انطلقت اليوم أعمال الحلقة الإقليمية بشأن قياس الحد الأدنى لمستوى المعيشة اللائقة والتوجهات الحديثة لأنظمة الضمان الاجتماعي في دول مجلس التعاون، التي تنظم بالشراكة بين المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي تستضيفه سلطنة عُمان، والمكتب التنفيذي لوزراء العمل ووزراء الشؤون الاجتماعية بدول المجلس، وذلك بفندق إنترسيتي مسقط، برعاية معالي الدكتورة ليلى بنت أحمد النجار وزيرة التنمية الاجتماعية.

وتهدف الحلقة إلى مناقشة أهم المؤشرات والمنهجيات المرتبطة بقياس مستوى المعيشة اللائقة، واستعراض أبرز التوجهات الحديثة لتطوير أنظمة الضمان الاجتماعي في دول الخليج بما يعزز العدالة الاجتماعية ويواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، بمشاركة نخبة من المختصين والخبراء من دول المجلس، إضافة إلى ممثلين عن منظمات إقليمية ودولية ذات صلة، حيث شهدت الفعالية تقديم أوراق عمل ونقاشات تفاعلية تسلط الضوء على التحديات والفرص المتعلقة بمواءمة أنظمة الضمان الاجتماعي مع متطلبات التنمية المستدامة.

وأشارت سعادة إنتصار بنت عبدالله الوهيبية المديرة العامة للمركز الإحصائي الخليجي إلى أنه لطالما تصدرت التنمية البشرية اهتمامات وأولويات دول مجلس التعاون على مر العقود، انطلاقًا من قناعة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس - حفظهم الله ورعاهم - بأن الإنسان هو هدف التنمية وغايتها، والحماية الاجتماعية هي أحد أهم الأعمدة التي تقوم عليها المجتمعات المستقرة والمزدهرة، مستذكرة ما حققته دول المجلس من نجاحات في تحسين الظروف المعيشية لمواطنيها من حيث تمتعهم بمستويات متقدمة من التنمية البشرية، مشيرة إلى أنه جاء تصنيف دول المجلس ضمن الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدًا، وفقًا لتقرير التنمية البشرية الصادر من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، إضافة إلى التقدم المُحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030م.

وأكدت سعادتها أن الحلقة تسعى لوضع الأسس لعمل خليجي مشترك يسهم في تبني رؤية خليجية موحدة واضحة لقياس مستوى الرفاهية والمعيشة اللائقة لمواطني دول المجلس، متمثلة في إعداد دليل خليجي لبناء وتصميم مؤشر مركب متعدد الأبعاد لقياس مستوى المعيشة بمجلس التعاون، باعتباره كتلة اقتصادية واجتماعية وبيئية موحّدة، بما يعزز سعيها لتحقيق مزيد من الرفاه للمواطن الخليجي، وزيادة تنافسية الاقتصاد وجاذبيته للاستثمار، ويسهم في رفع مكانة دول المجلس الإقليمية والدولية.

وقال محمد الغايب، رئيس قسم الشؤون الاجتماعية بالمكتب التنفيذي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية: إن الحلقة التأسيسية الأخيرة التي نُظِّمت بالتعاون مع المركز الإحصائي الخليجي جاءت استجابة لتوجيهات أصحاب المعالي والسعادة الوزراء، بعد رصد تقارير دولية غير دقيقة وغير متزنة بشأن مستويات المعيشة في دول المجلس، وأضاف قائلًا: "رأينا ضرورة أن نكون في خط المواجهة، وأن نبادر بإعداد مؤشرات خليجية موحدة لقياس مستوى المعيشة، بما يسهم في تشكيل صورة أكثر دقة أمام المؤسسات الدولية، كما نهدف إلى تعزيز الفهم المشترك حول أنظمة الضمان الاجتماعي الحديثة في دول مجلس التعاون".

وأوضح الغايب أن هذه الحلقة تمثل الخطوة الأولى نحو إعداد تقرير خليجي موحد حول مستوى المعيشة، يصدر عن المركز الإحصائي الخليجي والمكتب التنفيذي، ويُعتمد لاحقًا من قبل الجهات الدولية عند إعداد تقاريرها، مؤكدًا أن هذه الحلقة جمعت نخبة من الخبراء، من بينهم ممثلون من البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية، فضلًا عن الشركاء من الأمانة العامة وصناديق التأمينات والتقاعد، ووزارات الشؤون الاجتماعية والجهات الإحصائية في دول المجلس.

