لطالما استوحى الفاعلون والمبدعون تراثهم وموروثهم، واستلهموه عبر توظيفه في فنونهم ومخرجات إبداعاتهم، فكان هذا الاستلهام، توثيقًا سجّل لماضٍ تلاشى مع تقادم الأيام، خاصة مع دخول الشعوب في أطوار مختلفة من سبل العيش وأشكالها، ما غير معه تعاطيهم مع الحياة، ونظرتهم للأشياء.. والتي شكلت في يومٍ ما عاداتهم، وتقاليدهم، وفهمهم للواقع المحيط.

ولا يختلف في هذا السياق الإنسان البحريني عن غيره، إذ استوحى تراثه وموروثه المادي وغير المادي، في عديد من أشكال الحياة المعاصرة، منها الفنون التشكيلية، التي سنسلط الضوء عليها في هذا التقرير، مستقرئين تجلي الموروث البحريني فيها.
منذ انطلاق الفن التشكيلي في البحرين على يد رواد الحركة التشكيلية، وظف الموروث البحريني واستلهم بشتى تجلياته في الاشتغالات الفنية، ما أفضى لأعمالٍ أضحت بمنزلة وثائق تكشف أساليب العيش، وطرق الصيد، والعادات والتقاليد في المناسبات، وأشكل العمران، والأسواق... إلخ. صحيح بأن جزءًا كبيرًا من ما تكشفه هذه الاشتغالات، هو واقع معاش بالنسبة للفنانين الذين انتجوه، حيث عايش الرواد ذلك الواقع، وعكسوه في اشتغالهم، بوصفه انطباعية فنية، بعكس الفنانين المتأخرين الذين ربما عايشوا بعضًا منه، لكنهم يعيدونه في أعمالهم «نستولوجيا» لماضٍ لم تعد تجلياته معاشة. هذا التلاشي الذي ألم بالموروث البحريني، كغيره من الموروثات الشعبية لدى مختلف المجتمعات الإنسانية، هو ما نبهت إليه «اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي» الصادرة عن (اليونسكو) من أن «عمليتي العولمة والتحول الاجتماعي، إلى جانب ما توفرانه من ظروف مساعدة على إقامة حوار متجدد فيما بين الجماعات، فإنهما (...) تعرضان التراث الثقافي غير المادي لأخطار التدهور والزوال والتدمير». وبالعودة إلى تعريف التراث الثقافي غير المادي، كما جاء في الاتفاقية، فإنه «الممارسات، والتصورات، وأشكال التعبير، والمعارف، والمهارات - وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية - التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانًا الأفراد، جزءًا من تراثهم الثقافي»، فعن هذا التراث وتجليه، سنعرض لأعمالٍ استلهمته، وحاولت من خلال اشتغالها، توثيقه فنيًا، خاصة إذا ما تبنينا وجهة نظر الفنان الراحل راشد العريفي، الذي كان يرى في مختلف جوانب الأداءات البحريني فنًا، إذ يقول: «لو أمعنا النظر في الفن البحريني لوجدناه في كل الجهات والجوانب؛ نجده في طرب متنوع، له تقاليده وأصواته وأدواته، في رقص جماعي معبر ومتميز، تمكن من أن يجعل لنفسه سمات وخصائص معينة، واتخذ له أسماء يعرف بها، وارتبط بشكل وثيق بحياة الناس، حتى بات من أهم وأبرز أدوات التعبير الفني عن همومهم وأفراحهم»، الأمر الذي يجعل من المجتمع البحريني مجتمعًا غنيًا بالفنون، في إيقاع الطبل، والطار، والمرواس، والعود.. في فن الصوت، في الجداريات، والأختام التي تعود لمحتلف الحضارات التي مرت على هذه الأرض، في الملابس الشعبية التي ترتديها النسوة، في الجلسات المطرزة بأيدي النسوة، في العمارة.. فهو كما يؤكد العريفي متجلٍّ في كل شيء «من أبسط الأشياء وحتى أكثرها تقعيدًا، كأن الإنسان في البحرين قد قطع على نفسه وعدًا أن ينفث من روحه ومن إحساسه في كل ما يفعل، وفي كل ما تصنعه يداه». في هذه النماذج التي نعرض لها أشكالٌ من الاشتغالات لفنانين من أجيالٍ مختلفة، استلهموا التراث، ووثقوه فنًا في أعمالهم، ليشكل ذاكرة، وإن اختفت تمظهراتها، إلا