بعد سنوات من التحقيقات.. القذافي يجر ساركوزي و3 من وزرائه إلى القضاء أخيرا
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
بعد نحو 12 عاما من تفجر ما وصفت بأنها فضيحة تمويل نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، قرر قاضيا تحقيقٍ فرنسيان تحويل الملف للمحاكمة الجنائية، التي ستبدأ عام 2025.
وذكر موقع ميديا بارت أن قاضيي التحقيق أكدا أن الملف جاهز للمتابعة، وأن الرئيس السابق سيحاكم بناء على تهم تتعلق بالفساد السلبي، وإعادة تدوير الأموال العامة الليبية، والتمويل غير المشروع للحملة الانتخابية.
ووفق الموقع، فإنه إلى جانب ساركوزي، سيحاكم 3 من وزرائه السابقين، ويتعلق الأمر بكل من بريس أوغتوفو، وكلود غييان وإريك ووريث، مبرزا أنها المرة الأولى في تاريخ فرنسا التي يحاكم فيها هذا العدد من السياسيين البارزين في ملف واحد بهذه الحساسية.
ووصل عدد المتابَعين في الملف إلى 13 شخصا. وأكد المدعي العام الفرنسي اليوم، أنه تم تحديد السابع من مارس/آذار 2024 لعقد أول جلسة للنظر في القضية، على أن تكون المحاكمة نفسها في 2025.
ووفق الموقع الفرنسي، فإن أساليب عمل المتورطين في مثل هذه الملفات الثقيلة متشابهة، حيث يكون فيها الطموح الرئاسي للقادة السياسيين أصل الداء، ويستخدمون أساليب مختلفة لتحقيق أهدافهم، بينها اجتماعات سرية، وحركة دبلوماسية خفية، وضغوط أجهزة الدولة، وحسابات خارجية وملاذات ضريبية، وحقائب أموال، وذلك كله مقابل سعي النظام الفرنسي لمنح "الاعتراف الدولي" لأنظمة هي في أحسن الأحوال "استبدادية"، وفي أسوئها "دكتاتوريات مروعة"، على حد تعبير الموقع.
وأوضح ميديا بارت أنه في الحالة الليبية تطورت الأوضاع سريعا إلى حرب، بدأها نيكولا ساركوزي عام 2011، وشهدت مقتل معمر القذافي.
تحقيقات وأدلة
ويأتي تقديم ملف ساركوزي ومن معه للمحاكمة، بعد سنوات من البحث والتحقيق، وبعد مئات جلسات الاستماع، وعمليات استرجاع آلاف القطع النقدية من مختلف مناطق العالم، إلى جانب رفع السرية عن مئات الصفحات من الوثائق الدبلوماسية وتقارير الاستخبارات الفرنسية.
وقد نفى ساركوزي جملة وتفصيلا التهم التي وجهت إليه، بل وتخلى -يتابع ميديا بارت- عن بعض أبرز معاونيه عندما اضطر خلال جلسة استماع إلى التصريح بأنه لم يكن يعلم شيئا عن تفاصيل حياتهما الخاصة، مُدينا بعض "الأخطاء" التي ارتكبوها، ولقاءات "غير مفهومة" عقدوها.
وتحدثت مجلة لوبس من جهتها عن أن جلسة المحاكمة ستمتد من السادس من يناير/كانون الثاني 2025 إلى العاشر من أبريل/نيسان من العام نفسه، موضحة أن رجلَي أعمال يشتبه في عملهما وسيطين في ملف المال الليبي، وهما زياد تقي الدين (الفرنسي من أصل لبناني) الموجود حاليا في لبنان، وألكسندر جوهري (الفرنسي من أصل جزائري).
وفي مايو/أيار أصدرت محكمة استئناف في باريس حكما بالسجن 3 سنوات على ساركوزي، واحدة منها مع النفاذ يوضع خلالها تحت المراقبة مع سوار إلكتروني، بعد إدانته بالفساد واستغلال النفوذ، في خطوة غير مسبوقة ضد رئيس فرنسي سابق.
