فضل قضاء حوائج الناسمن أهم القربات إلى الله تعالىنجاة وتفريج الكربات في الدنيا والآخرةالفطرة الإنسانية السوية تدعو إليها

اجتمعت كلمة العلماء والأئمة اليوم الجمعة، على فضل قضاء حواج الناس، حيث شددت وزارة الأوقاف، خلال خطبة الجمعة الموحدة على فضل قضاء حوائج الناس بين المندوب والمستحب.

وقال وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة في رسائله بمسجد ناصر بمدينة بنها، إن من أهم القربات إلى الله تعالى، وهو إما أن يكون واجبًا محددًا يأثم من يتركه أو يخل به، وإما أن يكون مندوبًا أو مستحبًا يثاب من يفعله، وقد يكون قضاء حوائج الناس ماليًّا، وقد يكون خدميًّا.

وبين أن الجانب المالي محدد بالزكاة التي هي ركن كالصلاة، فمن لم يؤد زكاة ماله كتارك الصلاة سواء بسواء، وأما الجانب الخدمي فكل من كُلَّف أو تولى عملًا عامًّا أو خاصا، وكل من يتقاضى راتبًا مقابل القيام على خدمة من خدمات الناس، أيًّا كان وضعه كالطبيب في مشفاه، والمعلم في المدرسة، والموثِّق والخبير وكل من يقدم خدمة وجب عليه أداء حقها وقتًا وأداءً، فإن أخل بالوقت أو بالأداء كان آثمًا؛ لأنه يتقاضى أجره وراتبه على أداء هذه الخدمة، فأداء الواجب بتفانٍ وإخلاص أمر ثوابه عظيم، وإن قصر في أدائها فهو يأكل سحتًا بمقدار تقصيره.

التلطف في قضاء الحوائج بر وصدقة

ووجه الوزير أصحاب الأموال أن يؤدوا زكاة أموالهم، فإذا ما أدى الإنسان الخدمة الواجبة والزكاة الواجبة انتقل بعد ذلك إلى الفضل والسعة وهو باب الصدقات والإحسان، فالطبيب يؤدي واجبه في معالجة مرضاه ثم يحسن معاملتهم، وإحسان معاملتهم صدقة، والمعلم يؤدي دروسه في المدرسة ويحسن إلى طلابه وإحسانه إلى طلابه صدقة، فالصدقة لا تنحصر في المال، حيث يقول سبحانه: "وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"، أيَّ خير، ولا خير يتقدم على قضاء حوائج الناس.

يقول سبحانه: "وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"، فجاء لفظ (خير) ولفظ (شيء) نكرة ليعم كل وجوه الإنفاق، فالكلمة الطيبة صدقة، والإحسان إلى المتعاملين صدقة، والتلطف في قضاء الحوائج بر وصدقة، فإذا وجدت الناس يجلسون في الشمس واستطعت أن تجلسهم في الظل، أو أن تهيئ لهم مكانًا، أو أن تسرِّع في معاملتهم، أو أن تخصص عددًا أكبر من الموظفين لسرعة قضاء حوائجهم فهذه صدقة يثاب عليها المرء حتى على وظيفته العامة إن قصد بها وجه الله (عز وجل) يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً"، فإذا قمت بعملك على الوجه الأكمل فهو لك صدقة، لأنك أحسنت أداء العمل.

وأكد وزير الأوقاف أن الإسلام جعل قضاء حوائج الناس والتكافل المجتمعي في منزلة عالية، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ"، وقد قالوا: ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، وحتى إلى جانب الأديان فالفطرة الإنسانية السوية تدعو إلى قضاء حوائج الناس.

بينما أكد علماء الأزهر والاوقاف أن قضاء حوائج الناس من القيم النبيلة التي دعا إليها ديننا الحنيف، وجعلها من أحب الأعمال إلى الله (عز وجل)، وعدَّ المتصفين بها من أحب الناس إليه سبحانه، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي: مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا".

وقد وعد الله (عز وجل) من يقضي حوائج الناس بالسلامة والنجاة وتفريج الكربات في الدنيا والآخرة، حيث يقول نبينا (صلوات ربي وسلامه عليه): "صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ، وَالْآفَاتِ وَالْهَلَكَاتِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ".

من صفات الأنبياء

كما أن قضاء حوائج الناس من صفات الأنبياء المصطفَين (عليهم السلام)، فهذا موسى (عليه السلام) حين ورد ماء مدين، وجد جماعة من الناس يسقون أنعامهم، ووجد من دونهم امرأتين لا تسقيان حتى يفرغ الرجال الأقوياء من سقي أنعامهم ودوابهم، فلما عرف (عليه السلام) حاجتهما تقدم بنفسه وسقى لهما، حيث يقول الحق سبحانه: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ".

وهذا نبينا (عليه الصلاة والسلام) تقول له السيدة خديجة (رضي الله عنها): "وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ"، فكانت حياته (صلى الله عليه وسلم) خير مثال يحتذى به في قضاء حوائج الناس.

غير أن قضاء حوائج الناس منه ما هو واجب، من خلال الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة، فبها تُقضى حاجات الناس، وتُفَرَّج كرباتهم، حيث يقول الحق سبحانه: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا"، ويقول سبحانه: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)، وقد قرن الله (عز وجل) الزكاة في كثير من المواضع بأعظم الفرائض وأجلِّها وأعلاها مكانة، وهي الصلاة تعظيمًا لشأنهما، حيث يقول الحق سبحانه: "وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "، ويقول تعالى: "الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ".

