سودانايل:
2025-04-23@09:22:34 GMT

وقفات مع ذكريات ومذكرات ابو منقة ١ / ٢

تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT

بقلم: خالد محمد فرح

وصلت إلى طرفي ، بصحبة شاب قدم علينا من القاهرة في الأسبوع الماضي، نسخة من كتاب " ذكريات في مذكرات " ، الذي صدر حديثاً لاستاذنا وصديقنا البروفيسور الامين ابو منقة محمد، استاذ اللغات واللغويات الأفريقية بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، والمدير الأسبق لهذه المؤسسة البحثية والأكاديمية المرموقة لدورتين متتاليتين 2002 - 2010م، والباحث والمؤلف غزير الانتاج مع التميز والتجويد، الذي لا يشق له غبار في علوم: اللغة والتاريخ والأنثربولوجيا والفولكلور والتراجم وغيرها من العلوم الإنسانية بصفة عامة.


انه كتاب يتألف من اثني عشر فصلاً، ويقع في نحو 420 صفحة من القطع المتوسط، وهو من اصدار ات دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر في العام المنصرم 2024م.
هو كتاب في السيرة الذاتية بشكل أساسي، سرد فيه المؤلف وقائع ومحطات تاريخ حياته منذ ميلاده مرحلة اثر مرحلة، انتهاء بلحظة كتابة آخر فصل فيه، ودون فيه ذكريات طفولته الباكرة والمتأخرة، وصباه وشبابه، مروراً بجميع مراحل دراسته داخل السودان وخارجه، مستعرضاً أهم الاحداث التي كان طرفاً فيها، والتي وقعت في مسقط رأسه بلدة " مايرنو " بولاية سنار خلال تلك الفترة المعنية، بين اواخر الخمسينيات ومنتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
هذا، وعلى الرغم من ضخامة حجم هذا الكتاب نسبياً، وغزارة المعلومات التي حواها، إلا أنني الفيته - مع ذلك -.سائغاً سلساً، في غاية المتعة والفائدة في بابه، وذا أسلوب ناصع ولغة رصينة، زانتها أريحية واضحة وخفة روح، وهو ما مكنني من التهام سطوره وصفحاته في غضون فترة وجيزة جدا، من دون ان انصرف عنه إلى اي مصنف آخر غيره، حتى اتيت عليه كله مرة واحدة.
بسط البروفيسور ابو منقة في هذا الكتاب ايضاً، الحديث عن بعض العادات والتقاليد الخاصة بقبيلة الفولاني التي ينتمي اليها المؤلف نفسه، والتي كانت سائدة في منطقة انتشار افراد هذه القبيلة بتلك المنطقة من ضفتي جنوبي النيل الأزرق بالسودان، في ستينات وسبعينات القرن العشرين، وقد اثبت الكاتب معلومة تاريخية مفادها ان اسلافه قد قدموا مهاجرين إلى السودان، من شمال نيجيريا في عام 1903م ، في صحبة أمير المؤمنين الطاهر الاول، حفيد الداعية والمجاهد الشهير الشيخ عثمان دان فوديو 1754- 1817م، فرارا بدينهم من عسف الاحتلال البريطاني، الذي استولى على دولتهم سلطنة سوكوتو الإسلامية، التي كان قد اسسها هناك، الشيخ عثمان دان فوديو في عام 1804م.
وقد أشار المؤلف إلى معظم تلك العادات والتقاليد الفولانيةِ العتيدة، قد اندثر الان كما قال. وهنا لعل المرء يتذكر على سبيل المقارنة والتمثيل، عنوان المقال الطويل الذي نشره العلامة عبد الله الطيب بالإنجليزية في مجلة السودان في رسايل ومدونات SNR في خمسينيات القرن الماضي تحت عنوان: Changing Customs in the Riverain Sudan ، اي العادات المتغيرة في السودان النهري، والشاهد هو اشتراك الموضوعين في ثيمة او معطى التغيير الحتمي في العادات والتقاليد، بوصفه ظاهرة تعتري اي مجتمع بشري صغر او كبر، خصوصا تبعا لتغير البيئات والظروف المحيطة.
