رحلة في ذاكرة المسرح السوداني* 1909 ــ 2019
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
رحلة في ذاكرة المسرح السوداني* 1909 ــ 2019
عبد الرحمن نجدي**
المسرح موطن لأيامي الجميلة
تقديم وعرض حامد فضل الله /برلين
صدر في عام 2025 كتاب لعبد الرحمن نجدي بالعنوان أعلاه. قام بتصميم الغلاف الفنان التشكيلي حسن موسى (فرنسا).
تبدأ الصفحة الأولى بعنوان: "تجديد الذاكرة"، "دعوني ابدأ باعتراف شخصي، لقد أخذتني السينما معظم سنوات حياتي رغم إنني درست علوم وفنون المسرح أولا قبل أن اتجه للسينما.
" على مدي ثلاثة عقود عجاف من عمر حكومة "الاِنقاذ" لم تنج خشبة المسرح ... ومجمل الأنشطة الانسانية الأخرى التي تتصل بالهم الثقافي من قبضة واحد من أكثر الأنظمة عنفاً وقبحاً في تاريخ السودان!!.
وينشد:
خربت الديار يا سوبا أصلك خاينة،
وليَ الأوان يافتنة قط ما تايبة،
أضحي الجيشو خراب والدولة أضحت سايبة،
وكل التابعوك يا سوبا ناسا خايبة.
(خراب سوبا" خالد أبو الروس 1908 ــ 2014 ).
ويقول، لقد عانى المسرح طويلاً من وطأة عدم الرضي الرسمي، ومن طبقات طفيلية من أهل الدراما، فالمسرح يجب ان يكون( أو ينبغي أن يكون أبو الفنون) في بلادنا، كما هو في غيرها، ومصدر إشعاعها. وكان للمسرح في السودان، منذ مطلع عشرينات القرن الماضي، دوراً رائداً في تكوين الثقافة الجماهيرية وقيم الاستنارة والنضال الوطني المعادي للاستعمار. بدأ تاريخ المسرح في السودان عام 1902 حسب ما جاء في كتاب بابكر بدري (حياتي)، وظهر المسرح بشكله الأرسطي في مدينة رفاعة. كما سعى معهد تدريب المعلمين بخت الرضا منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، ليجعل من المسرح أداة من وسائل التعليم. كما جاءت سنوات الستينيات حافلة بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، فقد كانت فترة تحول سياسي وإيجابي هائلة تم فيها الاِعلان عن ميلاد أول حركة جادة ومنظمة للمسرح، عندما قدمت مسرحية إبراهيم العبادي "المك نمر" وإخراج الفكي عبد الرحمن.
تم في عام 1976 إنشاء مسرح (للطفل والعرائس)، ولعل أكثر المسرحيات ارتبطا بالجماهير وأكثرها شهرة مسرحية "نبتة حبيبتي).
بدور الحق يسود في الناس،
ونبته تقيف تعاند الليل،
وما تسجد عشان تنداس،
وما تحكمنا عادة الكهنة،
والبحكمنا حقو الرأس.
أنشودة من أجل العدالة
(هاشم صديق، مسرحية "نبتة حبيبتي.")
كما سعى المسرحيون السودانيون، في هذا الجو المشحون بالإبداع إلى اقتحام طرق جديدة للعرض، فكان التغريب. ثم لا ينسى كلية الدراما " المعهد العالي للموسيقى والمسرح (1969)، والمسرح الجامعي مشاركاً المسرح القومي نهضته. ويرسل تحية وإجلال للمبدعات السودانيات اللواتي اقتحمن مجالاً عصياً تماماً على النساء في ذلك الزمان.
ولعل الفقرة التالية تلخص مضمون هذا الكتاب الصغير في الحجم والعميق في محتواه.
" لقد نشأ المسرح في السودان بوصفه ثمرة جهد من العمل الدؤوب قام به العيد من الرواد، وأصبح منذ مطلع القرن الماضي محطة مضيئة من محطات الحياة الثقافية والفكرية في السودان، وكان جزءا من نسيج الحياة الأدبية والفنية، ورغم أن تجربتنا المسرحية حديثة نسبية، فقد أستطاع كتابنا أن يتعرضوا لكل أنواع الصراع. هذا البحث محاولة لاستحضار تلك اللحظات الخالدة في تاريخ المسرح في السودان، ومحاولة للاقتراب من التجربة المسرحية خاصة تلك المرتبطة بالخشبة، وبفنان المسرح، وأولئك الذين شاركوا في نهضته، وأحيوا فينا شعلة الأمل لعقود طويلة، واليوم طواهم النسيان، وهذه المراجعات لاستكمال الصورة، ملء الفراغ، ما سجلته مجرد خطوط عامة لهذا التطور الخلاق والمنطقي لخشبة المسرح في السودان، وإبراز قيمة المسرحيات التي عرضت وشكلت منعطفاً منطقياً في ذاكرة المسرح السوداني في مستواها التاريخي والاِنساني، وأقول أن هناك الكثير جدا من القصص في ذاكرة المسرح السوداني تنتظر ما يسردها. والدعوة إلى فتح حوار جاد حول الدور الذي نتوقع أن يلعبه المسرح في تثبيت قيم الحرية واستشراف مستقبل واعد لبلد قتلته الأطماع والأيديولوجيات البليدة والخبيثة ".
