يبدو أن تحولات الاستراتيجيات الغربية بما في ذلك الأمريكية والفرنسية في الساحل، لن تثني الأفارقة عن التقارب مع روسيا خلال الفترة المقبلة، خاصة أن النخب الحاكمة الجديدة أدركت فشل تلك الاستراتيجيات في إيجاد حلول فعالة للتحديات التي تواجهها الدول الأفريقية لا سيما الإرهاب والأزمات الاقتصادية.

هكذا يخلص تحليل لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، الذي يشير إلى أن الساحل الأفريقي سيكون بمثابة ساحة صراع جديدة، على غرار الصراع الروسي-الغربي/الأمريكي في أوكرانيا.

ويلفت التحليل إلى أن منطقة الساحل أصبحت مسرحًا حيويًّا تستغله روسيا لتوسيع وتأكيد نفوذها الأفريقي من أجل موازنة النفوذين الغربي والأمريكي اللذين يواجهان تحديات جمة، بات يعبر عنها بشكل جلي موجة الانقلابات العسكرية خلال السنوات الأخيرة في بعض دول الساحل، وما صاحبها من صعود لنخبة جديدة من العسكريين مُناهِضة للوجود الغربي في دولها لا سيما فرنسا، ويدعمها حراك شعبي رافض بشدة لاستمراره، في مقابل ترحيب بدور روسي بديل للغرب.

ويشير إلى أن منطقة الساحل تواجه سلسلة ممتدة من الأزمات المتراكمة التي أسهمت في زيادة تعقيد المشهد الإقليمي على مدار أكثر من 10 سنوات، حتى باتت تعاني من هشاشة مستمرة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ودفع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة للتكالب على المنطقة لتحقيق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية على حساب الدول الأفريقية.

ولعل أبرز التحولات النوعية خلال السنوات الأخيرة، تتلخص في معضلة بناء الدولة الوطنية، بعد عقود من عدم الاستقرار السياسي وهشاشة الحكم في معظم الدول، بالرغم من امتلاكها ثروات وموارد طبيعية هائلة.

اقرأ أيضاً

قائد فاجنر في خطاب من أفريقيا: سنجعل روسيا أعظم في جميع القارات (فيديو)

أزمات متلاحقة

كما شهدت المنطقة 7 انقلابات عسكرية، في مالي وبوركينا فاسو (انقلابان) وتشاد وغينيا والنيجر (انقلاب واحد)، فضلًا عن بعض المحاولات الفاشلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

ومع إخفاق كتلة "إيكواس" في إنهاء سلسلة الانقلابات، بدا تأثير الدومينو واضحًا في المنطقة بما يهدد استقرارها وأمنها، وهو ما يعززه المشهد الراهن في النيجر عقب الإطاحة بنظام الرئيس محمد بازوم، حيث برر قادة الانقلاب هذه الخطوة أنها نتيجة لفشل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وغياب سلطة الدولة في أجزاء من الإقليم.

كما تعد منطقة الساحل واحدة من أكثر المناطق الأفريقية، وفي العالم، التي تواجه تحديات أمنية متزايدة ليس فقط بسبب سلسلة الانقلابات وتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، ولكن أيضًا بسبب عوامل أخرى مثل انتشار الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والصراعات العرقية.

يأتي ذلك في ظل تنامي موجات التمرد في الأطراف، وهي نتاج طبيعي لمشهد أمني مضطرب في الإقليم خلال السنوات الماضية، فضلا عن تفاقم الأوضاع الإنسانية، نتيجة ارتفاع معدلات الفقر.

ووفق التحليل، فإن "الصراعات المسلحة إلى جانب تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي وعدم الاستقرار السياسي، تسبب في جعل أزمة الساحل، واحدة من أسرع الأزمات نموًّا على مستوى العالم".

ورصدت تقارير أممية في عام 2022 حاجة أكثر من 34.6 مليون شخص من سكان الساحل إلى المساعدة والحماية بزيادة بلغت حوالي 6 ملايين شخص عن عام 2021.

إلى جانب ذلك، تأثرت منطقة الساحل بشكل واضح من تداعيات استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي أدت إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في المنطقة، لا سيما في ضوء تزايد اعتمادية الدول الأفريقية في الحصول على معظم غذائها وخاصة القمح على الغرب.

اقرأ أيضاً

بالمجان.. وزير روسي يعلن منح 6 دول أفريقية 50 ألف طن حبوب

تدخل روسي

وبرغم استمرار الصراع المحتدم في أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، لم تتراجع روسيا عن طموحاتها الاستراتيجية في أفريقيا، بل ضاعفت من تركيزها على منطقة الساحل لتكون بوابتها نحو تعزيز نفوذها في العمق الأفريقي.

وتتبنى موسكو خطابًا مناهضًا لما تسميه الإمبريالية الغربية المتجددة في أفريقيا، وأنها تسعى لتحرير الدول الأفريقية من هيمنتها، مستغلة سجلها الخالي من فترات استعمارية في أفريقيا بعكس الغرب، بل يبدو أنها ترغب في إحياء الدور السوفيتي تجاه أفريقيا في القرن الماضي، وهو ما يعزز درجة قبولها لدى الرأي العام الأفريقي.

