ما أسباب الرفع المفاجئ لسعر الفائدة في تركيا؟
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
رفع البنك المركزي التركي معدل الفائدة الأساسي في البلاد بمقدار 750 نقطة أساس إلى 25%، في تشديد هو الأكبر من نوعه للسياسة النقدية، منذ تولي حفيظة غاية إركان، منصب حاكم البنك.
وأدت الخطوة التي تجاوزت التوقعات صدمة في الأسواق، نجم عنها تحسن فوري في قيمة العملة المحلية، وإشادة من الخبراء والمؤسسات المالية الدولية، وسط أجواء من التفاؤل الحذر.
وتوقع معظم الخبراء الذين استطلعت آراؤهم من وكالات ومؤسسات مالية، أن يرفع المركزي التركي معدل الفائدة إلى 20% من نسبة 17.5% التي وصل إليها الشهر الماضي.
وجاءت الزيادة الجديدة بعد قرار رفع معدل الفائدة نقطتين مئويتين، وكان المركزي افتتح دورة التشديد النقدي الحالية في يونيو/حزيران الماضي، عندما رفع سعر الفائدة من 10 إلى 15%.
وفور الإعلان عن قرار المركزي التركي -أمس الخميس-، ارتفع سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار بنسبة 3% إلى 26.40 ليرة، قبل أن تعزز العملة التركية مكاسبها، لتسجل وتيرة ارتفاع تجاوزت 5% مع نهاية اليوم.
وأكد المركزي التركي -في بيان له- عزمه مواصلة التشديد النقدي لخفض التضخم، وتعزيز توقعاته والسيطرة على سلوك التسعير، وعبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، علّق وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، على القرار قائلًا، "مصممون.. استقرار الأسعار أهم أولوياتنا".
وجاء رفع أسعار الفائدة أعلى من التوقعات نتيجة لسببين، حسب المستشار المالي والأكاديمي الاقتصادي المقيم في إسطنبول، مخلص الناظر.
الذي قال للجزيرة نت، إن السبب الأول: يكمن في اتباع المركزي التركي لطريقة "استهداف توقعات التضخم على المدى المتوسط"، موضحًا أن القاعدة تقول، إنه من أجل تحقيق التوازن يجب أن يكون معدل الفائدة أعلى من التضخم بقيمة 5% في الدول الناشئة مثل تركيا و2% في الدول المتقدمة للوصول إلى معادلة "التشغيل الأمثل".
وأضاف أنه في حالة تركيا، حيث يتعذر رفع الفائدة إلى أعلى من 48% وهو معدل التضخم الحالي، لجأ صناع السياسة النقدية إلى استهداف توقعات التضخم متوسطة وبعيدة الأجل، وذلك برفع الفائدة إلى مستويات تساويها للوصول تدريجيًا إلى معدل تضخم مقارب، وتحقيق اتجاه هابط فيه.
وتطبيقًا للقاعدة، استهدف قرار المركزي التركي، حسب الخبير الاقتصادي، توقعات التضخم متوسطة الأجل في نهاية 2025 وهي 25%. وتستخدم هذه الطريقة في الدول التي تشهد تضخمًا مستفحلًا يتجاوز 30% فأعلى.
أما السبب الثاني لرفع سعر الفائدة أعلى بكثير من التوقعات: فهو قرار إلغاء وديعة الليرة المحمية بسعر الصرف الأجنبي، الذي عمّمه المركزي التركي على المصارف المحلية قبل أيام، ما أثار مخاوف بشأن تأثير ذلك في قيمة الليرة.
وحسب المستشار مخلص، فإن أكثر من 120 مليار ليرة تركية، هي قيمة الودائع الموجودة في المصارف التركية بصيغة الوديعة المحمية تستحق السداد تدريجيًا، ومن المحتمل أن يخرج قسم كبير منها إلى الدولار والذهب والملاذات الآمنة إثر القرار الجديد، ما قد يتسبب بهبوط حاد في قيمة العملة المحلية.
ويرى الخبير أن هذه المخاوف أجبرت صانعي السياسة النقدية على اتخاذ قرار برفع سعر الفائدة بشكل عنيف بلغ 750 نقطة أساس دفعة واحدة.
سلبيات وإيجابياتولنجاح طريقة كبح التضخم برفع الفائدة إلى مستوى توقعاته على المدى المتوسط والبعيد، يقول مخلص، إنه يجب الحفاظ على التضخم في حدود تقارب مستوى آخر قراءة له، وهي في هذه الحالة 4%، فلو سجل ارتفاعًا بنسبة تزيد عن ذلك بحوالي 10% -مثلًا- فإن الوضع مرشح للتحول إلى "السيناريو الأرجنتيني"، حيث تعجز الحكومة عن اللحاق بالتضخم.