كذلك عمد المؤلف إلى القاء الضوء على بعض المفاهيم الاجتماعية والثقافية السائدة في عدد من البلدان التي زارها وعاش فيها، وخصوصاً نيجيريا وألمانيا، وقارنها مع المفاهيم الموازية لها في المجتمع السوداني. ثم تتبع الكاتب مجريات الاحداث بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية منذ ان التحق به استاذا في بداية النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، وحتى لحظة كتابته هذه المذكرات التي صرح هو نفسه بانه قد خطها اثناء الخلوة التي فرضتها عليه وعلى جميع البشر، جائحة كورونا في عام 2020م. والى جانب ذلك، عرض المؤلف تجربته عضواً بمجلس الشخصيات المرموقة في الالية الأفريقية لمراجعة النظراء التابعة للاتحاد الأفريقي، كما تطرق ايضاً إلى أنشطته البحثية، وإسهاماته في خدمة المجتمع من خلال عضويته في عدد من اللجان القومية، مثل ترؤسه المجلس القومي لتطوير وترقية اللغات القومية، ورئاسته المجلس القومي للتراث الثقافي وترقية اللغات القومية، وعضويته باللجنة القومية للأسماء الجغرافية وغير ذلك من الهيئات واللجان.
واختتم المؤلف هذا الكتاب بفصل استعرض فيه انطباعاته عن عدد من الدول التي حظي بزيارتها حتى الان، والتي يبلغ مجموعها 34 دولة، موزعة بين أوروبا والشرق الأوسط والشرق الأقصى وأفريقيا.
ان هذا الكتاب هو بكل تاكيد، كتاب في السيرة الذاتية للمؤلف في المقام الاول، ولكن القارئ الحصيف ،،وذو البصر ،،والواعي، والمهتم، سوف يجني منه قطعاً، فوائد جمة في مجالات ومعارف ومباحث اخرى عديدة، من بينها على سبيل المثال فقط، إضاءات وومضات كاشفة على جوانب مهمة من تاريخ السودان الحديث والمعاصر، وخصوصاً تاريخ صلاته الواشجة مع بلدان وشعوب وسط افريقيا المسلمة، وعلى وجهٍ أخص، تاريخ هجرات طوائف من قبايل الفولاني والهو سا والبرنو وغيرهم إلى أرض السودان، على غرار هجرة مجموعة كبيرة من الفولاني، رعايا سلطنة سوكتو الإسلامية بقيادة الأمير الطاهر مي ويرنو في عام 1903م في ظل اوائل سني حكومة الحكم الثنائي الاستعمارية، والتي تلتها في عام 1904 م ، هجرة لطائفة اخرى من الفولاني الغابيرو الناطقين بلغة الصونغى من مالي، والذين استقرت مجموعة منهم بجنوب كردفان بنواحي كادوقلي و البرداب وغيرها، وواصلت مجموعة منهم سيرها فاستقرت بجنوب النيل الأزرق بنواحي ود هاشم والحجيرات وغيرهما، كما اخبرني بذلك قبل سنوات ، صديقنا وابن دفعتنا في الجامعة، الاخ احمد حامد صالح نقلا عن اسلافه الذين كانوا جزءا من اوليك المهاجرين من مالي في ذلك التاريخ.
والى ذلك، فان هذا الكتاب يشتمل على ملامح وومضات لافتة للنظر في مباحث شتى في مجالات التاريخ الاجتماعي والثقافي، وحتى السياسي في تاريخ السودان الحديث والمعاصر، فضلا عن مباحث اخرى في علوم اللغة والاناسة والفلكلور والفوارق الثقافية بين مختلف الأقطار والشعوب، ثم داخل القطر الواحد والشعب الواحد، مما أتاح له المجال لاجراء جملة من المقارنات والمقابلات المفيدة حقا. وفي معرض تطرقه لمسيرته الشخصية مع الدراسة والعمل لاحقاً، وخاصة في جامعة الخرطوم، طالباً ومعيداً ومحاضراً ورئيس قسم ومديرا لمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية.، وفي هذا السياق، يوقفنا المؤلف على سبيل الاستطراد، على جانب من تاريخ جامعة الخرطوم منذ اوائل السبعينيات من القرن الماضي وحتى نهاية العشرية الاولى من الالفية الجديدة، حيث يطلعنا المؤلف على جوانب إنسانية مشرقة وأخرى سالبة بطبيعة الحال، مما يتصف به بعض البشر من لطف وذوق ونبل وحسن تعامل وكرم وانسانية، او ما يعلق بنفوس بعضهم في المقابل، من مثالب الانانية والأثرة والحسد والعنصرية والميل إلى الكيد والغدر و " الحفر " وهلم جرا. على ان المؤلف قد عرض لجميع ذلك بنفس راضية وواثقة، وعبر عنه بأسلوب أريحي سمح، يفيض بشراً ومسامحة، بل لا تنقصه روح الدعابة في كثير من المواضع.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القرن الماضی هذا الکتاب فی عام

