من الأجداد إلى الأحفاد.. مظاهر استقبال السكندريون لشم النسيم

 

رغم مرور آلاف السنين، مازال المصريين بيستقبلوا شم النسيم بنفس البهجة التي  بدأها أجدادهم الفراعنة. 

في ذلك اليوم نرى  فيه الشارع لساحة ألوان، والبيوت لريحة فسيخ وبصل، والقلوب لهفة لخروجة بسيطة وسط خضرة الربيع. مش بس عيد، لكنه طقس من أيام الزمن الجميل، اتنقل من جيل لجيل، بيحكي حكاية شعب بيعرف يخلق الفرح حتى من نسمة هوا.

من أحدى محلات الفسيخ 

 

"الفسيخ والرنجة.. طقوس لا تغيب عن موائد المصريين في شم النسيم"

ومن بين أبرز الموروثات والعادات المرتبطة بعيد شم النسيم، يأتي تناول المأكولات المُملحة مثل الفسيخ والرنجة، والتي لا يزال لها حضور قوي على موائد المصريين في هذا اليوم.

 وفي هذا السياق، رصدت «الفجر» استعدادات التجار داخل الأسواق الشعبية، إلى جانب حركة الإقبال الملحوظة من المواطنين على شراء الفسيخ والرنجة هذا العام، وسط تفاوت في الأسعار وتنوع في العروض

فسيخ الإسكندرية "إقبال المواطنين على الأسواق الشعبية في الإسكندرية لشراء الفسيخ والرنجة قبل شم النسيم"

وقال مصطفى، أحد الباعة الجائلين، لجريدة "الفجر"، إن الإقبال على شراء الأسماك هذا العام جاء متوسطًا، مرجعًا ذلك إلى ارتفاع الأسعار التي يحددها تجار الجملة. وأوضح أن سعر كيلو الرنجة في الأسواق الشعبية وصل إلى 150 جنيهًا، بينما بلغ أعلى سعر لكيلو الفسيخ نحو 300 جنيه.

مصطفى..  أحد الباعة بالاسواق الشعبية في الإسكندرية 

 

وأعربت شيماء، إحدى الزبائن، عن سعادتها بشراء الفسيخ والرنجة، مشيرة إلى أن هذه الطقوس ترتبط بأجواء البهجة ولمّ الشمل مع العائلة، حيث يحرصون على تناولها في المتنزهات كجزء من احتفالهم بأعياد الربيع.

شيماء.. زبونة في أحدى الأسواق

 

البرنس يكشف أسرار "الفسيخ الإسكندراني": فن قبل أن يكون مهنة

ومن قلب منطقة العطارين القديمة بالإسكندرية، كشف محمد البرنس، أحد أقدم تجار صناعة الفسيخ، لـ "الفجر" أسرار هذه الحرفة التي يعتبرها "فنًا قبل أن تكون مهنة"، موضحًا أن عملية التمليح تمر بعدة مراحل دقيقة، تبدأ بتنظيف السمك من الشوائب، ثم تجفيفه جيدًا، قبل خلطه بالملح والكركم والزيت، وحفظه داخل براميل خشبية مخصصة لتخزينه بها.

 

محمد البرنس أقدم تجار الفسيخ بالعطارين في الإسكندرية 

وأكد البرنس أنه أول من ابتكر طرق تقديم الرنجة كسلطة، حيث يبدأ بإزالة أشواكها بعناية، ثم يضيف إليها خلطته الخاصة من التوابل والخضروات، ما جعلها طبقًا مميزًا يلقى رواجًا بين الزبائن.

كما حذّر من لجوء البعض إلى التصنيع العشوائي للفسيخ، لما قد يحمله من مخاطر صحية جسيمة، مشيرًا إلى طريقة التفرقة بين الفسيخ الجيد والفاسد، موضحًا أن السمكة الناضجة تكون متماسكة، ذات خياشيم سليمة، ولون وردي يدل على جودتها وسلامتها.

فسيخ قاتل: تحذيرات طبية من وجبة قد تنتهي في العناية المركزة

 

مملحات شم النسيم في الإسكندرية سم لا يُرى ولا يُشم

وحذّرت الدكتورة مها غانم، أستاذ الطب الإكلينيكي والطب الشرعي بجامعة الإسكندرية، ومدير مركز سموم طب الإسكندرية سابقًا، من خطورة تناول الفسيخ الملوث ببكتيريا تُعرف علميًا باسم "البوتيولينيوم"، "البكتيريا الممبارية" موضحة أن هذا النوع من البكتيريا لا يغيّر شكل السمكة أو لونها أو رائحتها، مما يجعل من الصعب على المستهلك اكتشافها قبل التناول.

أعراض خطيرة تبدأ من العين

وأشارت غانم إلى أن التسمم الناتج عن هذه البكتيريا يختلف تمامًا عن التسمم الغذائي العادي، حيث تبدأ الأعراض بإمساك، وتغير في نبرة الصوت، وصعوبة في رفع الجفن العلوي، بالإضافة إلى ازدواجية في الرؤية، وهي كلها مؤشرات على بداية شلل عضلي قد يتطور سريعًا.

 

مها غانم، أستاذ الطب الإكلينيكي والطب الشرعي بجامعة الإسكندريةحضانة المرض طويلة.. والتدخل السريع قد ينقذ حياتك

وأكدت أن تجاهل الأعراض قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، قد تصل إلى الوفاة أو الدخول في غيبوبة تستلزم استخدام أجهزة تنفس صناعي، خاصة أن فترة حضانة المرض تتراوح ما بين يومين إلى 14 يومًا من تناول الفسيخ، وهي فترة قد يتطور خلالها التسمم دون أن يدرك المصاب خطورته. 

وشددت على ضرورة التوجه الفوري إلى أقرب مركز سموم عند الشعور بأي من هذه الأعراض، وعدم الاكتفاء بالعلاج المنزلي.

الحرارة هي الحل الوحيد

وأضافت غانم أن الحل الوحيد للقضاء على هذه البكتيريا هو تعريض الفسيخ للحرارة المرتفعة، مشيرة إلى أن بعض الأشخاص يتجنبون مخاطر التسمم عن طريق تسخين الفسيخ وطبخه أو خلطه بالزيت الساخن، كوسيلة وقائية لتفادي أي أضرار صحية محتملة.

المصدر: بوابة الفجر