مذابح معسكر الموت.. وصمت الحِملان!
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
* من المحزن أن لا تحظى الفظائع والجرائم المروعة التي ارتكبتها المليشيا الإرهابية في معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور بالاهتمام اللازم من الحكومة السودانية حتى بعد أن تبارى المجتمع الدولي ودول الإقليم في إدانة تلك الجرائم بلغةٍ صارمة.
* قتلت المليشيا آلاف المدنيين العزل في معسكر زمزم، وحرقت المعسكر ودمرته واغتصبت النساء وروعت الأطفال وقتلت الرجال والشيوخ وهجَّرت مئات الآلاف من قاطني المعسكر، فاضطر من بقوا على قيد الحياة إلى الفرار من المعسكر سيراً على الأقدام وعلى ظهور الدواب لمسافات طويلة، وروى الأطفال والنساء بدموع الدم شهاداتٍ مروعة عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها مليشيات آل دقلو الإرهابية بحقهم وحق ذويهم، حيث تم حرق مواطني المعسكر أحياءً والتمثيل بجثثهم، بذات النهج الإرهابي المتوحش الذي حدث لمواطني مدينتي الجنينة وأردمتا في ولاية غرب دارفور، عندما ارتكبت المليشيا جرائم إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً وجرائم حرب ودفنت أبناء قبيلة المساليت وهم أحياء، كما قتلت الوالي المغدور خميس أبكر ومرافقيه ومثلت بجثامينهم ودهستها بالسيارات ورجمتها بالحجارة وعلقتها في الأشجار في يومٍ أسود وحزين، لن يغفله تاريخ السودان الحديث.
* اليوم شاهدنا مقطع فيديو جديد لأحد قادة المليشيا المجرمة وهو يتوعد سكان معسكر (أب شوك) بالقتل والتشريد ما لم يبادروا بإخلاء المعسكر، وسط صمت محزن من الحكومة السودانية، التي تعاملت مع الفظائع المروعة التي ارتكبتها المليشيا في معسكر زمزم ببرودٍ صادمٍ ومحزن، ولم تعقد حتى مؤتمراً صحافياً تكشف فيه حقيقة الأهوال الكبيرة والجرائم المروعة التي حدثت تحت سمع وبصر العالم أجمع، وبإشراف مباشر من المجرم الإرهابي المتمرد عبد الرحيم دقلو، الذي ظهر في مقطع فيديو من داخل معسكر زمزم اعترف فيه ضمنياً بمسئوليته المباشرة عن تلك الجرائم الصادمة.
* استمر صمت الحكومة السودانية فلم تعقد مؤتمراً صحافياً لتكشف فظاعة ما حدث في (زمزم)، حتى بعد أن تبارت العديد من المؤسسات الأممية والدولية والإقليمية والعديد من منظمات حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة وعدد من الدول في إدانة الجرائم المروعة التي ارتكبها المتمردون في معسكر زمزم للنازحين.
* أمِن المتمردون العقاب فأساءوا الأدب، وها هم يجاهرون برغبتهم في تكرار جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في معسكر أب شوك، ويجب على الحكومة السودانية ممثلةً في المجلس السيادي وحكومة إقليم دارفور ووزارتي الخارجية والإعلام والقوات المسلحة ممثلةً في ناطقها الرسمي المبادرة بعقد مؤتمر صحافي تحضره كل وسائل الإعلام العالمية لتكشف فيه حقيقة الجرائم المروعة التي وقعت في معسكر زمزم وتحذر المليشيا من تكرارها في معسكر أب شوك، الذي يقطنه مئات الآلاف من النازحين العزل، وتطالب المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته ومعاقبة المليشيا الإرهابية وإلزامها بالكف عن قتل المدنيين وتهجيرهم وتنفيذ القرار الأممي الذي يقضي برفع الحصار عن مدينة الفاشر والكف عن مهاجمتها على الفور.
* أخرجت المليشيا لسانها للقرار الصادر من مجلس الأمن الدولي بخصوص مدينة الفاشر ورفضت تنفيذه واستمرت في محاصرة وتجويع ملايين المواطنين الأبرياء في مدينة عريقة، لم تجد من يأبه لأهلها المنكوبين.
