترمب الجديدة لديها قرارات تجاه أفريقيا قد تختلف تماما عن الإدارات السابقة. وقال تورشين لـ “المحقق” إن ذلك سيؤثر كثيرا على التعاون العسكري والاستخباراتي بين أمريكا والعديد من الدول التي تعاني من أنشطة للجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي ودول خليج غينيا، مضيفا أن دول خليج غينيا ستكون الأكثر تضررا بما يدفعها للتعاون مع الدول الإقليمية والدولية الأخرى مثل روسيا والصين وتركيا، لافتا إلى أن ذلك يعني بأن هنالك ستكون مسارات جديدة لتعزيز تنافس القوى في المنطقة.

القاهرة – المحقق – صباح موسى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الخارجیة الأمریکیة لافتا إلى أن فی أفریقیا مضیفا أن وقال إن أن ذلک إن ذلک

إقرأ أيضاً:

خطة روبيو لإعادة هيكلة الخارجية الأمريكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في خطوة تعكس تحوّلاً جذرياً في فلسفة السياسة الخارجية الأمريكية، أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو عن خطة شاملة لإعادة هيكلة وزارة الخارجية، وُصفت بأنها الأكثر طموحاً منذ عقود. 

هذه المبادرة تأتي في سياق جهود إدارة ترامب الثانية لإعادة رسم معالم المؤسسات الفيدرالية، متسلحة بشعار "أمريكا أولاً"، وبتوجه نحو تقليص النفقات، وخفض التوظيف، ومواجهة ما تعتبره النخبة الجمهورية "أيديولوجيات متطرفة" داخل مؤسسات الحكم.
الخطة، التي كشفت تفاصيلها صحيفة واشنطن بوست استناداً إلى وثائق داخلية، لا تكتفي بإصلاحات إدارية بل تمس جوهر دور الولايات المتحدة في العالم. فهي تطال برامج حساسة مثل حقوق الإنسان، والتحقيق في جرائم الحرب، وتعزيز الديمقراطية، وكلها ركائز طالما مثّلت وجه أميركا الأخلاقي والقيَمي في الساحة الدولية.
ورغم أن الخطة لا تنص صراحة على عمليات تسريح جماعي، إلا أنها تدعو إلى خفض عدد العاملين داخل الولايات المتحدة بنسبة 15%، في خطوة قد تعني عملياً فقدان مئات الوظائف، وربما آلاف أخرى لاحقاً، خصوصاً في ظل حديث بعض المسؤولين عن "تقليص أوسع نطاقاً" قد يطال ما يصل إلى عشرات الآلاف من موظفي الوزارة حول العالم.

سياق سياسي وطني ودولي

تأتي هذه التغييرات في لحظة مفصلية من عمر الدولة العميقة في واشنطن، حيث تُحاول إدارة ترامب – مدعومة بشخصيات مثل روبيو – تفكيك ما تعتبره شبكة من البيروقراطية غير الخاضعة للمساءلة، والتي كثيراً ما تصادمت مع أجندة الرئيس الجمهوري خلال ولايته الأولى. 

وقد لعبت الخارجية دوراً محورياً في ملفات شائكة، بينها التحقيقات في عزل ترامب، مما عزز لدى البيت الأبيض قناعة بضرورة "تطهير" الوزارة.
لكن ما يُثير القلق لدى العديد من المراقبين هو أن الخطة لا تأتي بناءً على مشاورات موسعة مع الكونغرس، بل تُطرح كأمر واقع، ما دفع بشخصيات ديمقراطية بارزة إلى إطلاق تحذيرات من "تآكل الدبلوماسية الأميركية"، وتراجع قدرة واشنطن على قيادة العالم أو حتى الحفاظ على مصالحها الحيوية.

بين الرفض الديمقراطي والترحيب الجمهوري


الديمقراطيون، من أمثال جريجوري ميكس وبراين شاتز، يرون في هذه الخطوة محاولة لإضعاف دور الخارجية التاريخي، بل ومخاطرة بتفكيك أدوات التأثير الأمريكي في العالم.

 أما الجمهوريون، وعلى رأسهم براين ماست، فيرون في الخطوة ضرورة حتمية لتحديث مؤسسة ظلت لعقود أسيرة البيروقراطية والتضخم الهيكلي.
ورغم محاولات روبيو طمأنة الداخل الأمريكي بأن الخطة مدروسة، فإن الوثائق المسرّبة – ومنها تقارير عن إلغاء محتمل لمكاتب مهمة مثل مكتب الشؤون الإفريقية – أشعلت مخاوف عميقة بين الدبلوماسيين الحاليين والسابقين، لا سيما في ظل ما يعتبره البعض نهجاً غير شفاف في التخطيط والتنفيذ.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية الإيراني إذا كان مطلب أمريكا الوحيد عدم امتلاكنا سلاحا نوويا فيمكن تحقيق ذلك.
  • وزير الخارجية الإيراني: إذا كان مطلب أمريكا الوحيد عدم امتلاكنا سلاحا نوويا فيمكن تحقيق ذلك
  • خطة روبيو لإعادة هيكلة الخارجية الأمريكية
  • روبيو يعلن عن إعادة تنظيم وزارة الخارجية الأمريكية.. ماذا يعني ذلك؟
  • الحكومة ستنقل إلى الخرطوم في غضون ستة أشهر
  • الخارجية الإيرانية: المحادثات مع أمريكا على مستوى الخبراء ستعقد السبت
  • وزير الخارجية الإيراني: لا نية لدينا مطلقا لإجراء مفاوصات مباشرة مع أمريكا
  • قنصل السودان بأسوان لـ(المحقق): تم نقل ما لايقل عن 45 ألفا من العائدين من مصر بعد العيد
  • ترامب يدرس خفض الانخراط الأمريكي في إفريقيا