أشجار الزيتون حول البحر المتوسط في خطر محدق
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
على مدار آلاف السنين، ظل زيت الزيتون رمزا للحياة المتوسطية، تجده على موائد الطعام، ويعد مصدر رزق لملايين البشر في حوض البحر الأبيض المتوسط.
لكنه اليوم، يقف على شفا أزمة وجودية، حيث حذرت دراسة علمية جديدة، نشرت في مجلة "كوميونيكشنز إيرث & إنفيرونمنت"، من تهديد مزدوج وغير مسبوق يواجه أشجار الزيتون: الإجهاد المائي المتزايد وتراجع النشاط الشمسي الطبيعي، وكلاهما نتيجة لتغيرات مناخية عميقة تخرج عن النطاق المألوف.
تبدو هذه التغيرات، في ظاهرها، بعيدة ومعقدة، لكنها في حقيقتها تترجم إلى شيء بسيط وحاسم: شجرة الزيتون التي اعتادت أن تقاوم الزمن والجفاف، قد لا تتمكن من الصمود في وجه المستقبل القريب إذا لم نتحرك بسرعة. شملت الدراسة بلدانا متوسطية مثل فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا وتركيا وقرص، وإيطاليا، وإسبانيا.
اعتمد فريق دولي من الباحثين على تحليل سجلات حبوب اللقاح الأحفورية لأشجار الزيتون، الممتدة على مدار 8 آلاف عام. من خلال هذا السجل النباتي الطبيعي، تمكن العلماء من تتبع إنتاجية الزيتون عبر العصور وربطها بالعوامل البيئية طويلة الأمد.
وفي تصريحات للجزيرة نت يقول المؤلف المشارك في الدراسة "ديفيد كانيويسكي" – الأستاذ المشارك في قسم الأحياء وعلوم الأرض، جامعة تولوز في فرنسا: "معظم الدراسات تركز على تقلبات الطقس القصيرة، مثل موجات الجفاف المفاجئة أو الحرارة المرتفعة الموسمية".
ويضيف: "لكن ما نعرضه هنا هو دليل على وجود دورات مناخية طويلة -تشمل النشاط الشمسي- أثّرت في إنتاج الزيتون لآلاف السنين، وهذه الدورات مهددة الآن بالخروج عن نظامها المعتاد".
إعلانيشير الباحث إلى أن النتائج كانت واضحة: فترات الانخفاض في النشاط الشمسي تزامنت مع تقلص كبير في كمية حبوب اللقاح، وهو ما يعد مؤشرا مباشرا على ضعف الإزهار، وبالتالي تدني إنتاج الثمار. أصبحت هذه الأنماط التاريخية أساسا لفهم تأثير التغيرات المناخية الحديثة، وللتنبؤ بما قد يحدث في المستقبل القريب.
حددت الدراسة 3 ركائز رئيسية تعتمد عليها أشجار الزيتون في إنتاجيتها: التمثيل الضوئي، وتوفر المياه، والإشعاع الشمسي. ومع تطور نماذج المناخ الحديثة، أصبح من المرجح أن يتأثر كل من هذه العوامل سلبا خلال العقود المقبلة، خاصة في مناطق البحر المتوسط الجافة وشبه الجافة مثل إسبانيا، اليونان، تونس، ومصر.
يعد الضوء الشمسي محركا رئيسيا لعملية التمثيل الضوئي، وهي الآلية التي تحول من خلالها الأشجار الطاقة الشمسية إلى غذاء يخزن في الأوراق والثمار. ومع احتمالية دخول الشمس في دورة انخفاض نشاط تعرف بـ"الحد الأدنى الشمسي العظيم"، وهو ما حدث سابقا خلال "عصر الجليد الصغير"، ستقل كميات الإشعاع الشمسي المتاحة للأشجار بشكل ملحوظ.
عصر الجليد الصغير هو فترة مناخية باردة نسبيًا استمرت تقريبًا من القرن الـ14 حتى منتصف القرن الـ19، وشهدت انخفاضًا ملحوظًا في درجات الحرارة، خاصة في نصف الكرة الشمالي، ويعتقد فريق من العلماء أن انخفاض النشاط الشمسي ارتبط بذلك.
