بوابة الفجر:
2025-04-23@07:33:34 GMT

مواريث الهلالي وأصابع إبراهيميّة

تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT

لم أكن أتصوّر يومًا أن نصل إلى لحظة تُطرح فيها المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وكأنها قضية قابلة للنقاش، في مجتمع يُفترض أنه مسلم، ويعلم أن أحكام المواريث وردت بنصوص قرآنية قطعية لا لبس فيها ولا مجال لإعمال العقل فيها أو الاجتهاد. 

ولا أدري لماذا يتصدّر رجال دين محسوبون على المؤسسات الدينية لفتاوى في الفترة الأخيرة تثير الجدل، وتعمق الجرح أكثر مما تعالج، وتحدث صدعا أكثر مما تؤلف بين نسيج هذا البلد، وكلامي هنا مقصده الدعوى التي أطلقها الدكتور سعد الدين الهلالي، للمساواة بين الرجل والمرأة في المواريث، والحقيقة أنها لم تكن دعوة عادية بل كانت بمثابة قنبلة، ولا أبالغ إن وصفتها بأنها ذرية، فهي من وجهة نظري ليست اجتهادًا فكريًا كما يدّعي البعض، بل هو تعارض مع نصوص صريحة لحدود الله، وفتح لباب فتنة لن تغلق بسهولة، خصوصًا حين تأتي في توقيت حساس، مدعومة من مظلة مشبوهة تُروَّج اليوم لما يسى بـ«الديانة الإبراهيمية».

الأمر لم يعد مجرد رأي فردي منسوب لأستاذ جامعي، بل تحوّل إلى حملة منظمة تتقاطع فيها مصالح فكرية وسياسية، تقودها أطراف خارجية تسعى لإعادة تشكيل هوية المجتمعات العربية، ومصر في القلب منها. 

والمثير للقلق أن هذه الدعوات لا تجد من يوقفها عند حدها، بل تصاحبها أذرع إعلامية خارجية تشن هجومًا شرسًا على الأزهر الشريف، المؤسسة التي ما دام كانت الحصن الأخير في وجه هذا النوع من التغريب الديني

ويشهد المجتمع المصري هذه الأيام جدلًا واسعًا بعد هذه التصريحات، خصوصا أنها تتعارض صراحة مع النصوص القرآنية القطعية التي لا تحتمل التأويل، كما ورد في قوله تعالى في سورة النساء: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين…. »، وكذلك آية: «ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع...» من السورة نفسها، ما يجعل هذه الدعوة مناقضة تمامًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة.

وقد قوبلت دعوة الهلالي برفض قاطع من الأزهر الشريف، الذي وصفها بأنها انحراف فكري وليست من قبيل التجديد أو التنوير، مؤكدًا أن هذا النوع من الدعوات لا يجوز فيه إعمال العقل لأنه يتعلق بثوابت شرعية منصوص عليها بشكل واضح. 

واعتبر الأزهر أن ما صدر من الهلالي لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال تحت مظلة الاجتهاد أو التدبر.

لكن اللافت في هذا الجدل لم يكن فقط المضمون، بل التوقيت والمحيط الإعلامي المصاحب له. فقد شنت بعض الصحف التابعة لدولة عربية تروج لما يسمى بـ«الديانة الإبراهيمية» هجومًا عنيفًا على الأزهر، متهمة إياه بـ«الإرهاب الفكري» الذ يحاول إسكات الأصوات التي تنادي بـ«تجديد الفكر الديني»، في إسقاط واضح على موقفه من تصريحات الهلالي. 

ولم تكتفِ تلك الصحيفة بالنقد، بل ذهبت إلى حد التحريض على الأزهر واتهامه بالسعي إلى تشكيل دولة داخل الدولة، وهو ما يثير علامات استفهام كبرى حول خلفيات هذا الهجوم.

