لا يبدو أن هناك مفاضلة بين أمرين هما على درجة كبيرة من الأهمية في حياتنا اليومية، حيث مجالات التقارب بينهما أكثر من الاختلاف، بل قد ينظر إليهما على أنهما متوافقان أو مكملان لبعضهما، للارتباط الموضوعي بينهما؛ فالأمر الأول: الواجب، والأمر الثاني: الإحسان، ومن يدقق في مدلول الكلمتين؛ لا من حيث المدلول اللفظي فقط، ولكن من المدلول العملي أو الموضوعي؛ يدرك أن للمسألة أبعادا عميقة، والأمر ليس يسيرا - إلا من يسره الله له - في إدراك هذا العمق بالمعنى، مع أن الصورة تحتمل البعدين الأفقي؛ وذلك من حيث الكم (كمية الأعمال المنجزة؛ سواء أكان في شأن الواجب، أو في شأن الإحسان) والبعد الرأسي، من حيث ما يترك كل منهما من أثر طيب في مساحة الاشتغال اليومية.
ولنضرب لذلك مثالا مبسطا للفهم: فالوظيفة؛ مهما علا أمرها أو صغر هي تكليف أي هي (واجب) بالإضافة إلى عوائدها المادية المقبوضة؛ كما هو معلوم بالضرورة، ولكن هذا الواجب لا تتحدد مساحته وفق المعادلة الرياضية (1+1=2) لا؛ أبدا، وإنما فيها التعاون بين فريق العمل، وبين طالب الخدمة، وفيها كثير من التضحيات: من الجهد، ومن الوقت، ومن البذل؛ ومن أمانة المسؤولية، وصدق الأداء، ومن الإخلاص لها، وقد تتطلب منك الوظيفة أن تخرج من مكتبك إلى مسافة بعيدة تتحمل فيها عناء أمور كثيرة، وإن كانت غير موجودة في نص العقد المبرم بينك وبين المؤسسة التي تعمل فيها، وهذا كله في مجمله هو الإحسان بكل تجلياته، فالواجب يقتصر على الأداء الميكانيكي للوظيفة؛ مضافا إليه مجموعة من القيم الوظيفية المهنية، أما ما خرج عن ذلك فهو يدخل في جانب الإحسان، ولذلك فهناك موظفون تجاوزوا مسؤوليات الوظيفة المحددة، وأضافوا إلى هذه المسؤوليات مسؤوليات قيمية سامية، فكانوا مضرب المثل عند الآخرين من المتعاملين معهم، فهم المحسنون حقا.
وهذا المثال الوظيفي ليس حصريا في مسألة التوافق بين الواجب والإحسان، وإنما هناك الكثير من الأمثلة في حياتنا اليومية، بدءا من واجبات الأسرة، فالأصدقاء، وصولا إلى المجتمع الكبير، ففي هذه المساحة الأفقية الممتدة في توظيف الواجب، يكون للإحسان فيه مساحة مماثلة أيضا، حيث يتعاظم فيها الإحسان أكثر من الواجب، وذلك يعتمد كثيرا على قدرة الأشخاص على انتزاع نفوسهم من مظانهم الخاصة، فيتوسعوا في مساحة الإحسان، ولذلك يمكن القول أن الواجب يظل محدودا جدا ومساحة الاشتغال فيه محكومة بأطر محددة، فزيارتك لمريض تأتي من حيث الواجب الإنساني، لكن أن تدعم هذه الزيارة بكثير من الدعاء، ومن بسط النعمة لمرافقيه في صور كثيرة، حينها تتسع المساحة في توظيف الإحسان، ولذلك يمكن القول:الإحسان مردوده مضاعف، وله مناخات اجتماعية ودينية أكثر من الواجب، إلا أن ذلك يبقى في قدرة الإنسان على تبصير نفسه في اعتناق الإحسان بعد أداء الواجب؛ حسب الترتيب.
