يمانيون../
لم تُدرك الولايات المتحدة الأمريكية – أو لعَلّها تُدرك جيدًا وتُمعن عمدًا – أن جرائمها المتكررة بحق الشعوب الحرة، وآخرها في اليمن بمجزرتي ميناء رأس عيسى وحيّ وسوق فروة في العاصمة صنعاء، تُعيد فتح دفاتر التاريخ الملطّخة بالدماء، وتؤكد أن الدولة التي تأسّست على أنقاض جثث الهنود الحمر، لا تزال وفيةً لذاك النهج الفاشيّ القائم على الدم والبارود، والهيمنة والإبادة.

الفاشية الأمريكية: من مذابح التأسيس إلى جرائم القرن الحادي والعشرين
منذ أن وضعت أمريكا أولى لبناتها على أرضٍ مسروقة من أصحابها الأصليين، وهي تسير بخطى ثابتة على درب الجريمة المنظّمة ضد الإنسانية. لم تكن مذابح الهنود الحمر مجرد مرحلة عابرة من التاريخ الأمريكي، بل كانت التمهيد الرسمي لقيام إمبراطورية رأسمالية استعمارية تستند إلى مبدأ القوة المجردة، وتُجيد تبريرها بشعارات براقة من قبيل “نشر الديمقراطية” و”محاربة الإرهاب”.

اليوم، ومع كل صاروخ تسقطه الطائرات الأمريكية على أحياء اليمن، لا تتردّد ذاكرة الشعوب في استدعاء جرائم فيتنام، حيث قُتل أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، أغلبهم من المدنيين، على يد آلة الحرب الأمريكية التي لم ترحم حتى الأطفال والنساء. تتكرّر ذات السيناريوهات في العراق وأفغانستان، وفي ليبيا وسوريا، وأخيرًا في اليمن، دون أن يشعر صُنّاع القرار في واشنطن بأي وخز من ضمير.

اليمن.. ساحة مفتوحة لانكشاف الزيف الأمريكي
تُدرك أمريكا أن اليمن، منذ أعلن اصطفافه الكامل إلى جانب فلسطين ومقاومتها، بات يشكّل معضلة استراتيجية يصعب احتواؤها بوسائل الضغط التقليدية. فخسرت رهاناتها السياسية والإعلامية، وبدأت تُراهن مجددًا على سلاحها الأوحد: القتل والتدمير.

العدوان الأمريكي الأخير على ميناء رأس عيسى – منشأة مدنية بامتياز – يأتي في هذا السياق، إذ لا يحمل أي بُعد عسكري، بل يكشف عن نية خبيثة لاستهداف عصب الحياة اليومية لليمنيين. الميناء يُستخدم لتفريغ المشتقات النفطية والغاز، التي تُغذّي المستشفيات والمخابز ومحطات الكهرباء والمياه، واستهدافه يعكس محاولة خنق الشعب اليمني اقتصاديًا وإنسانيًا، بعدما فشلت أمريكا في كسر إرادته عسكريًا أو سياسيًا.

أما المجزرة التي ارتكبتها مساء أمس في حي وسوق فروة وسط صنعاء، فتمثل نموذجًا فجًا للوحشية المجردة من أي غطاء قانوني أو أخلاقي. إذ لا يوجد أي تفسير عسكري لضرب سوق شعبي مكتظ بالمدنيين، إلا إذا كان الهدف هو إثارة الرعب وتركيع الناس بقتل أطفالهم ونسائهم، وتدمير ما تبقى من مظاهر الحياة.

شراكة في الجريمة.. من فلسطين إلى اليمن
الولايات المتحدة لم تكن يومًا راعيًا للسلام كما تزعم، بل شريكًا علنيًا في أكبر جرائم العصر الحديث. فمن دعمها غير المشروط للعدو الصهيوني في ارتكاب مجازر غزة، إلى تدخلها المباشر في ضرب اليمن، ترسم أمريكا خطًا متصلًا من الدماء والدمار، يجمع بين فلسطين وصنعاء، وغزة والحديدة، وكأن آلة القتل لا تعرف حدودًا، بل تتحرك بأمر واحد: إخضاع كل من يرفض الإملاءات الأمريكية.

لقد قدّمت واشنطن منذ أربعينيات القرن الماضي أكثر من 150 مليار دولار للكيان الصهيوني، منها ما يزيد على 40 مليارًا في العقود الثلاثة الأخيرة فقط، على هيئة دعم عسكري مباشر، وهو ما يُترجم اليوم إلى طائرات تقصف مخيمات اللاجئين في رفح، ودبابات تفتك بالأحياء السكنية في خان يونس. ومع كل قذيفة تسقط، هناك بصمة أمريكية واضحة في السلاح والقرار.

واليوم، ها هي ذات اليد التي تقتل في غزة، تمتد لتضرب صنعاء والحديدة، في تحالف دمويّ مكشوف، لا يجد أي حرج في المجاهرة بجرائمه تحت غطاء “الردع” أو “منع تهديد الملاحة”، بينما الحقيقة أن المستهدف هو كل من يُجاهر برفضه للهيمنة الغربية، وكل من يرفع صوته نصرة للمستضعفين.

