آخرهم بريغوجين.. نهايات درامية لمعارضي الكرملين
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
"كان رجلاً موهوباً، رغم أنه ارتكب أخطاء".. بهذه الكلمات وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاغنر، الذي قضى بتحطم طائرة ركاب، الأربعاء.
بوتين كان قد اتهم حليفه السابق بـ"الخيانة" بعد أن تمرد عليه في شهر يونيو (حزيران) السابق، قبل أن يتراجع ويلجأ إلى بيلاروسيا بعد وساطة قادها ألكسندر لوكاشينكو.
وفي تقرير له، ستعرض موقع سي إن إن الأمريكي، شخصيات روسية عارضت الكرملين وكانت نهايتها الموت إما السقوط من النوافذ أو الشنق إضافة للتسمم والمشاكل الصحية، وكان آخرهم قائد فاغنر الذي مات بحادث تحطم طائرة.
بريغوجينبعد تمرده بشهرين، قالت السلطات الروسية إن بريغوجين، قتل برفقة آخرين من فاغنر بسقوط طائرته الخاصة شمال موسكو.
وقالت وكالة النقل الجوي الروسية إن بريغوجين "كان على متن الطائرة" التي سقطت، وما زالت التحقيقات جارية لمعرفة سبب سقوط الطائرة وكذلك تحليلات الـDNA للتأكد من هويات القتلى، بحسب تصريحات بوتين.
وأشارت سي إن إن إلى المعارض البارز بوريس نيمتسوف الذي قتل بالرصاص قرب الكرملين في فبراير (شباط)، قبيل يومين فقط من قيادته مظاهرات ضخمة كانت تخطط لها قوى المعارضة الروسية.
وبيريزوفسكي هو رجل أعمال روسي اتهم الكرملين بقتل ألكسندر ليتفينينكو، وحاول مساعدة أرملته في كشف الحقيقة، تم العثور على جثته في لندن عام 2013، مع حبل حول رقبته.
وكان بيريزوفسكي يعيش في المنفى، ولم يتمكن الطب الشرعي من تحديد ما إذا كان قد انتحر أو قُتل.
وجمع ثروته في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، وتخلى عن حياته المهنية السابقة كأستاذ رياضيات ومحلل أنظمة في موسكو من أجل مشاريع أكثر ربحية.
وفي حين أن جزءاً كبيراً من ثروته جاء من بيع السيارات الفاخرة، فقد ارتفعت ثروته ونفوذه السياسي بشكل كبير، عندما اشترى وسائل إعلام روسية.
ألكسندر بيريبيليتشنيكان ألكسندر بيريبيليشني ممولاً قدم أدلة على فساد ضد مسؤولي الضرائب الروس وغسيل أموال بمليارات الدولارات، توفي فجأة في عام 2012 عن عمر يناهز 44 عاماً بينما كان يركض عائداً إلى منزله في ساري، جنوب غرب لندن.
ظهر لأول مرة أن المبلغ عن المخالفات قد توفي لأسباب طبيعية.
ولكن في عام 2015، أخبر خبراء علم السموم النباتية من الحدائق النباتية الملكية في كيو محكمة الطب الشرعي، أنه تم العثور على آثار لسم نباتي نادر -الغلسيميوم- في معدته.. وبعد ذلك بعامين، كانت هناك اقتراحات بأنه ربما تم وضع السم في حساء الحميض، وهو طبق روسي شعبي تناوله قبل وقت قصير من وفاته.
لكن الشرطة قالت في وقت لاحق إنها لم تجد أي دليل على أنه مات مسموماً.
سيرغي ماغنيتسكيتوفي المحامي الروسي سيرغي ماغنيتسكي في أحد السجون الروسية عام 2009.
كان يعمل في شركة هيرميتاغ كابيتال، وهي شركة استثمارية يديرها الممول الأمريكي المولد بيل براودر، وساعد في الكشف عن عملية احتيال ضريبي بقيمة 230 مليون دولار وأدلة على تورط مسؤولين في الحكومة الروسية في تنفيذها، ومن ثم التستر عليها.
وبعد وقت قصير من إعلانه عن تلك الاكتشافات في عام 2008، تم القبض على ماغنيتسكي بتهم منفصلة تتعلق بالاحتيال الضريبي.
وتوفي بعد ذلك بعام، بينما كان لا يزال رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة.. وقالت عائلته إنه تم حجب الرعاية الطبية عنه، في حين وجد تقرير اللجنة الرئاسية الروسية لحقوق الإنسان أدلة على تعرضه للضرب في نفس يوم وفاته، وأكدت الحكومة الروسية أن ماغنيتسكي مات بسبب قصور في القلب.
