أبوظبي (الاتحاد)
وسط تصاعد النزاع في السودان، وبلوغ الأزمة الإنسانية مستويات غير مسبوقة، تطالب دولة الإمارات بضغط إقليمي ودولي حقيقي لوقف نزيف الدم السوداني، وإنهاء الاقتتال بشكل فوري ودائم وغير مشروط، وعودة الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار والتفاوض. 
ورغم ترويج القوات المسلحة السودانية  ادعاءات باطلة ومزيفة ضد الإمارات، تؤكد الدولة التزامها الثابت والراسخ بدعم الشعب السوداني إنسانياً ودبلوماسياً وسياسياً.


وفي الوقت الذي تتمسك فيه القوات المسلحة السودانية بخيار العنف، تطرق المجاعة أبواب ملايين السودانيين، ويفرغ التهجير القسري المدن من سكانها، في مشهد يُنذر بكارثة إنسانية وشيكة، ما يجعل دولة الإمارات تكرر دعواتها إلى تشكيل حكومة مدنية شاملة تُعيد للسودان أمنه واستقراره.

صوت الإمارات
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، ماجد الساعدي، إن مسار الدعوات الدولية يسير بشكل متزايد على خُطى الموقف الإماراتي الذي طالب منذ اللحظة الأولى بضرورة وقف الحرب في السودان، والدفع نحو طاولة الحوار، غير أن القوات المسلحة السودانية التي تخضع لتأثير جماعة «الإخوان» والتيارات المتطرفة، وتواصل رفضها لهذه المبادرات، مُصرة على الحسم العسكري، ما يُنذر بمزيد من العنف الأهلي والانقسام الوطني.
وأضاف الساعدي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن النهج العدائي الذي تتبعه القوات المسلحة السودانية أدى إلى انقسام السودان وتفكيك نسيجه الاجتماعي، مشيراً إلى أنها ارتكبت العديد من المجازر في دارفور وجنوب كردفان، وواصلت على مدى عقود ممارساتها الممنهجة ضد المدنيين.
وذكر أن القوات المسلحة السودانية لم تكن يوماً كياناً وطنياً جامعاً، بل أداة في يد جماعات أيديولوجية تحرّكها شعارات دينية متطرفة ورؤى قومية منغلقة، لا ترى في الحوار سوى ضعف، ولا تؤمن إلا بالحرب كوسيلة للبقاء.
وأفاد الساعدي بأن تعنّت القوات المسلحة السودانية، والتي أصبحت واجهة لتحالفات راديكالية، يُفاقم الأزمة في السودان، حيث تحول النزاع من خلاف سياسي إلى حرب أهلية ذات أبعاد طائفية وجهوية، تهدد بزوال ما تبقى من وحدة البلاد، موضحاً أن الحالة السودانية اليوم تشبه تجارب دول فقدت مؤسساتها هويتها، وتحولت إلى أدوات قمع وتفتيت.
وأكد الباحث في الشؤون الأفريقية أن المجتمع الدولي لم يعد يملك رفاهية الاكتفاء بالبيانات والدعوات الشكلية، بل بات من الضروري ممارسة ضغوط حقيقية على الأطراف المتشددة، خصوصاً التي ترفض لغة السلام، وتُمعن في تأجيج النزاع، مشدداً على أن صوت الإمارات، ومعها القوى الإقليمية والدولية العاقلة، لا يزال يشكل أملاً واقعياً للخروج من الأزمة الطاحنة التي يعيشها السودان، إذا أُحسنت الأطراف المتنازعة الإصغاء للدعوات الإماراتية، والتفاعل مع مقترحاتها بشكل جاد ومسؤول.
قضية إنسانية
وتتسع رقعة التوافق الدولي مع الموقف الإماراتي الذي يتعامل مع الأزمة السودانية باعتبارها قضية إنسانية وأمنية تؤثر على استقرار الإقليم برمّته، وليس فقط كملف سياسي عابر. ومن هذا المنطلق، تواصل الإمارات الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات جادة، بما يضمن استعادة الحد الأدنى من الاستقرار، وحماية الشعب السوداني من ويلات الاحتراب.
من جهتها، قالت مديرة رصد انتهاكات الحروب في المركز الدولي للذكاء الاصطناعي (A3)، سارة الحوسني، إن التيارات المرتبطة بـ «الكيزان»، المنتمية لجماعة «الإخوان»، تواصل التلاعب بالوعي العام في السودان من خلال تصدير أزماتهم الداخلية وصناعة عدو خارجي وهمي، متهمة الإمارات زوراً بالمسؤولية عن المأساة السودانية، في محاولة للهروب من المحاسبة عن سجل طويل من الانتهاكات والفساد.
وأشارت الحوسني، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن ما يقوم به «الكيزان» يدخل ضمن ما يُعرف باستراتيجية «الدخان»، وهي تكتيك معروف تلجأ إليه الأنظمة الفاشلة لصرف الانتباه عن الأزمات الحقيقية. فبدلاً من مواجهة الاتهامات الجادة الموجهة إليهم، ومنها ما هو مسجل رسمياً في المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، يسعون لتصوير الإمارات كعامل خارجي سلبي، رغم أن الأدلة تشير إلى عكس ذلك تماماً.

