ساعر يحرض ضد الإسلام في بريطانيا ويتحدث عن اليمن وإيران ودعم تهجير غزة
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
حرّض وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر، ضد جماعة الإخوان المسلمين ونشاطاتهم في بريطانيا، وهاجم المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، وحذر الحوثيين، وشكك في نوايا إيران، وعرض رؤيته لغزة ما بعد الحرب.
ونشرت صحيفة "ديلي تلغراف" مقابلة أجراها أليستر هيث مع ساعر، الذي زار لندن سرًّا وفكّر في قطع زيارته خشية تعرضه لأمر اعتقال، لولا تدخل الحكومة البريطانية.
وقال الكاتب إن زيارة الوزير الإسرائيلي أثارت من قال إنهم نشطاء من اليسار "المعتادين"، وطالب بعضهم بإصدار مذكرة توقيف، إلا أنه لم يُقبل الطلب، ويبدو أن ساعر، الذي خدم في لواء النخبة غولاني المعروف، لم يكن منزعجًا من الضجة على حد زعم الصحيفة.
وسُئل ساعر إن كانت بريطانيا صديقة جيدة لـ"إسرائيل"، فرد: "بريطانيا صديقة جيدة لإسرائيل، ومن المهم بالنسبة لنا الحفاظ على هذه الصداقة. لا أخفي حقيقة وجود اختلافات في الرأي، وأحيانًا خلافات في أحد مواقفنا".
وأضاف أنه في محادثاته مع وزير الخارجية ديفيد لامي حمل معه "نهجًا دقيقًا وصريحًا جدًّا، وأعتقد أن الموقف البريطاني يجب أن يكون، دعنا نقول، أكثر ودية تجاه إسرائيل، أو يأخذ في الاعتبار واقعنا بشكل أكبر والجوار الذي نعيش فيه".
وضرب مثلًا قائلًا إنه عندما "يطلق مقاتلون من حماس والجهاد الإسلامي النار من المستشفى ونتصرف، بما في ذلك إصدار أوامر إخلاء للناس من هناك حتى نتجنب الأضرار الجانبية غير الضرورية، فيجب أن يكون السؤال الذي يُطرح في النهاية ليس لماذا هاجمنا، ولكن لماذا تستخدم حماس المستشفيات والمدارس أو منشآت الأونروا للهجوم على إسرائيل ومواطنيها، ونشعر أننا لا نحصل على السياق الصحيح في بريطانيا".
وأضاف قائلًا: "أؤكد لكم أن مناقشاتنا صريحة، وأن الصداقة مع بريطانيا مهمة لنا. ونحترم قرار وتصويت مواطني بريطانيا، ونعمل مع الحكومة الحالية".
وأكد أن "العلاقة الوثيقة بين بريطانيا وإسرائيل تعود بالنفع على الطرفين، ولا تربطنا صداقة تقليدية فحسب، بل تربطنا أيضًا روابط بالغة الأهمية تدعم الأمن القومي لبريطانيا من خلال التعاون الاستخباراتي والأمني. ويستفيد كلا البلدين من علاقة جيدة".
وأشارت الصحيفة إلى بيان وزارة الخارجية حول اللقاء الذي جرى الأربعاء، وتم فيه بحث مسألة الأسرى، وحماية عمال الإغاثة، والحاجة لوقف الحصار الإنساني على غزة، ووقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والملف النووي الإيراني.
إلى جانب طرح لامي قضية منع نائبتين في البرلمان البريطاني عن حزب العمال من زيارة الضفة الغربية هذا الشهر. ولكن ساعر وصف اللقاء بالجيد، جرى فيه حوار جيد، ولكن لا يعني عدم وجود خلافات في وجهات النظر.
منع النائبتين
وفي مسألة منع النائبتين قال ساعر: "شرحت أن لدينا قوانين تحدد من يدخل أراضينا". وأشار إلى أن الكنيست سنّ تشريعات محددة ضد السماح بدخول "الأشخاص الذين يدعون إلى مقاطعة إسرائيل أو فرض عقوبات عليها"، بينما يُسمح للمنتقدين العاديين بالدخول.
