ما هي المخاطر المترتبة على إعادة تدوير أمراء التنظيمات الإرهابية واستخدامهم كأدوات سياسية لتحقيق أهداف غير مباشرة في عدد من الدول؟ وما هي عواقب دمج الإرهابيين في العملية السياسية؟ كيف تؤثر هذه الاستراتيجيات على استقرار الدول والمجتمعات في المدى الطويل؟ هل يؤدي توظيف الجماعات المتطرفة في حروب بالوكالة إلى استقرار الدول أم يفتح الباب لمزيد من الفوضى؟

تُطرح هذه التساؤلات لفهم ظاهرة توظيف التنظيمات الإرهابية في الصراعات الدولية، وما تحمله من تداعيات أمنية، سياسية، ودولية قد تستمر تأثيراتها لعقود.

في "الحروب بالوكالة"، تقوم دولة ما بتفويض ميليشيا مسلحة أو تنظيم متطرف لخوض معارك بالنيابة عنها ضد خصومها. ووفقًا لتقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الصادر في واشنطن عام 2021، بعنوان "الوكلاء غير المثاليين: مزايا ومخاطر الشراكة مع الفاعلين غير الحكوميين"، فإن استخدام الميليشيات ذات الخلفيات الأيديولوجية المتطرفة غالبًا ما يؤدي إلى تصعيد النزاع، وتدهور مؤسسات الدولة، وتمدد نشاط الجماعات العابرة للحدود.

وتشير الدراسة إلى أن هذه التنظيمات، وإن أبدت كفاءة قتالية مؤقتة، إلا أنها لا تعمل ضمن منطق الدولة، ولا تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي. وقد أدى الاعتماد على تلك التنظيمات في العديد من الدول إلى فراغات أمنية استغلتها جماعات إرهابية مثل تنظيم (داعش) الإرهابي لإعادة التمدد.

كانت أفغانستان في الثمانينيات أول مثال واضح ومباشر على توظيف الإرهابيين في حرب بالوكالة، وشكّلت هذه التجربة سابقة استُخدمت لاحقًا في دول أخرى. وقد أنتج هذا النموذج فكرة توظيف التنظيمات الإرهابية لمواجهة تنظيمات أو دول أخرى، وهو ما أصبح أكثر شيوعًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ولكن بأدوات وأطراف جديدة، شملت دولًا إقليمية وظّفت هذه التنظيمات كأذرع نفوذ في صراعاتها الجيوسياسية.

وتأتي تعقيدات الصراعات الداخلية في مقدمة المخاطر المرتبطة باستخدام التنظيمات الإرهابية كأدوات بالوكالة، إذ تؤدي تدخلات الوكلاء إلى إطالة أمد الحروب، وتعزز من انقسام الفصائل وتنافسها، كما تتسبب في انهيار الشرعية الوطنية وتقويض مؤسسات الدولة لصالح تنظيمات لا تخضع لسلطة مركزية، مما يهدد أمن وسلامة المواطنين ووحدة الدولة وهيبتها.

وتؤكد دراسة نشرتها الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم NAS) ) عام 2022 أن الجماعات الإرهابية قد تنقلب على داعميها، وتتحول إلى فواعل مستقلة تهدد الأمن الإقليمي والدولي.

أما في حالات إعادة تدوير أمراء التنظيمات الإرهابية وتأهيلهم سياسيًا للقيام بأدوار وظيفية، فقد تتفق عدة دول على إعادة توظيف قيادات إرهابية مُعدّة للاندماج في العملية السياسية. ويُعزى هذا التوجه إلى رغبة تلك الدول في خلق "حزام نفوذ سياسي" يخدم مصالحها عبر أدوات محلية ذات قاعدة تنظيمية أو أيديولوجية. لكن هذا الدمج غالبًا ما يتم دون مراجعة فكرية لأدوار تلك الشخصيات وشروط إعادة تأهيلهم.

