تعريفات ترامب: كيف تؤثر الرسوم الجمركية الأمريكية في التحالفات التجارية؟
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 2 إبريل 2025، عن سياسات جمركية جديدة في اليوم الذي أطلق عليه “يوم التحرير”، وقد انطوت هذه السياسات على تعريفات جمركية أساسية بنسبة 10% على كافة السلع الواردة إلى الولايات المتحدة؛ وهو ما أدى إلى رفع الحد الأقصى للتعريفات الجمركية على الواردات القادمة من قبل بعض الدول إلى أكثر من 50%.
وقد شكلت هذه التعريفات الجديدة أكبر تغيير في معايير التجارة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية. وهو ما أثار العديد من التساؤلات بشأن التداعيات المحتملة لتعريفات ترامب الجديدة على التحالفات التجارية العالمية، في ظل الحديث عن إمكانية إعادة هيكلة التحالفات القائمة والدفع نحو تحالفات تجارية جديدة.
تعريفات غير مسبوقة:
شكلت التعريفات الجمركية التي أعلن عنها ترامب مؤخراً تحولاً كبيراً في السياسة التجارية لواشنطن، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1. تعريفات جمركية أساسية بنسبة 10%: تضمنت التعريفات الجمركية الأخيرة التي فرضها ترامب، في 2 إبريل 2025، مجموعة من التعريفات الأساسية بنسبة 10% تطبق على كافة الواردات من أي دولة في العالم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد دخلت هذه التعريفات حيز التنفيذ بدايةً من 5 إبريل 2025. وتُعد هذه التعريفات الأساسية بمثابة الحد الأدنى من الرسوم الجمركية المفروضة من قبل الإدارة الأمريكية على كافة دول العالم، فقد حصلت كل دولة على رقم تعريفة جمركية يطبق على غالبية السلع. كما دخلت رسوم جمركية منفصلة بنسبة 25%، كانت الولايات المتحدة قد فرضتها على السيارات المصنعة في الخارج، حيز التنفيذ.
2. رسوم جمركية تبادلية: بالإضافة للتعريفات الجمركية الأساسية التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على كافة الدول، هناك مجموعة من الرسوم الجمركية التبادلية التي فرضتها واشنطن على نحو 57 دولة؛ وهي تنطوي على رسوم جمركية أعلى من التعريفات الأساسية. فعلى سبيل المثال، تم فرض تعريفات جمركية بنسبة 34% على الواردات الصينية، بالإضافة للرسوم السابقة التي كانت فرضتها الولايات المتحدة بنسبة 20% على الصين؛ ما يجعل إجمالي الرسوم الجمركية المفروضة على بكين يصل لنحو 54%، ناهيك عن بعض البضائع الصينية التي تصل الرسوم المفروضة عليها لنحو 79%؛ بسبب الرسوم التي كان ترامب قد فرضها في ولايته الأولى.
يضاف لذلك تعريفات بنسبة 20% على الاتحاد الأوروبي، و25% على كوريا الجنوبية، و26% على الهند، و32% على تايوان، و46% على فيتنام، و36% على تايلاند، و31% على سويسرا، و32% على إندونيسيا. وتدخل هذه التعريفات حيز التنفيذ في 9 إبريل 2025.
وكشفت الولايات المتحدة أن التعريفات الجمركية المتبادلة تم تحديدها بناءً على جملة من المحددات الرئيسة، تتمثل في التعريفات الجمركية الحالية لكل دولة، إلى جانب الحواجز التجارية غير الجمركية كقيود الترخيص. لكن التقارير الغربية تشير إلى أن الإدارة الأمريكية اعتمدت في فرضها للرسوم الجمركية المتبادلة على موقف ميزانها التجاري إزاء الدول المختلفة، وليس على الرسوم الجمركية التي تفرضها هذه الدول على السلع الأمريكية. فقد صممت الرسوم الجمركية التبادلية على بعض الدول؛ بما يعادل نصف التكاليف التي تفرض على المصدرين الأمريكيين من خلال الرسوم الجمركية والحواجز غير الجمركية، بالإضافة إلى ما يُسمّى بعمليات التلاعب بالعملة.