ألكسندر ليتفينينكوجاسوس روسي سابق فارق الحياة عام 2006 بعد تسممه بالبلوتونيوم المشع في كوب من الشاي، خلال لقاء مع عميلين سابقين في الأجهزة الأمنية الروسية.
وكان ليتفينينكو صرح بأن جهاز الأمن الفدرالي الروسي خطط لسلسلة من التفجيرات في روسيا عام 1999 أسفرت عن مقتل المئات، وأدت إلى غزو روسيا للشيشان.
وقال التحقيق، الذي قاده القاضي روبرت أوين، إن بوتين "وافق على الأرجح" على مقتل الجاسوس السابق.
عرفت بوليتكوفسكايا كأحد أحد أبرز الأصوات المنتقدة لحرب روسيا في الشيشان، سقطت قتيلة بأربع رصاصات أمام شقتها في موسكو عام 2006، وهو العام نفسه الذي تم فيه تسميم الجاسوس الروسي ألكسندر ليتفينينكو.
وقالت محكمة مدينة موسكو إن رجلاً مجهول الهوية طلب من لوم علي غايتوكاييف، الذي وجدت هيئة المحلفين أنه العقل المدبر لعملية القتل، بقتل بوليتكوفسكايا مقابل 150 ألف دولار، بسبب تقاريرها عن انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا أخرى.
وتقول الشبكة الأمريكية إن قائمة الأشخاص المتوفين الذين قد يكونون فارقوا الحياة بسبب الكرملين يمكن أن تملأ كتاباً، إذ في نفس اليوم الذي يفترض أنه تم فيه قتل بريغوجين، أفادت وكالة "ريا نوفوستي" أيضاً بوفاة مؤخرة لجنرال سابق في جهاز الأمن الروسي.
الجنرال غينادي لوبيريف -الذي كان من المفترض أن لديه معرفة ببناء منزل بوتين على البحر الأسود- أدين بجرائم رشوة في عام 2017، وكان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 9 سنوات و8 أشهر.
وفقاً لوكالة "ريا نوفوستي"، خلال فترة احتجازه أصيب "فجأة بمرض" وتوفي في المستشفى في 16 أغسطس (آب)، وكان يدافع دائماً عن براءته من جميع التهم، ووصف معهد دراسات الحرب، الذي مقره واشنطن، وفاة لوبيريف بأنها "مشبوهة".
في مايو (أيار)، توفي نائب وزير العلوم والتعليم العالي الروسي، بيوتر كوتشيرينكو، 46 عاماً، أثناء عودته من رحلة إلى كوبا.
على الأقل، بحسب سي إن إن، توفي 13 رجل أعمال روسياً بانتحار أو في ظروف غامضة خلال العام الماضي، ومن بينهم ستة مرتبطون بأكبر شركتين للطاقة في روسيا، غازبروم ولوك أويل.
هل يعيد بوتين "ترتيب" أوراق فاغنر بعد وفاة بريغوجين؟https://t.co/N77FXp8yrR
— alialjaffaareio99 (@alialjafferi091) August 24, 2023ولوك أويل اتخذت موقفاً نادراً في العام الماضي بإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا علناً، ودعت إلى نهاية الصراع.
كما توفي رجل الأعمال الروسي السابق وعضو مجلس النواب بافل أنتوف في الهند في ديسمبر (كانون الأول) بعد أن سقط من الطابق الثالث في فندقه، وفقاً لشرطة الهند.. كما توفي صديقه ورفيق سفره فلاديمير بودانوف بسبب نوبة قلبية قبل يومين، في عيد ميلاد أنتوف الـ65، وفقاً للشرطة.
كان بودانوف في الـ61 من عمره وكان يعاني من حالة قلبية مسبقة، وأضافت الشرطة أنهم يعتقدون أن وفاة أنتوف كانت انتحاراً.
وتوفي ألكسندر بوزاكوف، رئيس إحدى أكبر الحوانيت الروسية المتخصصة في بناء الغواصات غير النووية، فجأة في ديسمبر (كانون الأول)، من دون أن يتم الكشف عن سبب الوفاة من قبل السلطات.
ليس جميع الذين يعارضون الكرملين يواجهون نهاية غير مألوفة، لكن العديد منهم في النهاية يجدون أنفسهم غير قادرين على مواجهة بوتين.