واستدرك قائلًا، إنه ينبغي لنا ترقّب قراءة التضخم القادمة، ففي حال لم تزد عن 50% أي بزيادة نقطتين مئويتين فقط عن آخر قراءة، فإن قرار المركزي سيكون قد حقق هدفه المبدئي.
ورغم الإيجابيات المتوقعة لقرار المركزي، حيث ستسهم معدلات الفائدة المرتفعة بخفض أسعار العقارات والسيارات ومعدل التضخم بشكل عام، فإنه سيكون لها سلبيات -كذلك- وفقًا للخبير الاقتصادي. فالرفع المستمر يعني تعقيدات إضافية في الحياة اليومية للمستهلكين، فالقروض ستصبح أصعب واستخدام بطاقات الائتمان سيخضع لتشديد ملموس.
كما توقّع الخبير أن يؤدي الاستمرار في هذا السياسة إلى إفلاس بعض الشركات الصغيرة، وتوسع حجم البطالة، ومن ثم إدخال الاقتصاد في نوع من الركود لا مفر منه، وأضاف أنه بالرغم مما سبق، فإنه "لا يمكن التخلص من ألم التضخم دون معاناة ألم الركود"، كما لا يستطيع صناع السياسة النقدية في تركيا اتباع النموذج الأميركي في "الهبوط الناعم"، حيث تمكّن الفدرالي الأميركي من خفض التصخم دون الوقوع في فخ الركود؛ لأن التضخم ظل تحت السيطرة، بعكس الحال في تركيا.
من جهته، توقّع أستاذ الاقتصاد في جامعة غازي عنتاب، إبراهيم أرسلان، أن يستمر الفريق الاقتصادي في الحكومة التركية في رفع الفائدة والوصول بها إلى ما بين 25 و30% وذلك بهدف خلق مساحات جاذبة لرأس المال الأجنبي.
وقال أرسلان للجزيرة نت، إنه على الرغم من أنها ليست السياسة المالية المفضلة من قبلها، فإن الحكومة الحالية أعطت موافقتها على سياسات الاقتصاد التقليدي نتيجة نقص السيولة، مضيفًا أن ما يهم تركيا -حاليًا- ليس الفائدة، بل العثور على وسيلة لتلبية حاجتها للسيولة النقدية.
وتوقّع أن يكون مسار الاستمرار في رفع سعر الفائدة من المركزي التركي مرتبطًا بالهدف منه، وأضاف "من الآن فصاعدًا، سيستمر اتجاه رفع أسعار الفائدة أو تثبيتها، وذلك حسب تدفقات رأس المالي الأجنبي المستقبلية".
انعكاسات القرار على الليرةوحسب المستشار المالي والخبير الاقتصادي مخلص الناظر، فإن العملة لا يمكن أن تحقق الاستقرار، إلا عندما يتساوى سعر الفائدة مع معدل التضخم، أو يتجاوزه.
وأشار إلى أن التحسن الملحوظ في سعر الليرة جاء نتيجة قرار المركزي الذي خالف التوقعات، معدًّا أن هذه ردة فعل طبيعية في الأسواق في مثل هذه الحالة، لكن من المتوقع أن تعود الليرة إلى المستوى الذي كانت عنده بين 27 و27.5 مقابل الدولار لتستقر عنده نسبيًا، في وقت يقدر السعر العادل للعملة التركية حاليًا بـ29 إذا ما أخذ عجز الحساب الجاري في الحسبان.
ورأى مخلص أن نموذج الاقتصاد غير التقليدي الذي تبناه الرئيس رجب طيب أردوغان خلال السنوات الماضية، تم التراجع عنه بشكل نهائي، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن زيادة سعر الفائدة بقيمة 750 نقطة أساس دفعة واحدة، تعادل ضعفًا ونصف ضعف ما أقدم عليه الفدرالي الأميركي من رفع للفائدة في عامين كاملين.
من جهته، يتفق أستاذ الاقتصاد في جامعة غازي عنتاب، إبراهيم أرسلان مع ما ذهب إليه الخبير مخلص، وشدّد على أن نموذج الاقتصاد غير التقليدي "أُغلق تمامًا" لكنه عزا ذلك إلى خيار "اضطراري" لجأت إليه الحكومة بعد نقص شديد في السيولة النقدية، إثر سلسلة من الأزمات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى ما سماه باقتصاد الانتخابات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رفع سعر الفائدة المرکزی الترکی قرار المرکزی معدل الفائدة رفع الفائدة الفائدة إلى
إقرأ أيضاً:
السكوري: نسبة الرفع من الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بلغت 20 في المائة
أكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، أن نسبة الرفع من الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بلغت 20 في المائة.
