السيولة في غزة .. أزمة تفاقم معاناة المواطنين تحت وطأة الغلاء والحصار
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
غزة ـ يمانيون
مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره التاسع عشر، تزداد الأوضاع المعيشية تعقيدًا وسط انهيار اقتصادي شامل، تتصدره أزمة السيولة المالية التي باتت تُحاصر يوميات السكان، وتحوّل تفاصيل حياتهم إلى سباق مرهق للبقاء وسط الغلاء الفاحش، وانعدام النقد، وارتفاع عمولات التكييش إلى مستويات صادمة.
في أحد الأزقة المدمّرة شرق مدينة غزة، يقف الحاج أبو مصطفى أمام محله الصغير، ينظم ما تبقى من البضائع القليلة على رفوفه، ويُحدّق في الداخلين بعينين غلب عليهما التعب.
يقول بصوت منخفض: “كنت أبيع على التطبيق لأسهّل على الناس أزمة الكاش، لكن للأسف ما عدنا نستطيع الشراء من التجار إلا نقدي، فاضطررت للعودة للبيع نقدًا فقط”.
ويضيف: “الناس ما عندها كاش، واللي بده يسحب من التطبيق بيدفع دم قلبه عمولة، صار الوضع لا يُحتمل، والموردين نفسهم صاروا يبيعونا بأسعار غالية وبشروط صعبة”.
عمولات خانقة..
أصبحت عمولة الحصول على النقد – المعروفة محليًا بـ”التكييش” – عبئًا يوميًا ينهك كاهل المواطنين.
ويُوضح الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”: “نحن أمام أزمة سيولة غير مسبوقة في القطاع، نتيجة الحصار المُطبق ورفض الاحتلال إدخال النقد، إضافة إلى غياب أي تدخل جاد من الجهات المالية الرسمية في الضفة أو غزة لتدارك الوضع”.
ويتابع: “بلغت عمولات التكييش أرقامًا غير منطقية، تتراوح بين 25% و35% من قيمة المبلغ، ما يعني أن المواطن يخسر ما يقارب ثلث أمواله فقط ليستلمها نقدًا، هذه النسبة تعتبر جريمة اقتصادية بحق الناس”.
ويرى أبو جياب أن “السوق السوداء” هي المستفيد الأكبر من هذا الواقع، مستغلة غياب الرقابة البنكية وتعطل عمل المؤسسات الرسمية: “في ظل انهيار الدور النقدي الرسمي، أصبح المواطن فريسة لتجار الأزمات الذين يتحكمون بالسيولة وبوسائل الدفع”.
ومنذ بداية الحرب أوقفت قوات الاحتلال إدخال السيولة النقدية إلى بنوك غزة، التي أغلقت مقراتها وبقيت تقدم خدمات محدودة أغلبها يرتبط بالتعامل مع التطبيق البنكية.
“أخسر لأعيش”..
محمد، موظف حكومي في غزة، يصف كيف تحوّلت الحياة إلى “رحلة بحث يومية عن النقد”، لا تقل قسوة عن مواجهة القصف.
يقول: “كنت أشتري من المتاجر عبر التطبيقات، بس مع الوقت سكرت المحلات، وصرت مجبر أسحب كاش بعمولة عالية، وأشتري من السوق بأسعار أغلى”.
أما أم يزن، أم لثلاثة أطفال، فتقول: “ما عندي خيار غير ألف على المحلات اللي بتبيع بالتطبيق، بس صارت نادرة، حتى مصروف الأولاد بطلت أقدر أعطيهم، لأن إذا ما معك كاش، ما بتقدر تشتري حتى الخبز”.
نقد تالف وأزمة مركبة
ويشير أبو جياب إلى تفاقم المشكلة بسبب انتشار العملة التالفة التي يرفض المتاجرون قبولها، ما زاد من حدة الأزمة: “انتشار العملة التالفة حوّلها إلى عبء إضافي، فتضاعف الضغط على الكاش السليم، مما جعل السيولة المتاحة أصغر بكثير من الحاجة الفعلية”.