وذكر ساعر الصحافي بأن بريطانيا منعت سابقًا سياسيًّا إسرائيليًّا من دخول بريطانيا، وكذلك السياسي الهولندي خيرت ويلدرز، وهذا الأسبوع، منعت وزارة الداخلية الكاتب الفرنسي المناهض للهجرة رينو كامو من دخول البلاد، بحجة أن وجوده سيخالف "المصلحة العامة".
وقال ساعر: "هذا ليس أمرًا يستهدف أعضاء البرلمان البريطاني. كانت لدينا قضية تتعلق بعضوات في الكونغرس الأمريكي، ومنعناهن علنًا من دخول أراضينا مع أن أمريكا هي صديقنا الأكبر. إذا كنتم تريدون الإضرار ببلدينا وبالعلاقات بين إسرائيل وبريطانيا، فلا أعتقد أننا ملزمون بفتح الباب أمام هذا".
"التطرف الإسلامي"
وسألت الصحيفة ساعر إن كانت بريطانيا تعمل ما يكفي لمواجهة "التطرف الإسلامي"، فكان جوابه: "لا أريد انتقاد أي دولة على ما تفعله في ساحتها الداخلية. لكن يمكنني أن أخبرك أن بعض الأصدقاء العرب أخبروني أن بعض أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا محظورة في بعض الدول العربية، وهو أمر غريب. إنها مسألة تعود إلى بريطانيا والرأي العام فيها، لتحديد مدى حرية الإسلام المتطرف في التصرف في بريطانيا، وما هي العواقب المحتملة". ويضيف: "إنه شيء سمعته كثيرًا مؤخرًا".
الاعتراف بفلسطين
وأشارت الصحيفة إلى الطبيعة المتقلبة لمسيرة ساعر، 57 عامًا، حيث عارض وتعاون مع نتنياهو، وشغل مناصب عدة، لكن منصبه الحالي وضعه في مركز حملة العلاقات العامة الدولية لـ"إسرائيل".
وعند سؤاله عن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطة للاعتراف بفلسطين، رد ساعر قائلًا: "آمل ألا يكونوا كذلك. نسمع منهم أن القرار لم يتخذ بعد. أعتقد أن فرنسا سترتكب خطأ فادحًا إن فعلت ذلك، وسيفقدون نفوذهم الإقليمي وسيضرون بمكانتهم. لن ينشئوا دولة فلسطينية بهذا القرار المتخيل أو التعلل بالأماني". وأشار إلى أن دولًا عديدة اعترفت بدولة فلسطينية، لكن ذلك لم يغير "الواقع على الأرض".
وأعرب عن قلقه من أن يزيل ذلك حوافز الفلسطينيين للتسوية أو التفاوض، قائلًا: "سيقلل ذلك من فرص تحقيق السلام والاستقرار في المستقبل. الفلسطينيون يعملون في المحافل الدولية متعددة الأطراف لعزل إسرائيل وإيذائها، لا من أجل السلام".
وحذر من أن "إسرائيل قد ترد بشكل أحادي إذا اختارت فرنسا التحرك"، قائلًا: "أي قرار كهذا سيكون خطأ فادحًا، وسيضيق الخناق على إسرائيل، ويجبرها على اتخاذ قرارات أحادية الجانب بنفسها. إذا كان هناك من يحاول استباق نتائج أي مفاوضات محتملة مستقبلًا، فنحن قادرون على ذلك أيضًا".
وسألت الصحيفة إن كان الرد سيكون على شكل أراضي الضفة الغربية، رد ساعر المصطلح قائلًا إن هذا يعني "تطبيق القانون على مجتمعاتنا في يهودا والسامرة".
