لا يحتاج المنجز الثقافي والمعرفي العماني إلى شهادة إيداع دولية؛ فخزائن دار المخطوطات بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، وخزائن هيئة الوثائق والمخطوطات الوطنية وأضاميم البيوت العمانية ومكتباتها إضافة إلى المتاحف العمانية والعالمية متخمة جميعها بالكنوز التي تكشف عظم المنجز، لكن الإدراجات العالمية في اليونسكو وغيرها مهمة أيضا في بناء السياق الرمزي، والاحتكام له في لحظات الوهم التاريخي.

ومخطوطة «النونية الكبرى» للملاح العماني أحمد بن ماجد التي أدرجتها اليونسكو مؤخرا في برنامج «ذاكرة العالم» مهمة جدا في السياق الرمزي. فإذا البحار وعلماء الملاحة قبل أحمد بن ماجد قد قسموا الأرض إلى سبع مناطق محصورة في شمال الكرة الأرضية فإن أحمد بن ماجد قد أضاف وحده سبع مناطق أخرى في جنوب الكرة الأرضية وهذا في حد ذاته يكشف حجم الإضافة المعرفية العمانية للمعرفة الإنسانية في هذا المجال. أما من حيث رمزية التوقيت فإنها تأتي في لحظة يحتاج فيها العالم إلى معرفة طريق الشواطئ العمانية وطريق موانئها. و«النونية الكبرى» هي المخطوطة الثانية للملاح العماني أحمد بن ماجد التي تدخل برنامج «ذاكرة العالم» بعد مخطوطة «معدن الأسرار في علم البحار» ما يعني أن التقدير العالمي للمنجز الحضاري العماني ما زال مستمرا، وفي الإمكان أكثر بكثير مما كان ففي خزائن وزارة الثقافة والرياضة والشباب كنوز ضخمة يمكن أن تثري «ذاكرة العالم».

وليست خزائن المؤسسات الحكومية وحدها المتخمة بالمنجز العماني ولكن أضاميم البيوت العمانية ملأى بها وبالحكايات التي دوَّنها علماء وفقهاء وشعراء عمانيون كتبوا ملاحظاتهم على هامش التاريخ ثم تركوها أمانة بيدي الأجيال الآتية.

وهذا الفيض الضخم لا يشي فقط بعراقة ثقافة الكتاب؛ بل يشي بمنظومة اجتماعيّة كانت -وما تزال- ترى المعرفة امتدادا طبيعيا للحياة اليومية، مثلها مثل الماء والهواء.

لكن قيمة المخطوطات لا تُقاس بالعدد وحده، فـ«النونية الكبرى» مثلا تُجسّد ثُلاثية العلم والإبحار واللغة؛ فهي إضافة إلى كونها دليلا ملاحيا، ونصّا أدبيا بمعنى من المعاني، هي، أيضا، شهادة أنثروبولوجيّة على تفاعل المجتمع الساحلي مع بيئته ومع الآخر البعيد، وعدم الاكتفاء، في سياقها العلمي، مع ما كان سائدا من طرح حول مناطق تقسيم الأرض. وفي هذا ما يدل على ملامح الشخصية العمانية القادرة على التأثير والإقناع والإضافة المعرفية العميقة، فهي بذلك تؤمن بأن المعارف تتقاطع كما تتقاطع خطوط الطول والعرض، وكما يتقاطع البشر ويلتقون على قيم إنسانية رفيعة تجمع بينهم.

لكن لا بد أن يكون هذا الإدراج الدولي نقطة أخرى من نقاط انطلاقنا في حفظ ذاكرتنا، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى مشروع وزارة الثقافة والرياضة والشباب والذي أنجزت خلاله رقمنة آلاف المخطوطات وحفظها وإتاحتها للباحثين رقميًّا. لكن هذه المخطوطات هي جزء يسير من آلاف غيرها ما زالت تحتاج إلى رقمنة وإلى ترميم وهذه مناسبة مهمة للمواطنين الذين يملكون مخطوطات نادرة للمبادرة بفتح تعاون مع الجهات المعنية لترميمها إن كانت تحتاج إلى ترميم ورقمنتها وحفظ نسخ رقمية منها أقدر على البقاء ومقاومة عوامل التغير المناخي.

