مآلات الصراع على السلطة في جنوب السودان .. هل ينجح سلفاكير في إقصاء مشار من المشهد؟
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
يبدو أن القوى المهيمنة على السلطة فعلياً في جنوب السودان، وهي قبيلة الدينكا ومجلس سلاطينها، قد قرروا التخلص كلياً من أبرز الرموز التي يمكن أن تشكل منافساً حقيقياً على خلافة الرئيس سلفا كير، في حال جرت في جنوب السودان إنتخابات حرة ونزيهة، فالدكتور رياك مشار، المنحدر من قبيلة النوير يمكن أن يقود تحالفاً من قبائل النوير والقبائلالاستوائية وبعض قبائل بحرالغزال لفك هيمنة الدينكا على مقاليد السلطة في الدولة الأحدث في العالم.
ففي السابع والعشرين من مارس الماضي، جرى اعتقال رياك مشار، النائب الأول لرئيس جنوب السودان، بعد دخول كل من وزير الدفاع ورئيس الأمن الوطني بالقوة إلى مقر إقامته، حيث سلماه مذكرة اعتقال، وتم منع زيارته حتى من قبل المبعوثين الإقليميين والدوليين، الذين زاروا جوبا في سياق الجهود المتصلة لنزع فتيل الأزمة المتفجرة في جنوب السودان، على خلفية الصراع المسلح الذي تصاعد في ولاية أعالي النيل بين جيش جنوب السودان وقوات غير نظامية تسمى “الجيش الأبيض” قوامها من أبناء قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار، وهو الصراع الذي أدى لمقتل قائد منطقة الناصر العسكرية وهو من أبناء الدينكا.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت التخلص من نائبه رياك مشار، والتحفظ عليه، مما أسهم في مخاوف عديدة من انفجار الصراع في جنوب السودان مجدداً وتزايد إحتمالات أن يؤدي إلى مواجهات دامية تلقي بظلالها على دول الجوار.
ففي يوم 24 يوليو 2013، أقال سلفاكير، نائبه رياك مشار و أعضاء حكومته، وأحال أمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان، أنذاك، باقان أموم للتحقيق الأمر الذي قاد إلى خروج رياك مشار من جوبا خلسة بعد مواجهات مسلحة داخل المدينة، واندلعت إثر ذلك حرب أهلية بين الدينكا والنوير استمرت خمس سنوات وقالت الأمم المتحدة أنه ارتكبت فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولم تتوقف إلا بعد دخول الخرطوم على خط الوساطة التي رعتها منظمة الإيغاد، على عهد الرئيس عمر البشير.
وعلى الرغم من أن محاولات السلطة الفعلية في جوبا لم تتوقف عن عزل مشار بشتى الطرق وإبعاده من المشهد السياسي في جنوب السودان، إلاّ أن المحاولة هذه المرة أخذت منحى جديداً شرعت من خلاله جوبا لإحداث إنقسام داخل صفوف الحركة الشعبية – في المعارضة التي يتزعمها مشار، فبعد أن تم إعتقال مشار وعدد من الوزراء في حزبه، سعت السلطة الحاكمة لاستمالة بعض المتطلعين من أبناء النوير ودعمتهم لتشكيل “قيادة بديلة” أسموها “القيادة المؤقتة”، وخلال الأيام الماضية التقى وفد من هذه القيادة المؤقتة للحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، بقيادة وزير بناء السلام استيفن فار كول، بالرئيس سلفا كير ميارديت في جوبا، لمناقشة “سُبل دفع عجلة تنفيذ اتفاق السلام المُوقع في عام 2018″، وهو الاتفاق الذي كان قضى بدمج المجموعات المسلحة في الجيش الوطني، وإجراء إنتخابات عامة ورئاسية، وفجر عدم تنفيذه الصراع الكامن على السلطة.
هذا الاجتماع مع سلفاكير أتى بعد أيام قليلة من إعلان مجموعة من كبار أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان – في المعارضة بجوبا، تكليف استيفن فار كول، كرئيس مؤقت للحركة، خلفا للرئيس الحركة رياك مشار الذي بقي قيد “الإقامة الجبرية”،. وأوضح كول أنه سيشغل هذا المنصب إلى حين إطلاق سراح مشار، في محاولة لتخفيف وقع إنحيازه ضد رئيس الحركة، النائب الأول مشار.
وأدى هذا التطور إلى انقسام داخلي عميق داخل الحركة الشعبية – في المعارضة، حيث قاطع الاجتماع الذي تم فيه تأسيس القيادة المؤقتة عدد من كبار المسؤولين في الحركة بينهم وزيرة الداخلية أنجلينا تينج، ووزير التعدين مارتن أبوشا، والأمينة العامة للحزب رجينا كابا.
