أعلن الفاتيكان منذ قليل وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد رحلة مليئة بالعطاء الروحي والإنساني، خاض فيها مسيرة نادرة في الحوار والتقارب بين الأديان، خصوصًا علاقته الاستثنائية التي نسجها مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والتي اعتُبرت واحدة من أعمق الروابط بين رمزين دينيين في التاريخ المعاصر.

علاقة البابا فرانسيس وشيخ الأزهر 

العلاقة بين الإمام الطيب والبابا فرنسيس لم تكن مجرد لقاءات بروتوكولية أو عبارات دبلوماسية، بل كانت تجسيدًا حيًا لفكرة الأخوة الإنسانية، التي ترجمها الطرفان إلى مواقف ومبادرات حقيقية، في عالم يموج بالصراعات والكراهية.

بدأت فصول هذه العلاقة في مارس 2013، عندما بادر الإمام الأكبر بتهنئة البابا فرنسيس فور تنصيبه، وهي خطوة كسرت جليدًا دام سنوات بين الأزهر والفاتيكان، مؤكّدًا أن عودة العلاقات مرهونة باحترام متبادل وتقدير صادق للإسلام والمسلمين.

أول بابا غير أوروبي منذ قرون.. زعماء العالم ينعون وفاة البابا فرانسيسماكرون: البابا فرانسيس كان رجلاً متواضعاً

 وسرعان ما لقيت هذه الخطوة تجاوبًا من البابا، الذي كان قد صرّح عقب تنصيبه بأيام بأهمية الحوار مع الإسلام، معتبرًا أن لا سلام في العالم دون جسور تواصل بين الأديان.

وبالفعل، أُعيد تفعيل لجنة الحوار بين المؤسستين في 2014، وتم الإعلان رسميًا عن استئناف التعاون بين الجانبين.

اللقاء التاريخي الأول 

 ثم جاء اللقاء التاريخي الأول في مايو 2016، عندما استقبل البابا فرنسيس الإمام الطيب في الفاتيكان، وهو اللقاء الذي وصفه البابا نفسه بأنه "رسالة في حد ذاته".

 ومن هناك بدأت سلسلة لقاءات حافلة بالود والتفاهم العميق، امتدت من القاهرة إلى روما، ومن قاعات المؤتمرات إلى الموائد الخاصة، حيث شارك البابا في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام في 2017، وعانق الإمام الطيب أمام أنظار العالم، في مشهد تصدّر عناوين الصحف العالمية.

وثيقة الأخوة الإنسانية 

لم تكن العلاقة مجرد لقاءات، بل شراكة فكرية وروحية حقيقية، أسفرت عن توقيع "وثيقة الأخوة الإنسانية" في أبوظبي عام 2019، والتي مثلت إعلان نوايا عالمي من أجل ترسيخ ثقافة السلام، ومواجهة التطرف والكراهية، والدفاع عن حقوق الإنسان، وخصوصًا الفقراء والمهمشين.

الحبر كار فاريل: البابا فرانسيس توفي في السابعة و35 دقيقةالكاردينال كيفن فاريل: هذا آخر ما قاله البابا فرانسيس

تميز كلا الرمزين بتواضعهما وزهدهما، وبمواقف إنسانية تتجاوز حدود الدين والمذهب، وهو ما جعل العلاقة بينهما تُضرب بها الأمثال، بوصفها نموذجًا نادرًا في التلاقي الفكري والإيماني بين قيادتين دينيتين من أكبر ديانات الأرض.

ورغم اختلاف العقائد والمسارات، إلا أن الإمام الطيب والبابا فرنسيس تقاطعا في لحظة نادرة من تاريخ الإنسانية، لحظة اتفق فيها رمزان دينيان على أن الدين لا يمكن أن يكون أبدًا مصدرًا للكراهية، بل هو جسر للرحمة والعدل.

 هذا التفاهم لم يكن سهلًا، بل كان ثمرة سنوات من الجهد والإرادة الحقيقية التي قادها الاثنان في مواجهة موجات العنف والتشدد باسم الدين.