وإذا كانت «النونية الكبرى» قد وضعت دبوسا يربط عُمان على الخريطة بذاكرة العالم فإننا نستطيع أن نقول للعالم في سياقات أخرى إن عُمان مكتبة عظيمة، تضم آلاف الأسفار التي يمكنها أن تساهم في بناء وعي هذا العالم وكتابة فصول مستقبله.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أحمد بن ماجد

إقرأ أيضاً:

برنامج "تطوير" من "فالي" يستكمل رحلة إلهام وتمكين الكفاءات العمانية

 

 

مسقط- الرؤية

أطلقت فالي النسخة الثانية من برنامجها للمسؤولية الاجتماعية "تطوير"، والذي يهدف إلى إعداد جيل طموح وواعٍ علمياً وعمليا، إذ من المقرر أن ينظم البرنامج عددا من الجلسات واللقاءات الملهمة خلال العام، لصقل مهارات الكوادر الوطنية وتوسيع مداركهم لقيادة دفة المستقبل.

وافتُتحت النسخة الثانية من البرنامج بجلسة قدّمها المدرب ياسر بن بدر الحزيمي، أحد المتخصصين البارزين في مجالات القيادة والتطوير الذاتي في المنطقة، وصاحب خبرة تمتد لأكثر من عشرين عامًا في تصميم وتقديم البرامج التدريبية.

ويعُرف الحزيمي بحضوره الإعلامي الواسع حيث حقق رقماً قياسيًا ضمن موسوعة جينيس لأكثر حلقات البودكاست مشاهدةً عالميًا، كما أثرى المكتبة العربية بعدد من الإصدارات التي تناولت مفاهيم الوعي الذاتي، وتطوير المهارات، وبناء الاتجاهات القيادية، مقدّمًا من خلالها محتوى يعكس واقع الشباب العربي وطموحاته.

وأقيمت الجلسات في كل من مسقط وصحار، بمشاركة ما يزيد عن 500 من طلبة مؤسسات التعليم العالي والكوادر الشابة من مختلف التخصصات. وفي أجواء تفاعلية ملهمة، انطلق المشاركون لاستكشاف آفاق التفكير الإبداعي، وأساليب القيادة المرنة، واستراتيجيات النجاح المستدام، مكتسبين رؤى جديدة لمواجهة تحديات الحياة والعمل بثقة وإصرار، ولم تكن الجلسات مجرد مصدر للمعرفة، بل كانت منصة حيوية حفزت الشباب على اكتشاف ذاتهم، وتعزيز ثقتهم بقدراتهم، ورسم مسار واضح لهم لتحقيق تطلعاتهم للمستقبل.

وقال عبد الله السعدي رئيس الشؤون الإدارية والمؤسسية في فالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "نُدرك أن تنمية الكفاءات الوطنية تبدأ بإيجاد الفرص التي تُسهم في تطوير مهاراتهم وتعزيز جاهزيتهم للمستقبل، ويأتي برنامج تطوير ليترجم هذا التوجّه، إذ نحرص من خلاله على تقديم محتوى نوعي يُواكب تطلعات شبابنا، ويدعم مشاركتهم الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونحن نؤمن أن الاستثمار في الطاقات الوطنية هو مساهمة مباشرة في بناء جيل قادر على قيادة التحوّل نحو اقتصاد مستدام."

ويُعدّ برنامج "تطوير" امتدادًا لالتزام فالي بدعم المبادرات التي تُسهم في إعداد كفاءات وطنية شابة قادرة على المشاركة الإيجابية في خدمة المجتمع. ومع استمراره، تتوسع دائرة أثره بما يواكب التوجهات الوطنية، ويُعزّز دور الشركة في إيجاد بيئة تُشجع على التعلم المستمر، وتدعم بناء قدرات تواكب متطلبات عُمان اليوم وغدًا.

مقالات مشابهة

  • برنامج "تطوير" من "فالي" يستكمل رحلة إلهام وتمكين الكفاءات العمانية
  • هذه هي التنازلات الكبرى التي يطلبها ترامب وبوتين من أوكرانيا
  • إسطنبول: المدينة التي حملت أكثر من 135 اسمًا عبر التاريخ
  • العلاقات العمانية الروسية.. آفاق واعدة
  • أحمد موسي: لدينا نباتات نادرة فى سانت كاترين غير موجودة فى العالم
  • الصفقة الكبرى: العالم يُعاد تقسيمه من جديد.. بدمائنا
  • القمة الروسية العمانية.. ملفات هامة وإيجابيات متعددة
  • معالي قيس اليوسف: العلاقات العمانية الروسية تشهد نقلة نوعية
  • الجمعية العمانية لحماية المستهلك تنظم ندوة لتعزيز الوعي الاستهلاكي