وأضاف: “نحن بحاجة لحلول عاجلة، أهمها الضغط على الاحتلال لإدخال النقد بشكل منتظم، ودعم أنظمة الدفع الإلكتروني بشكل فعّال، وتوعية المواطنين بالتحول الرقمي، إلى جانب تدخل جاد من سلطة النقد الفلسطينية لإعادة هيكلة السوق وضبطه”.
أزمة نقد أم انهيار إنساني؟
ليست أزمة السيولة في غزة مجرد خلل اقتصادي، بل هي انعكاس مأساوي لحرب إبادة اقتصادية تشنّها إسرائيل ضد أكثر من مليوني إنسان.
ومع غياب الحلول الجذرية، وغياب سلطة نقد فاعلة، تبقى خيارات السكان محدودة، بينما تتضخم السوق السوداء، وتتحول الحياة إلى معركة يومية للبقاء.
يؤكد خبراء أن تخفيف الأزمة يبدأ من إعادة فتح المعابر، وإدخال النقد، وتفعيل أدوات رقابية حقيقية على السوق، بالتوازي مع تعزيز أدوات الدفع الرقمي، وتمكين المواطن من التكيّف دون أن يُستنزف في كل معاملة مالية.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
وفاة بابا الفاتيكان بعد معاناة مع المرض.. دعا إلى وقف حرب غزة في خطابه الوداعي (بروفايل)
أعلن "الفاتيكان" وفاة البابا فرانسيس اليوم الاثنين، بعد معاناة مع المرض، وعقب ساعات فقط من إطلالته الأخيرة والتي دعا خلالها إلى وقف فوري للحرب على غزة.
وقال الفاتيكان إن البابا توفي عن عمر يناهز الـ88 عامًا، في مقر إقامته في دار القديسة مارتا بالفاتيكان.
والأحد دعا البابا فرنسيس، إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، قائلا إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "تولد الموت والدمار"، وتسبب وضعا إنسانيا "مروعا ومشينا".
وبمناسبة "عيد الفصح" المسيحي، أطل البابا فرنسيس من على شرفة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، ووجه عدة رسائل للعالم، في خطاب قرأه أحد معاونيه.
وقال البابا أمام حشد في ساحة بطرس: "أنا قريب من آلام المسيحيين في فلسطين وإسرائيل، كما أنني قريب من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني".
وأضاف: "يتوجّه فكري إلى شعب غزة، ولا سيما إلى الجماعة المسيحية فيها، حيث لا يزال النزاع الرهيب يولد الموت والدمار، ويسبب وضعا إنسانيا مروعا ومشينا".
ودعا البابا فرنسيس إلى "وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، وتقديم المساعدة للشعب الذي يتضوّر جوعا، ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام".
من هو البابا الراحل؟
البابا فرانسيس، وُلد باسم خورخي ماريو بيرجوليو في عام 1936 بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، يُعد أول بابا من أمريكا اللاتينية، وأول يسوعي يتولى منصب البابوية، وأول بابا من خارج أوروبا منذ البابا غريغوري الثالث في القرن الثامن.
اختياره لاسم "فرانسيس" مستوحى من القديس فرنسيس الأسيزي، ومنذ توليه منصب البابوية في 13 أذار/ مارس 2013.
نشأ خورخي بيرجوليو في عائلة من المهاجرين الإيطاليين، وكان الأكبر بين خمسة أطفال. في شبابه، أظهر شغفاً بكرة القدم ودرس الكيمياء، حيث حصل على شهادة في هذا المجال قبل أن يتحول إلى الدعوة الدينية.
في عام 1958، انضم إلى الرهبنة اليسوعية بعد تعافيه من مرض خطير أثر على رئتيه، ما شكل نقطة تحول في حياته.
