في تصعيد بالغ الخطورة في سياق الحرب الاقتصادية الممتدة بين الولايات المتحدة والصين، أعلنت بكين عن استخدام واحد من أخطر وأهم أسلحتها الاقتصادية: المعادن النادرة.
هذا القرار الصيني لم يأتِ في سياق مناورة سياسية أو خطوة رمزية، بل يُعد تحولا استراتيجيا يعكس استعداد الصين للمواجهة المفتوحة مع واشنطن، وبالأدوات التي تؤلمها حقا.
فالمعادن النادرة -والتي قد لا يعرف الكثيرون أهميتها- هي مجموعة من 17 عنصرا كيميائيا تدخل في صميم الصناعات المتقدمة، من تصنيع المحركات الكهربائية والهواتف الذكية والطائرات المقاتلة والغواصات، إلى أنظمة الدفاع الصاروخي والطاقة المتجددة وحتى الذكاء الاصطناعي. بكين، التي تعمل على استخراج هذه المعادن منذ خمسينيات القرن الماضي، أصبحت اليوم أكبر منتج ومُعالج لها في العالم.
الصراع بين القوتين العظميين لم يعد مجرد خلافات تجارية أو منافسة على الأسواق، بل بات أشبه بحرب باردة جديدة، لكنها حرب تكنولوجية - صناعية بامتياز. كل طرف يُشهر أوراق قوته: الصين تُهدد بإغلاق صنبور المعادن النادرة، وأمريكا تُحاصر صناعة الذكاء الاصطناعي في بكين
وقد وصف الرئيس الصيني السابق دنغ شياو بينغ هذه المعادن وصفا دقيقا في عام 1992 حين قال: "الشرق الأوسط لديه النفط، أما الصين فلديها المعادن النادرة". واليوم، يبدو أن الصين قررت استخدام "نفطها التكنولوجي" لتعيد رسم موازين القوى العالمية.
الصين تُنتج اليوم ما يعادل 61 في المئة من إجمالي إنتاج المعادن النادرة عالميا، بحسب بيانات الهيئة الجيولوجية الأمريكية (USGS)، ولكن الأكثر إثارة هو أن بكين تتحكم في 98 في المئة من عمليات معالجتها وتنقيتها، وهي المرحلة التي تضيف القيمة الصناعية الحقيقية لهذه المواد.
في تموز/ يوليو 2023، فرضت الصين قيودا على تصدير عنصري الغالوم والجرمانيوم، الضروريين في صناعة أشباه الموصلات، قبل أن توسّع لاحقا هذه القيود لتشمل سبعة عناصر نادرة إضافية. هذه الخطوة شملت ضرورة حصول الشركات -سواء الصينية أو الأجنبية- على تصاريح حكومية لتصدير تلك المعادن، ما يعني عمليا وضع اليد الصينية على عنق الصناعات الأمريكية المتقدمة.
الأسبوع الماضي أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بفتح تحقيق في أسباب اعتماد الولايات المتحدة على الصين بشكل كبير في قضية المعادن النادرة، ولماذا تأخرت الولايات المتحدة حتى الآن في الاعتماد على نفسها في إنتاج ما تحتاجه من تلك المعادن.
الحقيقة أن ترامب محق في إجراء هذا التحقيق. الولايات المتحدة ليست فقط متضررة من هذه القيود، بل هي رهينة لها. بين عامي 2020 و2023، استوردت أمريكا نحو 70 في المئة من احتياجاتها من المعادن النادرة من الصين. وعلى الرغم من إدراك واشنطن لهذا الاعتماد الخطير، فإن محاولات تقليل هذه الفجوة تسير ببطء.
فبداية من عام 2020، خصص البنتاغون حوالي 439 مليون دولار لدعم بناء سلسلة توريد محلية لهذه المعادن، لكن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، بسبب القيود البيئية الصارمة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وصعوبة توفير عمالة رخيصة كما هو الحال في الصين.
حتى الآن، لا توجد بدائل قادرة على سد الفراغ الصيني. أستراليا وكندا تحاولان تطوير مناجم نادرة، إلا أن مرحلة المعالجة تبقى معضلة معقدة، لأن نقل التكنولوجيا والمعالجة خارج الصين ما يزال محدودا جدا.
