تجليات الملحمية في عرض مسرحي عماني
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
تعدُّ الملحمية نسبة إلى بريشت، وبسكاتور نظرة احتجاج ليست مقصورة على وحدات أرسطو الثلاث، لكنها وجهة نظر ديالكتيكية إلى العالم تتضمن فلسفةً وموقفًا واشتغالًا على المستويين التنظيري والتطبيقي. ويُنعتُ كل مسرح ينبني فضاؤه الدرامي على (سرد الحدث عوض تجسيده، والشخصيات تقدم الأحداث بدل مسرحتها «...» ولعب الممثلين يضاعف التباعد الذي يتجلى مظهره الأول فـي تقنية السرد، ومظهره الثاني فـي عدم اندماج الممثل مع الدور الذي يؤديه «.
العرض المسرحي (دراما ما بعد الحرب الثالثة - طلبة الجامعة العربية المفتوحة)، تأليف أسامة السليمي وإخراج أيمن الحراصي تجلت فـيه عناصر تأسيسية للملحمية البرشتية. أقيم العرض ضمن مهرجان آفاق العربي للمسرح الجامعي الدورة العاشرة للفترة من 12-26 أبريل على خشبة مسرح جامعة التقنية والعلوم التطبيقية يسرد حكاية موضوعها الحرب والخيانة والهيمنة. تجري الحكاية فـي بيت العائلة التي يُهيمن على أفرادها الجد المتسلّط، ومعه الجدة، والأب، وزوجة الحفـيد، والخادمان. فـي هذه المقالة أسعى إلى تقديم قراءة فـي نص العرض وفق زاويتين: الأولى تتضمن النص، الثانية تتضمن الإخراج، والأداء التمثيلي، والسينوغرافـيا والإيقاع العام وتفاعل الجمهور مع العرض.
فـي فضاء النص
استوقفني النص لما يحمله من رمزية سياسية واجتماعية وثقافـية، ولما فـيه من جرأة تخيليّة فـي تصور مستقبل العالم بعد كوارث الحروب التي تفتك بالبشرية. يتحدث النص عن عائلة مكوّنة من الجد، والجدة، والأب، وزوجة الحفـيد الحامل بطفل (مآثر الجابرية)، وخادم وخادمة وطيف للحفـيد الذي ذهب إلى الحرب ولم يَعد. يهيمن الجد (بشار الفلاحي) على العائلة ومعه الجدة (رنيم الهنائية)، ويتحكم فـي مصائر الجميع. اكتسب الجد مجده من خلال إمداده الوطن بالمال والرجال، وتجلت سلطته الأبوية المستبدة فـي تحريكه لأفراد العائلة. فالعائلة هي مركز القيادة والهيمنة الرمزية، فبِاسم الوطنية يرسل حفـيده إلى الحرب، وباِسم المجد العائلي يُقرر قتله بدم بارد بعد أن يكتشف خيانته، والنتيجة انهيار العائلة من الداخل، يموت الحفـيد، وتنتحر الزوجة، ويرحل الأب وينتحر الجد.
حاول المؤلف تقديم رؤية رمزية لما بعد كوارث الحروب. فأثقل على الشخصيات بخطاب متشابه إلى حد الإسراف. من ذلك يمكن مقارنة حوارات الخادمين مع حوارات الأب مثلا، فنجدها تعبر عن لسان المؤلف؛ كأنها تقرأ من كتاب واحد! دون أن تفسح للمشاهد مجالًا للتعرّف على مستويات العلاقات المتداخلة. كان الحفـيد لا يظهر إلا للجد، ووسيلة الارتجاع التي استند إليها النص، لتعرفنا بماضي الجد، عجزت فـي معرفة الأدوار التي قدمها للدولة.
فـي فضاء الإخراج
حسنًا فعل المخرج فـي لجوئه إلى تشذيب النص، وتكثيفه تكثيفًا ملحوظًا. فالنص ينتمي إلى مسرح الأفكار والتمثيلات الرمزية فـي تناول قضية سياسية موضوعها خيانة الحفـيد لتاريخ عائلته ووطنه. لم نشاهد هذا الحدث فـي العرض، إذ تخلى عنه المخرج وهو فـي النص قضيته المركزية.
