توضيح تصريحات البابا فرنسيس حول الأديان الأخرى.. الحقيقة كما هي
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في ظل الضجة التي أُثيرت حول تصريحات البابا فرنسيس بخصوص الأديان الأخرى، سواء في وثيقة “الأخوّة الإنسانية” التي وقعها مع شيخ الأزهر في أبو ظبي، أو خلال زيارته الأخيرة إلى سنغافورة، من الضروري توضيح ما قصده البابا، في ضوء تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، وخصوصاً المجمع الفاتيكاني الثاني وتعاليم الآباء والباباوات السابقين.
“كل الأديان طرق للوصول إلى الله”: فهل هذه هرطقة؟
تصريح البابا فرنسيس بأن “كل الأديان هي طرق للوصول إلى الله” أُسيء فهمه بشكل كبير. البابا لم يقل إن كل الأديان صحيحة أو موحى بها من الله، بل قال إن الأديان تمثل سعيًا بشريًا (فيه الصواب والخطأ) نحو الحقيقة الإلهية، وأن الذين يتبعونها – بحسب نيتهم – يهدفون إلى الوصول إلى الله.
هذا الفهم لا يتعارض مع تعاليم الكنيسة، بل ينسجم مع تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني الذي اعترف بوجود “بذور الحق” في الديانات الأخرى، رغم أن كمال الحقيقة يوجد في يسوع المسيح والكنيسة الكاثوليكية وحدها.
وثيقة أبو ظبي: هرطقة أم انفتاح حواري؟
في عام 2019، وقّع البابا فرنسيس مع شيخ الأزهر أحمد الطيب وثيقة “الأخوّة الإنسانية”، وجاء فيها:
“إن التعددية وتنوع الأديان واللون والجنس والعرق واللغة شاءها الله في حكمته…”
هذه الجملة أثارت ردود فعل غاضبة، ووصفتها بعض الأطراف بأنها هرطقة أو انحراف عن العقيدة الكاثوليكية. ولكن الحقيقة اللاهوتية تقول عكس ذلك.
فهم الإرادة الإلهية: بين الإرادة التامة والإرادة المتساهلة
اللاهوت الكاثوليكي يميز بين نوعين من الإرادة الإلهية: الاراده التامة (God’s perfect will): ما يريده الله ويرغب به بشكل مباشر.
الاراده المتساهلة (Voluntas permissiva): ما يسمح الله بحدوثه، وإن لم يكن يرغب به، لأنه قد يؤدي إلى خير أكبر.
في هذا السياق، تنوع الأديان يدخل في الإرادة المتساهلة لله. فالله، الكامل في قدرته وعلمه، يسمح بوجود الأديان الأخرى لأسباب هو يعلمها، وربما كتحضير غير مباشر لقبول الإنجيل.
البابا يوضح بنفسه: ما قيل وما لم يُقَل
ردًا على الجدل، أوضح البابا فرنسيس لاحقًا في مقابلته العامة بتاريخ 3 أبريل 2019 أن ما قصده هو الإرادة السماحية. قال:
“أراد الله أن يسمح بذلك: هناك ديانات عديدة… ولكن ما يريده الله هو الأخوّة بيننا…”
كذلك، في لقاء خاص مع المطران أثناسيوس شنايدر، أحد أبرز نقاد البابا، أكّد الحبر الأعظم أن المقصود بالعبارة هو الإرادة المتساهلة لله، وليس الإرادة الإيجابية.
فهم عميق لما وراء الوثيقة
بعيدًا عن الجدل، يجب التوقف عند ما حققته الوثيقة من خطوات ملموسة: اعتراف سلطة إسلامية رفيعة بالتعددية الدينية و اقامة أكبر قداس في تاريخ شبه الجزيرة العربية واقامة باب بناء الكنائس في مناطق لم يكن فيها أي حرية دينية واقامة الحوار بين الإسلام والمسيحية في منطقة تشهد غالبًا اضطهادًا دينيًا.