سبب اختيار البابا فرانسيس هذا الإسم لنفسه

البابا فرنسيس، الذي اختار اسمه تيمنًا بالقديس فرانسيس الأسيزي، ظل حتى لحظاته الأخيرة وفيًا لخطّه الإنساني الداعم للفقراء واللاجئين والمستضعفين، مؤمنًا بأن الكنيسة يجب أن تكون ملجأ للجميع، لا منبرًا للفصل والإقصاء. 

وبهذا النهج، اقترب قلبًا من قلب الإمام الطيب، الذي طالما دعا إلى خطاب ديني عالمي جديد يضع الإنسان أولًا، أيًّا كانت ديانته أو لونه أو ثقافته.

واليوم، وبعد رحيل البابا فرنسيس، يفقد العالم صوتًا عاقلًا كان ينادي بالمحبة والتعايش، وتفقد الإنسانية رجلاً حمل على عاتقه همّ الفقراء والمهمشين، كما يفقد الإمام الطيب "أخًا وصديقًا"، طالما شاركه الحلم بعالم يسوده السلام والرحمة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الفاتيكان وفاة البابا فرنسيس شيخ الأزهر وثيقة الأخوة الإنسانية

إقرأ أيضاً:

صحيفة بريطانية: البابا فرنسيس أشاع السلام فى العالم وكان نصير المهمشين

نوهت صحيفة (الجارديان) البريطانية بمساعي البابا فرنسيس بابا الفاتيكان الراحل، لإرساء الخير وإشاعة السلام في العالم ودفاعه عن حقوق المهمشين.

وخصصت (الجارديان) افتتاحيتها، أمس الإثنين، للحديث عن البابا الراحل، مشيرة إلى أنه طوال 12 عامًا قضاها على كرسي الباباوية، سعى البابا فرنسيس لإعادة توجيه طاقة الكنيسة الكاثوليكية نحو المُهمشين، مُتحديًا نفوذ القوى الراسخة، فقد كان أول بابا غير أوروبي في العصر الحديث، وكان مدافعًا بارزًا وداعمًا صريحًا للقضايا التقدمية.

وأضافت الصحيفة، أنه في الوقت الذي كانت فيه الحركات "الانغلاقية" تسحب البوصلة السياسية للغرب نحو اليمين، شكّل البابا فرنسيس توازنا ضروريا في قضايا حيوية كالهجرة وتغير المناخ ومصير بلدان الجنوب العالمي.

وأشارت إلى أن البابا فرنسيس عكف على تحديث البنية الهرمية للكنيسة، ولخص رؤيته للكنيسة في وصف بليغ لها بأنها "مستشفى ميداني يهتم أكثر بمن يتألمون من أن يدافع عن مصالحه الذاتية".

مقالات مشابهة

  • جوتيريش: البابا فرنسيس كان صوتا ساميا من أجل السلام والكرامة الإنسانية
  • صحيفة بريطانية: البابا فرنسيس أشاع السلام فى العالم وكان نصير المهمشين
  • رحيل البابا فرنسيس يصدم العالم... زعماء ورؤساء يودّعونه بكلمات مؤثّرة في مشهد تاريخي | تقرير
  • «الجارديان»: البابا فرنسيس أشاع السلام في العالم وكان نصير المهمشين
  • رحيل بابا السلام| فرنسيس يودع العالم تاركا إرثا من المواقف والإنسانية والتاريخية.. تفاصيل
  • البابا تواضروس: البابا فرنسيس كان صوت السلام والعدالة.. وكرس حياته لخدمة الإنسانية
  • شيخ الأزهر ناعياً البابا فرنسيس: رجل الإنسانية من طراز رفيع
  • «الأخوة الإنسانية».. قصة وثيقة جسدت الصداقة بين البابا فرانسيس وشيخ الأزهر؟
  • عاجل| بعد رحيل البابا فرنسيس.. كيف يختار الفاتيكان البابا الجديد؟