تدرج في الرهبنة، وسيم كاهناً في عام 1969، ثم شغل منصب رئيس اليسوعيين في الأرجنتين بين عامي 1973 و1979، وهي فترة شهدت اضطرابات سياسية كبيرة بسبب الديكتاتورية العسكرية في البلاد. خلال هذه الفترة، واجه اتهامات بعدم بذل جهود كافية لحماية كهنة يسوعيين اعتُقلوا، لكنه نفى هذه الاتهامات، مؤكداً أنه عمل عبر قنوات دبلوماسية وكنسية لحماية الضحايا.
في عام 1998، عُين بيرجوليو رئيس أساقفة بوينس آيرس، وفي عام 2001، منحه البابا يوحنا بولس الثاني رتبة الكاردينال.
خلال هذه الفترة، اشتهر بأسلوبه المتواضع، حيث رفض الإقامة في القصر الأسقفي واستخدم وسائل النقل العام.
قاد الكنيسة الأرجنتينية خلال أزمات اقتصادية وسياسية، مثل أحداث الشغب في ديسمبر 2001، وكان يُنظر إليه كمنافس سياسي لإدارتي نستور كيرشنر وكريستينا فرنانديز دي كيرشنر. في عام 2005، شغل منصب رئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرجنتين، واعتذر لاحقاً عن تقاعس الكنيسة خلال الديكتاتورية العسكرية، في خطوة اعتُبرت الأولى من نوعها.
انتُخب البابا فرانسيس في 2013 بعد استقالة البابا بنديكت السادس عشر، في مجمع انتخابي قصير يُعد الأسرع في تاريخ الفاتيكان.
ومنذ ذلك الحين، اتخذ خطوات جريئة لإصلاح الكنيسة، مثل تشكيل مجلس استشاري من ثمانية كرادلة في 2013 لمراجعة إدارة الكوريا الرومانية، وهو قرار وُصف بأنه "ثوري".
يُعرف فرانسيس بمواقفه التقدمية في قضايا العدالة الاجتماعية، حيث إنه دعا إلى مكافحة الفقر، حماية البيئة، ووقف العنف، بما في ذلك إدانته للحرب السورية في 2011 ودعوته إلى تحقيق في "الإبادة الجماعية" في غزة. كما أنه زار عدة دول عربية مثل الأردن وفلسطين والعراق في 2021، لتعزيز الحوار بين الأديان ودعم المجتمعات المضطهدة.
وعلى الرغم من شعبيته العالمية، واجه فرانسيس انتقادات داخل الكنيسة من تيارات محافظة، حيث اتهمه البعض، مثل الأب ويناندي في 2017، بإثارة "ارتباك مزمن" في العقيدة وتعيين أساقفة مثيرين للجدل.
وفي 2018، طالب 45 من العلماء الكاثوليك الكرادلة بمطالبته بالتراجع عن تعديلات في التعاليم، معتبرين أنها تناقض الكتاب المقدس.
ورغم ذلك، فقد استمر فرانسيس في نهجه الإصلاحي، مع التركيز على الرحمة والتجديد الروحي، كما يتضح في كتابه "الأمل"، وهي سيرته الذاتية الأولى الصادرة في 2025، التي كتبها على مدى ست سنوات بالتعاون مع الكاتب الإيطالي كارلو موسو.
الكتاب، الذي صدر في 80 دولة بـ14 لغة، يكشف عن طفولته، وجذوره الإيطالية، وتجاربه، بما في ذلك إحباط محاولتي اغتيال خلال زيارته للعراق في 2021.
وعانى البابا فرانسيس قبل موته من مشكلات صحية مزمنة، بما في ذلك التهاب رئوي مزدوج ومشكلات في الركبة، ما اضطره إلى استخدام كرسي متحرك وعصا.
وفي شباط/ فبراير الماضي، أُدخل المستشفى بسبب التهابات بكتيرية في الجهاز التنفسي، ووصفت حالته بـ"المعقدة"، لكنه واصل أداء مهامه.
Pope Francis died on Easter Monday, April 21, 2025, at the age of 88 at his residence in the Vatican's Casa Santa Marta. pic.twitter.com/jUIkbplVi2
— Vatican News (@VaticanNews) April 21, 2025