ورفض وصف سيطرة "إسرائيل" على الضفة الغربية بالاحتلال، قائلًا: "لا شك في أن ذلك سيدفع إسرائيل إلى هذا الاتجاه إذا كان هناك من يحاول استباق ما سيحدث هناك في المستقبل، وهذه الأراضي متنازع عليها. لا يمكنك الصمت بينما يحاول الآخرون تقويض موقفك".
إيران
وفي تعليقه على جهود مبعوث الرئيس دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، مع إيران، وإن كان يبحث عن نهج لين على طريقة باراك أوباما، اختار ساعر الإشارة إلى منشور لويتكوف على منصة "إكس" دعا فيه لتفكيك المشروع النووي الإيراني.
وقال ساعر إن ما يهم في أجندة ترامب هو أن "إيران لا يمكنها الحصول على أسلحة نووية"، مضيفًا أن إيران لا تمثل خطرًا على "إسرائيل"، و"قد رأينا كيف ساعدت (إيران) روسيا في حرب أوكرانيا بالمسيرات والأسلحة والمعلومات الاستخباراتية".
وحذر من "الخطر الكبير" النابع من السماح "لأكثر الأنظمة تطرفًا في العالم بامتلاك أخطر سلاح في العالم. صواريخ إيران قادرة على الوصول إلى أوروبا اليوم" على حد زعمه.
وأشار إلى الخشية من انتشار السلاح النووي في المنطقة و"إذا امتلكت إيران أسلحة نووية، فسيكون لدينا سباق نووي في الشرق الأوسط. وعندها سترغب السعودية ومصر وتركيا ودول أخرى في امتلاك أسلحة نووية أيضًا، وهذا سيكون له عواقب وخيمة على الأمن، ليس فقط في الشرق الأوسط".
وقال إن إيران هاجمت "إسرائيل" بصواريخ مرتين، واعتمدت على جماعاتها في المنطقة لضرب لهذه العمليات، و"لو فعلوا هذا بدون أسلحة نووية، فماذا سيفعلون لو كانوا يملكون مظلة نووية".
ونفى ساعر معرفته بما ورد في صحيفة "نيويورك تايمز" من أن ترامب أوقف هجومًا عسكريًّا ضد إيران، قائلًا: "لا أعتقد أن قرارًا كهذا تم اتخاذه، لكن إسرائيل ملتزمة بأهداف منع إيران من الحصول على السلاح النووي. ولو تم تحقيق هذا الهدف عبر الطرق الدبلوماسية، فهو مقبول".
وحذر أيضًا من أن إيران لا يمكن الثقة بها، و"لطالما تجاهلت إيران التزاماتها الدولية. ولا أستبعد احتمال محاولتهم التوصل إلى اتفاقات جزئية لتجنب الوصول إلى الحل اللازم. ونحن نتحدث مباشرة مع الأمريكيين، ونتحدث أيضًا مع أصدقائنا الأوروبيين. أعتقد أن هدفنا واحد. إيران في وضع ضعف نسبي، ويجب استغلال هذا الوضع لتحقيق الهدف، وعدم تركها تفلت من العقاب أو لإضاعة الوقت حتى تتغير الظروف".
رسالة للحوثيين
وحذر ساعر الحوثيين في اليمن، الذين يتسببون بمشكلة كبيرة للتجارة الدولية والنظام العالمي وحرية الملاحة، قائلًا إن "أسعار البضائع تتزايد"، ورحب بالغارات الجوية الأخيرة ضد الحوثيين، لكنه ألمح إلى ضرورة اتباع نهج أكثر حزمًا.
وقال: "بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في التعامل مع هذه المشكلة، وأنا أُشيد بذلك. أعتقد أن ذلك مهم للنظام الدولي، ولكن في نهاية المطاف، ستكون هناك حاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة مشكلة الحوثيين، بما في ذلك جذورها المالية".
