د. شريف عرفة يكتب: نسبة التعاسة
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
مهما كان سعيداً، لا يوجد شخص لم يعانِ من تكدير ما لصفو حياته. فمن الطبيعي أن نشعر بالاستياء عند حدوث أمر مزعج، وأن نصادف أشياء لا نأمل حدوثها.. فالحقيقة أن كثيراً من الأحداث خارج نطاق تحكمنا. من المستحيل أن يحدث كل شيء كما نأمل له بالضبط بأن الحياة لا تسير على هذا النحو. فما الذي يميز الشخص السعيد عن غيره؟
للسعادة جزء معرفي، يتعلق بالرضا وتوافر معنى للحياة، لكن لها أيضاً شق عاطفي.
حاول العديد من العلماء معرفة هذه النسبة.. منهم «باربرا فريدريكسون» الباحثة الرائدة في دراسة المشاعر الإيجابية، وكذلك «مارشيال لوسادا» المتخصص في تحسين أداء فرق العمل.. كلاهما وجد أن هناك نسبة تتكرر بشكل مثير للانتباه.. وهي 3:1.. السعداء يشعرون بثلاثة مشاعر إيجابية في مقابل كل شعور سلبي.. وكذلك فرق العمل الناجحة، يتبادلون عبارات الثناء والتشجيع ثلاثة أضعاف الانتقاد والخلاف..
هذه النسبة تتمتع بقدر من الثبات النسبي على المدى الطويل.. لكن كيف؟ الحياة متقلبة فكيف يحافظ السعداء على هذه النسبة؟ التفسير هو اعتياد نمط تفكير يحافظ على هذه النسبة رغم تقلب الظروف!
بالطبع أتحدث عن الأحوال العادية المستقرة، لا الظروف الاستثنائية شديدة القسوة والتطرف.. فلا يمكن أن تطلب من شخص تعرض لكارثة أن يحافظ على هذه النسبة الذهبية! بل أتحدث عن تقلبات الحياة العادية التي تحدث للجميع كل يوم.. شخص ضايقك، أو ارتكبت مخالفة مرورية دون قصد، وما إلى ذلك.. رغم حدوث هذه التقلبات، فإن الشخص السعيد يحافظ على طريقة تفكير تجعله يتعمد أن يكون سعيداً.. بالتركيز على الإيجابيات وتقديرها، أو التقليل من شأن السلبيات، وإعادة فهم أحداث الحياة بطريقة تحفظ له هذا التوازن النفسي. هذا يعني أن لكل واحد منا نسبته الذهبية الخاصة الناجمة عن طريقة تفكيره المعتادة.. لكل شخص نسبة ذهبية للسعادة، أو نسبة للتعاسة! فالبعض يحافظ على نمط تفكير تشاؤمي أو انهزامي أو سوداوي.. كمن يصر على تذكر المآسي، والشكوى من الأحوال، وملاحظة السلبيات، وتوقع المخاطر والتهديدات بما يؤجج الشعور بالتوتر والقلق.. من اعتاد نسبة تعاسة ما، سيظل يحافظ عليها مهما تحسنت أحواله.. لأنه اعتاد طريقة التفكير هذه!
لذلك عزيزي القارئ.. تحلَّ بطريقة تفكير تحفظ لك نسبة السعادة.. وحين تتضايق عند حدوث أمر عابر، اسأل نفسك..
هل كل شخص في هذا العالم سيتضايق عند مواجهة الموقف ذاته بالقدر نفسه؟ أخبار ذات صلة د. شريف عرفة يكتب: فن الهدوء د. شريف عرفة يكتب: كيف تكلم عقلك الباطن؟
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شريف عرفة یحافظ على
إقرأ أيضاً:
مؤمن الجندي يكتب: مسرحية بلا فصل أخير
في مسرح الحياة، تُضاء الأنوار على خشبة متآكلة، تتكرر على سطوحها الوجوه ذاتها، بملامح حفظناها عن ظهر قلب.. وجوهٌ اعتادت الوقوف تحت الأضواء، تدّعي التغيير وهي ذاتها التي صنعت الغبار فوق أحلام الإصلاح، كلما هلّت بشائر الأمل، عادوا لينتزعوا من قلوبنا شرارة الترقب، ويغرسوا مكانها رماد الخيبة.
مؤمن الجندي يكتب: كأس مها سلامة مؤمن الجندي يكتب: ولي العهد والنيل الذي لا يجف أبدًاإنها الوجوه التي تتقن التحول، ترتدي أقنعةً جديدة عند كل انتخابات، وتبيع شعارات مطلية بوعودٍ زائفة، نرى الطموحات معلقة بين صخب الشعارات، بينما الحقيقة تكمن في تلك الأيادي التي ألفت احتكار الكراسي، تتشبث بها بإصرار غريب، وكأنها جذور زرعت تتغذى على حلم التغيير حتى يموت قبل أن يولد.