إقرأ أيضاً:

أعجوبة القرن الحديث

قبل إصلاحات عام 1978، كان ما يقرب من أربعة من كل خمسة صينيين يعملون في الزراعة. وبحلول عام 1994، لم يعد يعمل سوى واحد من كل اثنين. وسّعت الإصلاحات نطاق حقوق الملكية في الريف، وأطلقت شرارة سباق لتشكيل شركات صغيرة غير زراعية في المناطق الريفية.

كما أدى إلغاء نظام المزارع الجماعية وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية إلى زيادة إنتاجية المزارع (العائلية) وزيادة كفاءة استخدام العمالة.

دفعت هذه العوامل مجتمعةً العديد من العمال إلى ترك الزراعة. وقد أدى النمو السريع الناتج عن ذلك في المشاريع القروية إلى استقطاب عشرات الملايين من الناس من الزراعة التقليدية إلى الصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة الأعلى.

منذ سلسلة الإصلاحات التي جرت في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبعد سنوات من سيطرة الدولة على جميع الأصول الإنتاجية، شرعت الحكومة الصينية في برنامج إصلاح اقتصادي شامل. وفي محاولة لإيقاظ عملاق اقتصادي خامد، شجعت على تأسيس الشركات الريفية والشركات الخاصة، وحررت التجارة والاستثمار الأجنبيين، وخففت من سيطرة الدولة على بعض الأسعار، واستثمرت في الإنتاج الصناعي وتدريب القوى العاملة.

على سبيل المثال، إعطاء استقلالية أكبر لمديري المشاريع. أصبحوا أكثر حرية في تحديد أهدافهم الإنتاجية، وبيع بعض المنتجات في السوق الخاصة بأسعار تنافسية، ومنح مكافآت للموظفين الجيدين وفصل غير الجيدين، والاحتفاظ بجزء من أرباح الشركة للاستثمار المستقبلي.

كما أتاحت الإصلاحات مساحةً أكبر للملكية الخاصة للإنتاج، ووفرت هذه الشركات الخاصة فرص عمل، وطوّرت منتجات استهلاكية مطلوبة بشدة، وكسبت عملات صعبة مهمة من خلال التجارة الخارجية، ودفعت ضرائب الدولة، ومنحت الاقتصاد الوطني مرونةً وقدرةً على الصمود لم تكن متوفرة من قبل.

سجلت الصين نمواً ملحوظاً لعقود. من عام 1978 إلى عام 2010، تراوح متوسط ​​النمو حول 10%، مما وضع الصين ضمن نسبة 1% المئوية للدول التي تنتقل من 1,000 إلى 10,000 دولار أمريكي للفرد. هذا إلى جانب انتشال أكثر من 800 مليون شخص من براثن الفقر، يبرر بوضوح تعبير “المعجزة الاقتصادية الصينية”. وحتى اليوم، لا تزال الصين بمثابة المحرك الأهم للنمو العالمي، حيث ساهمت بنحو ثلث إجمالي النمو العالمي على مدى العقود الثلاثة الماضية.

مع “الإصلاح والانفتاح” كشعار رئيسي منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي لتحويل الصين من اقتصاد مخطط إلى اقتصاد سوق، تشابكت البلاد بشكل متزايد مع بقية الاقتصاد العالمي من خلال التجارة والاستثمار والمشاركة المتزايدة في سلسلة القيمة العالمية.

يُعزى ذلك إلى اقتصادات الحجم الواضحة في الصين، والأجور المنخفضة نسبياً، والبنية التحتية اللوجستية الداعمة للتصنيع. كما يُعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، ودعم الشركات الغربية التي تستثمر فيها، إلى جانب نقل التكنولوجيا على نطاق واسع، عوامل خارجية مهمة وراء نجاح الصين.