كما تقدم روسيا دعمًا سياسيًّا قويًّا لحلفائها في منطقة الساحل، سواء على الصعيدين الداخلي عن طريق دعم الأنظمة الحاكمة ضد المعارضة والحركات المتمردة، والخارجي من خلال الدفاع عن قضاياها في المحافل الدولية، لا سيما مجلس الأمن الدولي، وهو ما يشجع دول المنطقة للتقارب مع موسكو كحليف بديل للغرب.

ويبرز كذلك العامل الأمني، وفق التحليل، كأحد أهم مداخل السياسة الروسية في الساحل، مع اضطراب المشهد الإقليمي هناك، نتيجة تنامي التهديدات الأمنية وتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية لا سيما تنظيمي داعش والقاعدة.

وتجد موسكو في هذا السياق الإقليمي المعقد أمنيًّا سوقًا ترويجية مهمة للصناعات التسليحية الروسية، خاصة أنها تعد أكبر مورد للأسلحة في أفريقيا بنسبة 38% تقريبًا من إجمالي صادراتها من السلاح.

كما تدعم قوات "فاجنر" الأمنية أهداف موسكو الجيوسياسية في الساحل والقارة، فهي تعد واحدة من أكثر الأدوات التي اعتمدها الكرملين في أفريقيا جنوب الصحراء تأثيرًا.

اقرأ أيضاً

ذا إيكونوميست: نفوذ روسيا يتضاءل في أفريقيا.. وأوكرانيا دخلت المعركة بالقارة السمراء

منافسة متعددة

وتهدف موسكو من خلال الاعتماد على "فاجنر" بالأساس إلى بسط نفوذها على نطاق جغرافي واسع لاستهداف الدول الغنية بالموارد والثروات المعدنية، والحصول على حقوق وامتيازات قطاع التعدين في الدول الأفريقية، والذي يسهل لها الاستيلاء على مناجم الذهب والماس.

ومن هنا، تتبلور سياسة موسكو عبر "فاجنر" في ملء الفراغ السياسي والأمني الذي تخلفه فرنسا وشركاؤها الأوروبيون في منطقة الساحل، وقطع الطريق أمام عودتها مجددًا، مما قد يُصعّد التنافس الدولي في إطار تضارب أهداف ومصالح اللاعبين الفاعلين هناك.

يأتي لك في وقت يهيمن على المشهد الإقليمي في الساحل منافسة دولية متعددة الأقطاب، بين العديد من الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة والصين وتركيا ودول الخليج.

فقد هيمن الأوروبيون لا سيما فرنسا على المشهد الأمني في المنطقة منذ عام 2012 مع بداية موجات التمرد وتصاعد النشاط الإرهابي هناك، وسط تراجع أمريكي نسبي في المنطقة لحساب الاهتمام بالتمدد في مناطق استراتيجية أخرى من العالم.

بينما كان الوجود الصيني مدفوعًا بالمصالح الاقتصادية والاستحواذ على الموارد الطبيعية والتعدين والصناعة، حيث نفذت بكين حزمة من الاستثمارات في القطاع الصناعي بمالي، في حين ركزت استثماراتها في النيجر وتشاد على الطاقة والتعدين والبنية التحتية.

فيما تشير تقارير إلى اهتمام بكين بالجانب الأمني في الساحل في ضوء المخاوف من تعرض استثماراتها للمخاطر بسبب التهديدات الأمنية في الإقليم.

اقرأ أيضاً

ستراتفور: فاجنر وتداعيات اتفاقية الحبوب أبرز ما يجب مراقبته بالقمة الأفريقية الروسية

بينما عززت تركيا وجودها العسكري في المنطقة وخاصة في النيجر من خلال صفقات بيع الأسلحة مثل الطائرات المسيرة، كما تركز على تعزيز قوتها الناعمة في المنطقة.

بينما تسعى قطر للعب دور رئيسي في أن تصبح شريكًا رئيسيًّا في المرحلة الانتقالية التشادية بعد استضافتها للحوار الوطني على مدار العامين الماضيين، بين الحكومة التشادية والمعارضة السياسية، من أجل إنهاء الانقسام والحد من التوترات والمساهمة في نجاح المرحلة الانتقالية بالبلاد.

وقد بدأت واشنطن في استشعار الخطر بشأن تمدد فاجنر في دول الساحل وغرب أفريقيا، ما يدفعها لإعادة النظر بشأن حجم انخراطها في المشهد الأفريقي، لا سيما في مجال محاربة الإرهاب، الذي يمثل حجر زاوية للنفوذ الروسي وذراعه "فاجنر" بالأساس خلال السنوات الأخيرة.

وانعكس ذلك في تقديم واشنطن لبعض المساعدات العسكرية لدول أفريقية مثل بنين وكوت ديفوار وتوجو، ومنح دول الساحل نحو 150 مليون دولار، بما في ذلك مساعدة المجلس العسكري في بوركينا فاسو لمواجهة القاعدة وداعش في محاولة لعدم ترك المساحة كاملة للنفوذ الروسي.