ومع أن الواجب تكلفته مرتفعة - ماديا ومعنويا - حسب الأمثلة أعلاه؛ إلا أن الإحسان يكون على العكس تماما، ويأتي تبسيط ذلك من خلال أن أداء الإحسان يظل نابعا من الشخص ذاته، ومن سماحته، وطيب نفسه، وهو المعبر عن رضاه عن نفسه قبل كل شيء، وهذا الرضا يهديه للآخرين من حوله بلا مقابل؛ على شكل صور كثيرة من البذل والعطاء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من حیث
إقرأ أيضاً:
بلاد الحرمين ومرحلة “ففسقوا فيها”
يمانيون../
ليست مستغرباً عن آل سعود كل هذا القدر من الفساد الأخلاقي، فهم أسرة يهودية الهوى والهوية وما خفي من إفسادهم أعظم بكثير مما أظهروه حتى اليوم، لكن الغرابة أن يتقبل سكان بلاد الحرمين ذلك المجون والكفر العلني، فعواقب الفتنة لن تقتصر على الذين ظلموا من آل سعود، بل ستعم كل بلاد الحرمين، كما شمل العقاب قوم ثمود قاطبة على جرم ارتكبه أشقاءهم بعقرهم لناقة صالح.
فالفساد والإفساد الأخلاقي لا يختلف كثيراً عن إفساد قوم لوط، باستثناء مجاهرة آل سعود بأكثر من العداء لله وللدين، ويكفي أن تجسيم الكعبة وطواف الراقصات حولها من الكفر المباح، ومن التحدي العلني لله، وعليه فإن سكان المملكة بين خيارين، إما رفض تلك الفتنة كما فعل كل الأنبياء والرسل من قبل، أو السكوت عنها والدخول فيها، وعندها لن يختلف حالهم عن حال الأمم الأخرى المكذبة بآيات الله ورسله.
وحتى يتفادى سكان بلاد الحرمين تداعيات الفتنة، وما يليها من التدمير والعذاب الإلهي، عليهم البراءة المطلقة من آل سعود، كلاً حسب استطاعته، وامتثالاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندما أمرنا بتغيير المنكر، وأضعف الإيمان أن يخرجوا عن ولاية أمر آل سعود ولو في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فالخروج عليهم بات واجباً وجوب الصلاة والصيام، ولا عذر لمن يرضى بهم، أو يبرر خيانتهم لله ورسوله.
ومهما تكن التضحيات فهي في سبيل الله، ولن يتغير الوضع القائم في السعودية بلا جهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وفي حال أعرض سكان بلاد الحرمين عن مسؤوليتهم، فإن العواقب أدهى وأمر، وسيتعرضون للعذاب الإلهي بأضعاف التضحيات المطلوبة منهم في السابق، ولكن بلا قيمة عند الله وبلاد جدوى في الواقع.
وعليهم أيضاً ألا يتخاذلوا عن واجبهم بسبب التثبيط الديني المواكب لإفسادهم الأخلاقي، فالوهابية ليست من الإسلام في شيء، وأقرب إلى سنن بني “إسرائيل” من سنة محمد، ويكفي أنها مهدت لكل هذا الإفساد بتقديسها للحكام، وبتحريم الخروج عليهم وإن زنوا ولاطوا.
فكل فتواهم تلك كانت لتأسيس هذا الواقع المضمحل، وبهم يبرر آل سعود خروجهم عن الدين ومحاربتهم له، ولولا علماء السلاطين في كل زمانٍ ومكان، ما تفشى الظلم والطغيان في بلاد المسلمين.
ومن لا يزال يشك أن الوهابية على دين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، فلينظر إلى موقفهم من الجهاد في غزة ولبنان، فموقفهم لا يختلف عن موقف حاخامات اليهود، وهذا يكشف لنا مصدر عقائدهم المنحرفة المناهضة للإسلام، فكل التحريف اليهودي عبر التاريخ يتجلى اليوم في مواقف عملية موالية لليهود، تماماً كما هو حال شيوخ الوهابية وآل سعود، ومن سار على نهج سلفهم الطالح، كابن تيمية ومستر همفر وغيرهم من أدعياء الدين والصلاح.
—————————
محمد الجوهري