الحقيقة لا تخاف التوضيح
تصريحات البابا فرنسيس لا تُعد تعليمًا عقائديًا جديدًا، بل هي تعبير رعوي عن واقع يجب التعامل معه برؤية إنجيلية وإنسانية. الكنيسة الكاثوليكية لا تزال تؤمن أن يسوع المسيح هو الطريق والحق والحياة، وأن لا خلاص إلا من خلاله. لكنها في الوقت نفسه، لا تُنكر وجود عناصر حق وخير في الديانات الأخرى، وتدعو للحوار لا الصراع.
ما قيل ليس هرطقة، بل دعوة لفهم أعمق وأهدأ لما يجري في العالم من حولنا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البابا فرنسيس البابا فرنسیس
إقرأ أيضاً:
بعد وفاة البابا فرنسيس من سيقود الكنيسة الكاثوليكية وكيف يتم الاختيار؟
أعلن الفاتيكان، الاثنين، وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا، منهياً بذلك واحدة من أكثر الفترات البابوية إثارة للجدل والانقسام في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية المعاصر.
فالبابا فرنسيس وهو أول زعيم للكنيسة يأتي من أمريكا اللاتينية، شغل منصب الحبر الأعظم لمدة 12 عامًا شهدت فيها المؤسسة الكنسية محاولات إصلاحية، وتجاذبات فكرية، وتحديات صحية أثرت على قيادته في السنوات الأخيرة.
وكان الفاتيكان قد أصدر في نهاية شباط/ فبراير الماضي بياناً أشار فيه إلى الحالة "الحرجة" لصحة البابا، ما فتح الباب واسعاً أمام تساؤلات بشأن آلية انتقال السلطة البابوية، ودور هذا المنصب الديني البارز في توجيه شؤون الكنيسة الكاثوليكية حول العالم.
من يتولى الفترة الانتقالية؟
فور إعلان الوفاة، تبدأ الكنيسة الكاثوليكية ما يُعرف بـ"فترة الكرسي الرسولي الشاغر"، وهي مرحلة انتقالية لا تتضمن وجود نائب للبابا أو من يخلفه تلقائيًا.
وبدلاً من ذلك، تُناط إدارة شؤون الفاتيكان بمجملها إلى مجمع الكرادلة، الذي يتولى مسؤولياته بقيادة الكاردينال "الكاميرلينغو". ويتحمل هذا الأخير مهام حساسة تشمل التحقق الرسمي من وفاة البابا، وختم شقته البابوية، وإدارة ممتلكات الكرسي الرسولي إلى حين انتخاب بابا جديد.
وكان البابا فرنسيس قد عيّن في عام 2019 الكاردينال الأيرلندي الأمريكي كيفين جوزيف فاريل في منصب الكاميرلينغو، وهو حالياً الشخصية الأولى المخولة بتفعيل الإجراءات الانتقالية استعداداً لاجتماع الكرادلة.
ووفقًا للدستور الرسولي "قطيع الربّ بأكمله"، الصادر عن البابا يوحنا بولس الثاني في عام 1996، فإن الكاردينال الكاميرلينغو، وتحت إشراف مجمع الكرادلة، يتولى الإشراف على الجوانب الزمنية والإدارية للكرسي الرسولي.
وينص الدستور على أن مجمع الكرادلة لا يملك صلاحية إصدار قرارات أو مراسيم باسم البابا خلال هذه المرحلة، إذ يقتصر دوره على إدارة الأمور العادية والتحضير لانتخاب البابا الجديد.
لون الدخان يحددأما عن آلية اختيار البابا، فتبدأ بدعوة رسمية يعممها الكاميرلينغو لجميع الكرادلة ممن هم دون سن الثمانين للمشاركة في المجمع المغلق، والذي يجب أن ينعقد خلال الفترة الممتدة من اليوم الخامس عشر وحتى العشرين بعد وفاة البابا. وقبل بدء الاقتراع، يُخصص وقت للتأمل والصلاة لطلب الهداية الإلهية في اختيار من يخلف الحبر الأعظم الراحل.