فالنص وفقًا لمرتكزات الملحمية، لا يركز على مآسي الشخصيات بوصفها مآسي أفراد، بل يجعلنا كجمهور نطرح أسئلة فكرية: من يَملك الحق فـي تعريف الخيانة؟ هل المجد الوطنيّ يُبرر القتل؟ وهل العائلة يمكن أن تكون أداة فـي يد الدولة؟ ما الذي يبقى بعد الحرب؟ ماذا لو كان المجد الذي تتغنى به العائلة عبر العقود مجرد قناع ترتديه لتخفـي سقوطها الأخلاقي؟ هل حماية السمعة أهم من حماية الإنسان؟ هل الوطنية المُطلقة قد تتحول إلى وحش يأكل أبناءه؟ هل تحب الدولة أبناءها بمقادير معينة؟
يتضح لنا، فهم المخرج لموضوع النص؛ فالحدث هو حامل الفكرة أو الأفكار التي تولدها القصة، وحث المتفرج على التفكير لا التعاطف مع الشخصيات التي تؤدي أدوارها كمحمولات فكرية، وليست شخصيات درامية.
سعى المخرج إلى تقديم لغة إخراجية بصرية محاولًا استثمار بعض عناصر المسرح الملحمي وبرز ذلك فـي هذه العناصر:
- افتتح المخرج عرضه بفضاء لا يُقدم تحديدًا زمنيًا دقيقًا للحرب، ولا اسما للدولة ولا وصفًا واقعيًا للمكان. كل شيء يبدو معلقًا غائمًا. الفضاء موجود فـيه كرسي طويل بلا ملامح أو رسوم دالة على وضعية معينة، فالزمان والمكان جاءا كأدوات فكرية، وينسجم هذا مع الفكر الملحمي الذي يرى فـيهما أدوات مجرّدة لتوصيل الفكرة، لا لبناء الواقعية المجتمعية.
- الخلفـية فارغة تمامًا، والإنارة بيضاء/ كاشفة فـي العرض، وجاءت لتكشف الواقع وفضح تناقضاته لا لتجميله. وهذا الفراغ المتعمد فـي الخلفـية استخدم لتجريد الحدث من واقعيته وتحويله إلى فكرة، ويدفع الجمهور إلى التركيز على التركيب الجسدي والمعنوي للمشهد عوض الانشغال بديكور ما.
- استثمار حركة الممثلين فـي مقدمة الخشبة ما يُتيح مسافة للقرب من الجمهور، لخلق تأثير مباشر لكسر الحاجز الرابع. (شاهدنا أربع شخصيات مصطفة فـي الخلف، ثلاث نساء ورجل مسنّ يحمل عصا. جميعهم يرفعون رؤوسهم إلى الأعلى وشخصية خامسة (رجل) يقف فـي المقدمة بجمود ينظر مباشرة إلى الجمهور بتعبير جاد وصامت.
هذا التكوين البصري يسعى إلى تقديم لوحة رمزية مشحونة بالتساؤل عن النظرات المرفوعة التي توحي بانتظار ميتافـيزيقي كسؤال عن المصير مثلا، أو خضوع قِسري لقوة عليا. إن هذا التكوين لا يسعى لإقناعنا بأننا نشاهد عائلة حقيقية فـي لحظة درامية، بل يُعلّق على لحظة إنسانية كونية تدفعنا إلى تأمل الوجود: ماذا يبقى للعائلة بعد أن تستهلكها الحرب؟
- شخّص الممثل (إسماعيل الهادي) فـي شخصية (الأب) دورًا مزدوجًا ضمن تعددية الأدوار، تارة ينفردُ واقفًا فـي الأمام كأنه راوٍ أو شاهد أو الضمير الحي للحفـيد يعلّق على الحكاية، وتارة أخرى يؤدي دور المشاركة فـي الأداء.
- عبّرت الحركة الجسدية الحادة للوحات البصرية عن لحظات التوتر الداخلية، لكنها فـي المسرح الملحمي لا تتركنا لنتعاطف، أو نتماهى معها، بل تدفعنا إلى التفكير؛ أي إن المتفرج يسأل نفسه: لماذا يصرخ الممثل؟ ما السبب الاجتماعي أو السياسي وراء هذا الغضب أو البكاء أو الصراخ؟
- استطاعت المسافة بين الممثلين والتكوين الحركي الإيحاء بعلاقة التراتبية فـي السلطة، حيث شاهدنا الزوجة تستعطف الجّد (هي منحنية وهو قائم يمسك عصاه)؛ فالصورة التي نُفكر فـيها كمتفرجين، إما التواطؤ مع السلطة الأبوية أو الانكسار أمامها.
- هناك توزيع بصري طبقي وهَرمي عند وقوف الجّد صلبًا بعصاه فـي منتصف الخشبة، بينما النساء فـي أوضاع متفاوتة وقوفًا - أو جلوسًا. إن هذا التوزيع كشف لنا منظر زوجة الحفـيد صغيرة الحجم، وتترجم هذه الوضعية بصريا أبعاد العلاقة السلطوية فـي داخل العائلة.