3. مجموعة من الإعفاءات الجمركية: انطوت قرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة على جملة من الإعفاءات الجمركية، بما في ذلك بعض السلع، على غرار الألمونيوم والصلب والسيارات وقطع غيارها، والتي تخضع بالفعل لرسوم جمركية جديدة تم الإعلان عنها في وقت سابق من العام الجاري 2025. بالإضافة للإعفاءات المرتبطة ببعض القطاعات الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة، كأشباه الموصلات والأدوية والذهب والنحاس والأخشاب ومنتجات الطاقة وبعض المعادن الرئيسية. كما تضمنت حزمة الإعفاءات السلع الكندية والمكسيكية المنشأ، المدرجة في اتفاقية الولايات المتحدة وكندا والمكسيك (USMCA).
ورغم ذلك، ستظل كندا والمكسيك خاضعتين لرسوم جمركية بنسبة 25%، فرضتها إدارة ترامب في وقت سابق من العام الجاري 2025. وهناك بعض الدول الأخرى التي اكتفت الولايات المتحدة بفرض التعريفات الجمركية الرئيسية فقط عليها، منها المملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا. كما لم تفرض الولايات المتحدة أي رسوم جمركية على روسيا وكوبا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا؛ بدعوى أن هذه الدول تخضع بالفعل لعقوبات صارمة.
4. سد ثغرة “الحد الأدنى”: تضمنت قرارات ترامب الصادرة في 2 إبريل 2025 أيضاً توقيعه على أمر تنفيذي يتعلق بسد ثغرة “الحد الأدنى”، والتي سمحت باستيراد سلع تقل قيمتها عن 800 دولار إلى الداخل الأمريكي معفاة من الرسوم الجمركية، وقد كان أكثر من 90% من إجمالي الطرود الواردة إلى الولايات المتحدة يدخل من خلال هذا النظام، ويأتي 60% من هذه الطرود من الصين، وقد استفادت بعض الشركات، كـ”شي إن” و”تيمو”، من هذه الثغرة لتوسيع أعمالها في واشنطن. وجاء هذا القرار التنفيذي لمتابعة قرارات أخرى صدرت سابقاً مطلع العام الجاري 2025 بشأن شحنات “الحد الأدنى”، وسيتم تنفيذ الرسوم الجمركية على هذه الشحنات بدايةً من 2 مايو 2025.
مواقف دولية متباينة:
أثارت التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب انتقادات دولية واسعة، ورغم ذلك، تباينت حدة المواقف الدولية إزاء هذه التعريفات، فبينما تعهدت بعض القوى الدولية برد شامل على هذه التعريفات؛ فإن هناك دولاً أخرى عبرت عن مساعيها للتوصل إلى تفاهمات جديدة مع الولايات المتحدة بغية معالجة آثار هذه التعريفات. ويمكن عرض هذه المواقف المتباينة على النحو التالي:
1. فرض الصين رسوماً على الواردات الأمريكية: تضررت الصين بشكل كبير من الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، حيث ارتفع إجمالي الرسوم المفروضة على الواردات الصينية لأكثر من 50%، بعدما فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بقيمة 34% على السلع الواردة من بكين، بالإضافة إلى 20% كانت قد فرضتها واشنطن مطلع العام الجاري 2025. وفي هذا السياق، طالبت بكين بضرورة الإلغاء الفوري لهذه الرسوم، محذرةً من تداعياتها على التنمية الاقتصادية وسلاسل التوريد العالمية.
وبعد يومين فقط من إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية الجديدة، أعلنت الصين، في 4 إبريل 2025، أنها ستفرض رسوماً جمركية انتقامية بنسبة 34% على كافة الواردات من الولايات المتحدة، وأن هذه الرسوم ستدخل حيز التنفيذ بدايةً من 10 من الشهر نفسه، وذلك رداً على التعريفات الجمركية التي فرضتها واشنطن، والتي اعتبرتها بكين غير متماشية مع قواعد التجارة الدولية.
