أول تعليق من الإفتاء حول دعوى "المساواة في الميراث"
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أصدرت دار الإفتاء المصرية بيان توضح فيه حكم الشرع في دعوى المساواة المطلقة في الميراث تحت لافتة “التطوع أو الاستفتاء الشعبي ”
حكم الشرع في المساوة المطلقة بالميراثوقالت دار الإفتاء في بيانها: “الحمد لله الذي بيَّن فرائض هذا الدين فأحكمها، وحدَّد مواريث العباد فأقام بها ميزان العدل، نحمده سبحانه على ما أنزل من الكتاب، وما شرع من الأحكام، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلِّغ عن ربِّه والمبيِّن لشرعه وبعد”.
وأكدت دار اللإفتاء أنها تابعت باهتمام بالغ النقاشات الدائرة حول الدعوة إلى المساواة المطلقة في الميراث، تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي.
وأوضحت دار الإفتاء في بيانها عدد من النقاط كالتالي..
أولًا: التبرع الفردي لا ينتج تشريعًا عامًا يلغي أصل جواز التبرع ويجعله إلزامًا قانونيًّا
لا خلاف بين العلماء في جواز تبرع الشخص لأخته أو غيرها من ماله أو نصيبه من الميراث، كما لا يوجد ما يمنع من تبرع الأخت لأخيها ومساعدته من مال الميراث أو غيره أيضًا، إذ التبرع باب من أبواب الإحسان، ولكن أن يُتخذ هذا الجواز الفردي ذريعة لاقتراح تشريع عام ملزم يُلغي أصل جواز التبرع علاوة على أحكام المواريث القطعية، فذلك خلط بين التصرف الفردي والتشريع الإلزامي، وهو مغالطة لا تخفى على ذوي العقول والبصيرة.
المساوة بين الذكر والأنثىثانيًا: الفرضيات الجدلية لا تُنتج أحكامًا شرعية
حين يُقال «لو تراضى المجتمع على المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، فلماذا لا يُشرّع ذلك؟»، فهذه فرضية مفتعلة لا تُغير من الحقيقة شيئًا؛ فإن الأحكام الشرعية توقيفية لا تُغيَّر بالتصويت ولا بالتوافق المجتمعي، خصوصًا وأن من يدعون إلى ذلك أوينادون به يتغافلون أن من أسماء هذا العلم علم الفرائض، جمع فريضة، وهو ينزع عنه صفة الفريضة والواجب عند التوزيع إلى صفة الحق فقط، وينسى أن الله تعالى قال في آيات الميراث: {فريضةً من الله} [النساء: 11]، فأحكام الميراث ليست حقًا فقط لصاحبه التبرع به؛ بل واجب وفريضة وليس رأيًا بشريًّا قابلاً للإلغاء أو التطويع.
ثالثًا: مغالطة القياس على التبرع
القياس بين التبرع (وهو مباح) وبين تغيير فريضة الميراث (وهو محظور) هو قياس فاسد، أشبه بمن يقترح توزيع أموال الأغنياء بين الفقراء بالقوة لأنهم «يستطيعون التبرع بها!» فلو كان هذا منطقًا سليمًا، لما بقي حقٌ ثابت ولا مالٌ مصون.
رابعًا: المقصد الحقيقي هو زعزعة قدسية النص
إن ما يُراد فعليًا من هذه الدعوات ليس المساواة كما يُدعى؛ بل نزع القداسة عن النصوص القطعية، وتحويلها إلى ساحة نقاش وجدال، لكنها أمور محفوظة بحفظ الله لها، لأنه إذا قُبل هذا المنطق غير المستقيم، فستُفتح الأبواب لكل تأويل باطل، يُقاس فيه المشروع «التبرع» على غير المشروع «تغيير الفرائض»، ويمهد لهدم الضروريات الخمس، تحت غطاء «الاجتهاد المجتمعي»، والواقع أنه إلغاء للشريعة باسم الاجتهاد.
خامسًا: هل يبقى التبرع حقًّا بعد تحويله إلى قانون؟
إذا ما تم تشريع المساواة في الميراث، فلن يعود التبرع خيارًا؛ بل يُصبح حقًا قانونيًّا يُمكن أن يُقاضى الأخ إن لم يعطِ أخته ما لم يُفرض عليه شرعًا، فيُسلَب الإنسان ماله، ويُحمّل ما لم يُكلّفه الله به، وهذا هو عين الظلم.
سادسًا: الثوابت ليست محل تصويت
إن الثوابت ليست قاصرة على العبادات أو أركان الإسلام، بل كل قطعيات الدين، أي التي ثبتت بنص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة- سواء في كل مجالات التشريع الإسلامي كما لا يخفى ذلك على العامة فضلًا عمن ينتسب للعلم.
الاعتداء على الحقوق الشرعيةإن هذه الدعوى من شأنها قلب الموازين فبدل أن يحمى التشريع القانوني الحق الشرعي ويضمن تنفيذه على خير وجه، يحاول صاحب هذا الطرح أن يجعل التشريع القانوني معتديًا على الحقوق الشرعية وطريقًا لسلب الناس حقوقهم وأموالهم، مستندًا في سلبه إلى قابلية الحق للتبرع بعد وجوبه، وهو من أغرب أوجه الاستدلال وأبعدها عن قواعد النظر السليم، وتحريفٌ لمفهوم الإحسان عن موضعه الصحيح.
