بدءًا من الترجمات التأسيسية لنصوص الرياضيات والفلسفة العربية التي ألهمت مفكرين فرنسيين، إلى الترجمات اللاحقة للشعر العربي التي ألهمت شعراء كبارًا من أمثال "فولتير"، كان التأثير الثقافي واللغوي العربي على الفرنسية موضوعًا مثيرًا؛ إذ ظلت اللغة العربية تثري اللغة الفرنسية منذ القرن التاسع الميلادي، حتى يومنا هذا وفق خبراء لغويين.

وتحضر مفردات اللغة العربية بشكل ملحوظ في اللغة الفرنسية، إذ هي ثالث لغة تقترض منها الفرنسية مفرداتها بعد الإنجليزية والإيطالية، وفقًا لعالم معاجم فرنسي مرموق.

ويتناول كتاب "أجدادنا العرب.. ما تدين به لغتنا لهم" لجون بريفو، الأكاديمي وعالم اللسانيات والمعاجم الفرنسي، مدى تأثر لغة موليير بلغة الضاد، وعبر تحليل مئات الكلمات الفرنسية ذات الأصل العربي، من قبيل: قطن وكيمياء وسروال وكباب وسبانخ، قال بريفو، "أسلافنا الغال كانوا برابرة، ولولا الرومان والحضارة العربية التي روت سرد العصور الوسطى، لتأخر عصر النهضة".

واللغة الغالية هي واحدة من اللغات الأوروبية القديمة خلال حقبة الإمبراطورية الرومانية، وكانت تستخدم في بلاد الغال التي تضم الآن أجزاء من: فرنسا وبلجيكا وسويسرا وشمال إيطاليا وغيرها، وتعدّ لغة شبه منقرضة حاليًا، إذ استبدلت باللغة اللاتينية واللغات الجرمانية، لكن القليل من تراثها بقي في الفرنسية الحديثة.

ويضم كتاب عالم اللسانيات والمعاجم الفرنسي ستة فصول وقائمة مشروحة بالمفردات الفرنسية ذات الأصل العربي، منظمة في مجموعات فرعية مع أوصاف تقدم معلومات عن أصل كل عنصر، والنطق الفرنسي، ونماذج المصدر العربية، وتنتمي تلك الكلمات لمجالات عدة؛ مثل: عوالم التجارة والعطور والأحجار الكريمة والنباتات والكيمياء والموسيقى والحرب والجسد والطبخ والحرف والحيوانات ووسائل النقل، وغيرها.

وفي الكتاب يفكك الأكاديمي بريفو نحو 400 كلمة متداولة على نطاق واسع في مختلف مجالات الحياة العامة (فنون، طبخ، موسيقى، زراعة..)، ويثبت أصلها العربي.

ولاحظ بريفو أن اللغة العربية تأتي في المرتبة الثالثة بعد الإنجليزية والإيطالية من حيث حضور كلماتها في المعجم الفرنسي، وأن عدد الكلمات الفرنسية ذات الأصول العربية يفوق مرتين عدد الكلمات الفرنسية المنبثقة من لغة الغاليين، وهم الأجداد الحقيقيون للفرنسيين.

ويعزو اللساني الفرنسي تأثر اللغة الفرنسية بنظيرتها العربية إلى عوامل تاريخية وحضارية وتفاعلات ثقافية عدة ،على خلفية الحروب الصليبية والفتوحات العربية والمبادلات التجارية في فضاء البحر الأبيض المتوسط.

كما يفسر ذلك التأثر بمعطيات حديثة من بينها: نفي عدد كبير ممن كانوا يُعرفون في الجزائر باسم الأقدام السوداء، وهم معمّرون فرنسيون سكنوا أو وُلدوا في الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي، واضطروا للرحيل بعد حصول الجزائر على استقلالها عام 1962.

ويقول خبراء وباحثون في علوم اللغة، إن كلمات عربية وجدت طريقها للفرنسية -أيضًا- عبر وسيط هو اللغة الإسبانية التي حملت كلمات عربية أكثر، خاصة خلال حقبة الأندلس العربية، وهكذا انتقلت كلمات عديدة من العربية إلى الفرنسية عبر شبه الجزيرة الإيبيرية، بينما وصلت كلمات عربية إلى الفرنسية خلال زمن المستعمرات الفرنسية، لا سيما احتلال نابليون لمصر واستعمار المغرب العربي.