وجوب قضاء حوائج الناس

ويدخل في وجوب قضاء حوائج الناس كلُّ مَن كُلِّف بالقيام بأمر من أمور حياتهم أيًّا كان تكليفه، وعليه أن ييسر ما استطاع إلى التيسير سبيلًا، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا).

ومن قضاء حوائج الناس المندوب إليه ما كان من خلال الصدقات التي تدعم دور الزكاة في تحقيق دورها المجتمعي، لذلك جاء الشرع الحنيف بالحث عليها والترغيب فيها، حيث قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "إِنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ"، ثُمَّ تَلا قول الله تعالى: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ".

ولا شك أن أجر الصدقات عظيم، وخيرها عميم، حيث يقول الحق سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ".

فما أحوجنا إلى قضاء حوائج الناس، من خلال البذل والعطاء الواجب والمندوب، سواء أكان زكاة مفروضة، أم صدقاتٍ جارية، أم صدقاتٍ عامة، كما أن الأخذ بيد الضعيف صدقة، وإغاثة الملهوف صدقة، وكف الأذى عن الطريق صدقة، وإعانة ذوي الحوائج صدقة، وكل معروف صدقة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: قضاء حوائج الناس وزارة الأوقاف خطبة الجمعة صلى الله علیه وسلم قضاء حوائج الناس حوائج الناس م الله تعالى إلى الله م ع ر وف الله ت

إقرأ أيضاً:

وكيل الأزهر: الصيام تدريب للنفس للوقوف على حدود الله تعالى

قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن الله شرع الصيام تهذيبا للنفوس وتربية للسلوك، ليس فقط في علاقة المؤمن بالله تعالى فحسب، ولكن أيضا في علاقة المؤمن بأخيه المؤمن، بأنه قد أقبل على شهر رمضان في شحذ للهمم للصيام والقيام والتقرب إلى الله تعالى، ممتثلا لله تعالى تاركا ما كان مباحا له، منتهيا إلى حدود الله في وقت الصيام.

رئيس جامعة الأزهر: القرآن يصوّر المنافقين بأبلغ التشبيهات ويحذر من نفاق القلوبالجامع الأزهر يواصل استقبال رواده من مصر والعالم لأداء صلاتي العشاء والتراويح

وأوضح وكيل الأزهر، خلال درس التراويح الخميس، بالجامع الأزهر، أن في الصيام تدريب للنفس للوقوف على حدود الله تعالى، وبما ينعكس على تهذيب لسلوك المسلم في تفسير لما جاء بعد آيات الصيام، حيث انتقل تعالى بعد بيان أحكام الصيام إلى بيان أحكام جانب مهم من معاملة الإنسان لأخيه الإنسان، وأن السعادة لا تكتمل له إلا إذا أطاب مطعمه وامتنع عن شهادة الزور وعن أكل أموال الناس بالباطل في قوله تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون"، فالمسلم قد كف عن الطعام والله تعالى يراقبه، امتثالا وطاعة لله تعالى.

وبين أن الصيام يهذب سلوك المسلم فلا يأكل أموال الناس بالباطل، ويبتعد عن الغش وغيره من الأساليب التي فيها احتيال من الإنسان على أخيه الإنسان، فهو يعلم المسلم الأمانة في التعامل مع غيره، مثلما توضح لنا الآية الكريمة، التي تنهى كذلك عن أكل الحرام، في جميع المعاملات، في البيع والتجارة وغيرها، فحرم التلاعب بأسعار السلع واحتكارها، وعلى المسلم أن يعلم أن كل تدليس واستغلال لحاجة الناس محرم شرعا، وعليه تحري مطعمه ومشربه وملبسه، فلا احتكار ولا غش ولا تدليس ولا تلاعب بالأسعار ولا تلاعب بالأسواق، لأن هذا يهدر علاقة المسلم بالله تعالى.

واختتم وكيل الأزهر أن الصيام مدرسة تعلمنا فيها التواد، وتعلمنا فيها التواصل، وتعلمنا فيها الوقوف على حدود الله تعالى، ألا فانتهوا إلى حدود الله تعالى حتى تستقيم لكم الحياة، فتفوزون برضا الله في الدنيا، وتفوزون برضاه تعالى ومغفرته في الآخرة.

مقالات مشابهة

  • وأينما زُرِعتَ فأثمِر ..!!
  • فضل الصلاة على النبي وكيفية محبة الرسول.. تعرف عليها
  • هل يصح صيام تارك الصلاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • عقوبة عقوق الوالدين معجّلة في الدنيا
  • بث مباشر.. صلاة التراويح من الجامع الأزهر في ليلة النصف من رمضان
  • وكيل الأزهر: الصيام تدريب للنفس للوقوف على حدود الله تعالى
  • في محاضرته الرمضانية الثالثة عشرة.. قائد الثورة : ما جاء من الله رحمة وهداية لما فيه الخير في الدنيا والآخرة
  • الوقف.. «الصدقة الجارية»
  • صلاة تجعل الملائكة تسأل عنك في رمضان.. يغفلها الكثيرون
  • «هشام عبد العزيز»: قضاء حوائج الناس من أعظم القربات إلى الله