أما وضع فرنسا فهو على المحك، حيث يتضاءل نفوذها السياسي والأمني في الساحل التي أضحت ساحة مباحة لخصومها الاستراتيجيين لا سيما روسيا والصين، وهو ما يدلل عليه انسحاب القوات الفرنسية من مالي.

كما تواجه باريس حزمة من الاتهامات التي يوجهها الأفارقة لها عقب 11 عام من الانخراط في الساحل، ويتمثل أبرزها في وصفها بالاستعمار الجديد، حيث تستولي على الثروات والموارد الأفريقية في حين تعاني معظم دول المنطقة من الفقر المدقع.

كما تتمركز قواتها هناك بحجة محاربة الإرهاب دون تحقيق أي نتائج إيجابية في هذا المجال على مدار أكثر من عقد، بالإضافة إلى اتهامها بانتهاك سيادة دول الساحل والتدخل في شئونها الداخلية.

اقرأ أيضاً

على هامش القمة الأفريقية الروسية.. بوتين يستقبل السيسي وآبي أحمد

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: روسيا فاجنر أفريقيا دول الساحل انقلابات مواجهة الإرهاب الدول الأفریقیة منطقة الساحل خلال السنوات دول الساحل فی أفریقیا فی المنطقة فی الساحل اقرأ أیضا أکثر من وهو ما

إقرأ أيضاً:

إيران تجري مناورات عسكرية بحرية بمشاركة روسيا والصين

تجري القوات البحرية الإيرانية، برفقة قوات من روسيا والصين، مناورات عسكرية قبالة السواحل في جنوب غربي إيران بهدف "تعزيز الأمن الإقليمي"، وفق ما ذكرت وزارة الدفاع الروسية ووكالة الأنباء الإيرانية الرسمية اليوم الأحد.

وكانت الدول الثلاث قد أجرت مناورات مشتركة في المنطقة خلال السنوات الماضية انطلاقا من رغبتها المشتركة في مواجهة ما تصفه "بالهيمنة الأميركية".

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن حفل انطلاق المناورات المسماة "الحزام الأمني البحري 2025" أقيم في ميناء تشابهار الواقع جنوب شرقي إيران والمطل على بحر عمان.

وأضافت أن الحفل أقيم "عشية بدء المناورات التي تستمر بضعة أيام".

وذكرت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية أن غدا الاثنين هو موعد بدء هذه المناورات، في حين قالت وكالة تسنيم إنها ستبدأ الثلاثاء.

وأشارت "تسنيم" إلى أن "سفنا قتالية وداعمة للقوات البحرية الصينية والروسية وسفن الجيش الإيراني وبحرية الحرس الثوري" ستشارك في المناورات.

وتجري التدريبات في المنطقة الشمالية من المحيط الهندي، وتهدف إلى "تعزيز الأمن في المنطقة وتوسيع التعاون المتعدد الأطراف بين الدول المشاركة"، بحسب الوكالة.

وسبق للجيش الإيراني أن أجرى مناورات عسكرية في هذه المنطقة في فبراير/شباط "لتعزيز القدرات الدفاعية ضد أي تهديد".

إعلان

وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن الفرق ستتدرب على "تحرير سفن مخطوفة" وإطلاق "قذائف مدفعية على أهداف في الجو والبحر"، مشيرة إلى أن 15 سفينة ستشارك في تدريبات هذا العام، بينها 3 سفن روسية.

كما قالت وزارة الدفاع الصينية إن بكين ستنشر "مدمّرة وسفينة إمداد" خلال المناورات.

وستحضر التدريبات بصفة مراقب كل من أذربيجان وجنوب أفريقيا وسلطنة عمان وكازاخستان وباكستان وقطر والعراق والإمارات وسريلانكا.

مقالات مشابهة

  • أكثر من 40 مجزرة جديدة في الساحل السوري خلال الـ 72 ساعة الماضية
  • تقرير: تعاون القاعدة وداعش مع الشبكات الإجرامية المحلية يزيد نفوذهما في الساحل الأفريقي
  • تحديد مواجهات منتخب مصر للناشئين في بطولة كأس الأمم الأفريقية
  • ‏اندفاع العراق نحو العالم يجعله يستعيد نفوذه
  • جهة الشرق تقترب من الظفر بالبطولة الاحترافية بعد غياب دام نصف قرن
  • إيران تجري مناورات عسكرية بحرية بمشاركة روسيا والصين
  • زيلينسكي: روسيا شنت أكثر من 2100 هجوم جوي على أوكرانيا الأسبوع الماضي
  • منطقة الساحل الأفريقي.. مركز الإرهاب العالمي للعام الثاني على التوالي
  • الإدارة الجديدة تكبح الفلول وتبسط سيطرتها.. سوريا.. العمليات في الساحل تقترب من نهايتها
  • روسيا : الغرب يسعى لإطالة أمد الحرب في أوكرانيا حتى آخر جندي أوكراني