وفي حديث سابق للجزيرة نت، وصف جاك لانغ مدير معهد العالم العربي في باريس، العربية بأنها لغة الكُتّاب والشعراء والفنانين والمغنين والعلماء والباحثين والصحفيين والمقاولين، مضيفًا أنها "تسهم في تجديد العالم العربي، وتعدّ لغة من العالم المعاصر".

ونقل تقرير لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن جان بروفوست، البروفسور الفخري في جامعة سرجي بونتواز، تأكيده أن هناك ما لا يقل عن 500 كلمة عربية في اللغة الفرنسية، وربما أكثر من ذلك بكثير، إذا ما أخذت في الحسبان المفردات العلمية المتخصصة.

وإذا ما قورن كمّ المفردات العربية في اللغة الفرنسية، مع كمّ مفردات اللغة الغالية التي يُنسب إليها الفرنسيون بوصفها لغة أجدادهم، فإن عالم اللسانيات لويس جان كالفي يقول، إن "هناك خمسة إلى ثمانية أضعاف من المفردات العربية في الفرنسية، مقارنة باللغة الغالية".

وهو ما جعل بروفوست يستنتج أن، "الفرنسيين يتكلمون العربية أكثر مما يتكلمون اللغة الغالية"، ويضرب الخبير مثالًا على ذلك جملة فرنسية، لا تكاد توجد فيها كلمة إلا وأصلها عربي: "إذا ذهبت إلى مخزن لشراء جبة من القطن وجليقة وقفطان، فأنت تتكلم اللغة العربية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اللغة الفرنسیة اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة القاهرة يشهد انطلاق القاموس العصري للشباب العربي بمعرض الكتاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهدت قاعة "مؤسسات"، ندوة "قاموس القاهرة العصري للشباب العربي"، في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، الذي يُعقد بمركز المعارض الدولية بالتجمع الخامس، ومن المقرر أن يستمر المعرض حتى يوم 5 فبراير المقبل.

جاءت الندوة؛ بحضور الدكتور محمد سامي، رئيس جامعة القاهرة، والدكتور أحمد بلبولة، عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، والدكتور عبد الوهاب رضا، عميد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة، والدكتور صفوت علي، وكيل كلية دار العلوم، والدكتور حافظ شمس الدين، عضو مجمع اللغة العربية، والدكتورة أسماء أحمد، مدرس مساعد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي، والدكتور أحمد الشيمي، المدير التنفيذي لقاموس القاهرة للشباب العربي، والذي أدار الندوة.

وفي بداية الندوة، قال الدكتور أحمد الشيمي: "إن قاموس القاهرة العصري للشباب العربي هو تجسيد لرؤية الدولة المصرية وتنفيذها على أرض الواقع، كاستجابة لمبادرة بداية جديدة التي أطلقها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تستهدف بناء الإنسان من خلال وضع استراتيجية وطنية مقدسة تلبي احتياجات اللغة العربية في مصر والوطن العربي".

ومن جانبه، قال الدكتور محمد سامي: "يسعدني ويشرفني الحضور معكم اليوم؛ في تدشين مشروع قاموس القاهرة العصري للشباب العربي؛ هذا القاموس يعكس رؤية جامعة القاهرة في دمج التراث والمستجدات التكنولوجية، ويلبي استراتيجيات المبادرات الرئاسية التي تعمل على تعزيز الهوية الثقافية المصرية والعربية بشكل عام"؛ ويأتي تلبيةً لاستراتيجية وزير التعليم العالي والبحث العلمي؛ التي تم تقديمها في مارس 2023؛ وقال: "القاموس مبني على التكامل والتعاون، حيث يظهر التكامل من خلال التعاون بين كلية دار العلوم، أحد أعرق كليات جامعة القاهرة، وبين كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي، وهي إحدى الكليات الحديثة؛ لذا، فإن المشروع يثمر عن قاموس مفيد للشباب العربي لتعلم اللغة العربية؛ واستخدام أدواتها بشكل صحيح، ويؤكد القاموس على أن دور جامعة القاهرة هو إعلاء القيمة العربية".