أخبار ذات صلة «الفارس الشهم 3» تطلق مشروع حفر آبار مياه في غزة غباش: الإمارات ستظل داعمةً لأمن لبنان وسيادته ووحدة أراضيه

مساعدات متنوعة
وأكدت مديرة رصد انتهاكات الحروب أن التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية توضح بجلاء أن الإمارات تُعد من أبرز المانحين في جهود الإغاثة الإنسانية في السودان، حيث قدمت مساعدات طبية وغذائية، وشيدت مستشفيات ميدانية، ودعمت مشاريع تنموية استهدفت ملايين المتضررين من النزاع.
وانتقدت الحوسني تجاهل التيارات الموالية لـ«الكيزان» للواقع الاقتصادي المتردي في السودان، مشيرة إلى أن الميزانيات تُستهلك في الصرف الأمني والعسكري، بينما يعيش المواطن السوداني في ظروف مأساوية، وتعاني البلاد من انهيار البنية التحتية وهروب الاستثمارات، في ظل غياب أي رؤية حقيقية للإنقاذ.
وأضافت أن «الكيزان» يواجهون اليوم عدالة شعبية داخلية قبل أن تكون دولية، مؤكدة أن المحاكم السودانية يجب أن تكون الوجهة الأولى لمحاسبة من تسببوا في تراجع الدولة ونهب مقدراتها، وليس الاستمرار في توجيه الاتهامات للآخرين.
وشددت على أن الشعب السوداني الذي يمتلك تاريخاً من الفكر والثقافة والإبداع يستحق قيادة وطنية حقيقية، لا جماعات تدفع به إلى معارك وهمية وتغرقه في الأوهام والدعاية العدائية، مؤكدة أن معركة السودان الحقيقية ليست مع أي طرف خارجي بل مع الفساد وسوء الإدارة والاستبداد.
وأفادت الحوسني بأن ما يدور حالياً في السودان ليس مجرد صراع إعلامي، بل معركة مصيرية تتعلق بمستقبل الدولة السودانية، معتبرة أن الوعي الشعبي يُعد السلاح الأقوى لكشف الحقيقة، وسط هذا الكم الهائل من الضباب الإعلامي والدعائي.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الإمارات السودان أزمة السودان الإخوان الإخوان المسلمين عبد الفتاح البرهان القوات المسلحة السودانية القوات المسلحة السودانیة فی السودان

إقرأ أيضاً:

السودان و«العدل الدولية».. حين تكون الدعاوى وسيلة للهروب من المسؤولية

 

تستعد محكمة العدل الدولية في الخامس من مايو/أيار الجاري، لإصدار حكمها النهائي بخصوص الدعوى السودانية المرفوعة ضد دولة الإمارات.

يأتي ذلك في وقت، يعتبر فيه كثير من الخبراء العسكريين وعدد من المحللين السياسيين في السودان، الخطوة، بأنها “دعوى” بلا مضمون ولا تقوم على أسس قانونية، وإنما جاءت كدليل واقعي لتهرب قيادة الجيش السوداني وحلفائه من تنظيم الإخوان، من تحمل المسؤولية المباشرة في إشعال الحرب في السودان في 15 أبريل/نيسان، وكل ما ترتب عليها من جرائم ضد الإنسانية.

4 ركائز لسلام دائم بالسودان.. خارطة طريق إماراتية تدحض افتراءات الجيش
وأعلنت محكمة العدل الدولية، الخامس من مايو/أيار الجاري موعداً لإصدار قرارها بشأن دعوى تقدم بها السودان ضد دولة الإمارات، حيث تدعي حكومة الجيش السوداني وحلفائها، تورط دولة الإمارات في إبادة جماعية ضد مجموعة “المساليت” العرقية في دارفور غربي البلاد.

وقالت المحكمة في بيان لها الأسبوع المنصرم، إنها ستعقد يوم الإثنين الموافق 5 مايو/أيار الجاري، جلسة في مقرها بمدينة لاهاي الهولندية لإعلان قرارها بشأن الدعوى.

وفي مارس/آذار الماضي، قدم السودان طلباً لإقامة دعوى ضد دولة الإمارات أمام المحكمة فيما يتعلق بنزاع حول “مزاعم” انتهاكات الإمارات لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.

“التهرب من المسؤولية”

خلال الجلسة السابقة، أعربت دولة الإمارات، عن رفضها القاطع لما وصفتها “الادعاءات” الباطلة التي أدلت بها القوات المسلحة السودانية.

وقالت إن “القوات المسلحة السودانية فشلت بتقديم أي دليل ذي مصداقية لإثبات ادعاءاتها، ما عكس كونها قضية ضعيفة لا تملك شرعية ولا أسساً قانونية، ولا تلبي أياً من معايير الإثبات القضائي”.

