للكاتبة والروائية والأكاديمية «رضوى عاشور» كتاب صدر قبل نحو ثلاثة عقود عن الرواية فى غرب أفريقيا، بعنوان «التابع ينهض». وإشارة التبعية هنا لا تعود إلى الإبداع الأدبى الأفريقى فحسب، الذى حفر مكانة له فى الساحة الدولية على المستويين الروائى والمسرحى لما بات يملكه من إرث ثقافى وحضارى عريق، بل أيضا إلى القارة الأفريقية التى ظلت لعقود -ولا تزال- مطمعا لقوى استعمارية تنهب ثرواتها وتقمع عوامل تقدمها، لتبقى دول القارة قابعة فى هوة الفقر والتخلف والتبعية، برغم ثراء مواردها الطبيعية التى يحتكرها الغرب الاستعمارى لنفسه، ليصنع منها على حساب شقاء شعوب القارة تفوقه وازدهاره.
ولعل عنوان كتاب الدكتورة رضوى عاشور «التابع ينهض» يصلح وصفا للدورة 15 لقمة تكتل بريكس التى أنهت أعمالها بعد ثلاثة أيام من النقاشات، فى مدينة جوهانسبورج بجنوب أفريقيا أول أمس الخميس، بحضور نحو 50 رئيس دولة وحكومة، وحددت مدينة قزان الروسية مكانا لعقد قمتها السادسة عشرة العام المقبل.
يكتسب تجمع بريكس مظاهر قوته من عدة مصادر، بينها أن اثنتين من دوله هما الصين وروسيا تمتلكان حق النقض الفيتو فى مجلس الأمن الدولى، وثلاث دول نووية هى الصين وروسيا والهند. وبعد هبوط مركبة الفضاء الهندية على سطح القمر، أثناء عقد أعمال المؤتمر باتت الدول الثلاث الأخيرة من كبار المنافسين الدوليين لغزو الفضاء الخارجى. فضلا عن أن المكانة الاقتصادية منحت تكتل بريكس للاقتصاديات الناشئة تمثيل نحو ربع الاقتصاد العالمى، وخمس التبادلات التجارية بالاضافة إلى تمثيله 40%من سكان العالم. وليس ببعيد عن تلك المصادر تحول الجزء الأكبر من الاقتصاديات الغربية من رأسمالية إنتاجية إلى رأسمالية استهلاكية غير منتجة، فضلاً عن أن دول مجموعة بريكس تتجاوز من حيث القدرة الشرائية تجمع الدول السبع الغنية.
بالغت الصحف الغربية فى الرهان على الخلافات الحدودية والإقليمية والسياسية بين دول البريكس، لكن النتائج التى توصلت إليها قمة جوهانسبورج أضعفت ذلك الرهان بل أسقطته. والهند التي نسب إليها التحفظ على توسيع عضوية التكتل خشية اتهامه بالاصطفاف لمواجهة الغرب واستفزاز الولايات المتحدة، وتحسبا لخلافها الحدودى مع الصين، رحب رئيس وزرائها بزيادة العضوية وأعلن عن سعى التكتل لتشكيل اتحاد لأبحاث الفضاء. ووفقا لتصريحات قادة القمة ومسئوليها فإن «بريكس» التى تتخذ قراراتها بالإجماع لا الأغلبية، قد حددت شروطا لتوسيع العضوية، بينها تنوع الاقتصاد وقيمة الناتج المحلى وعدد السكان، ووزن وهيبة الدولة ومواقفها فى الساحة الدولية، والاستعداد للتعامل مع بنك التنمية الذى أنشأه التكل وهى الشروط التى أشار إليها وزير الخارجية الروسى «لابروف». وتأتى أهمية انضمام 6 أعضاء جدد للبريكس بينهم مصر خطوة مهمة لدعم اقتصادها مع الاقتصاد الإيرانى والإثيوبى والأرجنتينى. كما يشكل الاقتصادان السعودى والإماراتى دعما للتكتل وللجهود التى يسعى إليها للتحرر من هيمنة وضغوط المؤسسات المالية الغربية الممثلة فى البنك وصندوق النقد الدوليين التى لا تخدم مصالح الاقتصاديات الناشئة، وهو ما دعا القمة إلى المطالبة بإصلاح جذرى لعمل تلك المؤسسات المالية.
أكد قادة الدول فى القمة أن بريكس ليس فى مواجهة أحد، وأنه ليس بديلا عن غيره، ولن يصبح طرفا فى المنافسة بين القوى الدولية العظمى. لكن الواقع أن القمة تكرس حضور بريكس كقوة اقتصادية عالمية ناهضة تشكل كما أعلن صندوق النقد 32,1% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى لهذا العام. ولا معنى لذلك إلا أنها قوة تواجه هيمنة المعايير الاقتصادية الغربية التى تتحكم فى الاقتصاديات الدولية وتفتقد للشفافية والعدالة وتراكم ديون الدول التى تزعم مساعدتها.