من ناحيته، قال الدكتور عبد الوهاب رضا، عميد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي: "إن أسلافنا ابتكروا الأدوات التي ساهمت في وصول اللغة العربية إلينا بسهولة ويسر"؛ والذكاء الاصطناعي أصبح أداة رئيسة لخدمة اللغة العربية، من خلال معالجة الكلام والأدوات الطبيعية وتحليل الأنماط"؛ وتساءل عبد الوهاب رضا: "ما هي علوم الحاسب؟ هي علوم الخوارزميات التي كتبت باللغة العربية، ولذلك نحن حريصون على توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة اللغة العربية بهدف الوصول إلى دقة عالية في فهمها".

فيما قال الدكتور أحمد بلبولة: "في البداية، أود أن أوضح أن صناعة المعاجم نشأت في مصر، وأن هذا القاموس جاء تلبيةً للمبادرة الرئيسية "بداية جديدة"؛ فقد قام القاموس على تعزيز مشاريع الثقافة والمعرفة والهوية"؛ وأن القاموس يملأ فجوة هائلة في مصر والوطن العربي، وهي الفجوة الثقافية وليس المعرفية، مما جعله مدخلًا ثقافيًا، مشيرًا إلى مثال تعريف الهوية من وجهة نظر الأديب نجيب محفوظ، وذلك لتعزيز قوة مصر الناعمة؛ وتابع بلبولة قائلاً: "المعجم يحتوي على 10 آلاف مصطلح ويضم مصطلحات مرتبطة بالجمهورية الجديدة، مثل مصطلح متحف الحضارات".

وفي السياق ذاته، قال صفوت علي: "هذا القاموس هو قاموس العاصمة والجامعة في وقت واحد؛ في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو الاستثمار المعرفي والثقافي، كان لمصر دورًا قويًا في تطوير القواميس العالمية"؛ وأشار إلى أن القاموس موجه للشباب ويكتبه الشباب، مضيفًا: "بمناسبة وجودنا في معرض الكتاب؛ ونحن نرى مئات الشباب، فإن تدشين هذا القاموس أصبح واجبًا حتميًا"، وتابع قائلاً: "القاموس يتضمن المداخل والمفاهيم التي شكلت العقلية الثقافية العربية على مدار تاريخها".

كما أوضح الدكتور حافظ شمس الدين؛ أن هذا التدشين يخص الشباب؛ ويصدر عن جامعة القاهرة؛ والجهود التي بذلت تعكس مدى الإرادة والتصميم والعزيمة لكي تكون اللغة العربية في دائرة الضوء؛ وأن اللغة العربية تمر بمرحلة صعبة، معربًا عن اعتقاده بأن هذا المعجم سيكون "حجرًا ثمينًا" في خدمة اللغة العربية.

وفي ختام الندوة، عرضت الدكتورة أسماء أحمد؛ تفاصيل المشروع؛ وكيفية تنفيذه، حيث شرحت منهجية المشروع باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ وتعزيز التعليم الرقمي في مصر؛ وتشجيع الثقافة الرقمية بين الشباب؛ كما تحدثت عن التوصيف العشري للقاموس، موضحة طريقة الترتيب، والعموم والخصوص، وعدد اللغات؛ وأعمار المستخدمين؛  وأكدت أن القاموس سيصدر في نسختين، ورقية؛ وإلكترونية، من خلال تطبيق يمكن تحميله على الهواتف الذكية.
 

مقالات مشابهة

  • عبد الصادق يعلن تدشين جامعة القاهرة "قاموس القاهرة العصري للشباب العربي"
  • جامعة القاهرة تدشّن القاموس العصري للشباب العربي
  • تدشين جامعة القاهرة "قاموس القاهرة العصري للشباب العربي"
  • جامعة القاهرة تطلق قاموسًا عصريًا للشباب العربي بمعرض الكتاب
  • غربة اللغة العربية
  • انطلاق "قاموس القاهرة العصري للشباب العربي" بمعرض الكتاب
  • رئيس جامعة القاهرة يشهد انطلاق القاموس العصري للشباب العربي بمعرض الكتاب
  • اتفاقية تعاون بين «دارة الشعر العربي» بالفجيرة و«كلية اللغة العربية» بجامعة الأزهر
  • التدريب والبحوث بـ الصحفيين: تبسيط اللغة العربية لأبناء المهنة
  • تعيين هيلين لابورت رئيسةً لمجموعة الصداقة الفرنسية المغربية في البرلمان الفرنسي