في دراسة دكتوراة صادرة عن "كينجز كوليدج لندن" في عام 2019، للباحث أمير فريمان، بعنوان: "اندماج التنظيمات الإرهابية في الأنظمة السياسية: شروط النجاح والفشل"، يُبيَّن أن هذا المسار محفوف بالمخاطر إذا لم يسبقه تفكيك حقيقي للبنية الفكرية والتنظيمية لتلك الجماعات، وتقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة.

وتؤدي المخاطر الناتجة عن إعادة التدوير إلى شرعنة الفكر المتطرف، حيث يؤدي إدماج قادة التنظيمات الإرهابية في العملية السياسية دون إصلاحات فكرية إلى تطبيع الخطاب المتطرف ومنحه غطاءً شرعيًا. ولا يؤدي تحوّل الأدوار إلى إنهاء ولاء الإرهابيين القديم، كما أن التحول الشكلي لا يُنهي الانتماء الأيديولوجي أو الولاء الخارجي، بل قد يعزز التأثير الإقليمي للقوى الراعية.

وتصبح العملية السياسية أداة لتصفية الخصوم أو تمرير أجندات خارجية مشبوهة، مما يقوّض مبدأ التمثيل الديمقراطي. كما تُفضي إلى نتائج تتجاوز حدود الدول المعنية عندما تسعى التنظيمات الإرهابية إلى نقل عدوى الفوضى، إذ إن دعم تنظيمات إرهابية في نزاع محلي قد يؤدي إلى امتداد نشاط هذه التنظيمات إلى دول الجوار.

وتتحول بعض هذه الجماعات من خصوم إلى حلفاء مؤقتين، مما يربك جهود التحالفات الدولية لمكافحة الإرهاب ويؤدي إلى تآكل منظومة القانون الدولي، إذ يُعدّ التعامل مع التنظيمات الإرهابية وتوظيفها سياسيًا أو عسكريًا خرقًا للقرارات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

تُظهر الأدلة المتراكمة من دراسات الحالة والتقارير البحثية أن استخدام التنظيمات الإرهابية كأدوات في الحروب بالوكالة، أو إعادة إنتاج قادتها سياسيًا، وتلميع صورتهم، وغض الطرف عن جرائمهم، يُعد مخاطرة استراتيجية ويشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الدول وهياكلها السياسية والأمنية.

ورغم ما قد يبدو من مكاسب ظرفية على المدى القصير، فإن تداعيات هذه السياسات تتجلى في إطالة أمد الصراعات، وتقويض الدول من الداخل، وانهيار مفهوم السيادة الوطنية، وتفاقم وانتشار ظاهرة الإرهاب العابر للحدود.

في الختام، وعلى الرغم من المكاسب السياسية المؤقتة التي قد تحققها بعض الدول من خلال توظيف التنظيمات المتطرفة في الصراعات، فإن تداعيات هذه السياسات على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وعلى أرواح المواطنين الأبرياء، قد تكون كارثية.

لذلك، تُوصي الأدبيات البحثية الحديثة بضرورة الابتعاد عن الرهان على هذه التنظيمات كأدوات سياسية أو عسكرية. وبدلًا من ذلك، يجب دعم الدول والمؤسسات في بناء قدراتها الذاتية، وتعزيز المشاركة السياسية الشاملة، والعمل على إيجاد حلول مستدامة تضمن الأمن والشرعية، بعيدًا عن مخططات نشر الفوضى والخراب والدمار.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: التنظیمات الإرهابیة العملیة السیاسیة هذه التنظیمات

إقرأ أيضاً:

بين البهرجة الكاذبة والجحيم المسلّح- ساعة الحقيقة اقتربت!