يسعى تكتل بريكس عبر البنك الذى أنشأه عام 2015 لتنفيذ خطط التنمية المستدامة وتسريع معدلات النمو فى الدول الأفريقية بمشاريع عملاقة لبنية تحتية رقمية وتعليمية بالشراكة بين دولة وبالعلاقات الندية التى تقوم بينهم وتحفظ مصالح كل الأطراف.
المستقبل مفتوح أمام تكتل بريكس حين ينجح فى إصدار عملة موحدة ويتخلى عن الدولار فى التعاملات البينية لدوله، ويسعى لفرض آلية بريكس لكى تلعب دورا فى نظام الحوكمة العالمية. وهنا يحق القول مع الرئيس السيسى فى تعليقه على قبول عضوية مصر فى المجموعة، بأنه إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا التنموية، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية.
نعم دول جنوب العالم التى طال تهميشها ونهب مواردها تنهض وتمتلك قرار مستقبلها بيدها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: على فكرة الرواية غرب افريقيا تکتل بریکس
إقرأ أيضاً:
«COP 29» آفاق جديدة لمواجهة تغير المناخ!!
تواجه البشرية تحديًا وجوديًا يتمثل فى تغير المناخ وآثاره المدمرة على الكوكب، وفى قلب الجهود العالمية لمواجهة هذا التحدى، تأتى مؤتمرات الأطراف (COP) التى تجمع قادة العالم وصناع القرار لمناقشة سبل الحد من الاحتباس الحرارى والتكيف مع آثاره.
يشكل مؤتمر «COP 29» الذى تستضيفه أذربيجان الآن، محطة حاسمة فى هذا المسار، حيث يتطلع العالم إلى تحقيق تقدم ملموس فى تنفيذ اتفاق باريس للمناخ.
ومع تصور أن دول العالم اجتمعت لتتفق على حل مشكلة الاحتباس الحرارى، فى مؤتمرات الأطراف (COP)، ففى كل عام يجتمع كبار المسئولين والعلماء والناشطين من كل مكان فى العالم لمناقشة وإقرار خطوات جديدة لمواجهة التغيرات المناخية.
فى «COP 27» بمصر منذ عامين كان هناك تركيزا كبيرا على موضوع «الخسائر والأضرار»، بما يعنى أن الدول التى تتعرض لكوارث طبيعية بسبب التغيرات المناخية طلبت تعويض عن الأضرار التى تتعرض لها. وأيضا مناقشة أهمية التكيف مع التغيرات المناخية، وكيفية مقدرة هذه الدول على حماية نفسها من آثار التغيرات المناخية فى المستقبل.
أما فى «COP 28» بالإمارات كان هناك تركيزا على الطاقة المتجددة والتحول الأخضر، بمعنى آخر اهتمام العالم بالاعتماد على الطاقة النظيفة مثل الشمس والرياح بدلاً من الوقود الأحفورى الذى يزيد من التلوث.
والدول الكبرى مثل أمريكا والصين، وروسيا ودول أوروبا المتقدمة لهم دور كبير فى هذا الموضوع، فهذه الدول يمكنها تمويل مشاريع الطاقة المتجددة فى الدول النامية، ومساعدتها على تطوير تكنولوجيات جديدة، وأيضا دعم السياسات التى تشجع على حماية البيئة.
أما الدول النامية فعليها الاستفادة من هذا الدعم لتستطيع أن تحمى نفسها من آثار التغيرات المناخية، وبالاستثمار فى الطاقة المتجددة بدلاً من أن تعتمد على الوقود الأحفورى، كما يمكنها تبنى الاعتماد على محطات شمسية وطاقة الرياح، والاهتمام بتطوير الزراعة المستدامة بدلاً من الزراعة التقليدية التى تستهلك كمية كبيرة من المياه، فالدول النامية يمكنها الاعتماد على الزراعة الذكية التى تستخدم المياه بشكل أفضل، وكذلك تبنى المدن الذكية التى تستخدم التكنولوجيا لتقليل الاستهلاك من الطاقة والمياه.
من المبكر معرفة كل التفاصيل، لكن من المؤكد سوف يكون هناك تركيزا على مواصلة الجهود التى بدأت فى المؤتمرات السابقة، ومن الممكن أن نرى خطوات جديدة لتقليل الانبعاثات، ودعم أكبر للدول النامية، وأيضا حلول مبتكرة لمواجهة التحديات التى تواجه العالم.
مشكلة التغيرات المناخية لها تأثير على العالم كله، ولا يمكن وضع حلول منفردة لها، فكل دولة يجب أن تساهم فى الجهود العالمية لمواجهة التغيرات المناخية، وبالتعاون بين كل دول العالم، الكبرى منها والنامية، نستطيع بناء مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.
[email protected]