الفرار من الدولار قد يقوِّض الموازنة الأمريكية
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
أثناء سنوات التسعينيات تعرضت السوق اليابانية في أسوأ أيام أزمتها إلى خسارة ثلاثية أو ما أطلق عليها (تريبل ياسو). تمثلت هذه الضربة الثلاثية في هبوط أسواق الأسهم وارتفاع عائدات السندات وتدهور قيمة العملة. الدور الآن على أمريكا التي يلزمها تجرع هذا المزيج السام. فعلى الرغم من أن تجميد الرئيس دونالد ترامب للرسوم الجمركية أتاح مهلة قصيرة إلا أن هذه الخسارة الثلاثية المتزامنة عادت مجددا.
كانت التحركات الأخيرة في سوق السندات وسوق العملة هي الأكثر إثارة للقلق. فالدولار هبط مقابل سلّة من العملات الرئيسية بنسبة إجمالية بلغت أكثر من 4% منذ 1 أبريل (تاريخ المقال 13 أبريل). وفي الوقت نفسه ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 سنوات بنسبة 0.3%.
في اليابان قُرِنَت هذه الخسارةُ لثلاثة مؤشرات اقتصادية بانحدارٍ وطني (بتدهور مكانة اليابان الاقتصادية وتراجع نفوذها العالمي- المترجم). لكن الفرار من الأصول المالية الأمريكية يمثل خسارة أكبر بكثير. فالدولار وسندات الخزانة الأمريكية يشكلان ملاذين للعالم. لقد بُنِي النظامُ المالي العالمي على افتراض أنهما ملاذان آمنان.
في الواقع، إذا كان ارتفاع عائدات السندات الأمريكية يعود إلى تعاظم النمو الاقتصادي الأمريكي فمن شأن ذلك أن يعزز قوة الدولار. لكن هبوط قيمة الدولار يوحي بقلق المستثمرين تجاه الاستقرار الاقتصادي للولايات المتحدة. وهذا تكرارٌ خطِرٌ لنموذج حدث في بريطانيا بعد «الموازنة المصغرة» الكارثية التي أعلنتها (رئيسة الوزراء) ليز تراس عام 2022 ووعدت فيها بإجراء تخفيضات ضريبية باهظة التكلفة. وعلى الرغم من أن رسوم ترامب الجمركية تجمَع أموالا للحكومة فإن مثل هذه الإيرادات قد «تتقزَّم» أمام ازدياد المدفوعات التي يتطلبها ارتفاع عائدات السندات.
إلى ذلك، موازنة أمريكا في وضع سيئ أصلا. فالطلب العالمي على الدولار وسندات الخزانة أتاحا للولايات المتحدة إدارة موازنة أكثر إسرافا من الموازنة التي أشعلت الأزمة في بريطانيا. هذه الوضعية الخاصة تعرف «بالامتياز الاستثنائي والمُغَالَى فيه» للدولار. فصافي ديون الحكومة الفيدرالية الأمريكية يساوي حوالي 100% من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال فترة الإثني عشر شهرا المنصرمة أنفقت الولايات المتحدة 7% من ناتجها المحلي الإجمالي فوق ما اقترضته. وأنفقت على مدفوعات الفائدة أكثر من إنفاقها على الدفاع الوطني. وخلال العام القادم سيتوجب على المسؤولين الأمريكيين إعادة تمويل ديون تقارب 9 تريليونات دولار أو 30% من الناتج المحلي الإجمالي.
الآن هذا الامتياز مهدَّد. فمن المرجح أن تسبب رسوم ترامب ضررا اقتصاديا أكثر فداحة في الولايات المتحدة قياسا بأي بلد آخر. كما تكشف هذه الرسوم أيضا عن عشوائية وتقلُّب أهواء واضعي السياسات الأمريكيين. فمن الذي يمكنه أن يتنبأ بالكيفية التي ستكون عليها الرسوم الجمركية خلال فترة لا تتعدى أسبوعا؟
ولا يقتصر الشعور بعدم الارتياح على مجال الاقتصاد. فاستعداد ترامب لعدم تمويل الجامعات التي تؤوي منتقديه ولسحب الأعمال الحكومية من الشركات القانونية التي تخدم خصومه ولإبعاد المهاجرين إلى سجن في السلفادور دون إتاحة التظلّم يبدو مهددا للمبادئ التي تأسس عليها المجتمع الأمريكي.
لذلك لم يعد من الصعب تخيُّل سيناريوهات مؤلمة مثل أن يحاول الرئيس التلاعب بالبيانات الاقتصادية أو القضاء على استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي. وفي الواقع هنالك قضية تتخذ طريقها عبر المحكمة قد تجعل من اليسير لترامب القيام بذلك (إنهاء استقلال البنك). إنه لوقت سيئ أن تُثار فيه مشكلة مع البنك وهو المؤسسة المسؤولة عن محاربة التضخم. فالاقتصاد مر بسنوات عديدة من ارتفاع الأسعار ويواجه ارتفاعا آخر بسبب الرسوم الجمركية.
