لبنانيون يحيون مناحلهم بعد أن أحرقتها إسرائيل
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
صور- يتنقّل حسين جرادي بين خلايا النحل التي يربيها في منحله ببلدة معركة، قضاء صور في الجنوب اللبناني، متفقدًا كل خلية بعناية، بعد غياب قسري استمر أكثر من شهرين بسبب اشتداد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.
العودة لم تكن سهلة، إذ وجد منحله وقد نال منه الخراب، والنحل وقد ذبل أو رحل، والخلايا ماتت أو ضعفت بفعل الإهمال القسري والدمار المباشر وغير المباشر.
هذا الابتعاد عن المنحل لم يكن عابرًا، بل خلّف خسائر فادحة، إذ إن النحل يحتاج إلى رعاية أسبوعية دقيقة تشمل تقديم الأدوية اللازمة والتغذية التكميلية للحفاظ على صحة الخلايا وضمان تكاثرها.
غياب هذه العناية أدّى إلى نفوق عدد كبير من الخلايا، وإضعاف ما تبقى منها، مما ضاعف من الأعباء على المربين بعد انتهاء القصف.
أضرار جسيمةيتحدث جرادي لـ"الجزيرة نت" عن الأضرار التي لحقت بقطاع النحل في الجنوب اللبناني، مشيرًا إلى أن المناحل تُركت دون متابعة طوال فترة الحرب، ولم يتمكّن مربوها من تأمين العلاج اللازم لها خلال فصل الخريف، تحديدًا بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
وهذا الوقت حاسم لتقوية الخلايا قبل الشتاء، لكن هذا الإهمال القسري، إضافة إلى غياب التغذية التي عادة ما يقدّمها المربّي، أديا إلى ضعف النحل وتراجع قدرته على المقاومة.
ويضيف جرادي أن القصف الإسرائيلي لم يتسبب بأضرار مباشرة فقط، بل إن الروائح الكثيفة الناتجة عن البارود والدخان المنتشر في الأجواء أثّرت سلبًا على النحل وأدت إلى موته. حتى الخلايا التي لم تُصب بشكل مباشر جراء القصف تأثرت بالتلوث الناتج عن الحرب، ما أفقد النحالين عشرات القفران ليس في الجنوب فقط، بل في مناطق أخرى متفرقة من لبنان.
إعلانوبحسب تقرير مشترك صادر عن البنك الدولي والمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، فإن عدد قفران النحل التي دُمّرت كليًّا بفعل القصف الإسرائيلي الأخير بلغ حوالي 5 آلاف قفير، في حين قدّرت قيمة التعويضات المطلوبة بنحو 800 ألف دولار، ما يعكس حجم الكارثة التي لحقت بهذا القطاع الحيوي.
من خط المواجهةوفي بلدة جنّاتا، الواقعة في قضاء صور، أصيب منحل حسن طراد بأضرار بالغة جراء غارة إسرائيلية استهدفت منطقة تبعد 50 مترًا فقط عن موقع القفران.
يقول طراد في حديثه لـ"الجزيرة نت" إن القصف أصاب الخلايا مباشرة، ما تسبب في احتراق وتدمير عدد منها بفعل الشظايا، في حين تضررت الخلايا الأخرى بسبب الدخان الكثيف والروائح الخانقة، وهو ما دفع الملكات والنحل إلى الهروب، لتُترك الخلايا خاوية أو شبه ميتة.
أما حسين قعفراني، النحّال من بلدة بدياس المجاورة، فقد تكبّد هو الآخر خسائر كبيرة نتيجة الغارات. يؤكد في حديثه للجزيرة نت أن القصف المتكرر والضوضاء المصاحبة له تسببا في هروب وموت عدد كبير من النحل، إذ فقد نحو 25 خلية من أصل مجموع خلاياه، بينما الخلايا الباقية وجدها في حالة صحية متدهورة وتحتاج إلى علاج ورعاية مكثفة لاستعادة نشاطها.
ولم ينتظر النحالون تدخل الجهات المعنية أو وصول فرق التقييم لتقدير الأضرار، بل سارعوا بأنفسهم إلى محاولة ترميم ما خلّفته الحرب. بدؤوا بإصلاح القفران التالفة، واستحداث خلايا جديدة تعويضًا عن تلك التي فُقدت، متحدّين الواقع القاسي بجهود فردية وإرادة جماعية.
ويؤكد حسين جرادي أن من حالفه الحظ واحتفظ بعدد قليل من القفران، استطاع أن يعيد تنشيطها كما فعل هو، موضحًا: "الآن أحاول أن أجري تكاثرًا اصطناعيًّا للخلايا لكي أستعيد القدرة الإنتاجية التي كانت عندي قبل الحرب".
إعلانأما من فقد جميع خلاياه، فقد بدأ من الصفر بشراء خلايا جديدة لاستئناف عمله، لأن هذه المهنة هي مصدر رزقه الأساسي ولا يمكن التخلي عنها مهما بلغت الصعوبات.
ويشدد جرادي على أن قطاع تربية النحل في لبنان قادر على النهوض مجددًا، بشرط تأمين الدعم اللازم من الجهات الرسمية عبر توفير خلايا نحل أو تقديم مساعدات مالية تمكّن النحالين من استعادة نشاطهم.
بدوره، واصل حسن طراد العمل بما تبقّى لديه من خلايا، رغم ضعفها الشديد، موضحًا أنه لجأ إلى تقويتها من خلال التغذية والمعالجة، ونجح في استعادة ما بين 35 إلى 40 وحدة نحل جديدة حتى الآن، ويطمح إلى استعادة كامل إنتاجه السابق.