"أحد الاستنتاجات الأساسية من دراستنا هو أن الضوء مهم تماما مثل الماء" كما أوضح "كانيويسكي"، ويلفت إلى أنه مع انخفاض الإشعاع الشمسي، ستواجه أشجار الزيتون تحديات في الإزهار وتكوين الثمار. لا تتحدث الدراسة عن سيناريو مستقبلي بعيد، وإنما عن مشكلة بدأت تظهر تأثيراتها الآن بالفعل، وبشكل تدريجي لكنه ثابت.
التكيف ممكن لكنه ليس سهلايرى المؤلف المشارك في الدراسة "رشيد شدادي" -خبير المناخ في معهد علوم التطور في مونبلييه، جامعة مونبلييه في فرنسا- أن التكيف ممكن، لكنه ليس سهلا. ويوضح في تصريحات لـ"الجزيرة.نت" أن "استخدام الإضاءة الاصطناعية داخل البيوت الزجاجية غير واقعي على نطاق بساتين الزيتون المفتوحة، لأنها مكلفة للغاية. نحن نتحدث عن ملايين الهكتارات".
إعلانلكنه يقترح حلا عمليا: "بدلا من ذلك، يمكن اعتماد تقنيات إدارة ذكية لمظلة الشجرة، مثل التقليم المدروس الذي يضمن وصول الضوء لأكبر قدر ممكن من أوراق وفروع الشجرة."
كما يشير "شدادي" إلى أهمية تطوير أصناف زيتون تتحمل ظروف الإضاءة المنخفضة، وهي إستراتيجية طويلة الأمد لكنها واعدة، إلى جانب استخدام التغطية العضوية لتحسين احتفاظ التربة بالرطوبة، والكمبوست الطبيعي لتعزيز بنية التربة، ويضيف "نحتاج أيضا إلى تدريب المزارعين على هذه الأساليب، والاستثمار في البحث الزراعي من قبل الحكومات".
لا يقتصر خطر انخفاض إنتاج الزيتون على الدول المتوسطية الكبرى مثل إسبانيا وإيطاليا، بل يمتد إلى الدول التي بدأت مؤخرا في توسيع رقعة زراعتها للزيتون، مثل مصر. ورغم أن مصر ليست ضمن أكبر المنتجين عالميا، فإنها تراهن على التوسع في زراعة الزيتون ضمن خطط الاستصلاح الزراعي في الصحراء الغربية وشبه جزيرة سيناء.
لكن هذه الطموحات تواجه تحديات مناخية حقيقية، إذ إن الكثير من مزارع الزيتون الجديدة في مصر تقع في أراض هامشية، حيث المياه شحيحة، ونوعية التربة محدودة. إذا أصبح المناخ أكثر جفافا وانخفضت أشعة الشمس، فإن الإنتاج سيتأثر بشدة، وفقا لباحثين.
تهديد ثقافي واقتصادييلفت "كانيويسكي" إلى أن زيت الزيتون ليس مجرد محصول، لكنه تراث ثقافي، وأيقونة غذائية، ودعامة اقتصادية لنحو 6.7 ملايين عائلة في منطقة البحر المتوسط، وفقا للمجلس الدولي للزيتون. ومع تراجع الإنتاج، تتأثر سلاسل القيمة بأكملها، من المزارع إلى المعصرة، ومن المتجر إلى موائد المستهلكين.
في عام 2023، سجلت إسبانيا -أكبر منتج لزيت الزيتون عالميا- انخفاضا بنسبة 50% في إنتاجها بسبب الجفاف. وقد ترتب على ذلك ارتفاع الأسعار عالميا، وتضرر الصادرات، وزيادة الضغط على الأسواق المحلية في الدول المستهلكة. ويحذر الباحث المشارك في الدراسة من أن المستقبل قد يكون أكثر اضطرابا مما نتصور. "ما نحذر منه ليس خيالا علميا – نحن نشهد الآثار بالفعل. التغيرات في أنماط المطر، وموجات الحر، والانخفاض في الإنتاج كلها تحدث الآن".