تزف الحكومة السودانية “إنجازاتها” الملوّنة بينما الخرطوم تغرق في مستنقعٍ دمويّ لا يرحم. صارت الميليشيات هي السلطة الفعلية، وشرطة النظام تحوّلت إلى أزلامٍ مسلّحين يبيعون ولاءهم لمن يدفع أكثر! كل تصريحٍ رسمي عن “الاستقرار” بات أشبه بنداءٍ استعراضيّ بلا دمٍ ولا حركة؛ لأن الحقيقة الوحيدة هنا هي رصاصٌ لا يتوقف، وفسادٌ لا يُستباح.
في الوقت نفسه، يتغنّى المسؤولون بـ”المسارات النهرية” و”الرحلات البرية” لتسهيل عودة اللاجئين، متناسين أن آلاف الأسر العائدة لم تجد إلا مكبّ نفاياتٍ بشريّ: بيوتٌ بلا سقف، شوارع بلا كهرباء، وأحياءٌ يلتهمها الرعب الليلي. هل هذه هي “العودة الطوعية”؟ إنها إدانة للنظام وليست مجرد حملة علاقات عامة؛ فاستقبال اللاجئين تحول إلى إلقاء بالضحايا في فم التنين.
أما شرطة الخرطوم، التي يُفترض أن تكون الحامية للمواطن، فقد تآمرت مع الفوضى حتى باتت أقسامها مقارّ عصابات. عنصرٌ ينهب الأموال بالسلاح، وآخر يبتز التجار بالتأخير المتعمد، وثالثٌ يتعسّف ضد الضعفاء خلف القضبان الرسمية. وما يحدث ليس انحرافًا فرديًا، بل قرارٌ ممنهجٌ اتُّخِذ في سراديب الفساد الخفية.
ورغم تصريحات الحكومة عن “تحرير المناطق” وعودة السيطرة، لا تحرير حقيقي في الخرطوم ما دامت تسودها ثقافة البندقية. لقد استبدل النظام ملصق “المحرر” بآخر مكتوب عليه “وصي الحرب”، بينما أمراء الفوضى يتشاركون مع السلطتين العسكرية والمدنية في نهب الثروات وإرهاب السكان.
كفى لعبًا على العقول: لا بواخر فاخرة ولا تصريحات برّاقة ستعيد هيبة الدولة. ما يحتاجه السودان الآن هو ثورة مؤسسية تعيد للشرطة مكانتها كحارسة للعدل لا صديقة للعصابات، وقضاء مستقل يلاحق المجرمين دون مقابل، وإسقاط أمراء الحرب عن عروشهم المتسلطة. فالعودة الطوعية ستظل حلماً بعيدًا حتى يعود المواطن ليستقبل صوت الحق لا رصاص الميليشيات.
إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية شارعٍ واحدٍ في عاصمتها، فكيف تتصدى لتحديات كبرى مثل إعادة مليون لاجئ؟ الجواب واضح: القوة الحقيقية هنا لمن يدفع أكثر، ولا مكان للدولة إلا في خطابات الأشباح!

zuhair.osman@aol.com

   

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية تحيي اليوم العربي للتوعية بضحايا الإرهاب
  • بين البهرجة الكاذبة والجحيم المسلّح- ساعة الحقيقة اقتربت!
  • ندوة تدوير خردة الألمنيوم تبحث أحدث الممارسات العالمية في مجالات الاستدامة والاقتصاد الدائري
  • رجي: الحكومة تعمل على إعادة تعزيز علاقات لبنان مع كل الدول الشقيقة
  • التحالف الإسلامي يطلق أعمال ورشة عمل عن “إعادة تأهيل المتطرفين.. الواقع والتحديات” في نواكشوط
  • التحالف الإسلامي يطلق ورشة “إعادة تأهيل المتطرفين.. الواقع والتحديات” في نواكشوط
  • توظيف التجارة الإسلامية لدعم غزة
  • عاجل.. تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهم في خلية النزهة الإرهابية لـ 18 مايو
  • “التحالف الإسلامي” يعزز قدرات الدول الأعضاء ببرنامج تدريبي متخصص في تحليل بيانات الإرهاب