* الفاشر الصامدة الأبية تنادي ضمير العالم الحر، وتطلب من المجتمع الدولي أن يتحمل مسئولياته وأن ينفذ قراراته وتعهداته لإنقاذ أهلها من الموت جوعاً وقصفاً بالمدافع الثقيلة والمسيرات المجرمة، أما سكان معسكر أب شوك فينتظرون من العالم أن يهب ليمنع المليشيا الإرهابية من أن تفعل بهم ما فعلته برصفائهم المنكوبين في معسكر زمزم.
* لا يجوز للحكومة السودانية أن تصمت عن المذابح التي وقعت في معسكر زمزم، ونتوقع منها أن تتحرك لتكشف للعالم الأهوال التي ارتكبها المتمردون في حق مئات الآلاف من أهالي المعسكر الذي تحول إلى رماد، ونتوقع منها أن تنظم مؤتمراً صحافياً تدعو فيه كل وسائل الإعلام العالمية وتكشف فيه حقيقة ما حدث، وتعرض خلاله روايات الناجين من المحرقة ليعلم العالم أجمع مقدار الجرائم والفظائع التي حدثت في زمزم، وتحذر المجتمع الدولي من السماح للمليشيا بتكرار تلك الفظائع في معسكر أب شوك.. ألا قد بلغت؟ اللهم فاشهد!
د. مزمل أبو القاسم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الجرائم المروعة التی الحکومة السودانیة المجتمع الدولی فی معسکر زمزم
إقرأ أيضاً:
التهجير من غزة: جريمة صامتة بأدوات ناعمة وصمت دولي
في الوقت الذي يتصدر فيه المشهد الدامي في غزة صور القصف والتجويع والمجازر، تدور في الخفاء حربٌ أخرى أقل صخبا، لكنها لا تقل فتكا: حرب التهجير. لا تستهدف هذه الحرب فقط بيوت المدنيين، بل توجه ضرباتها الممنهجة نحو العقول والخبرات، نحو الذاكرة الثقافية والهوية الوطنية، نحو مستقبل غزة.
أولا.. التهجير كحلقة ضمن مشروع الصهيونية المسيحية.
ما يجري من تهجير قسري وانتقائي في غزة لا يمكن فصله عن المخطط العقائدي- السياسي الأكبر الذي تتبناه قوى الصهيونية المسيحية، والتي تشكل العمق الأيديولوجي للسياسات الأمريكية والغربية تجاه فلسطين. هذا المشروع، الممتد منذ أوائل القرن العشرين، يسعى إلى تحقيق نبوءات دينية مزعومة ترتبط بـ"نهاية الزمان"، عبر سلسلة خطوات مترابطة:
1- تهجير الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، من القدس وغزة والضفة.
2- الاستيلاء الكامل على الأرض، وتحويلها إلى "أرض الميعاد" الخالية من "النجاسة".
3- تدمير المسجد الأقصى، وهو ما يتم التمهيد له عبر الحفريات المتواصلة.
4- إقامة "الهيكل الثالث" في موقع الأقصى، باعتباره شرطا لعودة المسيح.
5- اندلاع حرب كبرى (هرمجدون)، تُبيد خلالها الشعوب المسلمة والعربية.
6- نزول "المسيح المخلّص" بحسب العقيدة الإنجيلية-الصهيونية ليحكم من القدس.
وقد جاءت النكبة (1948) كنقطة الانطلاق، نكسة 1967 كمرحلة للسيطرة على القدس، حصار غزة (2006-2024) كوسيلة لخنق المقاومة وتجويع الشعب، العدوان الحالي (2023-2025) باعتباره الحلقة الأقرب لتنفيذ مخطط التهجير والإبادة.
ثانيا.. إن التهجير اليوم ليس مجرد "تداعيات حرب"، بل هو تنفيذ حرفي لجزء من المخطط العقدي- السياسي الذي تتبناه القوى المسيحية الصهيونية، ويتم بالتدريج، خطوة تلو الأخرى، تحت أعين عالم مشغول بـ"الإنسانيات الانتقائية".