في ظلال هذه الدوامة، يبقى الأمل محاصرًا، وحلم الإصلاح طيفًا بعيدًا، يهيم في أفق مستحيل.. تستمر الوجوه، وتستمر معها الخيبات، كأننا في مسرح عبثي يتكرر بلا نهاية، يتركنا نتساءل: هل هناك حقًا أملٌ في تغيير، أم أن حكايتنا ستبقى مسرحية بلا فصل أخير؟
في ظلال الملاعب المصرية، حيث كنا نشهد على مرّ العقود مواسم من الشغف والانتصارات، تتصاعد اليوم أصوات الشكاوى، وتملأ المشهد ملفات قضائية وبلاغات، وأحكام بحبس لاعبين، وتسريبات تهدد أساس اللعبة الجميلة، لتتحول كرة القدم المصرية إلى ميدانٍ للجدل والخيبة، في مشهد يعكس تراجيديا مركبة من الفساد، والغموض، والانهيار.
من ساحات للتنافس الشريف إلى ميدانٍ لتسريبات وبلاغاتمن بين التفاصيل الصغيرة التي أُغفلت لتتضخم وتصبح جزءًا من صورة شاملة من التدهور، يبرز فساد الإدارة الرياضية، وكأن الفساد نسيج أصيل، يعانق الفشل ويخترق الساحة الرياضية.. أصبحت الرياضة بشكل عام تُدار بطرق لا تتوافق مع تطلعات الجماهير التي تبحث عن المتعة والنزاهة في لعبة يعشقونها، وبدلًا من أن تكون الملاعب ساحات للتنافس الشريف، تحولت إلى ميدانٍ تسريبات وبلاغات.
وصلنا الآن إلى أحكام بحبس بعض اللاعبين، وتورطهم في قضايا نصبٍ واحتيال والتعدي على المواطنين داخل وخارج الدولة، جعلهم يقفون في صفوف المتهمين في قاعات المحاكم بدلًا من الركض على أرض الملاعب، وبدلًا من تحقيق الانتصارات، أصبحوا مادةً للإثارة الصحفية والاجتماعية.. تلك الأخبار التي كانت تروّج لمجدهم، تروّج اليوم لانهيارهم، وكأنهم فقدوا بوصلة شرف الرياضة، وانحرفوا عن درب الأخلاق، لتبدأ رحلتهم من الشهرة إلى المحاكم.
ولا ننس التسريبات التي تفجرت كقنبلة موقوتة، محملة بأسرار غرفة التحكيم داخل الاتحاد المصري لكرة القدم والتي كشفت عما يدور خلف الكواليس، وكأن هذا الحلم الرياضي أضحى صراعًا تملؤه النزاعات والتآمرات.. تلك التسريبات لم تكتفِ بكشف المستور، بل حطمت الثقة بينهم وبين الجماهير ومنظومة كرة القدم ذاتها، وكأن تلك التسريبات فتحت أبواب الجحيم على سمعة كرة القدم المصرية.
مؤمن الجندي يكتب: حسن "سبانخ" الكرة المصرية مؤمن الجندي يكتب: نشر الغسيل بالمقلوب مؤمن الجندي يكتب: وداعًا قصاص السيرة مؤمن الجندي يكتب: مُحلل خُلعفي النهاية، يقف المشجع المصري حائرًا، بين ولاءه للعبة التي أحبها وبين خيبة الأمل التي أصبحت تعصف به.. كرة القدم التي كانت تنبض بأحلام الفقراء وتمنحهم مساحة من الفرح وسط صعوبات الحياة، أضحت اليوم مرآة تعكس الخيبة والمصالح الضيقة، بعدما تغلغل الفساد ليأكل من جذورها ويفسد طعمها.
إذا كان هناك أمل في عودة كرة القدم المصرية إلى سابق عهدها، فإن هذا الأمل لن يتحقق إلا بانتفاضة رياضية، يقودها إصلاح شامل، يعيد بناء الثقة، ويزيح المصالح عن ميدان اللعبة.. ولكن كيف والأمل هو ترشح نفس الأشخاص والوجوه القديمة لتتصدر المشهد مرة أخرى! فهل نرى قريبًا عودة للبهجة، أم أن هذه الأزمة ستحفر في الذاكرة كحقبة سوداء من تاريخ كرة القدم المصرية؟
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا