البعثة الأممية لتقصي الحقائق في السودان تعلق على ما حدث بمعسكر زمزم
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
متابعات ــ تاق برس وصف رئيس البعثة الأممية لتقصي الحقائق بالسودان محمد عثمان شاندي الانتهاكات في مخيم زمزم للنازحين بالفاشر ترقى إلى جرائم الحرب. ونوه شاندي في حديث لقناة “الجزيرة مباشر” إلى أن معسكر زمزم شهد عمليات إعدام ميدانية على نطاق واسع فضلا عن سقوط عدد كبير من القتلى بسبب استخدام قوات الدعم السريع للمدفعية الثقيلة.
المصدر: تاق برس
كلمات دلالية: البعثة الأممية لتقصي الحقائق السودان زمزم
إقرأ أيضاً:
مقتل النور: عندما تخلى العالم عن السودان للإبادة الجماعية لمدة عامين كاملين
نعت لجان مقاومة شمال دارفور زميلتهم وبطلتنا، الدكتورة هنادي النور، التي أسلمت روحها لباريها بعد أن اخترقت رصاصات ميليشيا قوات الدعم السريع جسدها الغض، عند اقتحامهم مخيم زمزم للنازحين، الواقع على بُعد 15 كيلومترًا من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. كانت هنادي، ابنة أوائل العشرينات، قد تخرجت حديثًا من كلية الطب قبيل اندلاع الحرب، لكنها اختارت البقاء في معية النازحين في زمزم، واختارت أن تصمد وتخدم، بدلاً من البحث عن سُبل الخلاص الفردي. اختارت هنادي أن تكون (جميلة بوحيرد السودان) لتعمل بين أهلنا الذين افترشوا مضارب النزوح في المخيم، تُطبب الجرحى، وتُداوي المرضى، وتذود بجسدها الغض عمن طحنتهم آلة الحرب، وتدفع ما استطاعت من عمرها فداءً لأبناء وبنات شعبنا الذين هجّرتهم جحافل الدعم السريع، وشرّدتهم من ديارهم.
رحلت هنادي عن عالمنا قبل يومين من دخول حرب السودان الملعونة إلى عامها الثالث، عندما اجتاحت جحافل ميليشيا قوات الدعم السريع مخيم زمزم للنازحين في يوم 13 أبريل 2025. صمد مخيم زمزم لأكثر من عام، في وجه الحصار الوحشي الذي فرضته ميليشيا قوات الدعم السريع، ولاحقًا انضم إليها حلفاؤها في تحالف تأسيس على الفاشر ومخيمات النازحين المحيطة به، ومن ضمنها زمزم وأبو شوك. أدى ذلك الحصار الخانق إلى مأساة إنسانية غير مسبوقة. تم إعلان المجاعة من المستوى الخامس (المستوى الكارثي) في مخيم زمزم في أغسطس 2024، وأفادت تقارير المنظمات الدولية، ومن بينها أطباء بلا حدود، أن طفلًا واحدًا على الأقل يقضي نحبه جراء الجوع والمرض كل ساعتين نتيجة لنقص الغذاء والدواء.
بعد الخسائر المتتالية التي أصابت ميليشيا قوات الدعم السريع، ونجاح الجيش السوداني في تحرير العاصمة الخرطوم، كثّفت الميليشيا وحلفاؤها هجماتهم على الفاشر وزمزم وأبو شوك وبقية المناطق التي ظلّت صامدة خارج سيطرتها. أدى ذلك إلى إعلان منظمة “أطباء بلا حدود” تعليق جميع أنشطتها في مخيم زمزم في 24 فبراير 2025، بسبب تصاعد العنف والهجمات المتكررة، حفاظًا على سلامة طواقمها. وبعد يومين، في 26 فبراير 2025، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تعليق أعماله في مخيم زمزم، نتيجة لتدهور الوضع الأمني وتصاعد القتال، وقام بإجلاء الموظفين من أجل سلامتهم. لم يبق من عمال الإغاثة الإنسانية في زمزم – والذي يأوي حوالي مليون نازح من المدنيين الذين هجّرتهم الحرب – غير منظمة ريليف إنترناشيونال Relief International وثلة من المؤمنين بشعبهم وبقدسية الحياة مثل هنادي ورفاقها.
لكن لم يسلم أحدهم من بطش آلة العنف الهمجية التي أطلقتها ميليشيا الدعم السريع وحلفاؤها. أعلنت ريليف إنترناشيونال أن الميليشيا قتلت تسعة من كوادر العناية الطبية بعد الاجتياح الدموي، في العيادة الأخيرة في المخيم، والتي كانت تديرها المنظمة، ثم أعلنت جمعية الأطباء السودانيين الأمريكيين عن مقتل الأستاذ أحمد محمد صالح سيدنا، والذي كان يدير مركز الأطفال الذي ترعاه الجمعية في المخيم، على يد جحافل التتر الجنجويدية التي اجتاحت المخيم. لم تكن هنادي وحدها إذن، بل كان الموت بكل عنفوانه الوحشي يحصد بمنجله الدموي رُسل الحياة والإنسانية. أو كما قالت نقابة أطباء السودان في نعيها لهنادي: “يد الغدر المتوحشة لم تفرّق بين من يقتل ومن ينقذ، فاغتالت النور”.