وأضاف أن "أنظمة عربية معتدلة حاربت الحوثيين، على سبيل المثال، السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكن الدول الغربية أوقفتها". وعند سؤاله إن كان هذا خطأ، أجاب ببرود: "أميل إلى الاعتقاد بذلك". وقال إن الجماعات المسلحة أصبحت أكثر طموحًا، و"ما نراه في حالة الحوثيين ورأيناه مع حماس وحزب الله، هي منظمات إرهابية تسيطر على أراضٍ وتتحول إلى دول إرهابية. لديهم الموارد، ولديهم أشخاص تحت سيطرتهم، ويبنون ممالكهم. جميعهم مدعومون من إيران، ماليًّا، من حيث التدريب، وفي أبعاد أخرى". وأشار كيف حارب التحالف الدولي خلافة تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرًا إلى أن الحوثيين هم بلا شك من أخطر هذه الحركات وأكثرها تطرفًا.
اليمن
وعندما سألته الصحيفة عن التظاهرات التي يهتف المشاركون فيها "يمن، يمن جعلتنا نفخر بأنفسنا، أرجع سفينة أخرى"، وصف المحتجين قائلًا: "أعتقد أنهم حمقى مفيدون ويدعمون قوى أيديولوجية تعارض طريقة الحياة والقيم والثقافة الغربية".
ويرى ساعر أن "إسرائيل تقف على الخط الأول في الكفاح الذي يهم كل الديمقراطيات: الجهادية تهديد مشترك للحضارة الغربية كلها، بما فيها بريطانيا. [إسرائيل] تقاتل دفاعًا عن نفسها، وفي الوقت نفسه، نقاتل أيضًا من أجل العالم الغربي بأكمله، وهذا أمر مهم بالنسبة لي لأقوله لمواطني بريطانيا، لأنني أعلم أن معظمهم يدركون تمامًا الخطر العميق لمثل هذه الأيديولوجية المتطرفة".
وأضاف أن "انتصار إسرائيل يعطي القوى المعادية للتطرف دفعة. ستؤثر نتائج الحرب في الشرق الأوسط ضد الإسلاميين المتطرفين أيضًا على المجتمعات المسلمة في أوروبا. وبقدر ما يُهزم الإسلاميون المتطرفون في الشرق الأوسط، سيكون لذلك تأثير واضح. وإذا انتصروا، لا سمح الله، فسيكون لذلك تأثير من نوع آخر، ومن الواضح أن من مصلحة أوروبا وبريطانيا هزيمة الإسلاميين المتطرفين في الشرق الأوسط".
ونفى ساعر تهمة الإبادة الجماعية في غزة، وقال إن "إسرائيل فعلت أفضل من أوروبا في حروبها السابقة"، واتهم حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية.
وقال إن "النسبة بين المقاتلين والمدنيين كانت أسوأ في الرقة والموصل من قطاع غزة". وهاجم ساعر معاداة السامية الجديدة في الغرب، التي على خلاف القديمة التي استهدفت اليهود لنجاحهم، تهاجم الدولة الوحيدة في العالم وتحاول نزع الشرعية عنها، وتجرد الدولة اليهودية من إنسانيتها، وتستخدم المعايير المزدوجة. وإنكار حق إسرائيل في الوجود والحق في الدفاع عن النفس، و"عندما تهتف: من النهر إلى البحر فلسطين حرة، فإنك تدعو لمحو إسرائيل".
وعن الحرب في غزة، قال إنها قد "تنتهي غدًا وبأربع كلمات: الإفراج عن الأسرى، وحماس للخارج".
وأشارت الصحيفة إلى أن ساعر مهتم برؤية ترامب لما بعد الحرب في غزة، وبناء على شرطين:
الأول هو "إعادة إعمار غزة بدون الفلسطينيين الذين سيخرجون، ربما مؤقتًا وبدون إكراه.. قرار الهجرة يجب أن يكون طوعيًّا، وأنه يتلقى على حساباته الشخصية الخاصة مناشدات من فلسطينيين يطالبونه بالمساعدة على الهجرة، و"هناك ناس لا يريدون العيش في هذه الفوضى" كما يزعم.
