الفاشر المُحاصَرة… إسعافات أولية بمواد بدائية ونباتات طبية
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
يُعد محمد (8 أعوام) من المحظوظين في مدينة الفاشر الواقعة غرب السودان، رغم أنّ ذراعه التي تحتوي على شظايا قد عولجت بقطعة قماش لا تزال تلفّها، وذلك في ظل معاناة جرحى حرب آخرين من إصابات أكثر خطورة تصعب معالجتها، نظراً إلى الحصار الذي تشهده المدينة وشحّ المعدّات الطبية فيها.
التغيير ــ وكالات
الأسبوع الماضي، شنّت «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً ضد الجيش منذ عامين، هجوماً دامياً على عاصمة شمال دارفور ومحيطها، حيث انهار النظام الصحي أيضاً.
ويقول عيسى سعيد (27 عاماً)، والد محمد، لوكالة الصحافة الفرنسية، في اتصال عبر الأقمار الاصطناعية (ستارلينك)، في ظل انقطاع الاتصالات في المنطقة بشكل كامل، «بمساعدة جارتنا التي كانت سابقاً تعمل في مجال التمريض، أوقفنا النزيف، لكن اليد فيها تورّم، ولا ينام (محمد) ليلاً من الألم».
وكما هو حال سكان آخرين في مدينة الفاشر المحاصَرة من «قوات الدعم السريع» منذ مايو 2024، فإنّ عيسى لا يمكنه نقل ابنه إلى غرفة الطوارئ في أي مستشفى،. وفي سياق متصل، يقول محمد، وهو منسّق مساعدات إنسانية نزح إلى الفاشر هذا الأسبوع، إنّ مئات الجرحى يجدون أنفسهم محاصَرين حالياً في المدينة.
نباتات طبية للعلاجكان محمد هو نفسه قد أُصيب في فخذه خلال الهجوم الدامي الذي نفَّذته «قوات الدعم السريع» على مخيم «زمزم» للنازحين الواقع على بُعد 15 كيلومتراً جنوب الفاشر. ويضيف محمد، الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، إنّ «الناس فاتحون بيوتهم، وكلّ الناس يتلقّون العلاج بشكل خصوصي في البيوت».
وحسب مصادر إنسانية، فإنّ مئات آلاف الأشخاص فرّوا من مخيّم «زمزم» الذي أعلنت الأمم المتحدة أنّه يعاني من مجاعة، وذلك للجوء إلى مدينة الفاشر.
وفي الفاشر، يحاول الناس تقديم الإسعافات الأولية وعلاج الحروق أو الجروح الناجمة عن الرصاص وشظايا القذائف، بالاعتماد على مواد بدائية للإسعافات الأولية وباستخدام نباتات طبية.
ويروي محمد أبكر (29 عاماً) أنه كان يحاول إحضار الماء لأسرته عندما أُصيب بطلق ناري في رجله. ويقول: «حملني جيراني إلى داخل المنزل واستدعوا جارنا الذي لديه خبرة في معالجة الكسور بالجبيرة، وهو نوع من العلاج الشعبي… باستخدام أخشاب وقطع قماش». ويضيف: «المشكلة أنّه حتى لو عولج الكسر، فإن الرصاصة لا تزال في رجلي».
وبينما أصبح وجود المعدّات الصحية محدوداً للغاية في المدينة، يشير محمد إلى أنّه لو كان هناك مال لكان من «الممكن إرسال مَن يشتري شاشاً أو مسكّناً، هذا إن كان موجوداً ولكن بشكل عام لا توجد مستلزمات، يتم العلاج بما هو موجود».
الملح كمطهّرأسفرت الهجمات الأخيرة التي شنّتها «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر ومخيّمات النازحين المحيطة بها، عن مقتل أكثر من 400 شخص، حسبما أفادت الأمم المتحدة يوم الاثنين. وفي السياق، تزداد التحذيرات من مخاطر مثل هذه العملية في منطقة الفاشر، حيث يجد 825 ألف طفل على الأقل أنفسهم محاصرين في «جحيم»، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). ويمكن لأي هجوم واسع النطاق قد تشنّه «قوات الدعم السريع» التي تحاصر المدينة، أن يترك آثاراً تدميرية عليها.
وبعد 11 شهراً من الحصار وعامين من الحرب، بنى كثير من سكان الفاشر ملاجئ مرتجلة، وكثيراً ما حفروا على عجل حفراً غطّوها بأكياس رمل لحماية أنفسهم من القصف. ولكن لا يتمكّن الجميع من الوصول إلى الأمان في الوقت المناسب.
الأربعاء، سقطت قذيفة على منزل هناء حماد، مما أدى إلى إصابة زوجها في بطنه. وتقول المرأة البالغة 34 عاماً، لوكالة الصحافة الفرنسية: «حاولنا بمساعدة جارنا وقف النزيف ومعالجة الجرح باستخدام ملح الطعام كمطهّر». لكنّها تضيف «في الصباح التالي، توفِّي».
ومن جانبه، يناشد محمد الذي يجد نفسه طريح الفراش، «التدخّل العاجل من كل من يستطيع إنقاذ الناس».