الصين تعتمد على مجموعة من أوراق القوة، أولها واهمها انخفاض تكلفة العمالة بالمقارنة بالأسواق الأمريكية، أضف إلى ذلك أن عملية إنتاج واستخراج ومعالجة المعادن تستلزم قيودا بيئية ومناخية صارمة، وهو ما لا تلتزم به الصين بشكل كبير.
الرد الأمريكي.. من بوابة الذكاء الاصطناعي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ يدركان أن هذه المعركة ستحدد شكل النظام العالمي الجديد. والأخطر من كل ذلك أن المواجهة باتت بلا قواعد ولا حدود.. وكل الخيارات على الطاولة
واشنطن لم تصمت، فقد اختارت في المقابل الرد عبر أخطر الملفات الحساسة للصين: شرائح الذكاء الاصطناعي. فقد فرضت الإدارة الأمريكية قيودا مشددة على تصدير شرائح شركة Nvidia إلى الصين، خصوصا شريحة H100 وH20، التي تُعد أساسية في تشغيل الخوارزميات المتقدمة، لا سيما في شركات صينية مثل "Deep Seek" و"Alibaba Cloud".
هذه الخطوة أدت إلى خسائر مباشرة تُقدّر بـ5.5 مليار دولار لشركة Nvidia، لكنها كانت محسوبة ضمن استراتيجية أوسع لكبح جماح التطور العسكري الصيني، حيث تخشى الولايات المتحدة من تسخير هذه التقنيات في تطوير أسلحة ذكية ومنظومات قتالية مستقبلية.
الصراع بين القوتين العظميين لم يعد مجرد خلافات تجارية أو منافسة على الأسواق، بل بات أشبه بحرب باردة جديدة، لكنها حرب تكنولوجية - صناعية بامتياز. كل طرف يُشهر أوراق قوته: الصين تُهدد بإغلاق صنبور المعادن النادرة، وأمريكا تُحاصر صناعة الذكاء الاصطناعي في بكين.
هذا التصعيد المتبادل يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة، فإذا استمرت التوترات بهذا الشكل، فإن الاحتمال الكبير هو أن تنزلق المواجهة من حرب اقتصادية إلى صراع جيوسياسي صريح، خاصة في ملفات حساسة مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ يدركان أن هذه المعركة ستحدد شكل النظام العالمي الجديد. والأخطر من كل ذلك أن المواجهة باتت بلا قواعد ولا حدود.. وكل الخيارات على الطاولة، ولكن ما يبدو حتى الآن أن ترامب لا ينتصر على الصين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الصيني ترامب الصراع منافسة امريكا الصين منافسة صراع ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة المعادن النادرة الصین ت التی ت
إقرأ أيضاً:
تأثر الروبوت أوبتيموس بالقيود الصينية على صادرات المعادن النادرة
واشنطن - العُمانية: أفاد إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة تسلا أن إنتاج روبوتات أوبتيموس الشبيهة بالبشر تأثر بالقيود التي فرضتها الصين على المغانط المصنوعة من العناصر الأرضية النادرة.
وأضاف خلال مؤتمر عن بعد لإعلان الأرباح يوم الثلاثاء: إن الصين تريد ضمانات أن المغانط المصنوعة من العناصر الأرضية النادرة لا تستخدم لأغراض عسكرية، وأن شركة صناعة السيارات تعمل مع بكين للحصول على رخصة تصدير لاستخدامها.
وقال: "تريد الصين بعض الضمانات أن هذه المغانط لن تستخدم لأغراض عسكرية، وهذا هو الحال بالتأكيد. إنها فقط ستدخل في روبوت شبيه بالبشر"، مضيفا أنها ليست سلاحا.
وفرضت الصين هذا الشهر قيودًا على تصدير المعادن النادرة في إطار ردها الشامل على الرسوم الجمركية الأمريكية، مما أدى إلى تقييد إمدادات المعادن المستخدمة في صنع الأسلحة والإلكترونيات ومجموعة من السلع الاستهلاكية.
وقال محللون: إن قيود التصدير لا تشمل المعادن المستخرجة من المناجم فحسب، بل تشمل أيضا المغناطيس وغيره من المنتجات النهائية التي سيكون من الصعب استبدالها.
ويتعين على المصدرين الآن التقدم بطلبات إلى وزارة التجارة للحصول على التراخيص، وهي عملية غامضة نسبيًّا ويمكن أن تستغرق ما يتراوح بين ستة أو سبعة أسابيع إلى عدة أشهر.