لجريدة عمان:
2025-04-22@23:09:13 GMT

عُمان.. الشريك الحضاري الموثوق

تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT

عُمان.. الشريك الحضاري الموثوق

لم تكن زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى العاصمة الروسية موسكو حدثا دبلوماسيا عابرا، بل إعلان متزن عن حضور سياسي واقتصادي وفكري لعُمان في واحدة من أكثر اللحظات الجيوسياسية حساسية في التاريخ الحديث. وإذا كان السلطان هيثم -أيّده الله- قد وقّع في عام 1986 على أول بروتوكول للعلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عُمان والاتحاد السوفييتي، فيما يمكن أن يُنظر إليه اليوم كعتبة أولى في مسار طويل، فإنه -حفظه الله- قد دشّن بهذه الزيارة تحولا نوعيا في علاقات نضجت على مدى أربعة عقود

وأسّس لمسار جديد من التعاون السياسي والاقتصادي والمعرفي، يخدم المصالح الاستراتيجية العُمانية والروسية على حد سواء، كما عبّر جلالته في كلمته من قاعة الكرملين.

لذلك يمكن القول إن زيارة جلالة السلطان المعظم قد أسهمت في بلورة لحظة «جيوبوليتيكية» فريدة، تلتقي فيها عُمان بكل موانئها المفتوحة على بحار العالم ومحيطاته، مع اليابسة الأوراسية التي تبدو موسكو في قلبها النابض، رغم كل التحديات التاريخية التي أحاطت بها.

وإذا كان كل من السلطان هيثم والرئيس بوتين قد أكدا في كلمتيهما على أهمية فتح شراكات اقتصادية في مجالات مثل الطاقة والزراعة والمواد الغذائية، فإن الموانئ العمانية تبرز كخيار جاذب للمستثمر الروسي، لا فقط لموقعها الجغرافي المتميز، بل أيضا لما توفره من استقرار سياسي وبيئة قانونية موثوقة.

لكن بوتين، الذي احتفى هو وبلاده بالسلطان هيثم، لا ينظر إلى عُمان بوصفها شريكا اقتصاديا أو محطة لوجستية ضمن سلاسل التوريد العالمية، بل بوصفها شريكا حضاريا قادما من الجنوب الجغرافي، لكنه يحمل وعيا معرفيا يعرف الشمال جيدا، ويدرك سيرورة تشكل الحضارات في فضائها وتاريخها.

أما السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- فرغم تركيزه البالغ على الجوانب الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، فإنه يقرأ بعمق مسار التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، ويُدرك -أيّده الله- أن الدول اليوم لا تُقاس فقط بحجم إنتاجها أو قوتها العسكرية، بل بقدرتها على أن تقف في نقطة ينجذب إليها الجميع ويُحترم فيها الجميع، بعيدا عن تأجيج الصراعات أو توظيفها. وذلك لا يتحقق إلا بتراكم الفعل السياسي النابع من وعي تاريخي، وهو ما تملكه عُمان التي ظلّت، عبر تاريخها، بعيدة عن منطق المحاور، وحاضرة بمنطق الدولة التي لا تنتهك حقوق الدول ولا إنسانية الشعوب، والتي تملك إرادة سياسية صلبة قائمة على القيم، ونقاء في التعامل، وبراعة في بناء جسور السلام.

وبهذا المعنى، لا يمكن قراءة هذه الزيارة -وقد حققت ما حققته من نجاحات- باعتبارها مجرد محطة في مسار بناء شراكات جديدة، بل باعتبارها مفترق طرق، تؤكد فيه عُمان أنها، بكل ما تملكه من عمق وتجربة، قادرة على أن تكون رقما صعبا في لحظة تعاد فيها كتابة مسارات العالم، لا عبر الضجيج، بل عبر الفعل الهادئ الذي يعيد للسياسة معناها الأصيل وهو أن تكون فعلا مسؤولا في التاريخ، لا مجرد رد فعل في لحظة تتشظى فيها مراكز القوى، وتنهار فيها الحضارات عسكريا وأخلاقيا.

ولعل السلطان هيثم -أيّده الله- وهو يعبر الساحة الحمراء التي مرّ بها القياصرة والثوار والأباطرة، لم يكن يعيد فقط وصل ما انقطع بين ضفتي أوراسيا والعالم العربي، بل كان يضع حجر الأساس لمسار حضاري جديد، لا يقوم على أنظمة تحكمها الغرائز ولا على تحالفات تُملى بالقوة، بل على عقل إمبراطوري هادئ، يدرك أن الجغرافيا وحدها لا تصنع التاريخ، بل تصنعه الإرادة التي تختار أين تقف ومتى تسير.

لقد حمل السلطان إلى موسكو أكثر من اتفاقيات، حمل معها توازنا نادرا في زمن فاقد للاتزان، وحين غادر، ترك في جدران الكرملين صدى لصوت مختلف.. صوت دولة تعرف كيف تصنع لنفسها مكانا حين تضيع الموازين، لا بالولاء لمحور، ولا بالتحدي الأرعن، بل بالحكمة التي تدرك أن من يُحسن العبور بين حضارتين، هو وحده من يملك أن يبني طريقا سالكا نحو المستقبل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السلطان هیثم

إقرأ أيضاً:

جلالة السلطان في موسكو غدًا.. والعالم يرقب نتائج الزيارة التاريخية

"عمان": تتجه الأنظار غدًا إلى العاصمة الروسية موسكو حيث يبدأ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، زيارة تاريخية إلى روسيا هي الأولى من نوعها يعقد خلالها قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وترسخ الزيارة مسارا تصاعديا من العلاقات بين البلدين في الشأن السياسي والاقتصادي. وقال بيان صادر عن ديوان البلاط السلطاني أن الزيارة تأتي "تلبية للدعوة الكريمة الموجهة إلى المقام السّامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، من فخامة الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية، وتعزيزا لعلاقات التعاون بين سلطنة عُمان وروسيا الاتحادية الصديقة بما يسهم في تحقيق تطلعات البلدين". وحسب البيان "سيتم خلال الزيارة السّامية لجلالته، أبقاه الله، بحث أوجه التعاون القائمة بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، إضافة إلى التّشاور والتّنسيق حيال الموضوعات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدّولية".

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين عُمان وروسيا 133 مليون ريال عُماني، فيما يبلغ عدد الشركات التي فيها رأس مال روسي 277 شركة تتوزّع استثمارات في مجالات الطاقة، واللوجستيات، والتعدين، والتكنولوجيا، والسياحة، والبتروكيماويات.

ومن المنتظر أن يوقع الجانبان خلال الزيارة على 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات؛ أهمها اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات للجوازات العادية لمواطني البلدين؛ وبروتوكول إنشاء اللجنة المشتركة العُمانية الروسية وغيرها من مذكرات التفاهم في مجالات متعدّدة، منها الأسماك، والتجارة، والإعلام، والدبلوماسية، والمناخ وغيرها.

ويعول على الزيارة تسريع بناء شراكات مع الجانب الروسي في مجالات الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية، فيما ينتظر قطاع السياحة طفرة نوعية عقب تضاعف أعداد الزوّار؛ حيث استقبلت عُمان 44 ألف سائح روسي العام الماضي مقابل 11 ألف سائح عُماني لروسيا. على الصعيد الثقافي، يتواصل التعاون بين المتحف الوطني ومتحف الإرميتاج عبر معارض مشتركة وبرامج ترميم رائدة.

مقالات مشابهة

  • بفضل الله تعالى.. جلالة السلطان يعود إلى أرض الوطن
  • المسافة المتحركة بين قصر العلم والكرملين
  • جلالة السلطان يغادر روسيا الاتحادية
  • الرئيس الروسي يقيم مأدبة غداء تكريما لجلالة السلطان هيثم بن طارق
  • أفعال تمنع استجابة الدعاء.. 3 معاصي يقع فيها كثيرون
  • زيارات جلالة السلطان.. الأبعاد والدلالات
  • جلالة السلطان يزور النصب التذكاري لضريح الجندي المجهول بموسكو
  • جلالة السلطان يصل روسيا
  • جلالة السلطان في موسكو غدًا.. والعالم يرقب نتائج الزيارة التاريخية