أما الشرط الثاني: "يجب أن تتطوع دول لاستقبال الراحلين من غزة". وقال إن هناك من يريد "لا أريد أن أكشفها قبل الوقت، ولكن هناك دولًا أعتقد مستعدة لعمل هذا، ودولًا تفعل هذا الآن وإن بأعداد قليلة، وأخرى تريد عمل هذا بأعداد كبيرة".
وأشار إلى أنه لا أحد اعترض على هجرة السوريين أو الأفغان طوعًا، ويزعم أن العديد من المنتقدين لخطة السيد ترامب يريدون "إبقاء الفلسطينيين في أسوأ وضع كأداة في الحرب ضد إسرائيل، تمامًا كما أبقوا مخيمات اللاجئين في الدول العربية 77 عامًا".
وقال: "كيف يمكن أن تعترض على هجرة شخص يريد [المغادرة]، وهناك دولة مستعدة لاستقباله؟ هذا ليس إنسانيًّا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية الاحتلال الإسرائيلي ساعر بريطانيا بريطانيا إسرائيل الاحتلال ساعر المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشرق الأوسط الضفة الغربیة فی بریطانیا أسلحة نوویة وأشار إلى أعتقد أن وقال إن إلى أن إن کان قائل ا
إقرأ أيضاً:
كيف تلعب إسرائيل على حافة الهاوية بين إيران وواشنطن؟
على حافة الهاوية، تقف إسرائيل ممسكةً بحبل مشدود بين استفزاز إيران والتودّد إلى واشنطن، كل خطوة محسوبة، لكن الرياح الإقليمية العاتية تهدد بإسقاطه.
منذ استهدافها القنصلية الإيرانية في دمشق، إلى ردّ طهران الصاروخي، ثم ضربات أصفهان وأحداث أكتوبر/ تشرين الأول، تُظهر إسرائيل براعة في "الردع الاستباقي"، لكنها تُقامر بمستقبل المنطقة.
أما واشنطن، الحليف الأقرب، فقبضتها رخوة، مشغولة بتجسيد وتحقيق حملاتها الانتخابية والمفاوضات مع إيران.
لكن، ماذا لو انقطع الحبل؟ وهل تملك إسرائيل فعلًا القدرة على التحكم في حدود التّصعيد؟
من حلفاء إلى أعداء: جذور الصراعحتى عام 1979، كانت إسرائيل وإيران ترتبطان بتحالف إستراتيجي يجمع بين مصالح أمنية وصفقات نفط وتسليح. الثورة الإسلامية قلبت هذا التحالف رأسًا على عقب، لتصبح طهران رأس حربة خطاب "إزالة إسرائيل"، وتتحوّل تل أبيب إلى خصم دائم للنفوذ الإيراني المتصاعد.
إسرائيل، التي ما زالت رهينة ذاكرة حرب 1973، تتبنى عقيدة "الضربات الاستباقية"؛ لمنع أي تهديد من التطور. وفي المقابل، نسجت إيران شبكة من الوكلاء في سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، في إستراتيجية تُغنيها عن المواجهة المباشرة.
هذا الصراع ليس فقط جغرافيًا أو أمنيًا، بل تغذَّى على مفاهيم متناقضة للشرعية والهيمنة. إيران تصدر نفسها في مواجهة مشروع استعماري-صهيوني مدعوم غربيًا، وإسرائيل ترى في إيران تجسيدًا لتهديد وجودي يجب تطويقه ومنعه من التحول لقوة نووية.
إعلان نتنياهو وإيرانمنذ عودته إلى الحكم عام 2009، جعل بنيامين نتنياهو من إيران التهديد المركزي للوجود الإسرائيلي، لكنه لم يكتفِ بالتحذير، بل حوّلها إلى أساس عقيدته السياسية والدبلوماسية.