وفي المقابل يضم الفصيل الداعم للوزير كول، شخصيات بارزة مثل وزير الشؤون الفيدرالية لاسوبا وانغو، ورئيس مجلس الولايات دينق دينق أكون، ونائب وزير المالية السابق أقوك ماكور.
وكان دينق لام وآخرون، بمن فيهم استيفن بار كول، قد عُلِّقَت عضويتهم من قبل نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة أويت ناثانيل، وهو القائم بأعمال رئيس الحركة “قيد الإقامة الجبرية”، وقد رفضوا قرار التعليق، ووصفوا قرار “أويت” بأنه غير قانوني، مشيرين إلى أنه خارج البلاد.
خلافة سلفا كير
ونظراً لتراجع صحة الرئيس سلفا كير، وكبر سنه، بدأ الصراع على خلافته يأخذ أكثر من منحى، فمن ناحية يدور صراع غير معلن داخل مكون قبيلة الدينكا، التي تهيمن على الجيش وأجهزة المخابرات ، ومن الواضح أن الممسكين بملفات المخابرات والاستخبارات، شرعوا في إبعاد “الحرس القديم”، من قادة الجيش الشعبي، أمثال كول مانيانق، وإبراز قيادة جديدة من أبناء الدينكا، ومن ناحية أخرى تحاول قيادات القبيلة القضاء على أي تحالف قد ينشأ بين النوير والقبائل الأخرى سواء من القبائل الاستوائية، التي تشكلت لها مليشيات مسلحة، أو قبائل بحر الغزال من غير الدينكا .
ضغوط أمريكية
محاولات سلفاكير بعزل مشار نهائياً تواجه بضغوط إمريكية، حيث دعت الولايات المتحدة، رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت إلى إطلاق سراح نائبه الأول رياك مشار، من الإقامة الجبرية، وحثت قادة البلاد على إظهار التزامهم بالسلام.
وقال مكتب الشؤون الأفريقية الأمريكي على حسابه في موقع التواصل الإجتماعي -إكس- “نشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن رياك مشار، النائب الأول لرئيس جنوب السودان، قيد الإقامة الجبرية، ونحث الرئيس كير على التراجع عن هذا الإجراء، ومنع المزيد من تصعيد الوضع”.
وأضاف “لقد حان الوقت لقادة جنوب السودان لإظهار صدق التزاماتهم المعلنة بالسلام”.
الرئيس لا يتحدث مع نائبه الأول!!
وكانت العلاقه بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول قد تدهورت منذ بداية العام، حتى أن التواصل المباشر بينهما تعثر فاضطر مشار أن يبعث برسالة مؤرخة في 27 فبراير 2025، أكد فيها على الحاجة الملحة للحوار لمنع المزيد من العنف وعدم الاستقرار. وطلب تحديدا عقد اجتماع مع الرئيس كير لمناقشة تدهور الأوضاع الأمنية، وخاصة في أعالي النيل وغرب الاستوائية، لكن الرئيس سلفا كير لم يستجب لطلبه.
وجاءت في الرسالة “أكتب مجددا لطلب مقابلة مع سعادتكم لمناقشة تدهور الوضع الأمني في ولايتي أعالي النيل وغرب الاستوائية، على وجه الخصوص”.
وتضيف الرسالة “في 20 فبراير 2025، كتبت إلى سعادتكم لمناقشة استبدال قوات دفاع شعب جنوب السودان في مدينة الناصر، التي أصبحت نقطة اشتعال مؤخرا”.
وحذر مشار من أن الانتهاكات في هذه الولايات خطيرة بما يكفي لتبرير تدخل الضامنين لاتفاقية السلام لعام 2018.
وأضاف “الانتهاكات في هذه الولايات خطيرة لدرجة أنني مضطر لإثارة هذه القضايا مع الضامنين، حتى يتمكنوا من التدخل واقتراح حلول ودية لكسر الجمود”.
وتشهد مقاطعة الناصر بولاية أعالى النيل، تدهورا للأوضاع الأمنية، على خلفية القتال بين قوات دفاع شعب جنوب السودان، والمدنيين المسلحين “الجيش الأبيض”.