ثالثا.. التهجير كسياسة إسرائيلية ممنهجة
منذ النكبة عام 1948، اعتمد المشروع الصهيوني على التهجير كأداة لبناء دولته، واليوم يتجدد ذات المشروع بأدوات أكثر تطورا. لم تعد المجازر وحدها وسيلة الطرد، بل أصبحت المعابر والسفارات وشعارات "الإجلاء الإنساني" ستارا لعملية اقتلاع ناعمة، تستهدف سكان غزة وبالأخص نخبها.
رابعا.. التهجير الجماعي بالقوة
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومع بداية العدوان على غزة، لجأت إسرائيل إلى تنفيذ تهجير واسع النطاق، عبر قصف منازل المدنيين فوق رؤوس ساكنيها، وتدمير المدارس والمستشفيات ودور العبادة، وتحويل شمال القطاع إلى "أرض محروقة"، وفرض حصار خانق على الجنوب، لإجبار الناس على التفكير في الرحيل الكامل.
خامسا.. التهجير الانتقائي للنخب
الخطير في المرحلة الحالية هو ما كشف عنه رئيس المرصد الأورومتوسطي، رامي عبده، حول وجود تنسيق بين السفارة الفرنسية لدى الاحتلال والجيش الإسرائيلي لتنفيذ عملية "إجلاء" سرية (23 نيسان/ أبريل 2025) تشمل حملة الدكتوراة، والأطباء والمهندسين، والمؤرخين ومختصي الثقافة والآثار.
تفاصيل العملية:
- وقت التنفيذ: فجرا، بهدوء تام.
- الموقع: وسط قطاع غزة.
- الآلية: حافلات تتجه إلى مطار رامون داخل فلسطين المحتلة.
- التغطية: "إنسانية" زائفة لتبرير التهجير أمام العالم.
سادسا.. تهجير تحت غطاء "الإجلاء الإنساني"
تمارس الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، عملية تهجير هادئة عبر إجلاء المرضى دون ضمان عودتهم، ومنح تأشيرات طارئة للنخب، وترغيب الأكاديميين بالخروج بـ"فرص مؤقتة"، والترويج أن "الرحيل مؤقت ريثما تهدأ الحرب".
لكن الحقيقة، أن هذا ترانسفير ناعم، هدفه إفراغ غزة من قادتها المستقبليين، ليتحول القطاع إلى منطقة مشلولة بلا كفاءات، ولا قدرة على النهوض.
سابعا.. أهداف هذا المخطط
1- تدمير البنية العقلية لغزة، بعد تدمير بنيتها التحتية.
2- قطع جذور الصمود والمقاومة الثقافية والفكرية.
3- منع أي مشروع إعادة بناء أو استقلال معرفي.
4- تمهيد الأرض لتسوية سياسية بشروط إسرائيلية، دون نخبة وطنية ترفضها.
سابعا: الموقف الدولي والعربي
الأمم المتحدة تغض الطرف، وتكتفي ببيانات القلق، والدول العربية، وخاصة مصر، تتورط بالصمت أو التسهيل، والسلطة الفلسطينية صامتة أو متواطئة في بعض الأحيان، في ظل غياب أي خطة لمواجهة التهجير.
ثامنا.. ما العمل؟
- تعرية الخطط الغربية تحت مسمى "الإجلاء".
- تعبئة الرأي العام الدولي بالحقائق الموثقة.
- إطلاق حملة قانونية وحقوقية لتجريم التهجير الانتقائي.
- تحفيز النخب داخل غزة على البقاء، باعتباره موقف مقاومة.
خاتمة: التهجير من غزة ليس حدثا عابرا، بل فصل جديد من فصول النكبة، يُراد له أن يُنفذ بأدوات "إنسانية" هذه المرة. لكنها جريمة كاملة الأركان، يجب أن تُواجه بالوعي والمقاومة والتوثيق، فبقاء العقول في غزة هو بقاء فلسطين نفسها.