صحيفة الاتحاد:
2025-04-24@11:31:43 GMT

المجتمع.. حامي الموروث وسارد القصص

تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT

محمد عبدالسميع
لا اختلاف على أنّ المجتمع هو غاية التنمية، بمفهومها الشّامل، وبمفهومي الثقافيّ أيضاً، وما تقوم به دولة الإمارات العربيّة المتحدة من تأكيد لهذه الرؤية، وقد سارت فيها شوطاً بعيداً، فانعكست آثارها على تفكير الفرد والعائلة والمجتمع بعمومه، هو عملٌ مهم وتفكير استراتيجي.
لكنّ الإمارات اليوم تزيد من إبداع هذا التفكير وهذه الرؤية، بأن تجعل من المجتمع نفسه سارداً قصصه وموروثه ومشاركاً فاعلاً في أرشيف الدولة بمجموعها، من التراث والقصص والحكايات وكلّ التراث، طُموحاً لأن يقول الناس ما لديهم، فينسجون تراثهم الذي ساروا عليه، ويكون الأرشيف التراثي بأقلامهم وبأنفاسهم، وهي مبادرة ذكيّة في عصر متسارع التكنولوجيا والتقدّم والتقنيات الرقميّة، ومع هذا، لا تنسى الدولة أن تظلّ على إيمانها بإرثها المجتمعي وقصص العائلات وأشعارها وحكاياها وأمثالها وأناشيدها وكلّ ما يتعلق بهذا التراث الغنيّ، ومن الطبيعي أنّ من يشارك في هذا العمل من مواطني الدولة، سيعمل بكلّ طاقته وفاعليّته لهذا الأرشيف الوطنيّ، بناءً على عنصر الحريّة المتاحة، وإبراز دور المجتمع المدني لمساندة الجهات الرسميّة في الدولة، في كتابة الموروث واستعادته والتذكير به.