في خطابه الشهير بالأمم المتحدة عام 2012، رفع لوحة كرتونية لقنبلة على وشك الانفجار، محددًا "الخط الأحمر" لبرنامج إيران النووي، في مشهد اختزل كيف تتحول صورة العدو إلى أداة خطابية وسياسية بيد نتنياهو.
لكن في الواقع، نتنياهو لم يسعَ أبدًا لمواجهة إيران عسكريًا بوضوح، بل مارس سياسة "إدارة العدو" بدلًا من مواجهته. اعتمد على الاغتيالات، الحرب السيبرانية، ضربات محددة، والضغط عبر الحلفاء، لكنه امتنع عن اتخاذ قرار إستراتيجي بمواجهة شاملة، رغم توفر اللحظة العسكرية أحيانًا.
في المقابل، استغلَّ التهديد الإيراني لإعادة تعريف تحالفاته الخارجية، فاليمين الإنجيلي في الولايات المتحدة تبنّى روايته عن "الخطر الفارسي"، ورأى فيه مدافعًا عن نبوءات توراتية، وهو ما مهّد لتحالف غير مسبوق بين نتنياهو والحزب الجمهوري، حيث ظهر ذلك جليًا في خطابه بالكونغرس ضد الاتفاق النووي عام 2015، متجاوزًا إدارة أوباما، في سابقة دبلوماسيّة خطيرة.
محليًا، استخدم نتنياهو "الخطر الإيراني" كبديل عن القضية الفلسطينية، فحين تساءل العالم عن الاستيطان، كان جوابه: "إيران تُهدد وجودنا"، وحين سُئل عن حل الدولتين، كرّر: "لا يمكن القبول بدولة فلسطينية في ظل وجود إيران في سوريا، وغزة".
هذا المنطق أقنع بعض الدول العربية بالمضي في التطبيع، فنتنياهو قدّم نفسه كحليف موثوق ضد طهران، لا كقوة احتلال في الضفة وغزة.
أما داخل إسرائيل، فخطابه لم يكن موضع إجماع، فقيادات عسكرية وأمنية بارزة – من رئيس الموساد السابق تامير باردو إلى رئيس الأركان أفيف كوخافي- انتقدوا محاولات نتنياهو تسييس ملف إيران.
إعلانكوخافي حذّر في 2020 من "تحويل التهديد الإيراني إلى ذريعة لتجاهل التهديدات الداخلية"، في إشارة إلى الأزمة مع الفلسطينيين، والانقسام الاجتماعي الإسرائيلي.
لكن نتنياهو نجح -حتى الآن- في تسويق إيران كعدو لا يمكن التساهل معه، دون الدخول فعليًا في حرب مفتوحة. وربما كانت لحظة أكتوبر/ تشرين الأول 2023 هي التي دفعت به لكسر هذا التوازن، حين احتاج إلى عدو خارجي يعيد ضبط المعادلة بعد فشل أمني داخلي كارثي.
ضرْب أصفهان، وردع حزب الله، وتصعيد الخطاب ضد طهران، ليست بالضرورة تستند إلى القوة وحدها، فقد تكون في العمق محاولات لطمس عجز سياسي داخلي، وشراء وقت على حساب استقرار إقليمي هش.
الردع المحسوب والابتزاز الإستراتيجيضربة إسرائيلية دقيقة، ردّ إيراني محدود، ثم صمت حذر. هذا هو نمط "اللعبة" الذي تكرّس خلال العام الأخير.
في أبريل/ نيسان 2024، أطلقت إيران أكثر من 170 طائرة مسيرة وصاروخًا باليستيًا، ردًا على مقتل ضباط في الحرس الثوري في قنصلية دمشق.
الضربة كانت استثنائية في حجمها، لكنها محسوبة بدقة لتجنّب إسقاط قتلى إسرائيليين، بينما حرصت إسرائيل على الرد عبر استهداف منشآت عسكرية في أصفهان دون الدخول في حرب شاملة.