وأوضح السكوري، في كلمة بمناسبة فاتح ماي، أن الحد الأدنى للأجر الصافي الشهري انتقل من 2.638,05 درهما سنة 2021 إلى تقريبا 3.191,85 مع الرفع الذي سيتم في يناير المقبل بنسبة 5 في المائة، مضيفا أن « 600 درهما تقريبا هي قيمة الرفع من الحد الأدنى في الأجر، وهو الأمر الذي لم يسبق إقراره من أي حكومة سابقة (نسبة الرفع 20 في المائة) ».
وأضاف أن عدد الأجراء المعنيين بهذا الإجراء، حسب المعطيات والإحصائيات المتوصل بها من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يفوق 2 مليون من المواطنات والمواطنين.
أما بالنسبة للشريحة التي تشتغل في النشاطات الفلاحية، سجل الوزير انخفاض الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي مقارنة بالأجور في باقي القطاعات، مبرزا أن الحكومة أخذت على عاتقها توحيد الحد الأدنى للأجور في أفق 2028.
وهكذاـ تقوم الحكومة، يضيف الوزير، بـ »رفع الحد الأدنى للأجور بالقطاع الفلاحي بنسبة أكبر من نسبة ارتفاع باقي الأجور وذلك من أجل تقليص الفرق بين الحد الأدنى للأجور في النشاطات غير الفلاحية والنشاطات الفلاحية ».
وأضاف أنه على المستوى العملي في ما يخص الحد الأدنى للأجور بالقطاع الفلاحي « انتقلنا من 1860 درهما تقريبا شهريا – ولو أن الحد الأدنى للأجور بالقطاع الفلاحي يحتسب باليوم، غير أنه اعتمدنا المتوسط الشهري كمثال- إلى 2360 درهم شهريا إذا أخذنا بعين الاعتبار الرفع الذي سيتم تطبيقه في أبريل 2026 ».
وذكر بأنه، ومن خلال اتفاق أبريل 2024 اتفقنا على الرفع من الحد الأدنى للأجور في الأنشطة غير الفلاحية والحد الأدنى للأجر في الأنشطة الفلاحية على دفعتين بنسبة 5 في المائة بين 2025 و 2026، وبذلك سيسجل ارتفاع في الحد الأدنى للأجر في الأنشطة الفلاحية بين بداية الحكومة 2021 وسنة 2026 بمقدار 540 درهم، مشددا على أن الحكومة لا زلت تعمل بشكل حثيث على أن يتم احترام الحد الأدنى للأجر من خلال عمل جهاز تفتيش الشغل.
من جهة أخرى، أشار السكوري إلى الحيف الكبير الذي كان يمس عددا كبيرا من المواطنين والمواطنات فيما يخص التقاعد في القطاع الخاص، حيث كان من اللازم من أجل الحصول على التقاعد في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التوفر على اشتراك لمدة 3240 يوما أي تقريبا عشر سنوات، مضيفا أنه وبعد نقاش مع الشركاء الاجتماعيين قامت الحكومة بالاستجابة لمطالبهم، وتمت الأجرأة بتخفيض هذه المدة من 3240 يوم اشتراك إلى فقط 1320 يوما من الاشتراك أي 4 سنوات .
وقال إن الشحص الذي لم يستوف شرط 1320 يوما من الاشتراك بإمكانه استرجاع مبالغ الاشتراكات التي دفعها بالإضافة لمبالغ الاشتراكات التي أدتها لفائدته المقاولة التي كان يشتغل فيها ويمكنه ذلك من استرجاع رأس المال.
وأكد أن الحكومة قامت بكل مسؤولية بالاستماع للفرقاء الاجتماعيين « الذين بدونهم وبدون الحوار الاجتماعي لم يكن بالإمكان تحقيق هذه الإنجازات العملية في هذا المجال ».
وأشار بالمناسبة إلى مراجعة الضريبة على الدخل نزولا عند طلب الشركاء الاجتماعيين، حيث تم البدء في تنفيذها من يناير 2025، مبرزا أن هذه المراجعة تجلت في زيادة متوسطة بـ 400 درهم بالنسبة للأسر المتوسطة.
ولم يفوت الوزير الفرصة للحديث عن مشروع القانون التنظيمي للإضراب، باعتباره من القوانين الأساسية التي طال انتظارها، مبرزا أن الحكومة الحالية كانت لها الشجاعة السياسية الكافية لفتح هذا الورش الصعب، واستيعاب مقترحات الفرقاء الاجتماعيين والمعايير الدولية المعمول بها.