وما زلت لا أستوعب فكرة أن من يحمل لواء التجديد والتنوير لا بد أن يكون خارج المؤسسة الدينية سواء الأزهر أو در  الإفتاء، ومحاولة تصدير فكرة أن تلك المؤسسات لا تضم قامات علمية دينية قادرة على التجديد والتنوير.

ولماذا عندما يخرج رأي أو فكر شاذ يتعلق بأمور دينية نجد تكاتفا ودعما له، وإنكارا لرأي الأزهر إذا انتقد ذلك الشذوذ.

علامة استفهام كبيرة، تؤكد حقيقة واحدة أنه مطلوب منا أن نقبل تلك الدعوات الشاذة، وننحي رأي الأزهر لأنه رجعي ظلامي متخلف وهذا بخلاف الحقيقة.

ويتضح من مجريات الأمور أن المسألة لا تتعلق باجتهاد فردي من أحد العلماء، بل يبدو -ولا أتهم الدكتور سعد الدين الهلالي- أن هناك محاولات ممنهجة لفرض مفاهيم «الديانة الإبراهيمية» على المجتمعات العربية، وهي ديانة مشبوهة تهدف إلى تذويب الخصوصيات الدينية والثقافية تحت شعارات زائفة كالوحدة الدينية أو التسامح المطلق. 

ومصر، بما تمثله من ثقل ديني وحضاري، تقف في مرمى هذه المحاولات، التي تسعى لاختراقها من خلال قضايا شائكة كالميراث، لتهيئة الأرضية لتمرير هذا المشروع.

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد نقاش فكري أو ديني، بل هو اختبار حقيقي لوعي المجتمع المصري وقدرته على التمييز بين التجديد المشروع، والهدم الممنهج للقيم والثوابت باسم الحداثة.

ويقيني أن تلك الدعوات ستموت مثلما حدث مع فتاوى شاذة سابقة، بفضل وعي ذلك الشعب، ويقظة المؤسسات الدينية وتماسك رجالها على مر العصور.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: انحراف التسامح الهلالي وجهة نظر الشذوذ المؤسسات الدينية المجتمع المصري سعد الدين فتاوي سعد الدين الهلالي سورة النساء الدكتور سعد الدين الهلالي المساواة في الميراث

إقرأ أيضاً:

النصوص قطعية لا تقبل الاجتهاد أو التغيير.. الأزهر يرد على الدعوات المطالبة بالمساواة في الميراث

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- رد الأزهر في مصر، السبت، على بعض الدعوات التي تطالب بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، مؤكدا أن "نصوص الميراث قطعية لا تقبل التغيير ولا الاجتهاد بإجماع صحابة النبي محمد".

وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في منشور عبر صفحته الرسمية على فيسبوك إن "نصوص الميراث قطعية لا تقبل التغيير ولا الاجتهاد، والدعوة لصنع (تدين شخصي) افتئات على الشرع، أو لصنع (قانون فردي) افتئاتٌ على ولي الأمر، وإعادةُ إنتاجٍ للفكر التكفيري المنحرف وتجديد علوم الإسلام لا يكون على الشاشات أو بين غير المتخصصين".

وأوضح مركز الأزهر للفتوى أن "النصوص المتعلقة بعلم الميراث في الإسلام نصوص قطعية مُحكمة راسخة لا تقبل الاجتهاد أو التغيير بإجماع الصحابة، والعلماء في كل العصور، وتناسب كل زمان ومكان وحال، فقد تَولَّى رب العالمين الله عز وجل تقسيم المواريث في القرآن الكريم؛ لأهميته، وعِظَم خطره، وإزالةً لأسباب النِّزاع والشِّقاق".

وأضاف المركز أن "علم تقسيم الميراث في الإسلام مُرتبط ومُتشابك مع قضايا وأحكام عديدة، ومُدعي قصوره؛ لا يبين -عمدًا- صلته بتشريعات كثيرة في قضايا النّفقة والواجبات المالية؛ إذ إنّ بيانها يقضي بعدالته".