اليوم، في دبيّ، كأنموذج إماراتي على التقدّم وبلوغ المؤشرات العالية في الريادة والإنجاز، تتجلّى هذه الرؤية من خلال مبادرة «إرث دبي» المهمّة، والتي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وتعمل على اتجاهين متكاملين، هما: إرث المكان، والتفاعل المجتمعي.
وتضطلع إمارة دبي، في هذه المبادرة، بأن تحفظ إرث المكان، باعتبار المكان من وجهة نظر ثقافيّة واجتماعيّة هو بذكرياته وناسه المحطات الأولى للإبداع الإنسانيّ، وحين تفتح دبي لكلّ هذه الذكريات والحسّ الإنساني الإماراتي الأصيل أبواب الكتابة والتعبير المجتمعي، عبر منصّة رقميّة، ساعتها نكون قد جمعنا خير الكنوز التراثيّة البشريّة، وخير التحوّل الرقمي والتقدّم التكنولوجي الذي يشهده العالم، فأمسكنا بتراثنا وحفظناه ورسّخناه، وبقينا على تواصل مع تقنيات الثورة التكنولوجيّة وآفاقها، بمعنى آخر جمعنا ما بين الأصالة والحداثة، حين طوّعنا المنصّات الرقميّة لاحتضان ما نكتبه ونستعيده ونستذكره ونقدّمه للأجيال التي عليها أن تفرح بالتراث كما هي تفرح بالتقدّم الرقميّ وقنوات ومنصّات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعيّ، بل تظلّ على يقين بقيمة التراث والأصالة والجذور والقيم والخصال المجتمعيّة، والتي هي بالتأكيد متضمّنة في هذه المذكرات والمغامرات والقصص الإنسانيّة، التي يكتبها الروّاد عن المكان الإماراتي ويؤرشفون بها لحياة كاملة وبدايات وإصرار وعزيمة وظروف صنعت كلّ هذا التقدّم الإماراتي الذي نعيش.
عنصر مساند
وتشتمل دبي، كما هي كلّ الإمارات، على ما يسوّغ ويبعث على الإحساس بالفخر بالتراث، والذي هو أشبه بكنز من اللهجات والحكايات والوقائع والسير والأمثال والفنون، وهي خطوة أولى للأرشفة الوطنية الكاملة للتراث الإماراتي، وقد تمّ أرشفته بجهود الدولة، ولكن، هذه المرّة يدخل عنصر مساند هو المجتمع في كتابة هذا الموروث، وذلك أدعى لأن يُنسب إلى قائليه والمتحدثين به ومستعيديه من الرواة والحفظة والمعمرين والمجايلين.
وبالتأكيد، فإنّ كلّ ذلك سيكون مقنناً من خلال لجان عاملة، لاستصفاء المعلومات وتحقيقها والتثبّت منها، وهي لجان موضوعيّة وضروريّة، لاعتماد هذه الإسهامات المجتمعيّة وتوفيرها في النهاية للناس والقرّاء والمشاهدين والمستمعين، عبر وسائل الإعلام الصحفية والإذاعية والتلفزيونية والبرامج التوعوية والوثائقيّة وفي الندوات والمحاضرات والمؤتمرات ذات العلاقة.
ويمكن أن يتوسّع هذا العمل باتجاه إشراك الأجيال الجديدة الشابة في الجمع والتوثيق والتدوين والأخذ عن الآباء والحفظة والرواة، نحو توفير أكثر من مكنز تراثي، ويمكن أن نشرك أيضاً طلبة المدارس والجامعات والناشطين في هذا المشروع الوطني الرسمي والمجتمعي، فتكون عمليات الجمع الميدانيّة ولجان الفرز والاستصفاء والتثبّت والاعتماد، متكاملة في نشاط يظلّ مستمرّاً ويؤتي أكله في كلّ حين، بل ويقدّم لضيوف الإمارات من الأشقاء والأصدقاء كتعبير ناصع عن عمق الرؤية الثقافيّة في العناية بالتراث وقراءته وتأكيد حضوره.
البيئة الحاضنة
