استلهام الموروث الثقافي البحريني في التشكيل المحلي
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
لطالما استوحى الفاعلون والمبدعون تراثهم وموروثهم، واستلهموه عبر توظيفه في فنونهم ومخرجات إبداعاتهم، فكان هذا الاستلهام، توثيقًا سجّل لماضٍ تلاشى مع تقادم الأيام، خاصة مع دخول الشعوب في أطوار مختلفة من سبل العيش وأشكالها، ما غير معه تعاطيهم مع الحياة، ونظرتهم للأشياء.. والتي شكلت في يومٍ ما عاداتهم، وتقاليدهم، وفهمهم للواقع المحيط.
منذ انطلاق الفن التشكيلي في البحرين على يد رواد الحركة التشكيلية، وظف الموروث البحريني واستلهم بشتى تجلياته في الاشتغالات الفنية، ما أفضى لأعمالٍ أضحت بمنزلة وثائق تكشف أساليب العيش، وطرق الصيد، والعادات والتقاليد في المناسبات، وأشكل العمران، والأسواق... إلخ. صحيح بأن جزءًا كبيرًا من ما تكشفه هذه الاشتغالات، هو واقع معاش بالنسبة للفنانين الذين انتجوه، حيث عايش الرواد ذلك الواقع، وعكسوه في اشتغالهم، بوصفه انطباعية فنية، بعكس الفنانين المتأخرين الذين ربما عايشوا بعضًا منه، لكنهم يعيدونه في أعمالهم «نستولوجيا» لماضٍ لم تعد تجلياته معاشة. هذا التلاشي الذي ألم بالموروث البحريني، كغيره من الموروثات الشعبية لدى مختلف المجتمعات الإنسانية، هو ما نبهت إليه «اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي» الصادرة عن (اليونسكو) من أن «عمليتي العولمة والتحول الاجتماعي، إلى جانب ما توفرانه من ظروف مساعدة على إقامة حوار متجدد فيما بين الجماعات، فإنهما (...) تعرضان التراث الثقافي غير المادي لأخطار التدهور والزوال والتدمير». وبالعودة إلى تعريف التراث الثقافي غير المادي، كما جاء في الاتفاقية، فإنه «الممارسات، والتصورات، وأشكال التعبير، والمعارف، والمهارات - وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية - التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانًا الأفراد، جزءًا من تراثهم الثقافي»، فعن هذا التراث وتجليه، سنعرض لأعمالٍ استلهمته، وحاولت من خلال اشتغالها، توثيقه فنيًا، خاصة إذا ما تبنينا وجهة نظر الفنان الراحل راشد العريفي، الذي كان يرى في مختلف جوانب الأداءات البحريني فنًا، إذ يقول: «لو أمعنا النظر في الفن البحريني لوجدناه في كل الجهات والجوانب؛ نجده في طرب متنوع، له تقاليده وأصواته وأدواته، في رقص جماعي معبر ومتميز، تمكن من أن يجعل لنفسه سمات وخصائص معينة، واتخذ له أسماء يعرف بها، وارتبط بشكل وثيق بحياة الناس، حتى بات من أهم وأبرز أدوات التعبير الفني عن همومهم وأفراحهم»، الأمر الذي يجعل من المجتمع البحريني مجتمعًا غنيًا بالفنون، في إيقاع الطبل، والطار، والمرواس، والعود.. في فن الصوت، في الجداريات، والأختام التي تعود لمحتلف الحضارات التي مرت على هذه الأرض، في الملابس الشعبية التي ترتديها النسوة، في الجلسات المطرزة بأيدي النسوة، في العمارة.. فهو كما يؤكد العريفي متجلٍّ في كل شيء «من أبسط الأشياء وحتى أكثرها تقعيدًا، كأن الإنسان في البحرين قد قطع على نفسه وعدًا أن ينفث من روحه ومن إحساسه في كل ما يفعل، وفي كل ما تصنعه يداه». في هذه النماذج التي نعرض لها أشكالٌ من الاشتغالات لفنانين من أجيالٍ مختلفة، استلهموا التراث، ووثقوه فنًا في أعمالهم، ليشكل ذاكرة، وإن اختفت تمظهراتها، إلا أن صورها باقية ببقاء هذه الأعمال الفنية، والبداية مع جيل الرواد، فلطالما اشتغال الفنان كريم العريض على ثيمة الأسواق، وتوثيق حياة الإنسان البحريني في مختلف تجلياتها، ووثق في أعماله للعمارة البحرينية، وأنماطها الهندسية، وللمقاهي الشعبية، والبيئات البحرية والزراعية، كما وثق للأحياء وأشكال الحياة فيها. فيما استوحى الفنان راشد العريفي التراث البحريني، مركزًا على استيحاء مخرجات الحضارة الدلمونية، التي أعاد صياغتها لتشكل أسلوبًا خاصًا به، سمي بـ«الدلمونية»، بالإضافة لتوثيقه أنماط الحياة والعمارة في البحرين القديمة. وكذلك فعل الفنان راشد سوار، بإعادة تصوير التمظهرات الحياتية للمجتمع البحريني، وتوثيقه للممارسات من صيد، وألعاب شعبية، وجلسات سمر وأنس، وعادات... وهو الأمر الذي جلاه عبدالكريم البوسطة في أعماله التي توثق للعادات والتقاليد الشعبية. وصولاً للفنان عبدالله المحرقي، الذي أحدث نقلة نوعية في إعادة صياغة الموروث الشعبي في أعماله، كاستلهام عادات الزواج، والكتاتيب، وحياة الصادين ومعاناتهم، إلى جانب حضور الخيل، والحرف اليدوية وغيرها من التجليات