وأعرب الغايب عن سعادته بوجود الدكتور عاطف الشبراوي، الذي أعد دراسة التوجهات الحديثة لأنظمة الضمان الاجتماعي، والذي سيثري النقاش من خلال وجوده بشكل كبير.

وتابع الغايب قائلًا: إن الحلقة تمثل منصة لتبادل التجارب بين دول المجلس، مؤمنين أن العدالة الاجتماعية لم تعد تقتصر على الدعم التقليدي للفئات محدودة الدخل، بل أصبحت هدفًا استراتيجيًا ضمن رؤية تنموية شاملة، ساعين إلى تطوير شبكات ضمان اجتماعي أكثر شمولًا وكفاءة، تستجيب للفئات الأكثر هشاشة في مجتمعاتنا.

وأشار الغايب إلى أن المنطقة تشهد تحولات اقتصادية متسارعة وظهور أنماط عمل جديدة لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة، ما يفرض تحديث أنظمة الضمان الاجتماعي لتواكب هذه المتغيرات، بما في ذلك ربطها بسياسات سوق العمل وريادة الأعمال، مؤكدًا أنهم يولون أهمية كبرى لمؤشرات الشيخوخة المتوقعة في دول المجلس خلال العقود القادمة، ما يتطلب استعدادًا اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا يبدأ من الآن.

وشدد الغايب على أن التوجهات الحديثة ستعتمد على استخدام معرفات رقمية وقواعد بيانات ذكية لربط السياسات الاجتماعية بالتعليم والصحة والإسكان وسوق العمل، بما يضمن دقة الاستهداف وفعالية الأداء، مشيرًا إلى الحضور إلى أنهم بحاجة إلى التفكير في المرونة المالية والتخطيط طويل الأجل، إذ تواجه العديد من صناديق الحماية الاجتماعية تحديات في الاستدامة، بسبب اعتمادها الكبير على ميزانيات الدولة؛ فلا بد من حلول مبتكرة لضمان ديمومة هذه الخدمات.

وأكد الغايب أن هذه الحلقة تمثل نقطة التقاء مهمة بين صناع القرار والخبراء والممارسين الميدانيين، وأن التوصيات التي ستُستخلص من هذه النقاشات ستُرفع إلى اجتماع أصحاب المعالي والسعادة الوزراء المعنيين بالشؤون الاجتماعية في شهر سبتمبر المقبل.

وأكدت بتول عبيد، خبيرة المركز الإحصائي الخليجي، أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية يُعد منذ تأسيسه عام 1981 من أبرز نماذج العمل الإقليمي المشترك، خصوصًا في مجالات التعاون والتكامل الاقتصادي، مشيرة إلى أن جوهر هذا التعاون يتمثل في تعزيز رفاهية المواطن الخليجي وتحسين مستوى معيشته، موضحة أن مسيرة العمل الخليجي المشترك شهدت مراحل متعددة من التطوير، شملت تبني اتفاقيات واستراتيجيات هدفت إلى تنمية الإنسان الخليجي، في مقدمتها الاتفاقية الاقتصادية الخليجية التي انطلقت عام 1981، وتم تحديثها في عام 2002 لتواكب التحولات التنموية والاقتصادية في المنطقة.

وأشارت إلى أن السوق الخليجية المشتركة كانت من أبرز ثمار هذه الاتفاقيات، حيث أسهمت في تحقيق المساواة بين مواطني دول الخليج في العديد من المجالات، منها التعليم، والصحة، والعمل، والتملك، والاستثمار، والتنقل، مؤكدة أن هذه المكتسبات انعكست إيجابًا على جودة الحياة في دول المجلس.

وبيّنت أن الفصل الخامس من الاتفاقية الاقتصادية ركز على تنمية الموارد البشرية، بما في ذلك تمكين المرأة، ورعاية الطفولة، وتطوير التعليم، وصولًا إلى توحيد المناهج التعليمية، بما يُرسخ الهوية الخليجية ويعزز المواطنة المشتركة.