في قلب هذا المشهد، يستخدم نتنياهو التصعيد كأداة للشرعية. فبعد أزمات سياسية متتالية، وتظاهرات حاشدة ضد حكومته، وجد في "المواجهة مع إيران" منصة لإعادة التموضع. "نحن نواجه إيران نيابة عن العالم"، كررها في مؤتمره الصحفي الأخير، مصورًا نفسه كدرع إستراتيجي للغرب.
لكن الداخل الإسرائيلي منقسم. تسريبات من جهاز الشاباك أظهرت تحفظًا على التوظيف السياسي للردع، والجيش يُحذّر من أن أي انزلاق غير محسوب قد يعيد فتح جبهات متزامنة.
المعارضة تحاول اللعب على هذا الوتر، مطالبة بإخضاع قرارات الحرب للمراقبة البرلمانية، بينما يميل الشارع الإسرائيلي نحو القلق أكثر من الحماسة.
إعلانوَفق بيانات البنتاغون، بلغ الدعم الأميركي العسكري لإسرائيل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أكثر من 17 مليار دولار. الدعم لم يقتصر على العتاد، بل شمل تدريبًا مشتركًا على سيناريوهات "حرب إقليمية شاملة"، ومشاركة استخبارية في رصد مسارات الطائرات المسيّرة الإيرانية.
هل نُعيد هندسة قواعد اللعبة؟إسرائيل تُجيد اللعب على الحافة، لكن الحافة أصبحت أضيق.
ما بدا كإستراتيجية فعّالة للردع بات أقرب إلى رقصة على فوهة بركان. الخصوم يتغيرون، الداخل يهتز، والحليف الأميركي يترنّح بين أولويات الداخل وهموم الخارج.
التصعيد الأخير ليس مجرّد تبادل للضربات، بل هو تحوُّل في نمط الردع الإسرائيلي: من الاكتفاء بالعمل الاستخباراتي السري إلى المجاهرة العسكرية، ومن الحسابات الدقيقة إلى الانزلاق التدريجي نحو مواجهة مفتوحة. هذا الانتقال لم ينبع من وفرة القوة، بل من فراغ إستراتيجي يملؤُه نتنياهو بالضجيج والسيطرة على العناوين.
في لحظة ما بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وجدت إسرائيل نفسها أمام هشاشة غير مسبوقة: انكشاف أمني، أزمة ثقة داخلية، ونظام سياسي مأزوم.
هنا، شكّل العدو الإيراني – البعيد والمجرّب والجاهز للشيطنة – الملاذ الأكثر أمنًا لتصدير القوة واستعادة زمام المبادرة. وفي هذا السياق، بات التصعيد مع طهران أداة لتثبيت شرعية سياسية، وليس فقط ضرورة أمنية.
لكن في المقابل، فإن إيران، رغم ردّها العلني، لم تغيّر قواعد الاشتباك بشكل جذري. اكتفت بإيصال رسالة عن قدرتها على الرد، دون الدخول في حرب شاملة. وهذا التردد المتبادل بين الطرفين يعكس إدراكًا ضمنيًا لحدود القوة وحدود اللعب بالنار.
الهشاشة هنا لا تقتصر على الجبهات، بل تطال مفاهيم الردع نفسها، وتكشف كم أن الاستقرار الإقليمي صار رهينة مزاج سياسي، وحسابات بقاء، وأزمات شرعية ممتدة.
في قلب كل هذا، تزداد الحاجة إلى هندسة جديدة لقواعد اللعبة. قواعد تعترف بأن الردع لا يُبنى بالقصف وحده، ولا بالتحالفات الظرفية، بل بإعادة تعريف المصالح الإستراتيجية خارج منطق العسكرة المستمرة. وحتى ذلك الحين، ستبقى إسرائيل تمشي على حافة الهاوية، لا لأنها واثقة بخطواتها، بل لأنها لا تملك طريقًا آخر.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline