#العقل_زينة
د. #هاشم_غرايبه
من حيث الفهم والإستعمال الأمثل للعقل، ينقسم البشر الى ثلاثة أصناف: الأول وهم العامة الدهماء، الذين هم ساذجون سطحيون لا يرون من الأشياء إلا ظاهرها فلا يستعملون عقولهم إلا لخدمة غرائزهم، والثاني: هم العقلاء العلماء أي يستعملون العقل للفهم والإستنباط وابتكار الحلول، أما الصنف الثالث فهم أولو الألباب الذين لا يكتفون بفهم المظاهر، ولا يتوقف عقلهم عند تعليل السبب، بل يبحثوا عن المسبب حتى في ما وراء الطبيعة.
للتوضيح: فلو كان هنالك جمهور يتابع سباق سيارات، أولئك الذين يتمثلون بالصنف الأول: سيكون اهتمامهم منصبا على معرفة الفائز، ويبدون حماساً له وإعجابا بمهارته، أما الصنف الثاني فهم فوق ذلك يفكرون في العوامل التي أدت الى نجاحه وهي قوة السيارة وسرعتها، فيكون اهتمامهم بتقنيات السيارة، واهتمامهم بمعرفة صانعها أكثر من سائقها، غير أن الصنف الثالث لا يتوقفون عند ذلك الحد بل يكون إعجابهم أكثر بمن صنع العقل الذي مكّن الصانع من التفوق وبمن أوجد قوانين الطبيعة وذللها لاستخدامات العقل.
العقل أداة نفيسة، فهي كمفتاح يفتح أبواب الفهم بلا حدود، أو يغلقها فيبقى الفهم سجينا لا ينفع أحدا ولا حتى صاحبه.
هذا هو تفسير النقيضين الإنفتاح والتعصب، ولذلك أمرنا من خلق العقل بالتفكر لتوسيع الآفاق، ونهانا عن التوقف عن ذلك الى إن نفهم آياته الفائقة التعقيد والباهرة في إحكامها ودقتها، لأن الفرق هائل بين إيمان من يخرّون على آياته صما وعميانا، وإيمان يتجدد وينمو كلما فهم مسألة جديدة من مسائل هذا الكون.
لذلك يحق للمرء أن يعجب كل العجب من أولئك الذين يقفزون عن فهم الآيات الماثلة أمامهم، ويطلبون الإجابة عن الأسئلة الختامية للمعرفة، من قبيل كيف خلق الكون ومن خلق من خلقه وما هي حدوده.
لقد جعل الله ثلاثا من آياته متاحة لتفكر العقل بها: الآيات القرآنية كمصدر للمعرفة، والآيات التكوينية وهي عجائب خلق الإنسان والكائنات كلها والقوانين التي تحكمها، والثالثة هي الآيات الكونية وهي الكرة الأرضية وقوانينها والكون الفسيح بأجرامه والنظام الدقيق الذي يحكم حركتها وعلاقاتها
الأوْلى أن يبدأ الإنسان بالمعرفة الإبتدائية أي في نفسه “وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون” [الذاريات:21].
لقد فهم الباحثون أن الجنين يبدأ بالتخلق من خلية واحدة، فتتوجه الخلايا الجديدة وجهات شتى لتكون أنسجة متباينة التركيب والوظيفة، منها انسجة عضلية وأخرى عظمية وأخرى شعرا أو جلدا أو دماغا ..الخ، ثم تتجمع معا لتكون أعضاء كالفم والمعدة والقلب والكبد ..، ثم تتآلف بعض الأعضاء معا وتتناسق لتكوين أجهزة كالجهاز الهضمي أو العصبي أو التنفسي ..الخ، لتؤدي هذه الأجهزة مهام محددة خير أداء وأكمله، لا تؤديه غيرها.
نال العلماء الذين فهموا ذلك التطور تقديرا كبيرا، رغم أن أيا منهم لم يقدم إجابة على التساؤل: ما الذي رتب كل ذلك وبهذه الدقة؟، ومن الذي ضبط الإيقاع بذلك التناسق فلم تخرج خلية عما هومرسوم لها، ولم يتقاعس عضو عن أداء دوره المكمل لأدوار غيره؟.
كيف تقبل ذلك العالم الفكرة الغبية بأن كل ذلك حدث بالصدفة؟، رغم أنه موقن أنه لا حدث بلا مُحدِث ولا فعل بلا فاعل.