الأخرى. ومن أبرز فناني الجيل اللاحق لجيل الرواد، الفنان عباس الموسوي، الذي أعاد صياغة الأسواق الشعبية، والأحياء، والفضاءات الطبيعية. أما الفنان عبدالله يوسف، فركز على الفضاء العمراني، وعناصر الثقافة البحرينية. فيما أعاد الفنان فريد بوقيس توظيف المرأة البحرينية بأزيائها الشعبية في لوحاته، وكذلك فعل الفنان عمر الراشد، الذي أعاد صياغة التراث الشعبي المتمثل بالبيوت، والمساحات المفتوحة فيها (الحوش)، بالإضافة للمرأة البحرينية بأزيائها الشعبية، وهو ما ركز عليه الفنان أحمد عنان، الذي لطالما عالجت اشتغالاته موضوع المرأة، بتجليات وظائفها الاجتماعية والحياتية. بدورها، قدمت الفنانة أشرف الجواهري أعمالاً تستوحي المنزل البحريني، وحضور النخلة في الثقافة الشعبية، والزي الشعبي، وفضاءات القرية. أما الفنانة لبنى الأمين، فاشتغلت على ثيمة البحر ودورها في الذاكرة البحرينية. فيما قدمت الفنانة هلا آل خليفة أعمالاً تستلهم الدور المركزي للصيد في حياة الإنسان البحريني، بالإضافة لاستيحاء «برقع» الصقر، في عددٍ من أعمالها. وفي اشتغالاته قدم الفنان علي أحمدي إطلالة على العادات والتقاليد، من خلال لوحات عكست تقاليد المجتمع البحريني في الزواج، بالإضافة لتركيزة على الأزياء الشعبية، وأبعادها الفنية، وهو الأمر الذي قدمته الفنانة لينا الأيوبي عبر التركيز على المرأة البحرينية بسحنتها التقليدية، وموتيفات أزيائها، وحضور الذهب في حياتها. ووظف الفنان عادل العباسي التراث في اشتغالاته، مركزًا على ثيمة الخيل، والعناصر الدلمونية، وعناصر التراث الأخرى، كالدلة، والمبخر، إلى جانب لوحته التي تمثل المرأة وهي تضع على رأسها ماكينة الخياطة التي شاع استخدامها في المجتمع البحريني خلال العقود الماضية. وفي المجال النحتي، اشتغل الفنان مهدي البناي على استلهام التراث في مختلف جوانبه، منتجًا العديد من الاشتغالات التي تمثل هذه الثقافة بتفاصيلها، منها تلك التي ركزت على الألعاب الشعبية، والممارسات التقليدية التي اندثرت مع تقدم المجتمع. كما قدم الفنان كريم الجنوبي، في «معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية» الأخير، مجموعة أعمال تحاكي العديد من الألعاب الشعبية.
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا البحرینی فی فی البحرین غیر المادی
إقرأ أيضاً:
وزير الإسكان يشرح لنظيرته البحرينية التجربة العمرانية المصرية.. ويعرض الفرص الاستثمارية المتاحة
شرح المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، التجربة العمرانية المصرية، بمختلف تجلياتها، سواءً في إنشاء وتنمية مدن الجيل الرابع، وكذا توفير الوحدات السكنية بمختلف أنواعها لشرائح المجتمع، وتطوير المناطق غير الآمنة وغير المخططة، بجانب عرض الفرص الاستثمارية المتاحة بمختلف أنواعها بالمدن الجديدة.
جاء ذلك خلال مشاركته بجلسة حوارية مع المهندسة آمنة بنت أحمد الرميحى، وزيرة الإسكان والتخطيط العمراني بمملكة البحرين، على هامش معرض سيتى سكيب بالرياض، وبحضور ماجد الحقيل، وزير البلديات والإسكان بالمملكة العربية السعودية، وعدد من المشاركين بالمعرض.
وخلال الجلسة الحوارية، تطرق المهندس شريف الشربيني، إلى أهم المشروعات الرائدة التى حققتها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية بعهد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وفى مقدمتها مشروعات منطقة الأعمال المركزية والحدائق المركزية العاصمة الإدارية الجديدة، والتى يتم تنفيذها لأول مرة بمصر، وكذا مشروعات مدينة العلمين الجديدة "باكورة المدن الجديدة بالساحل الشمالى الغربى" وغيرها من المشروعات بمدن الجيل الرابع.
كما أشار وزير الإسكان، إلى الفرص الاستثمارية المتاحة بمختلف أنواعها للمستثمرين من مختلف أنحاء العالم، وخاصة أشقائنا المستثمرين بدول الخليج، وكذا استعداد الدولة المصرية ممثلة فى وزارة الإسكان لتصدير ومشاركة تجربتها العمرانية مع الأشقاء بالدول العربية والإفريقية، إضافة إلى تصدير العقار فى إطار المحفزات التى توفرها الدولة لحصول غير المصريين على العقار داخل مصر.
وذكر الوزير، تجربة الدولة المصرية، ممثلة فى وزارة الإسكان، فى الشراكة مع القطاع الخاص والمطورين العقاريين لتنفيذ عدد من المشروعات العمرانية الرائدة، وقد حققت تلك المشروعات نجاحاً كبيراً، ووفرت أنماطا متعددة من المنتجات العقارية، مؤكداً أن الدولة المصرية لديها قدر كبير من المرونة والاستيعاب لكل أشكال المشاركة مع القطاع الخاص.