وأيّدت محكمة الاستئناف في باريس الحكم الصادر في المحكمة الابتدائية في الأول من مارس/آذار 2021 بحق الرئيس السابق، الذي استمع إلى القرار جالسا على مقاعد المُدّعَى عليهم.
وفي عام 2016، وجه قضاة تحقيق فرنسيون للرئيس الفرنسي السابق تهما تتعلق بتمويل غير شرعي لحملته لانتخابات الرئاسة عام 2012.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
حماة تروي أخيرا مأساتها بعد 43 عاما على المجزرة
كان حيان حديد في الثامنة عشرة من عمره حين دهم بيته عسكريون في شباط/فبراير 1982 واقتادوه بلباس النوم إلى موقع إعدام في مقبرة بمدينة حماة التي شهدت مجزرة في ظلّ حكم حافظ الأسد.
ويقول حيان لوكالة الصحافة الفرنسية "لم أروِ ذلك في حياتي من قبل، كل شيء ظل سرا، فقط عائلتي كانت تعرف". لافتا إلى أنه مع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد صار الكلام ممكنا.
فمع سقوط نظام الأسد صار بإمكان السوريين الحديث جهرا عما كان محرما فيما مضى، ومن تلك المحرمات الكلام عن مجازر حماة، بعد 43 عاما على حصولها.
وفي ظل صمت إعلامي مطبق، نفّذت أجهزة الأمن بقيادة رفعت الأسد، شقيق حافظ، قصفا على مدينة حماة عام 1982 بلا هوادة، وحاربت تنظيم "الطليعة المقاتلة" المنبثق من الإخوان المسلمين وأجهزت على من صادفته من مدنيين من رجال ونساء وأطفال.
وامتدت المذبحة على 27 يوما، ولم تُعرف قط حصيلتها بشكل رسمي. أما التقديرات فتراوح بين 10 آلاف قتيل و40 ألفا، أو أكثر، فقدوا حياتهم في ذاك الشهر من عام 1982.
يقول حيان إنه لم يكن على أي علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، لكن اسم عائلته كان كافيا لجلب الويلات عليه.
فأحد أقارب العائلة هو مروان حديد، صاحب الشهرة الواسعة في تاريخ الجماعات الإسلامية المسلحة، والذي كان قياديا في "الطليعة المقاتلة"، قبل أن يقضي في السجن عام 1976.
إعلان مذهول من النجاةفي فبراير/شباط 1982، وبعد 13 يوما من القتال الضاري، وصلت قوات الأسد إلى الحي الذي يسكن فيه مروان حديد. واعتقلوا فيه قرابة 200 رجل واقتادوهم إلى المدرسة الصناعية، بحسب ما يروي حيان.
مع حلول الليل، استُدعي نحو 40 رجلا منهم، وأيديهم موثوقة بأسلاك هاتف، ونُقلوا في شاحنة.
ويقول حيان "حين وصلنا، أخبرت جاري أنها مقبرة، فأجابني: هذا يعني أنهم سيعدموننا". وبالفعل، أطلق صفّان من الجنود النار على المعتقلين، وشعر حيان حديد بملامسة الرصاص لشعره، لكنه لم يُصب.
ويضيف "سقطت على الأرض، ولم أتحرك، لا أعرف كيف. لم تكن تلك حيلة واعية مني لأنجو من الموت".
بعد ذلك، أطلق الجنود رصاصة على كل شخص للتثبت من وفاته، لكن الجندي الذي اقترب منه لتلك الغاية لم يطلق عليه الرصاصة.
ويقول "كنت أرتدي حينها ملابس نوم حمراء اللون، وربما قال في نفسه إنني ميت". بعد أكثر من أربعة عقود، لا يزال حيان حديد مذهولا من نجاته.
ويروي "لم أستوعب أنني نجوت إلا بعد ساعة. كنت أسمع صوت نباح كلاب وإطلاق نار، ومطر".
فقام ومشى إلى بلدة سريحين المجاورة في ضواحي المدينة، ثم عاد إلى حماة مع ساعات الفجر، وتسلل إلى بيت عمه الذي كان يؤوي 7 عائلات.