اكتُشف حديثا مفهوم الخلايا الجذعية، وهي خلايا جنينية بنائية تكونت في بدايات تشكل الخلايا، في عمر 8 أسابيع، وتبشر بإمكانية استخدامها في اعادة بناء الأنسجة التالفة.
لو كان الباحثون من المسلمين أو على الأقل يعرفون القرآن لما تأخروا الى هذا الزمن، فقد وردت الإشارة الى هذه الخلايا في قوله تعالى: “مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ” [الحج:5]، فالمخلقة هي التي تحولت الى نسيج محدد، وغير المخلقة هي التي بقيت في المرحلة الجنينية قابلة للتحول الى أي نسيج، ولا شك ان الخالق هو من أبقاها كذلك الى أن يتقدم الانسان في العلم ويستفيد منها.
هكذا فهمنا معنى المضغة المخلقة وغير المخلقة ووظيفة كل منها، وهكذا أراد الله من هذا القرآن أن يقدم فهما أعمق كلما تقدمت معارف الإنسان، لذلك لا تقل آياته إبهارا للعقل عن آيات الله الكونية والتكوينية.
ولهذا اختص الله المتفكرين في آياته (أولي الألباب) بالتقدير، لأنهم كلما ازدادوا علما قالوا: “رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”. مقالات ذات صلة تاريخ القدس 2025/04/19
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: العقل زينة هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
صدمات الطفولة.. كيف تترك بصمتها في العقل والجسم؟
لا تمر مشاعر القلق أو الصدمات التي يختبرها الطفل مرورًا عابرًا، بل يستمر تأثيرها العقلي والنفسي والبدني حتى مراحل متقدمة من العمر، حيث قد تظهر اضطرابات في المزاج، والاكتئاب، وقد تصل إلى الإصابة بألزهايمر. لكن الأسوأ من ذلك هو أن هذه النتائج تتفاقم إذا لم يتم تلقي العلاج المناسب.
صدمات منذ اليوم الأول في الحياةيمكن للطفل حديث الولادة أن يختبر في يومه الأول بعد الميلاد ما يكفي من التوتر والأحداث المجهدة التي قد تصل إلى مرحلة الصدمة أو ما يُعرف بـ"التروما"، والتي تهدد الأطفال من عمر يوم واحد وحتى 18 عامًا. وبحسب وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، فإن أبرز أنواع الصدمات التي يتعرض لها الأطفال تشمل:
الإساءة أو الاعتداء النفسي أو الجسدي أو الجنسي. العنف المنزلي أو المدرسي أو المجتمعي. الحروب والكوارث الوطنية. فقدان الممتلكات أو النزوح. الفقدان المفاجئ أو العنيف لأحد الأحباء. تجارب اللجوء أو الحرب. الضغوط المرتبطة بعمل أحد أفراد الأسرة في المجال العسكري. الحوادث الخطيرة والأمراض التي تهدد الحياة. الإهمال والتجاهل والتعرض للتنمر.وهو ما يظهر في صورة علامات واضحة وعديدة على الطفل، تؤكد إصابته بالصدمة أبرزها:
إعلان شعور الأطفال في سنة ما قبل المدرسة بالخوف من الانفصال والكوابيس والبكاء أو الصراخ كثيرا مع ضعف الشهية. إصابة الأطفال في عمر المرحلة الابتدائية بالقلق، والشعور بالذنب والخجل وعدم التركيز، مع صعوبة النوم والانسحاب من المجتمع وعدم الاهتمام، مع عدوانية واضحة. إصابة الأطفال في عمر المدارس المتوسطة والثانوية بالاكتئاب وإيذاء النفس وتعاطي المخدرات وأيضا الانسحاب أو عدم الاهتمام أو اتباع السلوك المحفوف بالمخاطر والعدوان.في عام 2012، حاول مجموعة من الباحثين في البرازيل دراسة "تأثير ضغوط الطفولة على الأمراض النفسية" بصورة أعمق، تحديدا عبر التصوير بالرنين المغناطيسي، وقد أظهرت تقنيات التصوير العصبي العديد من التغيرات العصبية الهيكلية مثل:
انكماش الحصين وهو الجزء المسؤول عن الذاكرة في الدماغ، وأيضا انكماش الجسم الثفني وهي عبارة عن حزمة من الألياف العصبية تعمل على ربط نصفي الدماغ أحدهما مع الآخر وتبادل المعلومات. زيادة خطر الإصابة باضطرابات المزاج. زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب. زيادة خطر الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب. إمكانية الإصابة بالفصام. زيادة احتمالات إدمان المخدرات.وفي مقال علمي نشر بمجلة "السلوك البشري في البيئة الاجتماعية" عام 2018 أشارت الباحثة هيثر دي إلى العواقب السلبية طويلة المدى للصدمات المعقدة، تقول دي "تتسبب مثل تلك الصدمات في تغيرات عصبية حيوية تؤثر على نمو الإنسان وتسبب تغيرات كبيرة في وظائف المخ وهياكله المسؤولة عن الأداء الإدراكي والجسدي، فضلا عن أعراض جسدية وعقلية وعاطفية يمكن أن تستمر حتى مرحلة البلوغ".
مزيد من التأثيرات البدنية والنفسية والعقلية تظهر على الأطفال بوضوح عقب التعرض للصدمات أبرزها:
إعلان الشعور بالإجهاد البدني وأعراض جسدية مثل الصداع وآلام المعدة غير المبررة. تأثر القدرات المعرفية والعمليات العاطفية العقلية فتصبح أمور مثل حل المشكلات والتخطيط وتعلم معلومات جديدة، والتفكير وفق منطق فعال أمرا صعبا وغير ممكن. تدني احترام الذات والشعور بعدم القيمة والعار، والذنب واللوم المتواصل للذات والشعور بالعجز. صعوبة في إدارة العواطف التي تصبح مع الوقت عامرة بالخوف والقلق. تأثر قدرات الطفل على تكوين علاقات اجتماعية مع الأصدقاء أو مقدمي الرعاية أو المحيطين به بشكل طبيعي.الأطفال أكثر عرضة للتأثر بالأحداث المجهدة في حياتهم بسبب ضعف قدرتهم على التعامل مع التوتر. وقد ربط باحثون من معهد برشلونة للصحة العالمية -بالتعاون مع عدة مراكز أخرى- بين ضغوط منتصف العمر وصدمات الطفولة، وزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر نتيجة لارتفاع مستويات بروتين بيتا أميلويد، الذي يعد بروتينًا أساسيًا في تطور مرض ألزهايمر، بالإضافة إلى زيادة احتمالات الإصابة بالتهاب الأعصاب.
ويقول الباحث إيدر إرينازا أوركيو، أحد المشاركين في الدراسة، إن الاستجابة للتوتر تختلف بين الأفراد؛ ففي حين يتراكم بروتين الأميلويد لدى الرجال، تصاب النساء بضمور الدماغ. ويزداد الأثر بشكل أكبر لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الأمراض النفسية، حيث يتأثرون لاحقًا بانخفاض حجم المادة الرمادية في أدمغتهم مع تقدمهم في العمر.
هكذا تُجنب طفلك المعاناة مبكرا"لا يمكن تجنيب الأطفال الصدمات أو المعاناة، فهي خارج دائرة التحكم، كالمرض أو التعرض لمشاهد سيئة، أو الحوادث وغيرها". تحسم الأخصائية النفسية دعاء السماني الأمر مؤكدة للجزيرة نت "سوف يعاني الطفل ويتعرض للصدمات على طول الطريق، ولذلك جانب إيجابي فهي تساهم في تهذيب النفس، وتساعد الطفل على النمو وتكوين أساليب ومهارات أفضل للتكيف، لكن هذا مرهون بالطريقة التي يتم التعامل بها مع الطفل عقب الصدمات".
إعلانوتنصح السماني بإسعافات نفسية أولية إن تعرض الطفل لصدمة أو إجهاد نفسي شديد، تقول "في البداية ندع الطفل يتحدث بحرية عما حدث بطريقته، دون أسئلة تشعره بالتقصير أو أنه مسؤول عما جرى، أو أنه كان يمكن أن يتصرف بطريقة أفضل، التعافي من الصدمات يستغرق وقتا، يختلف من طفل لآخر بحسب شخصيته وطبيعة الصدمة التي تعرض لها، المهم ملاحظة سلوكه، والطريقة التي يتعامل بها مع من حوله، مادامت طبيعية فهو في طريقه للتحسن، أما إذا تأثرت حياته أو بدا عليه تغييرات فيجب اللجوء لمختص نفسي".