2. رسوم جمركية من كندا والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية: على غرار الموقف الصيني، أعلنت العديد من الدول أنها بصدد فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الأمريكية، رداً على الرسوم الأمريكية الأخيرة، فقد أعلنت كندا، التي تُعد أحد أكبر وجهات الصادرات الأمريكية، عن فرضها رسوماً جمركية انتقامية على واشنطن رداً على الرسوم التي فرضتها الأخيرة في مارس الماضي. كذلك، أشار الاتحاد الأوروبي إلى أنه يدرس حالياً فرض رسوم جمركية جديدة على الولايات المتحدة؛ إذ صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بأنه يجري حالياً إعداد الحزمة الأولى من التدابير المضادة من قبل الاتحاد الأوروبي رداً على الرسوم الجمركية الأمريكية السابقة على الصلب، لافتةً إلى أن بروكسل تدرس فرض مزيد من التدابير المضادة على واشنطن لحماية مصالحها حال فشلت المفاوضات الثنائية.
وعلى المنوال ذاته، أثارت التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب حالة من الغضب في كوريا الجنوبية، فقد تعهد القائم بأعمال الرئيس الكوري، هان دك سو، برد شامل على التعريفات الأمريكية الجديدة، معتبراً أن هذه التعريفات تدفع باتجاه حرب جمركية عالمية. وفي إطار التعريفات التي فرضتها إدارة ترامب، يتوقع أن تتأثر صناعة السيارات الكورية بشكل كبير، حيث يرجح أن تشهد شركتا صناعة السيارات الكوريتين، هيونداي وجنرال موتورز كوريا، انخفاضاً ملحوظاً في صادراتهما إلى الولايات المتحدة، وكانت سيول قد صدرت سيارات بقيمة 34.74 مليار دولار إلى واشنطن في عام 2024؛ ما يمثل نحو 49% من إجمالي الصادرات الكورية من السيارات.
3. ارتياح بريطاني: بدت بريطانيا في حالة من الارتياح بعد تفاديها الرسوم الأعلى التي فرضها ترامب على بعض الدول، فقد فرضت واشنطن رسوماً جمركية بنسبة 10% فقط على بريطانيا، كما سبقت الإشارة، وهي التعريفات الرئيسية التي فرضت على كافة الدول، ورغم أن التقارير كانت تتوقع أن يتم فرض رسوم إضافية على بريطانيا بقيمة 20%، على غرار بقية دول الاتحاد الأوروبي؛ فإن الإدارة الأمريكية استبعدت لندن من الرسوم الجمركية المتبادلة.
وقد عزت بعض التقديرات هذا الأمر إلى نهج رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، الأكثر تصالحاً مع إدارة ترامب. ورغم ذلك، يتوقع أن تكون لهذه الرسوم تداعيات على النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة، كما قد تضطر الحكومة إلى مزيد من تخفيضات الإنفاق أو زيادة الضرائب خلال الفترة المقبلة.
4. مساعٍ لتفاهمات جديدة مع واشنطن: على الرغم من انتقاد رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، للرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على طوكيو، في الوقت الذي تعتبر فيه الأخيرة هي صاحبة أكبر استثمارات في الولايات المتحدة؛ فإن وزير التجارة والصناعة الياباني، يوجي موتو، ألمح إلى أن بلاده لا تزال تسعى لإقناع إدارة ترامب بإعادة النظر في هذه التعريفات المفروضة على طوكيو، خاصةً في ظل التداعيات المحتملة لهذه الرسوم على الصادرات اليابانية، ولا سيما صناعة السيارات وقطع غيارها، والتي تشكل أكثر من 30% من صادرات اليابان إلى الولايات المتحدة.
كذلك، تبذل الهند حالياً جهوداً حثيثة للتفاوض مع الولايات المتحدة على تنازلات جمركية، خاصةً في ظل التداعيات السلبية لهذه الرسوم على المنتجات الإلكترونية، التي تبلغ قيمتها نحو 14 مليار دولار، والأحجار الكريمة والمجوهرات، التي تزيد قيمتها عن 9 مليارات دولار، ناهيك عن صناعتي النسيج وتكنولوجيا المعلومات. وبينما يبلغ العجز التجاري الأمريكي مع الهند حالياً نحو 46 مليار دولار؛ تدرس نيودلهي حالياً خفض الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية بقيمة 23 مليار دولار، في محاولة للتوصل لاتفاق جديد مع واشنطن بشأن الرسوم الجمركية.