ويتم التصويت داخل كنيسة السيستين، حيث يُعزل الكرادلة الناخبون عن العالم الخارجي. وتُجرى أربع جولات اقتراع يوميًا، ويُحرق عقب كل جولة أوراق التصويت: إذا كان الدخان أسود، فهذا يعني فشل الانتخاب، أما إذا تصاعد الدخان الأبيض، فذلك يشير إلى التوصل لاختيار البابا الجديد. ويُشترط أن يحظى الفائز بأغلبية الثلثين.
وما إن يتم انتخاب أحد المرشحين، حتى يُسأل عن قبوله المنصب ويُمنح وقتاً لاختيار اسم بابوي جديد، قبل أن يُعلن انتخابه للعالم من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، باستخدام العبارة الشهيرة "هابيموس بابام" (لدينا بابا).
ماذا لو لم يتفقوا؟
وفي حال استمر المجمع المغلق دون التوصل إلى اتفاق، يمكن اللجوء إلى تدابير لتسهيل عملية الانتخاب، مثل تقليص عدد المرشحين أو تعديل شروط الأغلبية. ويجدر بالذكر أن البابا لا يُشترط أن يكون من ضمن مجمع الكرادلة، فبإمكان أي رجل معمّد وغير متزوج أن يُنتخب لهذا المنصب. ومع ذلك، جرت العادة منذ قرون على اختيار البابا من صفوف الكرادلة.
في ظل هذه الظروف، يطرح كثيرون تساؤلاً حول هوية البابا المقبل، خاصة أن المرشحين الأوفر حظاً يعكسون تنوعاً في الخلفيات والرؤى الدينية والسياسية داخل الكنيسة.
أبرز المرشحين
الكاردينال بيترو بارولين
، هو أمين سر دولة الفاتيكان منذ عام 2013، ويُعد شخصية معتدلة وواقعية، بعيداً عن الاستقطاب الإيديولوجي. ويُعرف بمواقفه الدبلوماسية الهادئة، وقد أبدى في مقابلاته الأخيرة حرصاً على تحقيق سلام عادل من دون فرض حلول أحادية الجانب.
الكاردينال بيتر إردو
هو مجري يبلغ من العمر 72 عاماً، يُمثل الجناح المحافظ في الكنيسة. عُرف بتشديده على عدم جواز منح المناولة المقدسة للمطلقين أو المتزوجين مرة أخرى، وعُرف بتصريحاته الجدلية حول الهجرة واللجوء.
الكاردينال ماتيو زوبي
وهو مقرب من البابا فرنسيس، ورئيس المؤتمر الأسقفي الإيطالي، يُعتبر منفتحاً في مواقفه الاجتماعية، لا سيما تجاه المثليين والمجتمعات المهمشة. وقد اضطلع بمهمات دبلوماسية حساسة شملت أوكرانيا والولايات المتحدة.
الكاردينال لويس أنطونيو تاغلي
هو فيليبيني يبلغ من العمر 67 عاماً، يميل إلى الخط التقدمي، وقد عُرف بانتقاداته للغة الكنيسة القاسية تجاه الفئات الضعيفة. وفي حال انتخابه، سيكون أول بابا من آسيا.
الكاردينال ريموند ليو بورك
هو أمريكي معروف بتوجهاته المحافظة جداً، ويُعد من أبرز المعارضين لنهج البابا فرنسيس. عُرف بتصريحاته الحادة ضد وسائل منع الحمل والمثلية الجنسية، وأكد أن السياسيين الداعمين للإجهاض يجب حرمانهم من القربان المقدس.
وتعيش الكنيسة الكاثوليكية لحظة مفصلية في تاريخها، بين من يدفع باتجاه استمرار نهج البابا فرنسيس الإصلاحي، ومن يدعو للعودة إلى التقاليد الصارمة.
ويبقى المجمع المغلق في الفاتيكان هو الساحة التي ستُحسم فيها هوية البابا المقبل، وسط ترقب عالمي واسع.