صحيفة الاتحاد:
2025-01-31@20:18:14 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: التفاوضية الثقافية

تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT

تأتي نظرية التفاوضية لإعادة نظام التفكير حول المفاهيم الكبرى التي تدير علاقات البشر فيما بينهم ذاتياً ومجتمعياً، وهي مفاهيم العدالة والحرية والمساواة.
وحسب جون راولز، فالحرية والمساواة هما ركنا العدالة ولا تقوم العدالة إلا بهما، غير أن تعريف راولز سيصطدم بمقولات أفلاطون بأن الحرية والمساواة شر أكيد، لأنها تساوي بين العبد والسيد، ولو احتكمنا للواقع البشري فسنجد أن مقولات أفلاطون هي التي تصف حال السلوك البشري ليس في أثينا حيث نبتت هذه الأفكار فحسب، بل أيضاً أن هذا ما تشهد عليه حال أفضل الديمقراطيات العصرية، حيث شاهد العالم كله شاشات الفضائيات وهي تبث جملة (حياة السود مهمة/ Black Lives Matter)، وهذه جملة ثقافية تكشف حال العدالة بين الحرية والمساواة، فتؤكد حقيقة مقولة أفلاطون حتى يومنا هذا.


ورغم أن في أميركا دستوراً مقرراً ومعتمداً يعزز مفاهيم الحرية والمساواة بين المواطنين والمواطنات غير أن الواقع يكشف عن تمييزات تعلي من مقام المواطنين بأعلى من المواطنات كما تعلي من مقام البيض بأعلى من مقام السود، وهنا ينشأ المأزق المفاهيمي الذي صاغة أفلاطون بوضوح يبلغ حد البجاحة، وتصوغه سلوكيات البشر والثقافة بوضوح حاد لدرجة قيام مظاهرات في أهم ديمقراطية شهدها التاريخ البشري لكي تصرخ المظاهرات بأن الحياة مهمة ليس لفئة دون فئة بل للجميع، وهذا مطلب لما يزل معلقاً في فضاء النظريات وفي فضاء الأمنيات.
ولن تُحل العقدة المفاهيمية/ السلوكية إلا باعتماد مقولة (التعددية الثقافية)، أي أن العدالة والحرية والمساواة ستظل كلها قابلةً للانحياز وللتوظيف الذي سماه أفلاطون بالقوي، فتجعل الحرية للأقوى والعدالة للأقوى ولا مفر من ذلك ما لم تتعزز نظرية التعددية الثقافية، ومن تعززها تنشأ المساواة بين المختلفين لوناً أو جنساً أو ديناً أو لغة بما أن هذه تعددية بشرية وواقعية، وإذا تم الانطلاق من مقولة التعددية الثقافية، فسيلزم حينها أن ينتفي مفهوم القوي الذي هو مستبد بإغراء قوته لدرجة أن يترجم المعاني لتكون في خدمته وخدمة ثنائية (السيد/ العبد) وهي الثنائية التي لا تقف عند أفلاطون، بل نجدها عند هيجل بمثل ما نراها في واقع الحياة البشرية، حيث تتكشف عن تمييزات قد لا تقول بثنائية السيد العبد صراحةً، ولكنها تمارسها عملياً في السلوك وفي الخطاب وفي الميول والتفضيلات، وهنا لن تقوم التفاوضية الثقافية إلا بشرط الأركان الأربعة مجتمعةً ومبتدئة أولاً وقطعاً من التعددية الثقافية، ومن ثم تنبني عليها مفاهيم الحرية والمساواة لتنتهي بعدالة تشمل الكل، ودون ذلك ستظل الحرية والمساواة والعدالة للأقوى الذي لا يصنع القوانين فحسب بل هو من يفسرها، ومن ثم يحكم بها ويطبقها، وفي هذه العمليات يجري دفعها للأقوى وتأتي مظاهرات في مطلع القرن الحادي والعشرين لتطالب بإعادة الاعتبار للمهمشين وهم الأكثرية العددية، وكل ذنبهم هو اختلافهم عن طبقة السادة، ما يلغي حقوق التعددية الثقافية، ومن ثم يحرف المعاني لتكون لمصلحة فئة متنفذة دون فئات ستظل في الهامش المعنوي باستمرار.

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: العمامة زيادة في القامة د. عبدالله الغذامي يكتب: هل يربي المرء ذاته

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين

البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين

مقالات مشابهة

  • شارع المتنبي.. ذاكرة بغداد الثقافية تنبض بالحياة كل جمعة (صور)
  • د.حماد عبدالله يكتب: جدد حياتك !!
  • الإمارات والأمم المتحدة تعززان تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين
  • د.حماد عبدالله يكتب: "طمعنجى بناله بيت فلسنجى سكن له فيه"
  • أحمد الخير: جل ما نطالب به وحدة المعايير في التأليف والمساواة في التمثيل بين الكتل
  • البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
  • عبدالله علي صبري: الأسرى الفلسطينيون في رحاب الحرية وفضاءات المجد
  • كاتب عماني: القاهرة هي «الرئة الثقافية العربية»
  • د.حماد عبدالله يكتب: الأعلام المصرى مفتقد ( للقائد ) !!
  • مهرجان بابل يحتفي بالشارقة المدينة الثقافية للعام 2024