أعادت الصور والفيديوهات التي تسربت من الهجوم ذكريات ما حدث في الإقليم في أوائل الألفية. مشاهد جنود الدعم السريع على ظهور جيادهم وهم يطاردون النازحين الذين يحاولون الفرار من هذا الجحيم، مشاهد حرق المخيم وشهادات القتل والاستهداف الإثني، كلها تكررت لتقول للعالم بأقسى طريقة ممكنة إن تفاحة الدعم السريع وحلفاءها لم تسقط بعيدًا عن شجرة الجنجويد.
مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، يتجلى عجز العالم أمام المأساة في أبهى صوره: تواطؤ تزينه لغة دبلوماسية متخشبة، ومجاملات جوفاء لا تقوى على ملامسة الحقيقة المروعة لهذه الحرب – الحقيقة التي تقول إننا نشاهد واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية التي صنعها الإنسان في القرن الحادي والعشرين، لا بفعل الكوارث الطبيعية، بل بإرادة القتل والعنف والفناء.
تحوّل شعار “إيقاف الحرب” إلى لافتة باهتة يرفعها بعض الساسة الذين يتوسلون شرعية من الخارج الدولي على ركام الوطن. راية مهترئة يحملها من يسعون لتجميل وجه الفاشية، والبحث عن معادلات لتقاسم السلطة عبر إضفاء الشرعية على آلة الاستبداد والنهب والاغتصاب والقتل الجماعي، فقط لأنهم يتطلعون إلى نصيب من سلطة عرجاء، أو خدمةً لمصالح إقليمية ودولية لا ترى في السودان سوى رقعة نفوذ وأداة صراع.
في ذروة هذا النزيف، عقدت بريطانيا مؤتمرًا وزاريًا لمناقشة الأزمة السودانية في يوم الذكرى الثانية لانفجارها – مؤتمر بدا كعرض مسرحي ناقص، غاب عنه السودانيون أنفسهم: لا حضور رسمي يمثل الدولة، ولا صوت شعبي يعكس صرخة الشعب الموجوع. لم تكترث الحكومة البريطانية للآلاف من أبناء وبنات السودان الذين احتشدوا غاضبين أمام مقر المؤتمر في لندن، رافعين أصواتهم بالرفض والاحتجاج. احتجوا على حضور دول ما تزال – حتى اللحظة – تموّل وتسند حملة الإرهاب الدموي التي تشنها ميليشيا الدعم السريع على أهلهم العزّل في بلادهم، حملة تغرق المدن والقرى في الدم والرماد، بينما العالم يختبئ خلف التجاهل المتغطرس عن مواجهة الحقيقة.
ويتزامن كل ذلك مع استمرار التجريدة المتوحشة للهجمات التي تشنها – في نفس الأيام – قوات الدعم السريع على الفاشر والمخيمات المحيطة بها، بين القصف المتواصل على المناطق المدنية، ومنع الإغاثة الإنسانية والغذاء والدواء من الوصول إلى أكثر من مليونين من المواطنين المدنيين المحاصرين لقرابة العام.
ولكن أمام إشراقة ثغرِ هنادي الوضّاء، يقف الوجودُ كلّه متواضعًا ليسائله ضميرَهُ المستتر…
ما الطغيان؟
إن لم يكن أن يرسل أميرٌ من أمراء الخراب، جحافل بطشه وسلاحه المسنون، لتغتال شابة أو زهرة يانعة لم تعرف من الدنيا إلا نشوة الفرح حين تضمّد جراح طفلٍ نازف، أو تزرع الدفء في قلب أمّ مكلومة، وتخفف عن ذويها وجع التشريد ومرارة النزوح.
وما التدليس؟
إن لم يكن أن يصطف نفرٌ من المتأنقين، أرباب الكلام المنمّق وربطات العنق الحريرية ومرتدي السترات المبطّنة كضمائرهم، ليداروا نزيف جراح أوطانهم خلف حذلقة السياسة، ويغزلوا للمجرمين أقمشة من التعقيد تستر عورات جرمهم، هربًا من مواجهة الشمس الساطعة للحقيقة.
وما التواطؤ والخيانة؟
إن لم تكن أن يُغلق البعض أعينهم عن رؤية دموع الأمهات، ويصمّوا آذانهم عن صراخ الأطفال، بينما يبيعون صمتهم الجبان وكلماتهم الكاذبة للجلاد بثمن بخسٍ من مكاسب السياسة أو وهم السلطة أو دراهم يهوذا؟
وما الاستبسال والشهادة؟
إن لم تكن أن تُزهَر مثل هذه الأرواح الباسلة على عتبة الصدق، في وجه رصاص الظلم، لتهزّ عروش الجبابرة الطغاة وتصدح بالنشيد، أن الحق لا يُهزم، وإن قُتل عشّاقه؟
وأما الوطنية، والإقدام، والشجاعة،
فما عادت اليوم رايات تُرفع في خطب البلاغة، ولا أناشيد تُردَّد في دهاليز الساسة، بل صارت وجهًا واحدًا لا يُشبهه أي وجه، واسمًا واحدًا لا يخطئه القلب: اسم هنادي ورسمها، هي ورفاقها الراحلين. هي رايتها وعنوانها في كل أرضٍ تنبت فيها الكرامة من دم الشهداء، هي سيرة من لا يتراجعون، ولا يساومون، ويهبون الحياة لمعنى الوطن، ثم يرحلون عنه… واقفين.
أمجد فريد الطيب
إنضم لقناة النيلين على واتساب