أن صورها باقية ببقاء هذه الأعمال الفنية، والبداية مع جيل الرواد، فلطالما اشتغال الفنان كريم العريض على ثيمة الأسواق، وتوثيق حياة الإنسان البحريني في مختلف تجلياتها، ووثق في أعماله للعمارة البحرينية، وأنماطها الهندسية، وللمقاهي الشعبية، والبيئات البحرية والزراعية، كما وثق للأحياء وأشكال الحياة فيها. فيما استوحى الفنان راشد العريفي التراث البحريني، مركزًا على استيحاء مخرجات الحضارة الدلمونية، التي أعاد صياغتها لتشكل أسلوبًا خاصًا به، سمي بـ«الدلمونية»، بالإضافة لتوثيقه أنماط الحياة والعمارة في البحرين القديمة. وكذلك فعل الفنان راشد سوار، بإعادة تصوير التمظهرات الحياتية للمجتمع البحريني، وتوثيقه للممارسات من صيد، وألعاب شعبية، وجلسات سمر وأنس، وعادات... وهو الأمر الذي جلاه عبدالكريم البوسطة في أعماله التي توثق للعادات والتقاليد الشعبية. وصولاً للفنان عبدالله المحرقي، الذي أحدث نقلة نوعية في إعادة صياغة الموروث الشعبي في أعماله، كاستلهام عادات الزواج، والكتاتيب، وحياة الصادين ومعاناتهم، إلى جانب حضور الخيل، والحرف اليدوية وغيرها من التجليات الأخرى. ومن أبرز فناني الجيل اللاحق لجيل الرواد، الفنان عباس الموسوي، الذي أعاد صياغة الأسواق الشعبية، والأحياء، والفضاءات الطبيعية. أما الفنان عبدالله يوسف، فركز على الفضاء العمراني، وعناصر الثقافة البحرينية. فيما أعاد الفنان فريد بوقيس توظيف المرأة البحرينية بأزيائها الشعبية في لوحاته، وكذلك فعل الفنان عمر الراشد، الذي أعاد صياغة التراث الشعبي المتمثل بالبيوت، والمساحات المفتوحة فيها (الحوش)، بالإضافة للمرأة البحرينية بأزيائها الشعبية، وهو ما ركز عليه الفنان أحمد عنان، الذي لطالما عالجت اشتغالاته موضوع المرأة، بتجليات وظائفها الاجتماعية والحياتية. بدورها، قدمت الفنانة أشرف الجواهري أعمالاً تستوحي المنزل البحريني، وحضور النخلة في الثقافة الشعبية، والزي الشعبي، وفضاءات القرية. أما الفنانة لبنى الأمين، فاشتغلت على ثيمة البحر ودورها في الذاكرة البحرينية. فيما قدمت الفنانة هلا آل خليفة أعمالاً تستلهم الدور المركزي للصيد في حياة الإنسان البحريني، بالإضافة لاستيحاء «برقع» الصقر، في عددٍ من أعمالها. وفي اشتغالاته قدم الفنان علي أحمدي إطلالة على العادات والتقاليد، من خلال لوحات عكست تقاليد المجتمع البحريني في الزواج، بالإضافة لتركيزة على الأزياء الشعبية، وأبعادها الفنية، وهو الأمر الذي قدمته الفنانة لينا الأيوبي عبر التركيز على المرأة البحرينية بسحنتها التقليدية، وموتيفات أزيائها، وحضور الذهب في حياتها. ووظف الفنان عادل العباسي التراث في اشتغالاته، مركزًا على ثيمة الخيل، والعناصر الدلمونية، وعناصر التراث الأخرى، كالدلة، والمبخر، إلى جانب لوحته التي تمثل المرأة وهي تضع على رأسها ماكينة الخياطة التي شاع استخدامها في المجتمع البحريني خلال العقود الماضية. وفي المجال النحتي، اشتغل الفنان مهدي البناي على استلهام التراث في مختلف جوانبه، منتجًا العديد من الاشتغالات التي تمثل هذه الثقافة بتفاصيلها، منها تلك التي ركزت على الألعاب الشعبية، والممارسات التقليدية التي اندثرت مع تقدم المجتمع. كما قدم الفنان كريم الجنوبي، في «معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية» الأخير، مجموعة أعمال تحاكي العديد من الألعاب الشعبية.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا البحرینی فی فی البحرین غیر المادی