من بين أبرز هؤلاء هو زعيم المعارضة الروسية المسجون أليكسي نافالني، الذي يُعتبر صوت المعارضة الأبرز في روسيا ضد بوتين، حيث كان المحامي والسياسي والناشط في مكافحة الفساد ينظم لسنوات احتجاجات شعبية ضخمة، كما وصف حزب "روسيا الموحدة" الذي يقوده بوتين بـ "حزب اللصوص والغشاشين".
ظهر نافالني للعلن في عام 2008، عندما بدأ في كتابة مدونات حول الفساد المزعوم داخل الشركات الحكومية الروسية.. في عام 2011، ظهر كواحد من قادة الاحتجاجات الجماهيرية ضد "تزوير" الانتخابات.
تم اعتقال نافالني مراراً على مر السنين، في عام 2019، أشار إلى أنه قد يكون تعرض للتسميم أثناء الاحتجاز في الشرطة بعد أن نقل إلى المستشفى بسبب رد فعل تحسسي حاد، ولكن في أغسطس (آب) 2020، اشتبه بتعرضه للتسميم بواسطة غاز أعصاب سام يُعرف باسم "نوفيتشوك".. وتم نقله جواً إلى مستشفى ألماني لتلقي العلاج.
الكرملين نفى الاتهامات مراراً، حيث قال بوتين في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، إنه إذا كانت الأجهزة الأمنية الروسية تريد قتل نافالني لكانت قد "أنهت" المهمة.
وكشف تحقيق أجرته شبكة CNN بالتعاون مع "بلينغ كات" عن تورط جهاز الأمن الاتحادي الروسي في مؤامرة التسميم، وما زال نافالني معتقلاً منذ عودته إلى روسيا في يناير (كانون الثاني) 2021.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني فلاديمير بوتين أمريكا فی عام
إقرأ أيضاً:
قلق الوجود الروسي في ليبيا
قد يبدو أن انهيار نظام بشار الأسد في سوريا وزيادة التدخل الروسي في ليبيا ظاهرتان غير مرتبطتين. غير أن تحول روسيا نحو ليبيا هو رد فعل مباشر على سقوط بشار الأسد.
وفي حين أن هذا التحول يعكس القيود المفروضة على القوة الروسية، فإنه قد يزيد أيضا من المخاطر التي تهدد الأمن الأوروبي والإقليمي من خلال تركيز القوة الروسية بالقرب من الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، بما قد يسمح لروسيا باستغلال الانقسامات الإقليمية في ليبيا وأماكن أخرى.
في الوقت الراهن، تظل ليبيا مقسمة بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا والقائمة في طرابلس وبين الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي يسيطر على الشرق. وقد أتاح هذا الانقسام لقوى خارجية أن تستفيد من عدم استقرار ليبيا في تعزيز أجنداتها الإقليمية الخاصة.
وتشير تقارير حديثة إلى أن طائرة شحن روسية تغادر قاعدة حميميم بسوريا متوجهة إلى ليبيا. فعل هذا كان تعزيزا للوجود الروسي الراسخ في ليبيا من خلال مقاولين عسكريين من القطاع الخاص مرتبطين بالجيش الوطني الليبي.
وتشير صور أقمار صناعية لطائرات هليكوبتر من طراز Ka-52 وأنظمة S-400 مفككة إلى خطط روسيا لإعادة نشر معدات عسكرية رئيسية. ويحذر وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروسيتو من أن الانتقال من سوريا إلى ليبيا يضع قدرات بحرية معادية «على بعد خطوتين» من المجال البحري الإيطالي.
وسواء كان هذا انعكاسا لانتهاز فرصة أو كان بناء على خطة متماسكة، فإن تحركات موسكو - المدفوعة بنكسات وقيود على الموارد - يمكن أن تعيد تشكيل الأمن الإقليمي إلى ما يتجاوز المشهد الليبي الممزق.
تأتي إعادة التنظيم هذه على خلفية تقشف غربي غير مسبوق في جميع أنحاء أفريقيا. فانسحاب فرنسا قسرا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد والسنغال لا يمثل علامة فقط على انهيار الترتيبات الأمنية التي استمرت لعقود من الزمان، وإنما يتجاوز ذلك إلى تفكك كامل النظام ما بعد الاستعماري الذي نجح (برغم أوجه نقص) في ضمان استقرار المنطقة. كما أن رحيل أمريكا من النيجر أسهم في فراغ استراتيجي يبدو أن موسكو حريصة على استغلاله.
توفر ليبيا، بالنسبة لموسكو، منصة مثالية لإعادة تأكيد نفوذها الذي نوزع في سوريا. وكما حدث في سوريا، التي استغلت فيها موسكو وطهران الصراع لترسيخ وجودهما، فإن المشهد الليبي المضطرب يوفر الآن ملعبا للقوى الخارجية.
