معارك ما بعد الحرب هزيمة الفراغ وإعادة الإعمار
لم تنتهِ الحرب بعد، لكن المعارك تغيّرت. لم تعد كلها تُخاض بالسلاح والنار، بل صار بعضها داخليًا صامتًا، يدور في صدور الرجال والنساء الذين فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم، وفقدوا معها الإحساس بالجدوى. واحدة من أخطر هذه المعارك الآن هي معركة الفراغ. الفراغ ليس مجرد وقت فائض، بل حالة خانقة تتضخم فيها الأحاسيس، ويكبر فيها الإحباط، وتتآكل فيها النفس ببطء.

قال محمد شكري:
“على المرء أن يبقى مشغولاً للحد الذي يلهيه عن تعاسته”
وقال غازي القصيبي: “العمل لا يقتل مهما كان شاقًا، ولكن الفراغ يقتل أنبل ما في الإنسان”.
ما بين هاتين العبارتين مساحة واسعة من المعاناة السودانية اليوم.

من فقدوا أعمالهم لم يفقدوا المال فقط، بل فقدوا أيضًا الشعور بأنهم مفيدون، منتجون، قادرون على العطاء. باتوا فريسة لأفكار قاتمة، وهاجمتهم الوحدة بأسوأ صورها. وكما كتب ستيفان زفايغ في روايته لاعب الشطرنج :
“لم نتعرض لأي تعذيب جسدي، بل أسلمونا ببساطة إلى فراغٍ مطلق، ومن البديهي أن لا شيء في العالم يعذّب النفس البشرية أكثر من الفراغ.”
في واقعنا، هذا هو حال كثير من السودانيين اليوم. الفراغ يضغط على الروح، يُضاعف الحزن، ويُفقد المرء اتزانه. أما الذين ما زالوا مشغولين — حتى في أبسط المهام — تجدهم أكثر تماسكًا، لأنهم ببساطة لا يملكون وقتًا للانهيار.

وإذا كنا، لسبب أو لآخر، لم نلعب دورًا حين كانت المعارك تدور بالرصاص أمامنا، فها هي الفرصة اليوم لنلعب دورًا في معارك إعادة الإعمار، بنشر الأمل، ومقاومة الإحباط، والانضمام إلى فرق ترميم الأحياء، ولو بالرأي والمشورة. فإعادة البناء لا تحتاج فقط إلى الأيادي، بل إلى العقول والقلوب أيضًا. نحتاج اليوم أن نعيد تعريف النجاة: النجاة ليست فقط في البقاء على قيد الحياة، بل في أن نحافظ على إنسانيتنا، على قيمنا، على إحساسنا بأن لنا دورًا نؤديه. وهذا الدور قد يكون في التعليم، في التطوع، في دعم الجيران، أو حتى في خلق مساحة صغيرة من الفرح وسط الركام.

كل لحظة نقاوم فيها الفراغ، نكسب فيها جولة جديدة في معركة ما بعد الحرب. معركة إعادة الإعمار لا تبدأ من الطوب والحجر، بل من داخل النفوس. من قرار الإنسان أن ينهض، ويُشارك، ويُقاوم الفراغ قبل أن يقضي عليه. ولن يكون هناك نصر حقيقي ما لم نربح هذه المعركة أيضًا. الحرب سرقت من الناس أشياء كثيرة، لكن لا نسمح لها أن تسرق أرواحنا ونحن أحياء.

بقلم: عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان

٢٠ أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

المجرم دقلو هرب من معارك الفاشر لأنه يخشي مصير علي يعقوب وآخرين

■ لعنة معسكر زمزم ستلاحق المجرم عبدالرحيم دقلو .. بالأمس غادر الهارب دقلو إلي زالنجي بعد إصابته بإحباط شديد لفشل هجومه الأخير علي الفاشر حيث تكسرت موجات مليشياته .. الجيش والقوات المشتركة وعبر خطة محكمة استنزفوا قوات المليشيا التي اعتدت علي معسكر زمزم حيث هربت إلي نيالا تجرجر أذيال الهزيمة وفي معيتها وفد الإعلاميين المليشيين الذين استنفرهم المجرم عبدالرحيم لتوثيق دخوله للفاشر لكنهم عرّدوا الآن مع بقايا فلول المندحرين إلي نيالا وبصحبتهم عربات ومركبات تم نهبها من زمزم تحمل منهوبات مثل ألواح الطاقة الشمسية ومواد تموينية كانت مخصصة للنازحين بزمزم ..

■ المجرم دقلو هرب من معارك الفاشر لأنه يخشي مصير علي يعقوب وآخرين .. ونجا قبل أيام من عملية نوعية فاجأت القوات المخصصة لحراسته مما أجبره علي الهروب سريعاً إلي زالنجي .. الهارب يواجه مشاكل حقيقية بعد رفض القبائل العربية في جنوب وشرق دارفور استنفار مقاتلين إلي صفوفه .. كمابرزت مشكلة جديدة تتمثل في عصيان المستنفرين لقادتهم ومخالفتهم المستمرة للتعليمات الأمر أجبر دقلو علي توجيه عصاباته بتجميع المستنفرين للتدريب في معسكرات داخل نيالا ونقل مجموعة منهم إلي ليبيا ..

■ متحرك الصياد أربك حسابات المجرم وداعميه .. يوم أمس تم عقد إجتماع بزالنجي لتدارك الأوضاع داخل الضعين ونيالا حيث تتزايد أعداد المواطنين الذين حزموا أمتعتهم للمغادرة ..
■ في تطور لافت أغلقت مليشيات التمرد التي تبقت داخل معسكر زمزم ، أغلقت الطرق إلي زمزم بالحاويات خوفاً من التفاف الجيش والقوات المشتركة ..
عبدالماجد عبدالحميد
عبد الماجد عبد الحميد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المجرم دقلو هرب من معارك الفاشر لأنه يخشي مصير علي يعقوب وآخرين
  • المشير حفتر من مرزق: لا مدينة منكوبة بعد اليوم.. الجنوب واحة للاستثمار والسلام
  • معركة دير نيقولاوس.. استعادة روسية تؤكد تصعيد الحرب عبر الحدود
  • زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي يدعو لوقف الحرب فورًا وإعادة المخطوفين
  • العمران العربي بين التدمير وإعادة الإعمار في محاضرة بجامعة حمص
  • معارك بأم درمان والفاشر
  • الجيش الإسرائيلي يستخدم جرافات مسيّرة لتقليل المخاطر في معارك غزة
  • ضابط بالجيش السوداني يفقد 4 من أبنائه في معركة الكرامة
  • الحرب على غزة «خيار» نتنياهو الوحيد لترميم صورته والإفلات من هزيمة سياسية