إقرأ أيضاً:

بالصور.. انطلاق فعاليات معرض المنتجات العمانية-البحرينية في نسخته السادسة

عبدربه ناصر

تصوير: حميد جعفر

قال الدكتور جمعة بن أحمد الكعبي سفير مملكة البحرين لدى سلطنة عمان إن الإحصائيات الأخيرة تعكس تطورًا ملحوظًا في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين الشقيقين، مشيرًا إلى تحقيق العديد من الإنجازات المشتركة، موضحاً أن عدد الشراكات بين رواد الأعمال في البلدين شهد نموًا من 450 شراكة إلى 500 شراكة في العام 2024 بنسبة ارتفاع بلغت 11%.

وجاء ذلك على هامش بمجمع الدانة، يوم أمس، بحضور عبد الله بن عادل فخرو وزير الصناعة والتجارة، والدكتور جمعة بن أحمد الكعبي سفير مملكة البحرين لدى سلطنة عمان، وفيصل بن حارب بن حمد البوسعيدي سفير سلطنة عمان لدى مملكة البحرين، والشيخ حمد بن سلمان آل خليفة الوكيل المساعد للتجارة المحلية والخارجية، وردينة بنت عامر الحجرية رئيسة جمعية الصداقة العمانية البحرينية، وعدداً من رجال أعمال ومسؤولين ومهتمين.

وأكد السفير الكعبي لــ "الأيام الاقتصادي" أن التبادل التجاري بين البحرين وسلطنة عمان سجل ارتفاعًا ملحوظًا، حيث زادت قيمته من 840 مليون دولار إلى 1.4 مليار دولار في عام 2023، مشيراً إلى ارتفاع عدد المستثمرين العمانيين الذين يمتلكون أسهمًا في الشركات المدرجة في بورصة البحرين إلى 1363 مستثمرًا، بينما بلغ عدد المستثمرين البحرينيين في الشركات المدرجة في سلطنة عمان 696 مستثمرًا.

وفيما يخص السياحة، أشار السفير الكعبي إلى أن عدد السياح القادمين من سلطنة عمان إلى البحرين بلغ 57 ألف سائح، بينما بلغ عدد البحرينيين الذين زاروا عمان 47 ألف سائح، وفي الجانب الاستثماري، شهد عدد التراخيص الممنوحة للمواطنين في المجالات الاقتصادية والاستثمارية زيادة بنسبة 10% ليصل إلى 1400 ترخيص.

 

وأضاف السفير الكعبي أن هذه الإحصائيات تشكل خارطة طريق لتعزيز التعاون المشترك بين البلدين، مشيرًا إلى دور اللجنة العمانية-البحرينية المشتركة برئاسة وزارتي الخارجية في كلا البلدين، موضحاً أن اللجنة ساهمت في توقيع 10 اتفاقيات تعاون، و31 مذكرة تفاهم، و10 برامج تنفيذية لتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.