كُتب واُخرج الكتاب بطريقة فنية، تقوم على سرد الراوي ( المؤلف) وكأنه على خشبة المسرح، ويعقبه إضاءة بصوت خارجي يضيف ويعلق، وهكذا دواليك، بهذا يشعر القارئ وكأنه داخل المسرح.
ويُختتم الكتاب بشهادات من عدد كبير من الفنانين والمبدعين والكتاب والسياسيين.
أرسل لي عبد الرحمن مسودة كتابه، وارسلت له السطور أدنها، فكرمني أبن الخال، فزين بها صفحة الغلاف الخلفي:
الأخ العزيز عبد الرحمن،
قرأت بكثير من المتعة والاِعجاب كتابك الموسوم "رحلة في ذاكرة المسرح في السودان (1909ــ 2019)".
تكتب يا العزيز بتواضع جم " ما سجلته مجرد خطوط عامة لهذا التطور الخلاق والمنطقي لخشبة المسرح في السودان، وإبراز قيمة المسرحيات ..."
يا العزيز،هذا نص رائع ووسيم وباهي، وزاخر بمعلومات قيمة وسرد تاريخي، بقلم كاتب وناقد معايشاً ومتابعاً من الداخل، لتطور المسرح في السودان.
لقد أعاد لي نصك البديع الكثير من الذكريات الحميمية. فخالد أبو الروس كان معلمنا في مدرسة الهداية الأولية، لصاحبها الشيخ الشبلي، الفاضل سعيد كان زميلي في المرحلة الثانوية، وكنا نلاحظ ونندهش ونعجب لمقدرته في المحاكاة، وكذلك زميل المهنة الدكتور الطبيب علي البدوي المبارك، وخالد المبارك كان زميلي لفترة قصيرة في ألمانيا الديمقراطية، قبل أن يتوجه إلى بريطانيا لمواصلة دراسته الأكاديمية العليا في مجال الفن المسرحي، ولا تزال تربطني به صداقة حميمة. لم تذكر حسن عبد المجيد فكان يقدم مسرحيات في الإذاعة (هنا أم درمان). وكذلك لم تتعرض للبروفيسور عبد الله الطيب، الذي كان يترجم بعض النصوص المسرحية الاِنجليزية، وكانت تُقدم أيضا من الاِذاعة". وكان يشارك في التمثيل والإخراج الصديق " ود المسلمية" قمرالدين علي قرنبع، و قتها كان طالباً في كلية الآداب، ثم أستاذا في معهد الدراسات الاضافية التابع لجامعة الخرطوم لاحقاً.
نعمل الآن في برلين لعقد ندوة كبيرة عن تاريخ المسرح والسينما في السودان، ويساعدنا في التحضير الصديق والمخرج السينمائي العراقي المعروف قيس الزبيدي*** وهو يعرفك ويعرف إبراهيم شداد، وكتب من قبل دراسة تعريفية ونقدية عن أفلام إبراهيم شداد.
لك عظيم الشكر "يا ود نجدي"، لهذا الرحيق ونحن نعيش في هذا الزمن الرديء.
حامد فضل الله
برلين، 27 أكتوبر 2024
أرسل لي العزيز عبد الرحمن عدد من نسخ كتابه الصغير، فقلت له: لماذا ضاق صدرك ولديك الكثير من ما تقوله.
فرد قائلاً:
هذا الكتاب مقدمة (قدومة) لثلاث كتب:
ــ الرقابة والسينما السودانية.
ــ رحلة في ذاكرة السينما السودانية
ــ الأماني المعلقة.
يا لها من بشارة عظيمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبد الرحمن نجدي، رحلة في ذاكرة المسرح السوداني، دار باركود للنشر والترجمة والتوزيع، الخرطوم 2025
** عبد الرحمن عبد الرازق نجدي، كاتب وناقد ومخرج سينمائي، درس السينما والمسرح في الخرطوم ولندن، مؤسس لمجلات السينما والمسرح في السودان، وشارك في العديد من مهرجانات السينما العربية والدولية، ويعمل مديراً لشركة قطر للسينما وتوزيع الأفلام منذ 2006.
*** تُوفىً قيس الزبيدي في برلين وقبل صدور الكتاب، ودُفن في العراق.
hamidfadlalla1936@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبد الرحمن
إقرأ أيضاً:
مفاهيم إسلامية: الكتاب والقرآن
#مفاهيم_إسلامية: #الكتاب و #القرآن
مقال الإثنين: 21 / 4 / 2025
د. #هاشم_غرايبه
يختلط على كثيرين التمييز بين مفهومي الكتاب والقرآن، وهل هما مسمى لشيء واحد، وان كان كذلك فلماذا تأتي الإشارة له بهذا المسمى أو ذاك.