إلى أين تتجه الأمور ؟
يتضح من سياق الأحداث، أن الأمور بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار وصلت مرحلة اللاعودة، بدليل أن الجيش الأوغندي هو الذي نزل إلى ساحة المعركة، ووصلت طلائعه حتى قرب الحدود مع السودان، وأن مشار إن لم يتنازل عن طموحه الرئاسي، فقد يتم تغييبه عمداً من المشهد، إما بمحاكماه وسجنه أو حتى بتصفيته، وبغض النظر عن رجحان هذا السيناريو من عدمه، فإن الوضع في جنوب السودان مرشح لمزيد من التصعيد، وأن الحدود مع السودان مرشحة أن تصبح نقطة ساخنة، إن لم يكن بسبب القتال، فبسبب التدفقات المحتملة للاجئين.
المحقق – طلال إسماعيل
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشعبیة لتحریر السودان الإقامة الجبریة فی جنوب السودان الرئیس سلفا کیر الحرکة الشعبیة رئیس الحرکة فی المعارضة نائبه الأول ریاک مشار من أبناء
إقرأ أيضاً:
جنوب السودان يعتذر رسميا ويحشد جهوده لإصلاح العلاقات مع أميركا
في خطوة تهدف إلى تهدئة التوترات الدبلوماسية الأخيرة، أعلن جنوب السودان إرسال وفد رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة للتباحث بشأن آلية نقل نحو 137 من رعاياه المرحّلين من الأراضي الأميركية، وذلك عقب أزمة دبلوماسية غير مسبوقة أثارتها قضية ترحيل شخص يُزعم أنه يحمل جنسية جنوب السودان.
وأوضح مكتب بنيامين بول ميل النائب الثاني للرئيس في جنوب السودان أن الحكومة تتحمل "المسؤولية الكاملة في التعامل مع هذه القضية بالجدية والسرعة اللازمتين"، مشيرا إلى أن الوفد يضم وزير المالية ماريال دونغرين آتر، ومحافظ البنك المركزي جوني أوهيسا داميان، ومدير السجل المدني إيليا كوستا فاوستينو.
وسيتعاون الوفد عن كثب مع وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الأمن الداخلي لضمان عملية "إعادة قانونية ومنظمة وكريمة".
شرارة الأزمةبدأت الأزمة في السادس من أبريل/نيسان، عندما أعلنت واشنطن عن نيتها إلغاء تأشيرات عدد من حاملي الجوازات الجنوب سودانية، بسبب رفض حكومة جوبا استقبال بعض المرحّلين من الأراضي الأميركية.
وكان أحدهم، ويدعى نيميري غارانغ، قد رُحّل من الولايات المتحدة، لكن السلطات في مطار جوبا رفضت في البداية السماح له بالدخول، بحجة أن وثائقه مزيفة، وأنه في الحقيقة مواطن من جمهورية الكونغو الديمقراطية يُدعى ماكولا كينتو.
إعلانوقد أدى هذا الحادث إلى اندلاع خلاف دبلوماسي بين البلدين، إلا أن جنوب السودان تراجع لاحقا عن قرار الرفض وسمح بدخول كينتو، موضحا أن القرار جاء في سياق "العلاقات الودية القائمة" مع واشنطن.
انعكاسات داخلية للأزمةلم تكن تداعيات الحادث خارجية فقط، بل انعكست أيضا على الساحة السياسية الداخلية في جنوب السودان.
ففي العاشر من أبريل/نيسان، أقال الرئيس سلفاكير ميارديت وزير الخارجية رمضان عبد الله قوك، وعيّن مكانه نائبه السابق موندي سيميا كومبا.
واعتُبرت هذه الخطوة محاولة لتحميل المسؤولية السياسية عن الإرباك الدبلوماسي، والتأكيد على التزام جوبا بتحسين أداء مؤسساتها الخارجية.
وصف بيان نائب الرئيس الجنوب سوداني الحادثة بأنها "مؤسفة ومعزولة"، مؤكدا اتخاذ إجراءات داخلية لمنع تكرار مثل هذه الوقائع.
كما قدمت الحكومة اعتذارا رسميا للولايات المتحدة عن "أي إزعاج قد تسبب فيه الموقف"، معبرة عن رغبتها في حل القضية "بروح من التعاون".
وفي موقف لافت، أعربت جوبا عن تقديرها للرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو لما وصفته بـ"التزامهما المستمر بتنفيذ سياسة الهجرة الأميركية".
وأكد البيان دعم الرئيس سلفاكير لمواصلة علاقات ثنائية "دافئة وبنّاءة وإيجابية" مع الولايات المتحدة، في ظل المصالح المشتركة بين البلدين، خصوصا فيما يتعلق بالموارد الإستراتيجية الحيوية لاقتصاد وأمن الطرفين.