وأكد مركز الأزهر العالمي للفتوى أن "الادعاء الدائم أن أحكام الشريعة لا تناسب الزمان وتطور العصر؛ طرحٌ كريه لا يراد به إلا عزل الإسلام عن حياة الناس، فضلًا عن كونه فتنة عظيمة في دينهم؛ لا يجني المجتمع منها إلا الانحراف الفكري والتطرف في إحدى جهتيه.

وأشار المنشور إلى أن "صدمة الجمهور بإقامة استدلالات غير صحيحة على تحريم حلال أو تحليل حرام؛ جريمة فكرية تهدد الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي".

وأردف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في منشوره أن "الشَّحن السَّلبي المُمنهج تجاه الدّين وتشريعاته، والانتقالُ من التشكيك في حكم من أحكامه إلى التشكيك في غيره، ونسبةُ المعاناة والإشكالات المُجتمعية إلى تعاليمه ونُصوصه؛ جريمة كبرى تغذي روافد الانحراف الفكري والسلوكي، ونذير خطر يؤذن بتطرف بغيض".

وقال إن "الانتقاء والتدليس وصدمة الجمهور بالاستدلالات غير الصحيحة على تحليل الحرام أو تحريم الحلال بغرض تطبيع المنكرات داخل المجتمع؛ جرائم فكرية ومعرفية ينبغي محاسبة مرتكبها والداعي إليها".

كما أوضح مركز الأزهر للفتوى أنه "ليس ثمّة تعارض بين الفقه الإسلامي في جهة والدستور والقانون المصري في جهة أخرى، حتى يُختلَق صراع أو تُعقَد مقارنات بينهما، سيّما وأن تشريعات القانون المصري استقيت أكثرُها من أحكام الفقه الإسلامي، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية ضابط حاكم لجميع مواده كما أفاد الدستور في مادته الثانية، بيد أن اختلاق صراع بين الفقه والقانون تكأةُ زورٍ استند إليها التكفيريون والمتطرفون في انتهاج العنف وتكفير المجتمع واستحلال دمه".

وكان الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أثار مؤخرا جدلا بتصريحات قال فيها إنه "لا يوجد نص قرآني يمنع المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث"، حسب وصفه.

وقال سعد الدين الهلالي، خلال تصريحات تلفزيونية، إن وظيفته هي البيان والتوضيح، واعتبر أن "القرار في نهاية المطاف هو قرار شعبي وليس قراره أو قرار أي شخص آخر"، وأوضح أن "المطالبة بالمساواة في الميراث ليست ممنوعة بنص صريح في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة، خاصة بين المتساوين في درجة القرابة كالأخ والأخت"، حسب قوله.

مقالات مشابهة

  • الأزهر يرد على سعد الدين الهلالي في دعوى المساواة في الميراث
  • بنكيران يصف الدعوات التي ترفض استقبال ممثل عن حماس بالمغرب بـقلة الحياء (شاهد)
  • الإفتاء ترد على دعوة سعد الدين الهلالي بشأن المساواة في الميراث: "الثوابت الدينية ليست محل تصويت"
  • سعد الدين الهلالي يرد على تبرؤ الأزهر من فتاواه: الله لا يبرأ مني.. وأرضي ضميري
  • أول رد من سعد الدين الهلالي على تبرؤ الأزهر منه ومن فتاويه
  • «الطيب» يدين الدعوات التحريضيَّة المتطرفة الداعية إلى تفجير المسجد الأقصى
  • ماسورة صرف صحي.. أحمد كريمة يفتح النار على سعد الهلالي بسبب تصريحاته عن المرأة
  • عاجل - "فتوى الأزهر" ترد علي دعوة الهلالي للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث
  • النصوص قطعية لا تقبل الاجتهاد أو التغيير.. الأزهر يرد على الدعوات المطالبة بالمساواة في الميراث