من قلب الجامعات الأميركية أصوات يهودية ترفض حماية ترامب
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
واشنطن- بعد أيام من بداية ولايته الثانية، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمره التنفيذي رقم 14188، الذي يزعم مكافحة "معاداة السامية" في المؤسسات التعليمية، خاصة الجامعات.
وبموجبه جُمّدت تمويلات بمليارات الدولارات لجامعات مرموقة مثل هارفارد وكولومبيا، وفُعّلت إجراءات لترحيل واعتقال وإلغاء تأشيرات طلاب وباحثين، لا سيما أولئك الذين عبّروا عن تضامنهم مع فلسطين.
وبينما يمر الحرم الجامعي الأميركي بإحدى أعمق أزماته، تتصاعد أصوات من داخل المجتمع اليهودي ذاته، رافضة سياسات ترى فيها تهديدا لحرية التعبير واستقلالية المؤسسات الأكاديمية.
وصمة عاروفي ظل سياسات إدارة ترامب التي تعيد رسم حدود المسموح والممنوع داخل الجامعات الأميركية، برزت حالات أثارت جدلا واسعا، بينها قضية الباحث الهندي في جامعة جورجتاون في واشنطن، بدر خان سوري، الذي اعتُقل بتهمة نشر "دعاية لحماس" على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم خلو سجله الجنائي من أي مخالفات.
وفي السياق، برزت أصوات يهودية من داخل جامعة جورجتاون ترفض توظيف هويتها كأداة سياسية. ومن جورجتاون إلى كولومبيا وهارفارد، تتبلور مقاومة فكرية وأخلاقية لسياسات تخلط بين الحماية والتكميم، وبين مكافحة التمييز واستغلاله كذريعة لترهيب المخالفين.
إعلانوعبَّرت إيما بينتو، طالبة قانون في جامعة جورجتاون في واشنطن عن رفضها ما وصفته بـ"المساس بحرية التعبير باسم حماية اليهود"، مؤكدة إيمانها بأهمية الحوار المتعاطف.
وقالت للجزيرة نت "إن احتجاز وترحيل أعضاء من مجتمعنا الأكاديمي لمجرد محاولتهم فتح نقاشات ضرورية حول الإبادة الجماعية، يعد وصمة عار أخلاقية على جبين أميركا".
وعندما تبرر الحكومة -تضيف بينتو- هذه الأفعال بأنها "مكافحة لمعاداة السامية"، فإنها "تجعل من اليهود وجها للفاشية في أميركا، لهذا يتطلب منا التعاطف والعدالة أن نتحرك الآن".
وكانت بينتو من أوائل الموقّعين على عريضة شارك فيها عشرات الأساتذة والطلبة والخريجين اليهود في جورجتاون، طالبوا بوقف ترحيل الباحث بدر خان سوري، وحذَّروا من استغلال الهوية اليهودية لتبرير سياسات تمس جوهر الحياة الأكاديمية.
وقال أحد الأساتذة اليهود الموقعين -فضَّل عدم كشف اسمه- للجزيرة نت "بدر ليس مجرد زميل، بل مرآة لوضع كل من يجرؤ على التفكير بصوت عالٍ. الصدمة لم تكن فقط في توقيفه، بل في السرعة التي تحوّلت بها هوامش التعبير إلى خطوط حمراء. إذا لم ندافع عن حق زملائنا في التعبير، حتى حين نختلف معهم، فإننا نسلم مستقبلنا الأكاديمي للرقابة والخوف".
سيف التمويلفي موازاة ذلك، صعّدت إدارة ترامب استخدام التمويل الفدرالي كسلاح لإخضاع الجامعات، متوعدة بإجراءات مالية صارمة ضد المؤسسات التي لا تمتثل لتعريفها الموسّع لـ"معاداة السامية".
وقد علّقت مؤخرا أكثر من 2.2 مليار دولار من التمويلات المخصصة لجامعة هارفارد العريقة، عقب رفضها الاستجابة لمطالب تقضي بتقييد النشاط الطلابي ومراجعة برامج التنوع.
هذه الخطوات دفعت أكثر من 100 طالب يهودي في هارفارد لتوقيع رسالة مفتوحة، أكدوا فيها أن هذه الإجراءات تهدد بيئة الجامعة بالكامل.
وجاء في الرسالة "نشعر بأن علينا التعبير عن موقفنا، لأن هذه الأفعال ترتكب باسم حمايتنا من معاداة السامية، لكن هذه الحملة لن تحمينا، بل بالعكس، نحن نعلم أن قطع التمويل سيضر بالمجتمع الجامعي الذي ننتمي إليه ونحرص عليه بشدة".
إعلانوأوضحت الطالبة مايا هوفنبرغ، إحدى المساهمات في صياغة الرسالة، لصحيفة الجامعة أن المبادرة انطلقت من نقاشات يومية بين الطلبة، ثم تحولت إلى موقف جماعي موحد، مضيفة "كنا مندهشين من عدد من يشاركوننا هذا الشعور، بأن التهديد بقطع التمويل لن يخدمنا كيهود في الجامعة".
لا تحمي اليهودفي صلب هذه المواجهة، يحتدم جدل قانون وفكري متجدد حول تعريف "معاداة السامية" وحدود استخدامه، إذ تستند سياسات إدارة ترامب إلى تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، الذي يُدرج انتقاد دولة إسرائيل ضمن مظاهر معاداة السامية.