في يوم 11 أبريل قال جون ويليامز رئيس البنك الفيدرالي لولاية نيويورك إنه يتوقع معدل تضخم يتراوح بين 3.5% و4% هذا العام. وكشف استطلاع أجرته جامعة ميشيجان أن المستهلكين يتوقعون ارتفاع الأسعار بنسبة 6.7% خلال العام القادم. وهذا أعلى معدل منذ عام 1981.
لذلك لا غرابة أن يخاف المستثمرون. مع ذلك يسعى الجمهوريون إلى تمديد سريان التخفيضات الضريبية التي تعود إلى الفترة الرئاسية الأولى لترامب والإضافة إليها وكأن الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة أمر مفروغ منه. ففي 10 أبريل أجاز مجلس النواب مشروع موازنة لمجلس الشيوخ يمكن أن تضيف عجوزات بحوالي 5.8 تريليون دولار لفترة السنوات العشر التالية، حسب لجنة الموازنة الفيدرالية المسؤولة. وهذا يفوق من حيث القيمة النقدية التخفيضات الضريبية في فترة رئاسة ترامب الأولى والتي كانت استجابة لجائحة كوفيد عام 2020 ومخصصات بايدن للحوافز والبنية التحتية معا.
للالتفاف على القيود الإجرائية المفروضة على عجوزات الموازنة يخطط أعضاء مجلس الشيوخ لتمرير مشروع موازنتهم على أساس بقاء السياسات الحالية. أي التظاهر بأن تخفيضات ترامب الضريبية القديمة ليست مؤقتة. نتيجة لذلك ستصبح التوقعات القاتمة حول معدَّل دين أمريكا إلى ناتجها المحلي الإجمالي أشد قتامة. لقد حذرت لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة من أن السرعة التي يزداد بها هذا المعدَّل قد تتضاعف.
يمكن أن تفرض تحركات السوق المزيد من التصحيحات للمسار بواسطة ترامب أو بواسطة الكونجرس. ففي 11 أبريل استثنت الإدارة الأمريكية الهواتف الذكية وأجهزة إلكترونية أخرى من الرسوم الإضافية على الصين. لكن ربما وقعت الواقعة وحدث الضرر الكبير سلفا.
في السنوات الأخيرة حذر الاقتصاديون من أن الامتياز الاستثنائي للدولار، بجعله الاقتراض رخيصا، قد يدفع أمريكا إلى الإفراط في الاستدانة.
وهذا بدوره يجعل النظام المالي هشا ويعزز الهروب منه. بناء على هذه النظرية يمكن لهذا النظام أن ينهار وذلك بالضبط على نحو ما حدث لربط الدولار بالذهب في عام 1971 عندما انهار نظام «بريتون وودز» لأسعار الصرف الثابتة.
قبل أقل من شهر بدت هيمنة الدولار راسخة ومثل هذه الكارثة مستبعدة جدا. لكن حدوثها الآن يبدو محتملا وهذا دليل على الفوضى التي أحدثها ترامب.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
المحكمة العليا الأمريكية تأمر إدارة ترامب بتعليق ترحيل المهاجرين الفنزويليين "حتى إشعار آخر"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
علقت المحكمة العليا في الولايات المتحدة، اليوم السبت، ترحيل الإدارة الأمريكية للمهاجرين الفنزويليين المشتبه في انتمائهم إلى منظمات إجرامية، لاسيما أن واشنطن تستند في ذلك إلى قانون يعود إلى القرن الثامن عشر.
وذكر "راديو فرنسا الدولي" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام الشهر الماضي بتفعيل "قانون الأعداء الأجانب" الذي يعود لعام 1798، وهو قانون يمنح الرئيس سلطات واسعة، لكي يتسنى له إصدار أوامر بتوقيف المهاجرين الفنزويليين المتهمين بالانتماء إلى عصابة "ترين دي أراجوا"، قبل أن يتم ترحيلهم إلى سجن شديد الحراسة في السلفادور.
وتنص أوامر المحكمة العليا على أن "الحكومة الأمريكية مطالبة بعدم ترحيل أي عضو من هذه الفئة من المعتقلين إلى الولايات المتحدة حتى صدور أمر آخر من هذه المحكمة".
يذكر أن "قانون الأعداء الأجانب" لم يُستخدم منذ الحرب العالمية الثانية، عندما طُبّق ضمن عمليات احتجاز المدنيين اليابانيين الأميركيين، كما استُخدم مرتين فقط في التاريخ الأمريكي، خلال الحرب العالمية الأولى وحرب 1812 بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى ومستعمراتها في أمريكا الشمالية.