تزف الحكومة السودانية “إنجازاتها” الملوّنة بينما الخرطوم تغرق في مستنقعٍ دمويّ لا يرحم. صارت الميليشيات هي السلطة الفعلية، وشرطة النظام تحوّلت إلى أزلامٍ مسلّحين يبيعون ولاءهم لمن يدفع أكثر! كل تصريحٍ رسمي عن “الاستقرار” بات أشبه بنداءٍ استعراضيّ بلا دمٍ ولا حركة؛ لأن الحقيقة الوحيدة هنا هي رصاصٌ لا يتوقف، وفسادٌ لا يُستباح.


في الوقت نفسه، يتغنّى المسؤولون بـ”المسارات النهرية” و”الرحلات البرية” لتسهيل عودة اللاجئين، متناسين أن آلاف الأسر العائدة لم تجد إلا مكبّ نفاياتٍ بشريّ: بيوتٌ بلا سقف، شوارع بلا كهرباء، وأحياءٌ يلتهمها الرعب الليلي. هل هذه هي “العودة الطوعية”؟ إنها إدانة للنظام وليست مجرد حملة علاقات عامة؛ فاستقبال اللاجئين تحول إلى إلقاء بالضحايا في فم التنين.
أما شرطة الخرطوم، التي يُفترض أن تكون الحامية للمواطن، فقد تآمرت مع الفوضى حتى باتت أقسامها مقارّ عصابات. عنصرٌ ينهب الأموال بالسلاح، وآخر يبتز التجار بالتأخير المتعمد، وثالثٌ يتعسّف ضد الضعفاء خلف القضبان الرسمية. وما يحدث ليس انحرافًا فرديًا، بل قرارٌ ممنهجٌ اتُّخِذ في سراديب الفساد الخفية.
ورغم تصريحات الحكومة عن “تحرير المناطق” وعودة السيطرة، لا تحرير حقيقي في الخرطوم ما دامت تسودها ثقافة البندقية. لقد استبدل النظام ملصق “المحرر” بآخر مكتوب عليه “وصي الحرب”، بينما أمراء الفوضى يتشاركون مع السلطتين العسكرية والمدنية في نهب الثروات وإرهاب السكان.
كفى لعبًا على العقول: لا بواخر فاخرة ولا تصريحات برّاقة ستعيد هيبة الدولة. ما يحتاجه السودان الآن هو ثورة مؤسسية تعيد للشرطة مكانتها كحارسة للعدل لا صديقة للعصابات، وقضاء مستقل يلاحق المجرمين دون مقابل، وإسقاط أمراء الحرب عن عروشهم المتسلطة. فالعودة الطوعية ستظل حلماً بعيدًا حتى يعود المواطن ليستقبل صوت الحق لا رصاص الميليشيات.
إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية شارعٍ واحدٍ في عاصمتها، فكيف تتصدى لتحديات كبرى مثل إعادة مليون لاجئ؟ الجواب واضح: القوة الحقيقية هنا لمن يدفع أكثر، ولا مكان للدولة إلا في خطابات الأشباح!

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عودة الحياة إلى الخرطوم: من المدينة الرياضية بدأت الحرب… ومنها تعود الحياة

عودة الحياة إلى الخرطوم: من المدينة الرياضية بدأت الحرب… ومنها تعود الحياة
في مشهد يلامس الوجدان، وثّق فيديو تم تصويره اليوم 20 أبريل 2025، حركة كثيفة للمارة والسيارات في محيط المدينة الرياضية بالخرطوم، انطلقت شرارة الحرب الأولى من ذات المنطقة.

المدينة الرياضية، التي كانت بداية الانفجار، باتت اليوم عنواناً لبداية التعافي، وكأن الخرطوم تقول: “من هنا بدأت النار، ومن هنا تعود الحياة.”

هذا الفيديو ليس مجرد رصد لحركة مرور، بل هو رسالة مباشرة لمن يحاول تثبيط همم المواطنين، أو إعاقتهم عن العودة إلى منازلهم، خاصة أولئك الذين يلوّحون بمبررات صحية أو إنسانية، وعلى رأسهم السيد وزير الصحة.
وليد محمد المبارك
وليد محمدالمبارك احمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • وزير إسرائيلي يثير جدلاً: تحرير الرهائن ليس أولوية الحرب على غزة
  • شاهد بعض ما خلفته الحرب بالخرطوم من دمار وخراب
  • تحرير 139 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق
  • عقيد أردني متقاعد: رواية الحكومة في قضية الخلايا لم تصمد 24 ساعة (شاهد)
  • توضيح تصريحات البابا فرنسيس حول الأديان الأخرى.. الحقيقة كما هي
  • سموتريتش يصدم عائلات الأسرى: لنقل الحقيقة إعادة أبنائكم ليس الهدف الأكثر أهمية
  • عودة الحياة إلى الخرطوم: من المدينة الرياضية بدأت الحرب… ومنها تعود الحياة
  • حصاد عامين من حرب السودان بالأرقام
  • لابيد: تصريحات متحدث نتنياهو اعتراف صريح بتخلي الحكومة عن استعادة الرهائن