لكن هذا التعريف يثير اعتراضات واسعة بين الحقوقيين والأكاديميين، الذين يرون فيه توسيعا خطيرا قد يفضي إلى قمع الخطاب السياسي، وتجريم التضامن مع فلسطين.
وحذَّرت منظمات حقوقية أميركية، كالاتحاد الأميركي للحريات المدنية، من أن اعتماد تعريفات فضفاضة لمعاداة السامية قد يؤدي إلى إسكات الأصوات المؤيدة لفلسطين وتجريم النشاط الطلابي السلمي.
وحملت رسالة وجهتها المنظمة إلى وزارة التعليم الأميركية في فبراير/شباط 2024 أن التعريف المعتمد يخلط بين الخطاب السياسي المحمي دستوريا والتمييز الحقيقي.
كما وصفت منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" في بيان لها في مارس/آذار 2025، سياسات إدارة ترامب بأنها "توظف معاناة اليهود لتبرير سياسات إقصائية"، داعية إلى فصل الحماية من التوظيف السياسي.
وشددت على أن "هذه السياسات لا تحمي اليهود بل تعرضهم للخطر، وتُقوّض الحقوق الدستورية في حرية التعبير والمعارضة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات معاداة السامیة إدارة ترامب
إقرأ أيضاً:
سياسات أمريكا.. عسى أن تكرهوا شيئا!
رفعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة شعار “العولمة”، وجعلت من انفتاح السوق العالمية سياسة لها وأبرمت الكثير من الاتفاقيات والبروتوكولات مع كثير من دول العالم وأنشأت الهيئات والكيانات الدولية لضمان التجارة الحرة وكانت تشدد على تخفيض الرسوم الجمركية ومراجعة التشريعات المتعلقة بالتجارة بين البلدان بما يضمن تدفق السلع والمنتجات بسلاسة ويسر ودون عوائق وعراقيل.
-جاءت قرارات الرئيس دونالد ترامب في مستهل ولايته الرئاسية الثانية فيما يتعلق بفرض الرسوم الجمركية على معظم بلدان العالم صادمة ومزلزلة ومتناقضة كليا مع الشعارات والقيم التي عملت عليها أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأصابت الدول الحليفة قبل غيرها بصدمة كبرى جعلتها غير قادرة على استيعاب هول الصدمة والتعاطي مع تداعيات ذلك على اقتصادها وعلى حياة شعوبها.
-القرارات “الترامبية” – وفق كثير من المراقبين وخبراء السياسة والاقتصاد – كانت ارتجالية وعبثية وغير مدروسة وربما كانت ذات خلفيات ودوافع سياسية على علاقة بجهود إدارته المتصهينة للتغطية على جرائم الإبادة الشاملة والتطهير العرقي المستمر على قدم وساق في قطاع غزة على أيدي أصدقائه في تل أبيب وعلى ما يمارسه هو من جرائم بحق المدنيين والأعيان المدنية في اليمن على غرار الجريمة البشعة بحق منشأة ميناء رأس عيسى النفطية المدنية ومنتسبيها الأبرياء وما ستتركه من تداعيات كارثية على حياة ملايين اليمنيين.
-استطاع ترامب بجدارة وإلى حد كبير، أن يحرف أنظار العالم ويشغل بال شعوب الأرض برسومه وتعريفاته الجمركية عن أبشع جريمة في العصر الحديث وأتاح المجال أمام نتنياهو ليواصل مسلسل القتل والتهجير في غزة لكنه لم يسلم من تبعات سياسته، فلم تتوقف الانهيارات الحادة في أسواق البورصة في العالم فحسب بل شملت الولايات المتحدة انهيارات اقتصادية كبرى دفعته سريعا إلى تعليق الرسوم لتسعين يوما وما زالت دول العالم في حيص بيص تناقش وتبحث الإجراءات والخطوات المطلوبة للحفاظ على استقرار التجارة العالمية اذا أصر الرئيس المغرور على المضي قدما في قراراته بعد انقضاء الثلاثة أشهر (مدة التعليق).
-كيفما كانت حيثيات ودوافع قرارات ترامب ذي الشخصية المثيرة والنزعات الشريرة فإنها لا شك تضع البلد الأعظم في عالم اليوم في دائرة التقزم والانطواء والانكفاء على الذات وهي التي كانت تتباهى بقيادة العالم الحر وتوجيه دفة التجارة العالمية عبر إنشاء وتزعُّم منظمة التجارة العالمية منتصف عقد التسعينيات قبل أن تنسحب منها مؤخرا وتعلق مساهمتها المالية فيها إشباعا لغرور وغطرسة الرئيس، دون النظر الى مكانتها وما تزعمه من مبادئ وقيم.
-كل الشواهد والمعطيات تؤكد أن ترامب – الذي رفع شعار “لنعيد أمريكا عظيمة مرة أخرى” خلال حملته الانتخابية – يسير بأمريكا إلى الانعزال ومن ثم الزوال المحتوم وقد بدأت معالم شيخوختها في الظهور مثل التجاعيد البارزة في وجه رئيسها الكهل، ورب ضارة نافعة “والله يعلم وأنتم لا تعلمون” صدق الله العظيم.