 

ومن جانبه أشاد فيصل بن حارب بن حمد البوسعيدي سفير سلطنة عمان لدى مملكة البحرين ، بما وصلت اليه العلاقات العمانية – البحرينية من تطور ، وما تشهده من تنامي في كافة المجالات وخاصة على صعيد التجارة وحجم الشراكات في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ،والجهود التي تبذل لتعظيم حجم التبادل التجاري والاستثمارات في كلا البلدين الشقيقين، معتبراً  أن النسخة السادسة من معرض المنتجات العمانية البحرينية  ، هو أحد مظاهر وصور التعاون بين البلدين الشقيقين ، والتي تستهدف دعم وتنمية شريحة رواد الأعمال في إطار خطط وأهداف رؤية السلطنة 2024م .

وتشمل فعاليات معرض المنتجات العمانية-البحرينية السادس، الذي يستمر حتى 12 يناير 2025، مشاركة 30 عارضًا من سلطنة عمان والبحرين، يقدمون مجموعة متنوعة من المنتجات مثل الأزياء، العطور، البخور، اللبان العماني، الحلوى العمانية، الإكسسوارات، والمنتجات التراثية والحرفية، كما يتضمن المعرض أنشطة متنوعة تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والثقافي، ودعم رواد الأعمال الشباب في البلدين، وتشجيع الشراكات الاقتصادية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

ويأتي تنظيم هذا المعرض انطلاقا من العلاقات الاخوية والوثيقة والتاريخية بين البلدين والشعبين الشقيقين، والتي تعكس الرغبة الصادقة وحرص حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وأخية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه، وما يوليانه من توجيهات سامية على تطوير وتنمية العلاقات في كافة المجالات للوصول بها الى اعلى درجات التنسيق والتعاون والتقارب وصولاً الى مرحلة التكامل بين مملكة البحرين وسلطنة عمان.

ومن جانبها قالت ردينة بنت عامر الحجرية رئيسة جمعية الصداقة العمانية البحرينية، إن المعرض شهد مشاركة 30 عارضًا من سلطنة عمان ومملكة البحرين، مما يعكس عمق العلاقات الأخوية والتجارية بين البلدين، مضيفة أن تنظيم هذا المعرض تم بالتعاون مع سفارة سلطنة عمان في المنامة وسفارة مملكة البحرين في مسقط، وهو خطوة لتعزيز التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات بين الجانبين.

وأكدت الحجرية أن تنظيم هذا المعرض في المنامة يعد أحد الأهداف الرئيسية والأولويات لجمعية الصداقة العمانية-البحرينية، حيث يأتي ضمن الفعاليات المتنوعة التي تمثل قيمة مضافة للاقتصاد في كلا البلدين الشقيقين، مضيفة أن معرض المنتجات العمانية-البحرينية السادس يمثل باكورة حزمة من الفعاليات التي ستنظمها الجمعية خلال العام الجديد 2025





 

 

مقالات مشابهة

  • السفير البحريني: معرض المنتجات العُمانية البحرينية يعكس النمو الملحوظ في العلاقات الاقتصادية
  • الأهرام تصدر مجلدًا يخلد مقالات الفنان سليمان جميل ويثمن دوره الثقافي
  • هادي الجيار.. نجم المسرح والدراما الذي خطف القلوب بإبداعه
  • المهرة البحرينية تظهر في افتتاح فرع ماتش 17 في الأحساء .. فيديو
  • بالصور.. انطلاق فعاليات معرض المنتجات العمانية-البحرينية في نسخته السادسة
  • شراكة لتعزيز الحفاظ على التراث والتبادل الثقافي
  • الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وأكاديمية دونهوانغ الصينية تعقدان شراكة لتعزيز الحفاظ على التراث والتبادل الثقافي
  • القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده
  • ضبط 4 أشخاص بتهمة التنقيب غير المشروع عن الآثار في البيضاء
  • رئيس «مهرجان الأقصر»: نعزز التبادل الثقافي بمشاركة 35 دولة أفريقية