ولفتت عبيد إلى أن دول المجلس تبنت استراتيجية شاملة للتنمية الاجتماعية تهدف إلى بناء مجتمع خليجي متماسك، يحافظ على هويته، ويحقق الرفاه والازدهار المستدام، مشيرة إلى أن هذه الاستراتيجية تضمنت أربع مبادرات رئيسية، من أبرزها نشر مفاهيم المواطنة الخليجية، وتعزيز الشراكة مع القطاع غير الربحي، إلى جانب تطوير دليل موحد لجودة برامج الحماية الاجتماعية.

وأكدت عبيد جهود مجلس التعاون في مجال العمل والتمكين، موضحة وجود استراتيجية لتحقيق سوق عمل خليجية موحدة، قائمة على محاور التمكين، وتحسين بيئة العمل، والحوكمة، بما يعزز توظيف القوى العاملة الوطنية.

وذكرت أن الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى قدمت دراسات مهمة خلال السنوات الماضية، تناولت موضوعات حيوية كالبطالة، والفقر، وتمكين المرأة، والدمج الاجتماعي للأشخاص ذوي الإعاقة، وتقييم تأثير الأزمات المالية على المجتمعات الخليجية، مضيفة إن هذه الدراسات أسهمت في صياغة سياسات اجتماعية واقتصادية أكثر فاعلية.

ونوَّهت بأن دول الخليج نفذت عددًا من الدراسات الهادفة إلى تحسين مستوى المعيشة وتطوير مؤشرات الرفاه، منها دراسات حول الدخل الحقيقي للفرد، وإعداد دليل خليجي موحد لقياس مستوى المعيشة، ما يعكس حرصها على بناء سياسات مبنية على أدلة واقعية، من خلال جمع وتحليل البيانات الخاصة بمؤشرات التنمية البشرية، مشيرة إلى أن جودة البيانات التي يوفرها المركز أسهمت في تقدم دول الخليج في العديد من تقارير التنمية الدولية ومؤشرات الرفاه.

وأكدت عبيد أن دول الخليج أصبحت اليوم من بين الأعلى عالميًا في مؤشرات جودة الحياة، إلى جانب دول مثل موناكو وسويسرا ولوكسمبورج، مشددة على أن هذه المكانة لم تكن لتتحقق لولا التخطيط الاستراتيجي والتكامل الخليجي في مجالات الاقتصاد والتنمية الاجتماعية، مُشيرة إلى أن الحلقة الحالية التي ينظمها المركز تهدف إلى صياغة دليل خليجي موحد لقياس مؤشرات الرفاه، بحيث يكون مرجعًا علميًا لصناع القرار ويعكس الخصوصية الخليجية من حيث الثقافة والاقتصاد والمجتمع، ودعت إلى ضرورة الاستناد إلى البيانات الوطنية الحديثة في بناء هذا الدليل، وتكثيف التنسيق بين الأجهزة الإحصائية الخليجية والمنظمات الدولية، لتفادي التباينات في منهجيات القياس وضمان دقة المؤشرات المستخدمة.

وكشفت عبيد أن المركز الإحصائي الخليجي باشر تنفيذ دراسة معمقة بالتعاون مع خبراء دوليين، لقياس الحماية الاجتماعية وخط الفقر في دول المجلس، مضيفة إنه تم التواصل مع لجنة الإسكوا لتوضيح بعض المفاهيم والمنهجيات التي لا تتناسب مع الواقع الخليجي، مؤكدة أن المركز يعمل على إعداد دليل متكامل لتحليل جودة الحياة وتوزيع الدخل في دول الخليج، بما يعكس الواقع الفعلي لكل دولة عضوة، بعيدًا عن النماذج العامة التي قد لا تأخذ في الحسبان الخصوصيات الوطنية.

ويأتي تنظيم هذه الحلقة في إطار حرص المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون على دعم متخذي القرار بالمعلومات الإحصائية الدقيقة، وتعزيز التعاون الخليجي في مجالات التنمية الاجتماعية والسياسات العامة القائمة على الأدلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المرکز الإحصائی الخلیجی أنظمة الضمان الاجتماعی دول مجلس التعاون التنمیة البشریة مستوى المعیشة فی دول المجلس مشیرة إلى أن لقیاس مستوى دول الخلیج هذه الحلقة أن هذه

إقرأ أيضاً:

حديث حكومي حول رواتب الموظفين والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية

الاقتصاد نيوز - بغداد

في ظلِّ التحدّيات الاقتصاديَّة العالميَّة وتقلّبات أسعار النفط التي تُثير القلق في العديد من الدول ذات الاقتصاد الريعيِّ، يُقدِّم العراق نموذجاً متوازناً في التعامل مع هذه المتغيِّرات، مستنداً إلى سياسةٍ ماليَّةٍ مرنةٍ وتخطيطٍ يُراعي متطلبات الاستقرار.