حيان يروي نجاته من مجزرة حماة لأول مرة منذ 4 عقود (الفرنسية) شاحنات من القتلىفي ذلك العام، كانت كاميليا بطرس مسؤولة مكتب القبول في المستشفى الوطني في حماة، وعملت مع موظفيها على مدى 20 يوما على تسجيل أسماء الضحايا المنقولين للمستشفى.
وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية "كانت الجثث تصل بالشاحنات، وتلقيها القلابات على باب المشرحة، بدون توقف، بشكل يتجاوز قدرتنا على العمل".
بين الضحايا الذين نقلوا الى المستشفى، من لم يعثر معهم على بطاقة هوية، وآخرون مجهولون لا يعرف عنهم سوى اسم الحي الذي نُقلوا منه. ودفن كثيرون في مقابر جماعية، كما تقول.
إعلانوتضيف "كنّا نتلقى على مدار ساعة اتصالات من القيادة لمعرفة أعداد القتلى الدقيقة، وبحسب الأرقام التي عملت عليها، بلغ عدد المدنيين القتلى 32 ألفا، إضافة إلى الآلاف من الجنود والإخوان المسلمين".
وأبلغت السلطات بهذه الأرقام، قبل أن تُسحَب منها البيانات.
وتروي كاميليا أنها شاهدت من مكتبها "إعدامات على الجدران". ولم توفر هذه الإعدامات العائلات المسيحية من بينهم والد صهرها. وتشدد "لم يُستثنَ أحد من القتل في حماة".
كاميليا أحصت أعداد الضحايا وشاهدت إعدامات ميدانية (الفرنسية) إعدام أمام العائلةويروي بسام السرّاج (79 عاما) كيف أُعدم شقيقه مع مجموعة من أبناء الحي على مرأى من زوجته وأطفاله حين سيطرت "سرايا الدفاع"، الميليشيات التابعة لرفعت الأسد، على الحي القاطن فيه.
ويؤكد بسام أن شقيقه هذا لم يكن من الإخوان المسلمين. ويقول "بعد ساعتين أو ثلاث، استدعوني لأستلم جثته". ومنعت قوات الأمن العائلة من تنظيم مراسم الدفن.
صورة أرشيفية لعدد من القتلى في مجزرة حماة 1982 (الجزيرة) سجن قاصركان محمد أمين قطان في السادسة عشر من عمره فقط عندما حمل السلاح ضمن "الطليعة المقاتلة"، لمحاربة حكم حافظ الأسد.
وخلال مجزرة حماة، أوقف وكان ما زال قاصرا، ما أبعد عنه عقوبة الإعدام. لكنه أمضى 12 عاما في سجن تدمر سيء السمعة وسط سوريا، ليطلق سراحه عام 1993، ويصبح صيدلانيا ويدرس التاريخ.
ويقول إن تنظيم "الطليعة المقاتلة" كان في مواجهة مفتوحة مع السلطة على مدى سنوات.
ويضيف "حاول النظام استنساخ النموذج السوفياتي، ما أثار حفيظة رجال الدين المسلمين".
حين بدأت الأحداث في حماة، أُعلن النفير العام في المساجد، ليصل التعميم إلى "كلّ عناصر التنظيم"، وفق قوله.
ويروي أن السلطات حينها قالت إنها اكتشفت وجود مركز رئيسي للإخوان وخطة منسقة للعمل العسكري بين شخصيات من الطليعة بين حلب وحماة.
وكان حي الباروديّة مركز القتال الشرس الذي استمرّ خمسة أيام، "ثم بدأت ذخيرتنا تنفد، وبدأ قادتنا يسقطون في المواقع الأماميّة".
إزاء ذلك، بدأت القوات الحكومية السورية تتقدم في اليوم الثالث أو الرابع، "وتصرفت كمن تلقى أمرا بقتل كل من يصادفه"، لافتا إلى أن "الشوارع كانت مكتظة بجثث المدنيين، ومن بينهم أطفال ونساء وكبار".
إعلانويلخص قطان ما جرى في حماة عام 1982 "كانت جريمة مخططة لتأديب كامل الشعب السوري. ضرب النظام حماة بقوة، وأدّب بها سائر المدن".