وختامًا إن الدعوة إلى المساواة المطلقة في الميراث، تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي، ليست إلا ستارًا خادعًا يراد به نقض الحكم الشرعي، وإسقاط القدسية عن النص، وإلحاق الأمة بركب مفاهيم دخيلة لم تُنتج إلا اضطرابًا وانهيارًا في مجتمعاتها فالنص القطعي ليس مادة لإعادة التشكيل؛ بل هو نور يُهتدى به، وحدٌّ لا يُتجاوز.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الجواز القانون المطلقة المساواة فی المیراث
إقرأ أيضاً:
هل يجوز المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وكتابة التركة للبنات
أثارت قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث جدلًا واسعًا، خاصة فيما يتعلق بقيام بعض الأهالي بكتابة التركة لأبنائهم — تحديدًا البنات — خلال حياتهم، خشية انتقال الميراث إلى أقارب آخرين من جهة الأب أو الأم.
الهلالي: المساواة ليست محرّمة.. والقرار يجب أن يكون شعبيًّافي حوار عبر برنامج "سؤال مباشر" على قناة العربية، أوضح الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن مهمته تنحصر في توضيح الأحكام وليس إصدار فتاوى حاسمة، معتبرًا أن الدعوة إلى مساواة الرجل والمرأة في الميراث لا تتعارض مع نص صريح في القرآن أو السنة، لا سيما في حالات تساوي درجة القرابة بين الورثة كالأخ والأخت.
وأشار إلى سوابق دولية وتشريعية مثل تطبيق تركيا للمساواة في الميراث منذ عام 1937، وكذلك ما أقره القانون المصري رقم 148 لسنة 2019 بتساوي الذكور والإناث في معاش المتوفى، بالإضافة إلى حالات عديدة تقسم فيها بعض الأسر المصرية التركة بالتساوي بالتراضي.
واستعرض الهلالي تفسيرًا لآية "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" على أنها إما وصية بتفضيل الذكر أو ضمان حق الأنثى حتى لا تُحرم. ولفت إلى وجود اجتهادات واختلافات في بعض أحكام الميراث حتى بين الصحابة، معتبرًا أن النقاش المجتمعي هو الطريق إلى الحسم.
وأضاف أن الفقه الإسلامي يجيز التصالح والتراضي في تقسيم التركة، كما يتيح باب "التخارج" إمكانية تنازل الورثة عن حقوقهم، مشيرًا إلى وجود فتاوى تُجيز التنازل عن الميراث المحتمل أو المجهول.
وفي ختام تصريحاته، دعا الهلالي إلى إجراء استفتاء شعبي لحسم توجه المجتمع، مؤكدًا ضرورة احترام القوانين القائمة حتى يتم التوافق على أي تعديل.
مركز الأزهر للفتوى: النصوص قطعية.. ولا اجتهاد فيهامن جانبه، شدد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية على أن نصوص الميراث في الشريعة الإسلامية قطعية لا تقبل الاجتهاد أو التغيير، وأن الدعوة لتشكيل "تدين شخصي" أو "قانون فردي" تمثل افتئاتًا على الشرع وولي الأمر، فضلًا عن كونها مدخلًا لإعادة إنتاج الفكر المنحرف.
وأوضح المركز في بيان رسمي، أن التلاعب بالاستدلالات الدينية وتحريف الأحكام يؤدي إلى زعزعة الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي، كما وصف محاولات التشكيك في أحكام الميراث بأنها تغذية للفكر المتطرف والانحراف السلوكي.
وأكد البيان أن أحكام الميراث نزلت بنصوص محكمة في القرآن الكريم، وتمت بإجماع الصحابة والعلماء، وتناسب كل زمان ومكان، مشيرًا إلى أن تقسيم المواريث جاء بأمر إلهي لحماية الحقوق ومنع النزاعات.
وهاجم البيان محاولات الطعن في الشريعة الإسلامية بحجة الدفاع عن حقوق المرأة، معتبرا ذلك حيلة تهدف إلى تشويه صورة الدين وتمييع الهوية الإسلامية لصالح أفكار دخيلة.
واختتم البيان بالتأكيد أن المسلم الحق هو من يستسلم لحكم الله، مستشهدًا بالآية:
{تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يُدخله جنات... ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله نارًا خالدا فيها} [النساء: 13-14].
عباس شومان: لا يجوز حرمان الورثة الشرعيين تحت أي مبرروفي ذات السياق، أكد الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن تذرع البعض بحرية التصرف في المال لكتابة التركة للبنات خشية من دخول الورثة من جهة الأب، أمر باطل لا دليل شرعي عليه.
وأضاف شومان في بيان رسمي، أن تقسيم التركة حسب أحكام الميراث فرضٌ شرعي بنص قرآني لا يجوز تغييره: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}.
وأوضح أنه يمكن للوريث الشرعي فقط التنازل عن حقه في الميراث بعد الوفاة، أما التصرفات التي تهدف إلى حرمان بعض الورثة أثناء الحياة فلا تستند إلى قاعدة شرعية، متسائلًا: "هل يقبل أحد أن يكتب أمواله للذكور دون الإناث؟"، مشيرًا إلى أن الأخ يعتبر كالإبن في حال غياب الأبناء.
كما أشار إلى أن حرية الإنسان في التصرف بالمال ليست مطلقة، بل تخضع لضوابط منها: عدم الإسراف أو التبذير أو التهرب من الزكاة، وأن تصرفات الشخص في مرض الموت تُعتبر ملغاة شرعًا.
وختم شومان حديثه بالتساؤل: "لماذا يتم التفكير في كتابة الأموال للبنات فقط عند غياب الأبناء؟ أليس ذلك دليلًا على وجود نية لحرمان الإخوة؟".