فأنا أعتقد أن مفهوم الأعجوبة تتحقق بغياب المصادر الرئيسة لتحقيق الأهداف، والانفراد بالنمو القياسي. لم يستيقظ التنين الصيني فجأة في عام 2003، بل استغرق 33 عاماً من التحضير. لذا، بفضل تلك الأعوام من العمل الشاق والصبر، انطلقت الصين بسرعة الصاروخ من عام 2003 إلى عام 2023 لأنها كانت تتمتع بأساس متين بفضل أبناء ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ومراحل التخطيط السليم.

كان بالسابق نشاهد المنتجات الغربية خاصة الأمريكية والاوربية تغزو السوق الخليجي على مدار عقود من الزمن، اما الآن احتل التنين العملاق الأسواق المحلية والعالمية بشكل كاسح. وذهبت المنتجات الغربية في الصفوف الخلفية وبعضها اختفت عن الوجود.

فهو مؤشر قوي على صلابة السوق الصيني، وينقلنا لدراسة وفهم أعمق لثقافة الصينية والاستفادة منها.

قبل أيام قليلة، حفزت المملكة العربية السعودية دراسة اللغة الصينية في مراحل دراسية معينة، وابتعاث عدد كبير من طلابها، وهذه خطوة استراتيجية في بالغ الأهمية لفهم أكثر المجتمع والثقافة الصينية والتعرف عن قرب التأثيرات والفرص الذهبية للوطن. أعتقد أنها خطوة رائعة جداً.

استراتيجيات الصين الناجحة تم ترجمتها إلى مشاريع ضخمة بوتيرة غير مسبوقة، وستُكمل خلال عقود مرحلة البنية التحتية التي ستُنافس ما بنته الولايات المتحدة في تاريخها. على سبيل المثال:

* 143,000 كيلومتر مجموع أبعاد الخطوط السريعة للمركبات، المصنف الأضخم على الأطلاق بالعالم
* 30,000 كيلومتر، واحدة من أسرع القطارات التشغيلية بالعالم، وهي تملك 02:03 من مجموع ابعاد العالم
* 100 مليار كيلووات بالساعة، أكبر محطات الطاقة الكهرومائية من حيث إنتاج الكهرباء بالعالم. Three Georges Dam with 100 Billion Kilowatt-Hours
* 25,526 مليار متر مكعب، مشروع تحويل المياه من الجنوب إلى الشمال. أكبر مشروع نقل مياه بالعالم، والذي يخدم على الأقل 100,000,000 فرد
* 8,704 كيلومتر، مشروع غرب الى شرق انابيب الغاز، أطول مشروع خط انابيب بالعالم
* 55 كيلومتر، Hong Kong – Zhuhai – Macao Bridge أطول جسر مائي للمركبات، وأطول نفق تحت البحر يمتد الى 6.7 كيلومتر

نعم، التنين العملاق الذي كرس قوته وعمل على مدار الساعات والعقود لبناء ترسانة مهيبة بعيدة عن التوترات والصراعات العالمية، قاعدة تعليمية، وعقول متعلمة قوية، ومواطنون يتمتعون بأفضل أخلاقيات العالم، واستعداد دائم للتعلم والتكيف، وعدم الاختباء أمام التحديات، واتباع أوامر من هو أحقّ وأكثر جدارة. هذه هي الصين العظيمة “أعجوبة القرن الحديث”.

 

 

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تحيي اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف
  • أعجوبة القرن الحديث
  • السودان.. تاريخ المسارات الخاطئة والحروب الخاسرة
  • محمد عبد القوي: مسلسل أهل الخطايا رصد شخصيات واقعية بالمجتمع
  • «دبي للثقافة» تعلن إطلاق العمل الفني «وقفات متروية» للفنانة شيخة المزروع
  • وقفات احتجاجية بجامعة الحديدة تنديدا بالعدوان الامريكي على اليمن ودعما لغزة
  • مؤتمر لندن.. ما هي مجموعة الاتصال الدولية التي أراد تشكيلها
  • يجب منح الجهاز صلاحيات جديدة تتناسب مع حالة الحرب وتتلاءم مع طبيعة المهددات الأمنية التي تهدد السودان
  • لوفيغارو: تاريخ الحروب الأبدية المنسية الطويل في السودان