غير أنه في حين ضمنت سوريا الوصول إلى الممر الشامي وعتبة إسرائيل، تقدم ليبيا عمقا استراتيجيا في أفريقيا، بما يتيح لروسيا استعراض قوتها في منطقة الساحل. وفي سوريا، تركزت أهداف روسيا على دعم حليف محاصر. أما في ليبيا فإن أهدافها تعكس طموحات أوسع، وهي طموحات تجد أرضا خصبة بسبب المشاعر المعادية للغرب وبسبب الدول الهشة.
تسعى موسكو إلى وجود بحري دائم في البحر الأبيض المتوسط، وهو طموح قديم يتطلب الوصول إلى الموانئ على مدار العام والقدرة على نشر أصول بحرية، كما أنها تسعى إما إلى السيطرة أو النفوذ على مسارات العبور من ليبيا، ومن شأن ذلك أن يتيح لروسيا الضغط على أوروبا بشأن طرق الطاقة والبنية الأساسية الحيوية.
تنظر روسيا إلى ليبيا باعتبارها مرساة لمزيد من الترسيخ في منطقة الساحل، حيث يخلق الانسحاب الغربي والحكومات الضعيفة فرصا سانحة. ومن نفط ليبيا إلى ذهب السودان إلى يورانيوم النيجر، قد تغذي السيطرة على موارد شمال أفريقيا أهداف روسيا الأوسع نطاقا في استعراض قوتها.
وبسبب مركزية موقع ليبيا الجغرافي، تتضخم قيمتها الاستراتيجية. وليبيا تتيح نفوذا متعدد الاتجاهات: شمالا نحو أوروبا، وجنوبا نحو منطقة الساحل، وغربا عبر المغرب العربي. وتفرض هذه المركزية الجغرافية تعقيدات تشغيلية تخفف قدرة روسيا على الوصول. وتشكل المساحات الصحراوية الشاسعة تحديات لوجستية.
غير أن محض الوجود الروسي المحدود في شرق البلد يوفر نفوذا كبيرا على الطرق الحيوية في البحر الأبيض المتوسط وعبر الصحراء الكبرى. وتوضح هذه الاعتبارات الاستراتيجية السبب الذي يجعل ليبيا أكثر من محض بديل للنفوذ المتلاشي في سوريا، بل إنها قد تكون أرض اختبار جديدة لموسكو.
وبسبب قيود روسيا (ومنها تحديات التجنيد والتزامات القوة في أوكرانيا) فقد يبدو المشهد الليبي المنقسم جذابا. فضلا عن أن فقدان الجسر الجوي السوري يجعل تأمين وتوسيع موطئ القدم الروسي في ليبيا أهم للحفاظ على عمليات موسكو الأوسع نطاقا في أفريقيا.
خلافا لسوريا، التي احتفظت فيها روسيا بعمليات نشر عسكرية باهظة التكلفة، تتيح ليبيا لموسكو فرض نفوذها من خلال مزيج من المقاولين العسكريين من القطاع الخاص، وإمدادات الأسلحة المستهدفة، والنفوذ السياسي - وهو نموذج أكثر ملاءمة لروسيا في ظل القيود الحالية المفروضة عليها.
في الوقت الراهن، تحافظ موسكو وأنقرة على توازن دقيق بين التنافس والتعاون التكتيكي في ليبيا. وعلى النقيض من العداء الصارخ في الحرب السورية، فإن المنافسة في ليبيا أكثر تحفظا وبرجماتية، وتعتمد إلى حد كبير على وكلاء وأصول عسكرية للحفاظ على النفوذ دونما مخاطرة بمواجهة مفتوحة.
تدعم مجموعة فاجنر الروسية الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، بينما تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بالطائرات المسيرة والمستشارين. وتعمل هذه الديناميكية على تعزيز «الاضطراب الموجه» – أي السيناريو الذي يمنع فيه كلا الجانبين تحقيق انتصارات حاسمة، بما يضمن عدم تمكن أي من الفريقين من الانفراد بالهيمنة على الممرات الاستراتيجية في ليبيا.
غير أن هذا التنافس، بالنسبة لروسيا، قد يخدم أكثر من محض أغراض استراتيجية، فقد يمثل فرصة لتسوية الحسابات مع تركيا بعد تفوقها عليها في سوريا.