 

وبينما تتابع الأسواق تطوّرات الجغرافيا السياسيَّة وتداعيات الحروب التجاريَّة، تُؤكّد الحكومة أنَّ الاحتياجات الأساسيَّة، وفي مقدِّمتها الرواتب والنفقات التشغيليَّة، مؤمَّنةٌ بالكامل، مع استمرار التوجّه نحو إصلاحاتٍ اقتصاديَّةٍ تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط مصدراً رئيساً للإيرادات.   وبيَّن المستشار الماليُّ لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح أنَّ "أوضاع الجغرافيا السياسيَّة في العالم تشهد توقعاتٍ بالانفراج في روسيا والخليج، وهي مؤشِّراتٌ ستدفع نحو موجةٍ من النموِّ الاقتصاديِّ العالميِّ في نهاية المطاف.   وأضاف أنَّ "كلَّ زيادةٍ مقدارها (1) بالمئة في نموِّ الاقتصاد العالميِّ تتطلّب ارتفاعاً في نموِّ الطلب على النفط والغاز بنسبة نصف الواحد في المئة وهكذا، وهو أمرٌ متوقعٌ حدوثه جدّاً وبشكلٍ متسارعٍ بعد منتصف العام الحاليِّ".   صالح أعرب عن تفاؤله إزاء المتغيّرات الاقتصاديَّة في العالم، قائلاً: "على الرغم من مخاوف أنَّ الحرب التجاريَّة أو حرب التعريفات التجاريَّة قد بدأتْ تُؤثر لكنها ستنتهي بتوافقاتٍ تُعيد التوازن إلى الأسواق والاقتصادات بالسرعة القصوى عالميّاً".   وبشأن الوضع الماليِّ في العراق، أوضح أنَّ "الموازنة العامَّة الثلاثيَّة بالأساس متحوّطةٌ بمرونةٍ في النفقات، وبُنيتْ على سياسةٍ ماليَّةٍ هي سياسة الحدّين، الحدُّ الأقصى (200) تريليون دينار، وحدٌّ مثاليٌّ أدنى هو (150) تريليون دينار، وبسعر برميل نفطٍ هو (70) دولاراً، مع عجزٍ افتراضيٍّ يُماثل الحدَّ الأقصى للإنفاق يبلغ (64) تريليون دينار".

وأشار إلى أنه "يمكن للموازنة العامَّة أنْ تُلبّي جميع الاحتياجات الأساسيَّة من رواتب الموظفين والمعاشات التقاعديَّة والرعاية الاجتماعيَّة والدعم الزراعيِّ وتنفيذ مشاريع الخدمات بالحدِّ المثاليِّ الأدنى البالغ (150 - 156) تريليون دينار، يقابل ذلك حدٌّ أدنى من تمويل العجز عن طريق الاقتراض الداخليِّ بسهولةٍ ويُسْرٍ من دون أنْ يُؤثر ذلك في استقرار الحياة الاقتصاديَّة، على غرار ما حصل من انضباطٍ في المصروفات بالتحوّل من نفقات الحدِّ الأقصى إلى نفقات الحدِّ الأمثل في موازنة العام (2024)".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • انطلاق «تمرين الأمن السيبراني الخليجي الرابع» في الرياض
  • بشرى للموظفين.. المالية: صرف مرتبات أبريل مبكرًا وزيادات جديدة بالأجور في يوليو
  • حديث حكومي حول رواتب الموظفين والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية
  • بدء صرف مرتبات شهر أبريل 2025 غدًا.. وزيادة الحد الأدنى للأجور في يوليو المقبل
  • الحد الأدنى للأجور في تركيا أصبح ليرة إلا ربع من الذهب
  • "التعاون الخليجي": التعاون الاستراتيجي بين دول الخليج وآسيا الوسطى يشهد تقدمًا ملموسًا
  • حلقة عمل إقليمية في مسقط حول أنظمة الضمان الاجتماعي
  • ترانسبرنسي تطالب بفتح تحقيق في الهجوم السيبراني على صندوق الضمان الاجتماعي
  • الأردن ومأزق المياه: اتفاقيات لم تُنصف وأزمة تخنق الحناجر