 

وبحسب مراقبين سودانيين، فإن الرغبة في التهرب من مسؤولية جرائم الحرب التي تسبب فيها الجيش السوداني والفصائل العسكرية المتحالفة معه، هي المحرك الفعلي لاتهام دولة الإمارات، خصوصاً وأن الإمارات ظل موقفها ثابت في ضرورة إنهاء الحرب عبر عملية تفاوضية سلمية.

“كيد سياسي”

الخبير العسكري، عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين (تضامن) في السودان، العميد وليد عزالدين عبد المجيد، يرى أن اتهام “الإخوان” لدولة الإمارات تحت غطاء القوات المسلحة السودانية، بانتهاك اتفاقية ١٩٤٨ لمنع الإبادة الجماعية عبر التواطؤ أو الحض على ارتكابها، يأتي من باب “الكيد السياسي”.

وأكد لـ”العين الإخبارية” أن ذلك مجرد “أوهام” لتبرير كثير من الهزائم العسكرية التي تلقاها الجيش السوداني والفصائل العسكرية المتحالفة معه، في عدد من النقاط الساخنة التي تدور فيها المعارك ضد قوات الدعم السريع.

وقال العميد وليد عزالدين ، إن كل العتاد العسكري الذي تمتلكه قوات الدعم السريع، “تم تحت إشراف وبموافقة قيادة الجيش السوداني في أوقات سابقة، ومنذ أن كانت قيادة الجيش السوداني تعتبر أن الدعم السريع هو جزء أصيل من مكونات الجيش السوداني”.

جلسة سابقة لمحكمة العدل الدولية

وأضاف أن “قيادة الجيش السوداني السابقة والحالية، هي التي قامت بتمكين قوات الدعم السريع، وهي من عبّدت له طرق الاستئثار بأموال الدولة، وفتحت له النوافذ لإقامة علاقات دولية مستقلة عنها”.

“تبرير الفشل”

العميد وليد عزالدين، مضى في تفسيراته لتهرب قيادة الجيش السوداني من تحمل مسؤولية تدمير الدولية السودانية، بعد إصرارها على الاستمرار في حرب خاسرة، لم تجلب للإنسان السوداني سوى الخراب والدمار والموت والتهجير القسري.

وقال إن اتهام دولة الإمارات الشقيقة، “هو مجرد ذرائع لتبرير الفشل والتمادي في الهلاك والدمار، وفقدان واضح للدبلوماسية الحكيمة والسياسة المتزنة”.

“خلل قانوني”

ولفت العميد عز الدين، إلى أن “الدفوعات القوية التي تقدمت بها دولة الإمارات ضد الدعوى السودانية، وإشاراتها للخلل القانوني، هو ما دفع هيئة المحكمة أن تتوانى في اتخاذ قرارها، وتطالب الجانب السوداني بمزيد من الحيثيات”.

وأضاف أن “تحفظ دولة الإمارات عام 2005 على بعض المواد في اتفاقية 1948، بالإضافة إلى تصريحها الأخير بضبط شحنة أسلحة وذخائر يراد تمريرها إلي السودان بطرق غير قانونية، ستربك المشهد وتعقد سير القضية وربما تضعف موقف الحكومة السودانية”.

وكانت الإمارات قد أعلنت، الأسبوع الماضي، عن إحباط أجهزة الأمن محاولة “تمرير أسلحة، وعتاد عسكري إلى القوات المسلحة السودانية بطريقة غير مشروعة”.

وكشف النائب العام الإماراتي الدكتور حمد سيف الشامسي، أن أجهزة الأمن في الإمارات تمكنت من إحباط محاولة تمرير كمية من العتاد العسكري إلى القوات المسلحة السودانية، بعد القبض على أعضاء خلية متورطة في عمليات الوساطة والسمسرة والاتجار غير المشروع في العتاد العسكري، دون الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات المختصة. العين الاخبارية


مقالات مشابهة

  • العدل الدولية تسقط دعوى السودان ضد الإمارات.. وأبوظبي تعلق
  • الإمارات ترحب بقرار "العدل" الرافض لادعاءات الجيش السوداني
  • الإمارات ترحب بقرار محكمة العدل الدولية الذي يمثل رفضاً قاطعاً لادعاءات القوات المسلحة السودانية الباطلة
  • محكمة العدل الدولية ترفض الدعوى المقدّمة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات وتشطب القضية
  • الحفيتي: على المجتمع الدولي القيام بدور حاسم لوقف معاناة السودان.. والإمارات ملتزمة بدعم الشعب السوداني الشقيق
  • مباشر.. تغطية خاصة لوقائع جلسة محكمة العدل الدولية الثانية بخصوص ادعاءات القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات
  • ممثلة الدولة أمام محكمة العدل الدولية: الإمارات ليست طرفًا في النزاع المسلح في السودان
  • الإمارات: آن الأوان كي يتوقف القتل في السودان فوراً.. وملتزمون بالدعم الإنساني (فيديو)
  • السودان و«العدل الدولية».. حين تكون الدعاوى وسيلة للهروب من المسؤولية
  • الإمارات.. نزاهة تنسف ادعاءات القوات المسلحة السودانيـة