لغويا الكتاب جذره اللغوي الفعل الثلاثي (كتب)، والقرآن جذره (قرأ)، من هنا يمكن فهم المسألة، فالكتاب هو المدون، وكتب الله جميعا تسمى الكتاب، ويأتي بالمفرد لأنه اسم نوع دال على أي كتاب أنزله الله للبشر، وهو مكتوب لأن أصله مدون في اللوح المحفوظ.
القرآن هو مسمى الكتاب الذي أنزله الله على آخر انبيائه عليه الصلاة والسلام، وبالطبع كانت مشيئة الله أن يبقي الرسول الكريم أميا، لأنه يعلم أن أهل الكتاب حسدا منهم سينكرون نبوته، وسيقولون أن ما يوحى اليه من الكتاب نقله عن التوراة أو درسه عن آخرين كتبوه له، لذلك كان ينزل الآيات في روعه فتثبت في ذاكرته ويقرؤه للناس منها، فلذلك كان قرآنا.
الكتب السماوية التي أنبأنا بها الله خمسة، ومضمونها العقدي واحد وهو التوحيد، ومحتواها التشريعي جميعها مبني على الوصايا العشر التي ذكرها الله في القرآن في الآيات 151-152 من سورة الأنعام. وأقدمها صحف ابراهيم وموسى، والتي ليس لها أثر الآن لكن مضمونها وارد في الآيات 38-44 من سورة النجم.
وثانيها التوراة وانزلت على موسى عليه السلام.
والثالث هو الزبور الذي أنزل على داود عليه السلام.
والرابع هو الإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام
أما الخامس وهو آخرها فهو القرآن الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
المسألة الهامة: طالما أنها جميعا أنزلت من الله تعالى، فلا يمكن أن يكون بينها تناقض أو تباين، فهل أن المرء مخير في اتباع أي منها!؟.
صحيح أن أصلها كلها من الله، لكنه أنزلها بهذا التسلسل الزمني خلال فترة تتجاوز 2500 عام لحكمة أرادها تعالى.
فقد كان تنزلها خلال تلك الحقب متوافقا مع التطور الفكري للبشر في المفاهيم والمعارف والإمكانات، كما أنه كان ينزلها على أقوام محددين ولفترة محددة، ويأتي كل كتاب لاحق مصدقا بما سبقه وليس ناقضا له، ومؤكدا على اتباع الدين الذي أنزله الله كمنهج حياة للبشر الجدد الذين أنجاهم من طوفان نوح، ومسماه الإسلام، وكان كل رسول يدعو لاتّباعه، وكل رسالة متضمنة لنسخة محدثة ومزيدة من تشريعات الدين، لذا فهي متطورة عما سبقها بمقدار التطور البشري أنئذ.
عندما وصل هذا التطور الى الدرجة المطلوبة أنزل الله رسالته الختامية، واستكمل فيها الدين الكامل، والتشريعات النهائية، لذلك كان مطلوبا من البشر جميعا اتباعها، سواء من آمن بالرسالات السابقة أم لم يكن مؤمنا، ولأنه لن يُبعث رسول آخر بعدها، فهي ستكون للعالمين جميعا، لذلك كُلف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأصعب مهمة كلف بها من قبله، وهي تبليغ الدعوة للعالمين، وكلف المؤمنون بإكمال تبليغها لكل من لم تصله مكانا أو لم يشهدها زمانا.
هكذا نفهم لماذا سمح الله تعالى للبشر أن يحرّفوا تشريعات الرسالات السابقة، ولم يحفظ كتبه السابقة من عبث المغرضين، فمنها ما فُقد جزئيا أو كليا، ومنها ما حرّف فضاعت الثقة بالتمييز بين الصحيح والموضوع.
لكنه تعالى تكفل بذاته العلية بحفظ القرآن فقط، فظل عبر الأزمنة كما أنزله.
ذلك ربما لأنه تعالى أراد ان يكون كتابه هو القرآن، لذلك كان كاملا لا نقص فيه ولا إغفال لتشريع ولا ركن عقيدة ولا لتفصيل للدين، ولما كان منطقيا أن يكون آخر تعديل ملغيا لما سبقه، لذلك فالقرآن مغن عن كل الكتب السابقة: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ” [المائدة:48]، وعليه نفهم غضب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر حين رآه يطالع قراطيس أهل الكتاب، فقال: “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق، فتكذبوهم به، أو بباطل فتصدقوا، والذي نفسي بيده، لو أن موسى -صلى الله عليه وسلم- كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتبعني”.
نتوصل الى أن كتاب الله الوحيد الباقي كما أنزله الله للبشر هو القرآن، لذا فهو الدستور الوحيد للمؤمن.