ازدواجية الخطاب وغياب العدالة الدولية
لطالما تشدّقت الإدارات الأمريكية بحقوق الإنسان، وبأنها زعيمة “العالم الحر”، لكن الواقع يُفنّد كل تلك الادعاءات. فأمريكا التي لم تُصادق حتى اليوم على العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان، مثل “اتفاقية روما” التي تُنشئ المحكمة الجنائية الدولية، تُريد أن تكون حَكمًا وجلادًا في الوقت نفسه. تُعاقب دولًا على ارتكابها انتهاكات، بينما تُمنح الحصانة الكاملة لجنودها الذين ارتكبوا جرائم حرب موثقة في العراق وأفغانستان واليمن.

الازدواجية الأمريكية بلغت ذروتها مؤخرًا، حين أعلنت رفضها لأي محاسبة دولية للكيان الصهيوني على جرائم الإبادة في غزة، متذرّعةً بـ”حق الدفاع عن النفس”، في حين تُشنّ الحروب على دول بأكملها إذا تجرّأت على الردّ على عدوان أو كسر حصار.

من حقّ اليمن أن يردّ
الجرائم المتواصلة بحق اليمنيين تفتح الباب واسعًا أمام كل الخيارات، وتمنح صنعاء – سياسيًا وأخلاقيًا – حق الرد المشروع، بالطريقة والوسيلة التي تراها مناسبة. لم يعد بالإمكان الصمت أمام تكرار المجازر، ولا القبول بلغة الوصاية والتخويف، التي تُجيدها أمريكا منذ عقود.

وإذا كانت واشنطن تراهن على كسر إرادة اليمنيين عبر تدمير بنيتهم التحتية، فإنها تتجاهل درسًا تاريخيًا واضحًا: الشعوب لا تُهزم بالقنابل، بل تنهزم عندما تفقد بوصلتها، واليمن لم يفقد بوصلته أبدًا، بل يُدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن المعركة ضد أمريكا والكيان الصهيوني واحدة، وأن النصر يبدأ حين ترتفع كلفة العدوان الأمريكي إلى الحد الذي لا تستطيع تحمّله.

خاتمة
إن أمريكا، بهذا السجل الملطخ بالدماء، ليست سوى نسخة محدثة من الأنظمة الفاشية التي عرفها العالم في القرن العشرين. وربما يكون الزمن قد تغيّر، لكن عقلية الاستعلاء العنصري لا تزال تحكم قرارات واشنطن، وتدفعها لارتكاب الجرائم تلو الأخرى، دون أن تتعلّم من دروس التاريخ أن الشعوب، وإن تألمت، لا تنسى… وأن الدماء، وإن أُهدرَت، تُنبت مقاومة لا تقهر.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

الخارجية تطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم العدوان الأمريكي المرتكبة في اليمن

الثورة نت/..

بعث وزير الخارجية والمغتربين جمال عامر، برسالة إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وأعضاء مجلس حقوق الإنسان، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة وكافة دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية، طالبهم فيها بإدانة العدوان الأمريكي السافر على اليمن.

كما طالب وزير الخارجية في الرسالة بالضغط من أجل إنهاء العدوان الأمريكي وتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في كافة الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الشعب اليمني ومقدراته.

وأوضح أن أمريكا قامت حتى الآن بشن ما يقارب الألف غارة استهدفت المئات من الأبرياء بمن فيهم النساء والأطفال، كما استهدفت العشرات من الأعيان المدنية من موانئ ومطارات ومزارع ومرافق صحية وخزانات مياه ومواقع أثرية وقد كان أخر تلك الجرائم قيامها باستهداف ميناء رأس عيسى الذي أسفر عن استشهاد 80 مدنياً وجرح 150 آخرين، فضلاً عن الاستهداف المقصود للمسعفين في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إلى جانب استهدافها يوم أمس لحي سكني وسوق فروة الشعبي في مديرية شعوب بالعاصمة صنعاء مما أسفر عن استشهاد 12 مدنيا وجرح 30 آخرين في حصيلة غير نهائية.

وأكد الوزير عامر في رسالته أن صمت المجتمع الدولي إزاء العدوان الأمريكي على اليمن شجع الولايات المتحدة على الإمعان في تدمير مقدرات الشعب اليمني وسفك دمائه.

وجدد التأكيد على أن العدوان على اليمن لا يهدف إلى حماية الملاحة في البحر الأحمر وإنما لحماية الكيان الصهيوني الغاصب، ومحاولة فك الحصار اليمني المفروض عليه وتمكينه من الاستمرار في تحقيق أهدافه المتمثلة في إبادة الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة ومحاولة بائسة لثني اليمن عن موقفه الديني والأخلاقي المساند للشعب الفلسطيني في غزة.

مقالات مشابهة

  • طائرات الشبح الأمريكية تُقابلها صواريخ قدس اليمنية: معادلة صنعاء التي أرعبت واشنطن
  • تقرير صيني يكشف الأمر الذي يُرعب أمريكا إن فكرت بحرب برية في اليمن
  • ما الأماكن التي استهدفتها الغارات الأميركية في اليمن؟
  • شاهد | من غزة إلى صنعاء .. إعلام الرياض يبرر جرائم الحرب الأمريكية والإسرائيلية
  • الأهداف الخفية للعدوان على اليمن!؟
  • هكذا تسقط العقيدة الأمريكية في اليمـــــن!!
  • وزارة الخارجية تطالب بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في جرائم العدوان الأمريكي على اليمن
  • الخارجية تطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم العدوان الأمريكي في اليمن
  • الخارجية تطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم العدوان الأمريكي المرتكبة في اليمن