والميدان دائماً هو محلّ الإبداعات فيما يتعلق بالتراث، وهو البيئة الحاضنة لكلّ مفردات الناس وأساليب عيشهم، وستكشف لنا العمليات الأولى من هذا العمل الميداني كم هي ممتعة عملية جمع الموروث من صدور الحفظة والرواة، وكم هو جميلٌ تبويبه وتصنيفه، وإخراجه على الناس والمهتمين والباحثين، إذ وجدت هذه المبادرة مباركة مجتمعيّة وأكاديمية، حين يطيب للراوي مثلاً أن يتجلّى في الاستذكار والتعبير والوصف وسرد الذات والمكان وظلال هذا المكان من قصص وحكايات وشخصيّات، وهي فرصة كبيرة لأن يبدع الناس ما عاشوه مع المكان، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة ويعرفها المهتمون بدراسة التراث المحكي وتراث القصائد والأشعار والسير الذاتية، وكذلك سيرة المكان وتوثيق شخصياته وتطوّره، لتغدو المقارنة بين الأزمان والمحطات والمراحل موضوعاً شائقاً ويفتح الكثير من منافذ النظر والربط بين الأشياء والتفاصيل نحو نظرة كليّة لهذا المكان المليء بالحركة، والذي يؤكّد أنّ هذا البلد ضاربٌ في جذور التاريخ، تدلّ على ذلك المكتشفات الأثرية وعمليات التنقيب وبحوث العاملين في هذا المجال، بل وقرّاء الأدب الإنساني التفاعلي للناس مع بيئاتهم الصحراوية والريفية والزراعية والبحرية والجبليّة، وكيفية تكوّن المدن وازدهارها وبداياتها، وهو ما ننتظره من خلال هذه المبادرة الذكيّة تحت عنوان «إرث دبي».
مبادرات مهمّة
إنّ استنفار الباحثين والمؤسسات الحكوميّة والقطاع الخاص، بما عُرف عن القطاع الخاص من مبادرات مهمّة وفاعلة، واستثمار العمل الإلكتروني الذي سهّل علينا الكثير من عمليات التبويب والتصنيف والطباعة والأرشفة، يستند في الواقع إلى تسويق هذه المبادرة والترغيب بجدواها وأثرها المجتمعيّ وثمارها الوطنيّة، وتسجيل التراث أو جمعه أو التحقق منه أو أمانة نقله وتوخّي الروايات الدقيقة منه، جميعها مفردات مهمّة وضرورية على الباحث وكلّ هذه المؤسسات إدراك ضرورتها وأهميتها وهي تسير في ردّ الأحاديث إلى أصحابها والروايات إلى رُواتها والأشعار إلى قائليها، بل والقصص التي تنتقل إلينا جميعاً بدلاً من أن تظلّ في صدر الراوي وعائلته، فلا تجاوز هذا النطاق أو تتعداه، لكنّها حين يتمّ توسيعها تكون الفائدة أكبر بكثير، حينها نكون قد ضمنّا الحصول على هذه المواد التراثية، ليكون التفكير بعد ذلك في كيفيّة تقديمها للآخرين واعتمادها لدى منظمات العالم المعنيّة بالتراث ومفرداته.
توقيت ذكي 
توقيت مبادرة «إرث دبي» ذكي ومدروس، حيث تزامن إطلاق المبادرة مع انطلاق شهر الابتكار الإماراتي، بما فيه من فعاليات تؤكّد قوّة التصميم في الإضافة الثقافية النوعيّة التي تنتهجها الدولة بما يتماشى مع رؤية القيادة الرشيدة وتوجّهاتها، والعناية بالإنسان الإماراتي كصانع لهذا الابتكار والتطوير، ولهذا فإنّ مبادرة إرث دبي ضمن مسار التفاعل المجتمعي، تحمل رؤية القيادة الرشيدة في أنّ الإمارات دولة تبحث عن الجديد، كما أنّ أفراد مجتمعها هم المحرّك الأساس في التقدّم والنجاح والدخول في المضامير الجديدة للتنمية، وكذلك التعليم المستمر، والذي هو وقود هذا المحرّك الذي يقود وطننا إلى الأمام.
وختاماً، فإنّ المبادرة يمكن أن تكون مخرجات أعمالها وموادها التراثيّة المجموعة من الميدان والناس، والمبوّبة والمصنّفة عبر لجانها العاملة، محمولةً إلى العالم كلّه، إن نحن قمنا بترجمة هذه المخرجات إلى أكثر من لغة، وهو اقتراح له ما يبرره بعد ما رأيناه من اهتمام عالمي بالموروث الثقافي والشعبي الإماراتي، ومن احترام منظمات العالم الإنسانية والتراثية لتراث دولة الإمارات العربية المتحدة، وما تشتمل عليه من بنية ثقافية تراثيّة في كلّ أرجاء الدولة.