ومن جانبها، اعتبرت حكومة تايوان أن الرسوم الجمركية المفروضة عليها من قبل واشنطن، بنسبة 32%، غير معقولة؛ ولكنها أشارت إلى أنها ستناقش الأمر مع الإدارة الأمريكية، في ظل التداعيات السلبية التي يتوقع أن تكون لهذه الرسوم على الاقتصاد التايواني، الذي يعتمد أكثر من 60% منه على الصادرات، ورغم أن تايوان حققت فائضاً تجارياً مع واشنطن خلال عام 2024 بقيمة 74 مليار دولار؛ فإنه يتوقع أن تؤدي الرسوم الجديدة إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي التايواني بنسبة 3.8%. وتتجه تايوان للتفاوض مع الإدارة الأمريكية بشأن هذه الرسوم الجديدة، وتدرس حالياً زيادة وارداتها من الولايات المتحدة وخفض رسومها الجمركية لتحقيق التوازن في تجارتها مع واشنطن. وكانت شركة (TSMC) التايوانية قد أعلنت في وقت سابق عن استثمارات بقيمة 100 مليار دولار في الولايات المتحدة؛ الأمر الذي دفع إدارة ترامب للإعلان عن إعفاء الشركة من الرسوم الجمركية.
ورغم أن الحكومة التايلاندية شجعت المصدرين التايلانديين للبحث عن أسواق جديدة لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية؛ فإنها أعربت أيضاً عن استعدادها للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة للتوصل لاتفاق يحقق توازناً تجارياً عادلاً. والأمر ذاته بالنسبة لماليزيا، التي أعلنت أنها تأمل في التفاوض مع الولايات المتحدة، لكنها ألمحت إلى أنها ستتجه تدريجياً نحو مناطق أخرى لتقليل الاعتماد على واشنطن في تدفقات التجارة والاستثمارات.
إعادة هيكلة:
يمكن أن تفضي تعريفات ترامب الجمركية إلى إعادة هيكلة التحالفات التجارية القائمة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1. تحركات صينية: في خضم الاضطرابات الناجمة عن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سارعت الصين نحو توظيف هذه الرسوم لبناء علاقات مشتركة مع شركاء الولايات المتحدة، الذين فرضت عليهم واشنطن رسوماً جمركية جديدة، في محاولة من قبل بكين لتوسيع نفوذها الاقتصادي والتجاري وتبوؤ مركز الصدارة في نظام تجاري جديد بدأ يتشكل حالياً.
وتتسق هذه التحركات مع التوجهات الصينية التقليدية في استغلال الثغرات التي تفرزها سياسة ترامب الانعزالية في القيادة الدولية، ولعل هذا ما انعكس في قرارات واشنطن المتعلقة بخفض المساعدات الإنمائية والتخلي عن محادثات المناخ، ناهيك عن تعليقها المؤقت للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، فقد سارعت الصين لطرح رؤيتها البديلة لهذه القضايا الحيوية.
وفي هذا السياق، أعلن نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، هي ليفنغ، في مارس 2025، أنه ينبغي على بكين والاتحاد الأوروبي مقاومة الأحادية والحمائية بشكل مشترك لحماية النظام التجاري العالمي. كما دعا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى تعزيز التعاون مع الهند، وذلك بعد يوم واحد من تعهدات السفير الصيني لدى نيودلهي بأن بكين ستشتري المزيد من المنتجات الهندية.
وفي إطار الانتقادات المتزايدة من قبل حلفاء واشنطن بسبب التعريفات الجمركية الجديدة، تعمل بكين على بناء وإصلاح العلاقات مع شركاء الولايات المتحدة التقليديين، وتشير بعض التقارير إلى أن الرئيس الصيني يستعد خلال الفترة المقبلة للقيام بجولة خارجية، ربما تتضمن فيتنام وكمبوديا وماليزيا، لمحاولة تعزيز الشراكات الصينية الخارجية.