والجمعة، دعت منظمة «أطباء بلا حدود» إلى إرسال مساعدات إنسانية. وقال رئيس البعثة راسماني كابوري: «رغم إغلاق الطرق المؤدية إلى الفاشر، يجب إطلاق عمليات جوية لإيصال الغذاء والدواء إلى مليون شخص محاصَرين هناك ويعانون الجوع».
الوسومأدوية إصابات الفاشر شمال دارفور نباتات طبيعيةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أدوية إصابات الفاشر شمال دارفور نباتات طبيعية
إقرأ أيضاً:
تحاول فرض “الموازية” بقوة السلاح.. الدعم السريع تواصل قصف المدنيين في الفاشر
البلاد – الخرطوم
وسط انهيارات متتالية لقوات الدعم السريع في ولاية الخرطوم، تسعى الميليشيا بشكل محموم لتحقيق انتصار عسكري في مدينة الفاشر، تُقيم به واقعاً سياسياً جديداً يُحيي مشروع “الحكومة الموازية” الذي أعلنت عنه خارج البلاد دون اعتراف دولي يُذكر. هذا التصعيد ترافق مع تقرير أمريكي حذّر من اتساع رقعة الحرب وعدم وجود مؤشرات على وقف قريب لإطلاق النار، فيما تكشف الوقائع عن استخدام الدعم السريع سياسة الأرض المحروقة، من القصف المدفعي المكثف الذي قتل عشرات المدنيين في الفاشر، إلى فرض الحصار على السكان في منطقة الصالحة جنوب أم درمان، في مشهد يعكس انفلاتًا ميدانيًا كاملًا وافتقارًا لأي ضوابط قانونية أو أخلاقية في سلوك الميليشيا التي تُراهن على معادلة العنف لفرض واقع سياسي مرفوض.
فقد أعلنت الفرقة السادسة مشاة بمدينة الفاشر استشهاد 47 مدنيًا وإصابة العشرات، نتيجة قصف مدفعي مكثف نفذته ميليشيا الدعم السريع على أحياء المدينة. البيان أوضح أن نحو 250 قذيفة من عيار 120 ملم أُطلقت على المدنيين، ما أوقع مجزرة مروعة، بينهم 10 نساء، منهن 4 احترقن داخل منازلهن، وأخريات قُتلن أثناء التنقل. ويأتي هذا التصعيد ردًا على الهزائم المتلاحقة التي تكبدتها الميليشيا خلال الأسبوعين الماضيين، ما جعلها تتبنى سياسة انتقامية مفتوحة ضد السكان.
في المقابل، نفذ الجيش السوداني ضربة نوعية شمال الفاشر، دمّر خلالها منصة مدافع تابعة للميليشيا، تضم مدفعين من عيار 120 ملم وآخرين من عيار 82 ملم، كانت تستهدف الأحياء السكنية. وأسفرت الضربة عن مقتل جميع أفراد الطاقم وعدد من المرافقين.
هذا التصعيد ليس معزولًا، إذ تواصل قوات الدعم السريع منذ أيام قصفها المدفعي العشوائي على مدينة الفاشر، ما أوقع عشرات القتلى والجرحى، كما أعلنت الأمم المتحدة في وقت سابق مقتل نحو 400 شخص في مخيم زمزم للنازحين، شمال دارفور، بعد هجوم شنته الميليشيا عليه وسيطرتها على المخيم.
وفي مدينة الصالحة جنوب أم درمان، تفرض ميليشيا الدعم السريع حصارًا خانقًا على السكان، مانعة إياهم من التوجه إلى الأسواق أو شراء الغذاء والدواء. وأكدت لجان أحياء الصالحة أن القوات، التي يقودها الجنرال “قجة” وتضم مرتزقة من دولة مجاورة، ترتكب جرائم اختطاف وقتل، وتطلق النار على المدنيين لأتفه الأسباب.
وفي تحليل حديث لمشروع بيانات النزاعات المسلحة (ACLED)، حذر الخبراء من أن لا مؤشرات لوقف قريب للحرب في السودان، مع تصاعد الانقسامات المسلحة داخليًا، وتزايد التعقيدات الجيوسياسية. وخلص التحليل إلى أن الدعم السريع، بعد تراجعها الكبير في الخرطوم، تحاول كسب المعركة في دارفور، ولا سيما في الفاشر، كمحاولة لإحياء مشروعها السياسي المتمثل في فرض حكومة موازية على الأرض.
غير أن اعتماد الميليشيا على تحالفات قبلية هشة وارتكابها لانتهاكات مروعة أضعف قدرتها على الحفاظ على أي نفوذ مستدام، بينما يواصل الجيش السوداني تعزيز مواقعه وتوسيع سيطرته الميدانية.
وفي ظل معطيات كهذه، يبدو أن الدعم السريع تمضي نحو نهايات دامية، مدفوعة بهاجس إثبات وجود سياسي بأي ثمن. لكن التضحية بالمدنيين لن تصنع شرعية، والميدان لا يعترف إلا بالقوة النظامية، والدولة الواحدة، والجيش الواحد.