أخبار ذات صلة %19 نمو مبيعات السيارات في الإمارات «موانئ دبي» تستحوذ على 26% من سوق شحن الحاويات في الهند

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: دبي الإمارات التراث حمدان بن محمد الثقافة هذه المبادرة إرث دبی

إقرأ أيضاً:

جمعية الإمارات تنظم معرض «إبداع ذوي الإعاقة» لتعزيز اندماجهم

محمد ياسين

تحتفي دولة الإمارات بـ«اليوم العالمي للابتكار والإبداع»، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة في 21 إبريل، للارتقاء بدور الإبداع والابتكار في جميع المجالات. والإمارات نموذج عالمي في الابتكار، واستطاعت بجهودها المتنوعة، استقطاب المبتكرين والمبدعين، وتحقيق قفزات ملموسة وريادية، حتى أصبحت من أوائل دول المنطقة والعالم في مؤشر التنافسية.
وتستهدف «جمعية الإمارات للإبداع»، بخططها وبرامجها ومبادراتها، تعزيز الإبداع والابتكار، وتشجيع المبدعين ودعمهم، والارتقاء بنشر هذه الثقافة مجتمعياً، انعكاساً لاستراتيجية حكومة دولة الإمارات، لتوفير بيئة جاذبة لهذه المواهب من الإماراتيين والمقيمين.
وتهدف الجمعية التي أشهرتها وزارة تمكين المجتمع عام 2016، إلى تعزيز مسؤوليتها وتنفيذ رؤيتها الهادفة إلى احتضان المبدعين والمبتكرين، وتوفير منصة تفاعلية تعزز قدراتهم ومهاراتهم، وتساعدهم على تطوير أفكارهم ومشاريعهم. وتأتي جهود الوزارة في تمكين القطاع الثالث ودعمه، ليكون قوة فاعلة ومستدامة، وشريكاً أساسياً في التنمية المستدامة، لتعزيز العمل المجتمعي، ما يتيح له ممارسة دوره بفاعلية في خدمة المجتمع.
واحتفاء بـ «اليوم العالمي»، تنظم الجمعية، بالتعاون مع جامعة الشارقة في السادس من مايو 2025، ملتقى ومعرض «الإمارات لإبداع ذوي الإعاقة»، الذي سيقام تحت شعار «ذوو إعاقة مبدعون – إبداع وتمكين ذوي الإعاقة.. آفاق جديدة نحو مجتمع شامل ومستدام»، للإضاءة على قدرات أصحاب الهمم، وفتح الآفاق أمامهم لتحقيق طموحاتهم، وتعزيز اندماجهم عناصر فاعلة ومؤثرة في المجتمع.
يذكر أن الجمعية حققت خلال العام الماضي 2024 عدداً من الإنجازات، شملت تنظيم 33 فعالية متنوعة، بالتعاون مع الشركاء، تضمنت فعاليات ومسابقات وبرامج وأنشطة إبداعية، تحفز على الابتكار في مختلف المجالات، وتنفيذ مشاريع إبداعية تعكس الهوية الوطنية، وتكرس مكانتها مركزاً عالمياً للابتكار.
وللجمعية دور محوري في عدد من المبادرات الوطنية، مثل مشاركتها في مشروع تصميم الخمسين عاماً القادمة، حيث أدت دوراً محورياً في رسم ملامح المستقبل بالاستفادة من الإبداع قوةً دافعةً نحو التنمية المستدامة، وأحدثت هذه الفعاليات أثراً مجتمعياً إيجابياً كبيراً.
و«جائزة سفير التواصل الاجتماعي» التي نظمتها الجمعية لدورتين، إحدى أهم المبادرات التي حققت أثراً مجتمعياً ملموساً، لتعزيز قيم الهوية الوطنية والمواطنة الإيجابية والإبداع والابتكار، حيث تستهدف رفع مستوى الوعي لدى مؤثري مواقع التواصل، في دولة الإمارات ودول الخليج العربي وصنّاع المحتوى والأفكار الابداعية.
كما تنظم الجمعية سنوياً مجلساً رمضانياً، يضيء على أهم الأحداث والأنشطة والخطط الوطنية لدولة الإمارات. وتناول مجلس هذا العام «العمل الخيري وتمكين المجتمع»، حيث سعت الجمعية إلى تعزيز ثقافة العطاء والتكافل، والإضاءة على أهمية العمل الخيري في بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً.

مقالات مشابهة

  • «جمعية المناعة الذاتية».. الأولى في الوطن العربي والرابعة عالمياً
  • كبار المواطنين: «بركتنا» تعكس حرص القيادة على جودة حياتنا
  • مكتوم بن محمد: مبادرة «كوادر الإمارات العالمية» تمكن الشباب الإماراتي من التأثير الدولي
  • الشيخة فاطمة: مبادرة «بركتنا» تعكس رؤية الإمارات في بناء مجتمع مستدام
  • محافظ جنوب سيناء: الرئيس السيسي وجه بالحفاظ على المواطنين في سانت كاترين وهوية المكان
  • جامعة الإمارات تكرّم أصحاب الخدمة المميزة تقديراً لعطائهم
  • وزير سوداني متسائلا: هل الشعب الإماراتي يوافق على تصرفات حكومته ببلادنا؟
  • الدبيبة: حكومتي تحافظ على الموروث الوطني
  • نهيان بن مبارك: مصفوت أحد المواقع المهمة في «حدائق التسامح»
  • جمعية الإمارات تنظم معرض «إبداع ذوي الإعاقة» لتعزيز اندماجهم