2. نظام جديد للتجارة العالمية: كشفت بعض التقارير الأمريكية أن الصين تسعى حالياً لتقديم نفسها في صورة المدافع عن النظام القائم للتجارة العالمية؛ الأمر الذي قد يُعزِّز الدور القيادي لبكين، ويمهد الطريق لبلورة نظام جديد للتجارة العالمية تقوده الصين. حيث تقود الأخيرة حالياً جهوداً حثيثة لتصوير نفسها كشريك موثوق للدول المختلفة، بما في ذلك شركاء واشنطن، وقيادة موقف عالمي واسع النطاق ضد الحمائية الأمريكية، مع إبرام صفقات تجارية واسعة؛ وهو ما انعكس في الدعوة التي وجهها الرئيس الصيني مؤخراً للمديرين التنفيذين الأجانب للنظر إلى بكين باعتبارها مكاناً مثالياً وواعداً.
لكن، لا تزال هناك بعض الصعوبات التي تواجه تحركات الصين الراهنة، تتعلق بعضها بقلق بعض شركاء واشنطن من احتمالية إغراق أسواقهم بالسلع الصينية الرخيصة. ناهيك عن احتمالية أن تؤدي الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضتها واشنطن إلى دفع الشركات الدولية إلى الاتجاه المعاكس ونقل التصنيع خارج الصين.
3. تحالفات تجارية جديدة: أشارت بعض التقارير الألمانية إلى أن الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة ربما تدفع نحو إخراج واشنطن من التوازنات التجارية الطبيعية أو جعلها شريكاً أقل موثوقية وجاذبية، مع الدفع نحو تشكيل تحالفات تجارية جديدة. فعلى سبيل المثال، باتت كندا تنظر إلى الاتحاد الأوروبي كشريك أكثر موثوقية من الولايات المتحدة. كما لا تستبعد هذه التقارير أن يميل الاتحاد الأوروبي والمكسيك بشكل أكبر تجاه الصين.
وفي الوقت ذاته؛ تتجه اليابان وكوريا الجنوبية والصين نحو مزيد من التقارب الاقتصادي والتجاري؛ وهو ما انعكس في الإعلان المشترك الصادر عن هذه الدول مؤخراً، والذي أشار إلى أن هذه الدول تعمل حالياً لتعزيز التعاون المشترك ليكون لها صوت موحد فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي. وفي هذا السياق، لم تستبعد بعض التقديرات احتمالية أن تشهد الفترة المقبلة بعض التحولات في التحالفات التجارية القائمة في القارة الآسيوية، لا سيما وأن الأخيرة تُعد من أكثر القارات المتضررة من رسوم ترامب الجمركية؛ ومن ثم ربما تشهد الفترة المقبلة تعزيزاً لحجم التجارة البينية الآسيوية.
ورغم التخوفات الأوروبية من بعض ممارسات الشركات الصينية المملوكة للدولة؛ فإن غالبية التقديرات تُشير إلى أن بناء نظام تجاري مع الصين بات أمراً مرغوباً فيه من قبل الاتحاد الأوروبي، خاصةً إذا وافقت بكين على نقل التكنولوجيا والاستثمار في الإنتاج في القارة الأوروبية مقابل تخفيض الرسوم الجمركية.
4. تجزئة التجارة العالمية: تشير بعض التقارير الغربية إلى أن الكتل التجارية المتأرجحة بين الولايات المتحدة والصين ربما لن تلجأ إلى محاولة إنقاذ نظام التجارة القديم؛ ولكنها تعمل على بلورة نظام جديد للتجارة أقل اعتماداً على الطلب الأمريكي، وفي الوقت ذاته أكثر حمايةً من فائض الطاقة الإنتاجية الصينية.
وبينما تشكل الولايات المتحدة والصين معاً نحو ربع الواردات العالمية فقط، تعمل بعض التكتلات الأخرى على تعزيز شراكاتها وتحالفاتها وبناء هيكل جديد لتجارتها الدولية. وثمة تكتلان رئيسيان يعكسان هذا التوجه، يتمثل التكتل الأول في “حلفاء السوق المفتوحة”، وهي مجموعة غير مترابطة لكنها آخذة في التماسك وملتزمة بالتجارة الحرة، وتشكل “الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ” (CPTPP) جوهر هذا التكتل، بالإضافة لكوريا الجنوبية والنرويج وسويسرا، بالإضافة للاتحاد الأوروبي، ويمثل هذا التكتل أكثر من ثلث الطلب العالمي على الواردات. وكان هذا التكتل قد بدأ التحرك ضد الحمائية الأمريكية منذ ولاية ترامب الأولى، ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التعاون والشراكة بين أعضاء هذا التكتل.