إعلانيختتم "كانيويسكي" تصريحاته برسالة موجهة إلى صناع القرار في الدول المتوسطية والعربية: "نموذجنا يظهر ما قد يحدث إذا تركت الأمور على حالها. لكنه لا يقول إن الكارثة حتمية. لدينا الفرصة للتدخل -من خلال السياسات الزراعية الذكية، وتدريب المزارعين، وتمويل البحث العلمي- لإنقاذ قطاع الزيتون من كارثة بطيئة لكن قاتلة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أشجار الزیتون النشاط الشمسی المشارک فی
إقرأ أيضاً:
التدخين ما بقاش موضة.. لكنه لسه بيقتل.. من السجائر للبود سيستم| الخطر واحد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
رغم التحذيرات المتكررة، لا يزال التدخين من أكبر أسباب الوفاة عالميًا. الجديد بقى إن الخطر مش بس في السجائر التقليدية، لكن كمان في الأنواع الحديثة زي السجائر الإلكترونية، الليكويد، وأنظمة البود، واللي بقت منتشرة بين الشباب وحتى الأطفال في سن مبكر.
التدخين ما بقاش موضة
بحسب منظمة الصحة العالمية، التدخين مسؤول عن وفاة أكثر من 8 ملايين شخص سنويًا، من بينهم حوالي 1.3 مليون حالة بسبب التدخين السلبي. الكارثة إن الأطفال كمان مش في أمان. مجرد وجودهم في بيئة فيها مدخنين ممكن يعرّضهم لأمراض خطيرة زي الربو، التهابات الرئة، وأحيانًا مشاكل في النمو العقلي والجسدي.
التدخين السلبي.. الأطفال بيدفعوا التمن
التدخين السلبي بقى أزمة صحية حقيقية، خصوصًا في البيوت والأماكن المغلقة. الطفل اللي بيتعرض لدخان السجائر أو البود أو الليكويد، حتى لو مش بيدخن بنفسه، ممكن يصاب بأزمات صدرية مزمنة، وضعف في المناعة، وصعوبة في التنفس. وده بيأثر على تركيزه في الدراسة، ونموه الجسدي والنفسي على المدى الطويل.
التدخين الإلكتروني مش آمن.. ده بوابة خطر جديدة
رغم أن بعض الحملات التسويقية بتحاول تروّج للسجائر الإلكترونية والفيب كبدائل "أكثر أمانًا"، لكن العلم بيقول غير كده. استنشاق بخار الليكويد بيعرض الجسم لمواد كيميائية ضارة زي الفورمالدهيد والنيكوتين، واللي ليهم تأثير مباشر على الرئتين والقلب. ده غير إن أنظمة "البود" بتخلي استهلاك النيكوتين أسهل وأكتر، وده بيزود خطر الإدمان خصوصًا وسط الشباب.
دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA) سنة 2023، أكدت إن نسبة كبيرة من المدخنين الجدد في سن المراهقة بدأوا باستخدام السجائر الإلكترونية قبل اللجوء للتدخين التقليدي. والأسوأ إن كتير من الليكويد المتداول في السوق غير مرخّص، وبيحتوي على مكونات مجهولة بتسبب اختناق أو تلف في الرئة.
في مصر، حذّرت وزارة الصحة من انتشار منتجات التدخين الإلكتروني بين طلاب المدارس، بعد رصد حالات مشاكل تنفسية واختناقات، ودعت لفرض رقابة أشد على منافذ البيع ومنع الترويج لها في المدارس ومحيطها.
في النهاية، سواء كانت سيجارة عادية أو بود إلكتروني، الخطر واحد. وكل ما كان التدخين أقرب للأطفال أو المراهقين، كل ما كانت آثاره أعمق وأخطر. الحملات التوعوية ما بقيتش كفاية، ولازم يكون في رقابة وتشريعات أقوى لحماية الجيل الجاي من دخان بيخنق المستقبل.