كما أن التحول الروسي نحو ليبيا يؤثر على جيران ليبيا في شمال إفريقيا مثل الجزائر وتونس اللتين تشتركان في الحدود مع ليبيا بما يجعل لهما مصلحة مباشرة في النتيجة.
ويبدو أن مواقف تونس والجزائر بشأن القضايا الإقليمية الرئيسية متوافقة بشكل شبه كامل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الدعم القوي من الجزائر لإدارة قيس سعيد. وتجسد الجزائر تعقيد الوضع الإقليمي. ففي حين أن لديها علاقات عسكرية عميقة وتحالفا حيويا مع موسكو، فقد أعربت أيضا عن مخاوف من الحشد العسكري الروسي المتزايد في ليبيا. غير أن هذه الخلافات التكتيكية لم تقوض الشراكة الاستراتيجية الروسية الجزائرية الأوسع نطاقا، إذ تظل راسخة في التعاون العسكري التقني المكثف ومكانة الجزائر بوصفها من أكبر زبائن الأسلحة لدى موسكو.
ومع ذلك، فإن آثار الوجود الروسي في ليبيا لا تقتصر على المنطقة، فالآثار بالنسبة لأوروبا شديدة الوضوح أيضا. إذ إنه بوسع القوات الروسية العاملة في ليبيا أن تضع أسلحة متقدمة وقدرات تخريبية على مسافة قريبة من البنية الأساسية الأوروبية الحيوية. ومن شأن هذا أن يعرض الطرق البحرية والكوابل دون البحرية وممرات الطاقة للتعطيل.
وتتضاعف هذه المخاطر بسبب الانسحابات العسكرية الغربية من منطقة الساحل، حيث أنشأت كيانات مرتبطة بمجموعة فاجنر موطئ قدم لها بالفعل. وثمة تستفيد هذه الكيانات من احتياطيات الذهب السودانية مع دمجها لنفسها في هياكل السلطة المحلية.
ونتيجة لتدهور الأمن، توسعت العمليات المتطرفة الإقليمية، بما أدى إلى خلق أزمات متداخلة يمكن أن تستغلها موسكو في تحقيق نفوذ اقتصادي ودبلوماسي.
ومع ذلك، تظل نقاط الاشتعال قائمة. فإذا نشرت روسيا أنظمة دفاع جوي متقدمة، أو إذا عمقت تركيا بصمتها العسكرية بشكل كبير، فإن التحول الناتج في ميزان القوة في ليبيا قد يؤدي إلى صراع بالوكالة أكثر كثافة تترتب عليه عواقب إقليمية أوسع.
ويتوقف التأثير النهائي لإعادة الترتيب الروسية في اتجاه ليبيا على قدرتها على التوفيق بين المصالح المتنافسة. فالبيئة في ليبيا أكثر تشظيا من البيئة في سوريا، مما يخلق بيئة محفوفة بالمخاطر يمكن أن تكون للأفعال الدقيقة فيها عواقب وخيمة. والمنطقة مليئة بالفعل بالفاعلين الخارجيين، وقد تجرها خطوة خاطئة واحدة إلى دورة أعمق من التدخلات الخارجية.
ويتبين من تحول روسيا من سوريا إلى ليبيا كيف يمكن حتى لقوة مقيدة أن تشكل تحديات إقليمية كبيرة. فانخراط موسكو الأكثر مرونة في ليبيا يعزز قدرتها على استغلال نقاط الضعف وسط انسحاب غربي تاريخي من أفريقيا.
ولقد أصبحت ليبيا منصة إطلاق لموسكو لتوسيع نفوذها في منطقة الساحل، وتهديد البنية الأساسية الاستراتيجية في أوروبا، ورفع مكانتها العالمية.
والتحدي الذي يواجه الولايات المتحدة وحلفاءها يتمثل في احتواء الطموحات الروسية مع تجنب المزيد من التفتت في شمال أفريقيا. وفي حال ترسيخ روسيا مكانتها في ليبيا دونما معارضة، فإنها ستخلق مشكلات لأوروبا في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
لا شك أن المخاطر كبيرة، فبوسع خطوات خاطئة في إدارة المقامرة الروسية في ليبيا أن تبشر بعصر جديد من التنافس في البحر الأبيض المتوسط، وهو هذه المرة على مسافة قريبة من أوروبا.
أمين غوليدي، عمل زميلا زائرا في معهد شيلبي كولوم ديفيس للأمن القومي والسياسة الخارجية التابع لمؤسسة هيريتيج، ويعد حاليا الدكتوراه في الجغرافيا السياسية والأمن في كلية الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج لندن.
عن ذي ناشيونال إنتريست