أما التكتل الثاني، والذي يطلق عليه “المتحوطون الاستراتيجيون”، فهو يضم مجموعة من الاقتصاديات الكبيرة وسريعة النمو، على غرار الهند والبرازيل وإندونيسيا وجنوب إفريقيا وتركيا، وهي تعتمد بشكل كبير على الطلب الأمريكي ورأس المال الصيني، لكن دول هذا التكتل تعمد إلى تجنب التحالف مع أي من الجانبين، وتتبنى استراتيجية تجارية أكثر براغماتية، تتراوح بين التجارة الحرة وحماية الصناعات المحلية الحيوية بالدعم والتعريفات الجمركية. وتشكل دول هذا التكتل نحو 15% من الواردات العالمية. وخلال فترة ولاية ترامب الأولى، عمدت دول هذا التكتل، باستثناء الهند، إلى تعزيز علاقتها التجارية مع الصين.
ويشهد التكتلان حالياً درجة أسرع من الاندماج، فقد حدَّث الاتحاد الأوروبي اتفاقياته مع المكسيك وتشيلي، كما أعاد تجديد المفاوضات مع ماليزيا والفلبين وتايلاند، وتتقدم مفاوضات بروكسل مع الهند للتوصل لاتفاقية تجارية مشتركة، كما أعاد الاتحاد الأوروبي إحياء اتفاقه مع “ميركوسور”، وهو تكتل يضم مجموعة من دول أمريكا الجنوبية، كالأرجنتين والبرازيل.
والأمر ذاته بالنسبة لكندا، والتي بدأت تعزيز شراكاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي وبعض الاقتصادات الآسيوية، كما شهدت الفترة الأخيرة تحركات مكثفة من قبل دول التكتلين السابقين لتعزيز الشراكات الثنائية بينها؛ ومن ثم يبدو أن ثمة نظاماً تجارياً مجزأً بدأ يتشكل، لا تقوده الولايات المتحدة؛ ولكنه يعتمد على قيادة جماعية، وتتشكل التحالفات في ظل النظام الجديد وفقاً لتوافق المصالح بعيداً عن الإجماع العالمي.
ورغم ذلك، ربما يؤدي تراجع القيادة الأمريكية لنظام التجارة العالمي إلى فتح المجال أمام تعزيز الدور الصيني في النظام الجديد، ولعل هذا ما انعكس في التحركات الراهنة من كثير من دول التكتلين السابقين لتعزيز العلاقات التجارية مع الصين، بما في ذلك بعض حلفاء الولايات المتحدة، كاليابان وكوريا الجنوبية، اللتان بدأتا مفاوضات تجارية مع الصين في نهاية مارس الماضي، والأمر ذاته بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يبدو منفتحاً على تعزيز الشراكات التجارية مع بكين.
وفي الختام، شكلت الرسوم الجمركية التي أعلن عنها ترامب مطلع إبريل 2025 تحولاً جذرياً في المشهد التجاري العالمي، حيث تنظر الإدارة الأمريكية الحالية إلى العجز التجاري باعتباره تهديداً للأمن القومي، بدلاً من التركيز على الممارسات غير العادلة والعمل على حوكمة التجارة القائمة على القواعد.
ويتوقع أن تفضي السياسات الحمائية للولايات المتحدة إلى إعادة تنظيم أوسع للتجارة العالمية، وذلك من خلال التركيز على زيادة التدفقات التجارية بين الدول المختلفة بعيداً عن الولايات المتحدة، خاصةً وأن الأخيرة لا تهيمن على التجارة العالمية كما تهيمن على الإنفاق العسكري أو التمويل الدولي، فحصتها الإجمالية من الطلب النهائي على الواردات لا تتجاوز الـ15%؛ ومن ثم فحتى لو توقفت الواردات الأمريكية تماماً، فإن شركاء واشنطن التجاريين سيتمكنون على الأغلب من استعادة كافة صادراتهم المفقودة خلال خمس سنوات فقط وفقاً للتقارير الغربية.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
ما أبرز الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا عبر التاريخ؟
التقرير يبرز الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا عبر التاريخ.
22/4/2025