- إن ملابس الشخصيات جاءت موحدة اللون (أبيض وأسود)، بسيطة وغير متكلفة، خالية من التزيين أو الترميز الطبقي، وهذا يتماشى مع بساطة السينوغرافـيا التي حوّلت مركز التركيز، ونقلته من دائرة المشهد إلى دائرة الرِّسالة. كما جعلت الشخصيات أقرب إلى النماذج التي تمثل مواقف فكرية لا نفسية.
- الهاتف القديم على الطاولة. استخدم ككائن رمزي يمكن أن يشير إلى السلطة أو أداة تلقي الأوامر (إشارة غير مباشرة إلى الحرب أو الجهة العليا)، وهو يستخدم فـي المسرح الملحمي، كشيء يجب التفكير فـيه، لا مجرد ديكور.
- الفضاء العام للسينوغرافـيا، انصرف إلى تشكيل مجموعة من اللوحات، فالمؤثرات البصرية بإضاءة زرقاء خافتة، بسيطة، وموحية، استطاعت تكوين فضاء خاطب مع الموسيقى ترجمة أفكار النصّ، لإظهار الأشياء غير المرئية.
- بشائر هذا العرض، كانت الممثلة (رتاج الجابرية) فـي دور الخادمة، واستطاعتها أداء الدور برشاقة جسدية، وظفها المخرج مع (محمد الصبحي) فـي دور الخادم لخلق مساحة التغريب الملحمي وقد استطاع هذين الثنائيين بالظهور فـي وضعيات الهيمنة والخضوع جعل لوحات الضحك أن تقدم درسًا بعيدًا عن التهريج المجاني، فـي نص عوالمه الحرب والخيانة والانتحار.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وفد من بيت العائلة بأسيوط يزور الكنائس لتقديم التهنئة بعيد القيامة المجيد
زار وفد أمانة الطوارىء والأزمات ببيت العائلة المصرية بأسيوط برئاسة فضيلة الشيخ سيد عبد العزيز امين عام بيت العائلة المصرية بأسيوط اليوم عددا من الايبارشيات والكنائس لتقديم التهنئة للأخوة الأقباط بمناسبة عيد القيامة المجيد
وضم الوفد اللواء فريد الشويخ أمين أمانة الطوارىء والأزمات ببيت العائلة ورؤساء اللجان وأعضاء الامانة وبعض رجال الدين الاسلامى
وحيث بدأ الوفد زيارته بتقديم التهنئة لنيافة الانبا يوأنس مطران ايبارشية اسيوط للأقباط الأرثوذكس بأسيوط ولشعب الكنيسة بهذه المناسبة ثم زيارة ايبارشية اسيوط للأقباط الكاثوليك وتقديم التهنئة لنيافة الانبا دانيال لطفى مطران أسيوط للأقباط الكاثوليك ولشعب الايبارشية بحضور القيادات التنفيذية والشعبية بالمحافظة ورجال الدين الاسلامى والمسيحى
واستكمل وفد لجنة الطوارىء والأزمات ببيت العائلة جولته بزيارة الكنيسة الإنجيلية الثانية بمدينة أسيوط وتقديم التهنئة للقس رفيق ثابت راعى الكنيسة ولشعب الكنيسة بمناسبة العيد وسط جو من الاحتفالات.
وقدم الشيخ سيد عبد العزيز -خلال كلمته -التهنئة للاخوة الأقباط شركاء الوطن بمناسبة حلول عيد القيامة المجيد واعياد الربيع مشيرا إلى الدور المجتمع لبيت العائلة المصرية بأسيوط بالتنسيق مع كافة المؤسسات والكنائس لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والنهوض بالخدمات المقدمة للمواطنين وتكثيف برامج التوعية والتثقيف داعيا المولى عز وجل أن يحفظ مصرنا الغالية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية وراعى مسيرة التنمية
وعبر اللواء فريد الشويخ عن سعادته بزيارة ايبارشيات وكنائس أسيوط وتقديم التهنئة لمطارنة وشعب الكنيسة بمناسبة عيد القيامة المجيد واعياد الربيع والتى تحل علينا فى اجواء من الحب والسعاد وفى إطار احتفالات المحافظة بعيدها القومى
ووجه نيافة الانبا يوأنس والانبا دانيال والقس رفيق ثابت الشكر للقيادات وأعضاء بيت العائلة ولجنة الأزمات والطوارىء لحرصهم على مشاركتهم احتفالاتهم بالعيد وهو ما يظهر جليا فى فعاليات وأنشطة أمانة الطوارىء والأزمات ببيت العائلة المصرية بأسيوط لترسيخ رؤية بيت العائلة المصرية للمشاركة المجتمعية والعمل على تعميق أواصر الود والمحبة