تربية النحل لم تعد مجرد هواية كما كانت في الماضي، بل تحوّلت إلى مصدر دخل رئيسي لآلاف العائلات في الجنوب اللبناني، خصوصًا في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد منذ أواخر عام 2019.
النحالون اليوم يعتمدون بشكل كلي أو جزئي على العسل ومنتجات النحل الأخرى لتأمين معيشتهم، وبيعها في الأسواق المحلية يشكّل دخلا حيويا لهم.
يوضح جرادي أن "آلاف العائلات في الجنوب تعتمد بشكل مباشر على النحل"، مشيرًا إلى أن هناك نحالين متفرغين تمامًا لهذا العمل، إذ يشكل مصدر دخلهم الأساسي، إلى جانب الفوائد البيئية الكبيرة التي يقدمها النحل من خلال تلقيح المزروعات، وخصوصًا في بساتين الحمضيات ومواسم الخضار، مما يدعم الاقتصاد الزراعي في الجنوب ولبنان عمومًا.
أما قعفراني، فيرى أن منحله بات مصدر رزقه الوحيد بعد تراجع عمله السابق في مجال البناء، ويصر على الاستمرار في المهنة رغم الخسائر، لأنه لا يملك بديلاً آخر لتأمين دخل ثابت.
بينما يلفت طراد إلى أن فوائد تربية النحل لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل تشمل أيضًا الأثر البيئي العميق للنحل في حفظ التوازن الطبيعي من خلال عملية التلقيح.
رغم الدمار الذي خلّفته الحرب، لم يستسلم مربو النحل في الجنوب، بل واجهوا الواقع بالإرادة والعزيمة. عادوا إلى مناحلهم المحترقة لإعادة الحياة إليها، لأنهم يدركون أن النحل ليس فقط مصدر رزق، لكنه أيضًا جزء من دورة الحياة التي يرفضون أن تنكسر تحت وقع القصف.
إعلانيقول أحدهم: "قد نحترق مثل خلايانا، لكننا لا نموت، لأن الحياة تبدأ من جديد… من خلية واحدة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی الجنوب اللبنانی
إقرأ أيضاً:
عقيد أردني متقاعد: رواية الحكومة في قضية الخلايا لم تصمد 24 ساعة (شاهد)
قال العقيد الأردني المتقاعد محمد المقابلة، إن الكومة فشلت في تقديم رواية مقنعة بخصوص قضية "الخلايا التي تمس الأمن الوطني"، والتي جرى الكشف عنها مؤخرا.
المقابلة وفي مداخلة على إذاعة "حسنى" مع الإعلامي حسام غرايبة، قال إن هناك حالة من الاستياء الداخلي في الأردن، وهناك من يزيد من حدة التوتر بدلًا من إخماده.
وتابع أن "الرواية الأولى للحكومة حول الأحداث لم تصمد في الشارع الأردني لأكثر من 24 ساعة"، متابعا أنه "حتى لو كانت هذه الرواية صحيحة وصادقة وتمثل تهديدًا للأمن الأردني، إلا أنها سقطت في نظر الشعب الأردني".
وقال إن "سبب سقوط هذه الرواية هو أن الشعب الأردني، بمن فيهم شخصيات وطنية مرموقة ومتقاعدون من المؤسسات العسكرية والأمنية، يشعرون بأن هناك من يدفع بالبلاد نحو الهاوية ويقوم بتقسيم المجتمع".
وانتقد المقابلة بشدة الطريقة التي قدمت بها الحكومة روايتها عبر الإعلام، واصفًا الأشخاص الذين قدموها بأنهم "رواة غير ثقات"، مشددا على ضرورة أن تقدم الحكومة رواية صادقة ومدعومة بأشخاص موثوقين هدفهم مصلحة الوطن
ودعا المقابلة إلى التفريق بين العمليات التي تستهدف الاحتلال الإسرائيلي معتبرها "عمليات مباركة"، وبين العمليات التي تستهدف أمن الأردن الداخلي وهي "جريمة مرفوضة".
وأضاف أن هناك رفض لمحاولات شيطنة فئة معينة من المجتمع أو تصويرهم على أنهم يجب القضاء عليهم، كما يحدث في الإعلام المصري.
وأشار إلى أن "هناك من يستغل هذه الأحداث لتصفية حركة الإخوان المسلمين أو للقضاء على الديمقراطية في الأردن".
ولم ينف المقابلة "حق الدولة في اعتقال ومحاسبة من يخالف القانون على الأراضي الأردنية"، إلا أنه شدد على "ضرورة ترك الأمر للقضاء ليقول كلمته دون تقسيم المجتمع5".
وكان الناطق باسم الحكومة محمد المومني ألمح إلى صلة جماعة الإخوان المسلمين بالخلية، فيما شن نواب البرلمان هجوما عنيفا على الإخوان، ودعا بعضهم إلى حل ذراعه السياسي المتمثل في حزب جبهة العمل الإسلامي، رغم امتلاكه أكثر عدد مقاعد حزبية في البرلمان بواقع 31 نائبا.
ودعت شخصيات أردنية خلال الأيام الماضية إلى ضرورة وقف حالة التحريض والتحشيد ضد الإسلاميين في الأردن، وضد المعتقلين وذويهم، وانتظار إجراءات القضاء في القضية.